تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ...)
ومازالت الآيات تبين عظيم القدرة الإلهية، حيث يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا [النور:43]، والإزجاء هو الدفع، وقد نسمع أحياناً إنساناً يقدم له فيقول: بضاعتي مزجاه، وهذه كلمة مأخوذة من سورة يوسف، ومعنى مزجاة: مدفوعة، والبضاعة المزجاة هي التي لا يقبلها أحد، فكلما عرضتها على تاجر يعتذر ويمتنع عن القبول، ويقول: اذهب إلى فلان فلعله يقبلها. فهذا معنى قولهم: بضاعة مزجاة، فالإزجاء هو السوق والدفع.
فالله تعالى يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا [النور:43] فتسوقه الملائكة بواسطة الرياح، ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ [النور:43] وقد كان قطعاً، والقطعة من السحاب تسمى قزعة، ثم يجعله متراكماً بعضه فوق بعض.
قال تعالى: فَتَرَى الْوَدْقَ [النور:43] أي: المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ [النور:43]، ويلحظ هنا تكرار (من) ثلاث مرات، وكلها جارة، ولكلٍ معنى، فـ (من) في قوله: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ [النور:43] لابتداء الغاية.
و(من) في قوله: مِنْ جِبَالٍ [النور:43] للتبعيض.
و(من) في قوله: مِنْ بَرَدٍ [النور:43] لبيان النوع والجنس.
قال تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ [النور:43] أي: يصيب بالبرد وبالمطر وبالصواعق.