الراعي النميري
صالح المغامسي
تستوقفني أمام هذه الشخصية الشاعرية الأموية حالان:
الأولى: الإعجاب بنبله وبعده عن الأثرة، وسعيه في مجد قومه، وبذل وجهه لهم، دون أن يرجو لنفسه عطاء، ويتمثل ذلك في وفادته على عبد الملك بن مروان، إذ إنه لما أنشد عبد الملك قصيدته الدالية، قال له عبد الملك: فتريد ماذا؟ قال: ترد على قومي صدقاتهم، فقال عبد الملك: هذا كثير، قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت، فسلني حاجة تخصك، قال: قد قضيت حاجتي، قال: سل حاجتك لنفسك، قال: ما كنت لأفسد هذه المكرمة. وأما الحال الأخرى: فإنني أقف متأملا أمام سوء حظه كيف تعرض لجرير، فكان ما كان من هجاء جرير له ولقومه، إذ قال الرواة: إن جريرا التقى الراعي النميري وقد مر على بغلة له، وخلف الراعي ابنه جندل راكبا مهرا، فلما استقبله قال جرير: مرحبا بك يا أبا جندل، إن قولك يُستمع، وقد بلغني أنك تُفضل عليّ الفرزدق تفضيلا قبيحا، ثم قال له : «كان يكفيك أن تقول إذا ذكرنا: كلانا شاعر كريم، فلا تحمل منه لائمة ولا مني»، وهنا لحق به ابنه جندل، فضرب عجز بغلته ثم قال: أراك واقفا على كلب بني كليب كأنك تخشى منه شرا، أو ترجو فيه خيرا.
كل ذلك وما بعده دفع جريرا أن يقول بائيته الشهيرة التي فيها:
فغضّ الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا ثم غدا بالقصيدة على مجلسهم بالمربد فلم يسلم، ثم قال للراعي: أبعثتك نسوتك تكسبهنّ المال بالعراق؟ والذي نفس جرير بيده، لترجعنّ إليهنّ بما يسوؤهن، ثم اندفع ينشد القصيدة حتى فرغ منها، فقال بعض من معه: هذا شؤمك وشؤم ولدك جندل، ثم انطلقوا إلى ديارهم، فلما بلغوها كان قول جرير قد سبقهم في أهليهم. فتأمل هذين الحالين وقارن بينهما، عندها يدرك المرء أنه ينبغي للحر أن ينظر جيدا في العواقب. والحافظ الله.