روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
09-01-17, 11:52 PM | #1 |
09-01-17, 11:52 PM | #2 |
كتاب الله العزيز أعظم المعجزات، وأكبر الآيات، أنزله تبارك وتعالى سليماً من الاعوجاج والخلل، معافى من أي نقص، فاستحق الحمد جل شأنه على ما أنزل. ثم قرر حقيقة هي من أجل الحقائق ومن أعظم البراهين وهي أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وقد أعظم الفرية من قال بهذا؛ لأنه لا يملك في حوزته دليل على مثل هذا الشيء. وأخبر جل في علاه عن فتية في غابر الزمان آمنوا بربهم ففروا بدينهم إلى كهف ليستحيل بعد ذلك إلى حصن منيع، فآواهم ربهم فيه أعظم الإيواء، ورعاهم برعايته، وحرسهم بعينه التي لا تنام.
|
|
09-01-17, 11:53 PM | #3 |
القضايا التي عنيت بها سورة الكهف وسبب نزولها
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: سنشرع -بإذن الله تبارك وتعالى- في تفسير وتوضيح وبيان محاسن التأويل في سورة الكهف، ونحن بدراستنا لسورة الكهف نأخذ نوعاً من الانتقاء، فما مضى من الدروس كان يعنى بقصار السور، ومعلوم أن هذا البرنامج أو هذا اللقاء العلمي المبارك، إنما يعنى بتفسير القرآن بحسب ترتيب نزوله قدر الإمكان، ولا نعلم ضابطاً يضبط كل ما أنزل حسب ترتيبه لكننا -كما قلنا- حسب الإمكان العام، وحسب ما تبين لكثير من أهل العلم، وقد مضى القول في سورة (اقرأ) و(المدثر) و(القلم) و(الضحى) و(المسد) (والشمس وضحاها) ثم ننتقل اليوم إلى سورة الكهف. وسورة الكهف مكية باتفاق إلا آيتين منها اختلف فيهما، لكن الأظهر أن جميع السورة مكية، هذه السورة من التلاد القديم، وفق تعبير عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو أحد كبار الصحابة الذين أخذوا القرآن رطباً من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآراؤه في القرآن قوية معتبرة أكثر من غيره؛ لأنه كان يأخذ القرآن من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله في ذلك أقوال تبين رسوخ قدمه في علم القرآن. سورة الكهف عنيت بعدة قضايا، ومن أجلها بلا شك: موضوع العقيدة، وهذا شأن السور المكية كلها، لكن عندما نقول: أن موضوع العقائد هو شأن السور المكية لا يعني ذلك أن السور المدنية لم تعنَ بالعقائد، وإنما المقصود: أن السور المكية قلما يكون فيها تشريع، والسور المدنية تعنى بالعقائد كذلك وهي محتوية على تشريع؛ لاستقرار الإسلام ووجود المجتمع المسلم والدولة الآمنة التي يمكن إجراء الأحكام الشرعية على أفرادها. يقال في سبب نزول أول سورة الكهف: أن قريشاً بعثت إلى يهود تسألهم عن النبي الذي خرج عندهم ومن بين أظهرهم، وكانت قريش تقول لليهود: إنه فقير يزعم أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يتيم.. إلى غير ذلك، وكانوا يذكرونه بأوصافه التي يرون أنها معيبة ومنقصة، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون فيه شيء من ذلك. فقالت لهم اليهود من باب الإرشاد: سلوه عن فتية ضاعوا في الزمن الأول، وسلوه عن ملك طواف، وسلوه عن الروح، فإن أجاب عنها فهو نبي وإلا فهو رجل يتقول، فلما عاد ذلك البعث القرشي إلى مكة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن: فتية ضاعوا في الزمن الأول، وعن ملك طواف، وعن الروح، فأجاب القرآن عنها في هذه السورة. |
|
09-01-17, 11:55 PM | #4 |
سبب تسميتها بسورة الكهف
سميت بسورة الكهف؛ لذكر اسم الكهف فيها، قال جل شأنه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا [الكهف:9]، لكنها تعرضت لجملة من القضايا العديدة غير قصة أصحاب الكهف، لكن القرآن -كما بيناً- أحياناً يسمى بالقضية الأشهر في السورة، والله جل وعلا يتعرض لقصة أصحاب الكهف في القرآن الكريم وإنما ذكرها في هذه السورة فقط، نظيره في القرآن قصة يوسف، فإن الله لم يتعرض ولم يذكر في القرآن قصة يوسف بالتفصيل كما جاء في سورة يوسف، وإنما جاء ذكر يوسف كنبي فقط في سور متعددة كما في غافر وكما في الأنعام وغيرهما، وهذا نظيره سورة الكهف. جاء في فضلها أنه يستحب قراءتها في يوم الجمعة، كما جاء في فضلها: (أن من قرأ أولها -في رواية أخرى- أن من قرأ أواخرها حفظ من فتنة الدجال)، وقد قال العلماء في بيان العلة في هذا: أن هؤلاء الفتية منّ الله عليهم بالوقوف أمام ملك جبار طاغية، فكان من قرأ أوائل سورة الكهف التي تذكر خبرهم جعل هذه القراءة سبباً في العصمة من الدجال ، فـالدجال نظير ذلك الطاغية في الزمان الأول وقراءة سورة الكهف نظير الأخذ بالسبب الذي فيه عصمة من فتنة الطغاة. من فوائد السورة: أنها تبين أن أحوال المؤمنين تختلف، فإذا كانت العصبة المؤمنة لديها قدرة على محاربة أهل الإشراك، والعدد شبه متكافئ والقوة شبه متقاربة فإنه يتأكد الجهاد في حقهم، أما إذا كان هناك بون شاسع ما بين الفئتين فلا يتأكد الجهاد، إلا أن يكون هناك أمر رباني بعينه، لكن الأصل أنه لا يتأكد الجهاد، وفي هذه الحالة فإنه يحسن الفرار، وليس الفرار هنا هو الفرار من الزحف، ولكن الفرار بالدين، والفرق بين الأمرين هو أن هذا الفرار ما يسمى بالهجرة أو الاعتزال، لكن بعض العلماء كما صنع السيوطي رحمه الله في الإكليل أبعد النجعة، فجعل أن مجرد وجود الفساد داع إلى العزلة وهذا غير صحيح، ولا يسلم بهذا الإطلاق؛ لأن الفساد لا يخلو منه زمان، لكن الإنسان ينظر إلى الأمر بجملته، وينظر إلى قدراته على التكيف مع الأمر، وإلا فإن الفساد لا يخلو منه زمان ولا مكان، وقد كان حتى في عهد النبوة شيء من ذلك، هذا المستسقى الأول من معين هذه السورة، ولعلنا إذا دخلنا في طيات التفسير يتضح لنا أشياء أكثر من ذلك. |
|
09-01-17, 11:56 PM | #5 |
تفسير قوله تعالى: (الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ...)
قال الله جل وعلا في فاتحتها: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1]، وهذه السورة واسطة العقد في خمس سور افتتحها الله جل وعلا بحمد ذاته العلية، وهي سورة الفاتحة وسورة الأنعام، الواسطة الكهف، ثم سبأ، ثم فاطر، ولا يوجد غيرهن في القرآن افتتحها الله جل وعلا بحمده. قال ربنا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1] وجه الربط ما بين حمده جل وعلا وثنائه على ذاته العلية وما بين إنزال القرآن يستبين منه أولي النهى: أن إنزال القرآن من أعظم النعم، ولذلك ذكر الله جل وعلا الحمد في هذه السورة، فالرب الذي أنزل على عباده القرآن العظيم هداية للطريق الأقوم مستحق جل وعلا للحمد والثناء، وفيه بيان شرف وفضل ورفيع القرآن. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1]، العبد هنا المقصود به: النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق، (والكتاب): الألف واللام في الكتاب للمعهود الذهني، المراد به القرآن العظيم. (أنزل)، وهنا لابد من مبحث علمي؛ لأنه سيتكرر كثيراً، وعلى كل طالب علم إذا ضبط المسائل بجملة، وعرف طرائقها فإنه يستريح كثيراً في تفسير الآيات. والإنزال في القرآن ورد مطلقاً وورد مقيداً، مع اتفاق السلف على أن المراد بالإنزال أنه يكون من أعلى إلى أدنى، وقلنا: إن الإنزال في القرآن ورد مطلقاً وورد مقيداً، وسنأخذ التقييد ثم نعرج على المطلق؛ لأن المطلق سنحيله بعد ذلك على المقيد. فقد ورد الإنزال مضافاً إلى الرب تبارك وتعالى بمعنى أن يقال منزل من عند الله، وهذا لم يرد في كلام الله الإنزال على أنه من عند الله إلا في ذكر إنزال القرآن، قال الله جل وعلا: تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] فهذا إخبار أنه منزل من عند الله، وقال جل وعلا: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ [النحل:102]، وقال جل ذكره: تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:80]، فأخبر جل وعلا أنه منزل من عنده، بنعته وبقوله جل وعلا، وهذا التقييد الأول، ولم يرد إلا في القرآن، أنه منزل من عند الله. التقييد الثاني: أن يخبر أنه منزل من السماء: والسماء اسم جنس لكل ما علا، فقد أخبر الله جل وعلا عن أشياء أنها منزلة من السماء، قال الله جل وعلا: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [البقرة:22] والمقصود بالسماء هنا: السحب، بدليل قوله جل وعلا: أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ [الواقعة:69]، وبدليل قوله سبحانه: وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا [النبأ:14]. ومما أخبر الله جل وعلا أنه من السماء: العذاب، قال الله جل وعلا: فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ [البقرة:59] فأخبر الله جل وعلا: أن الرجز من السماء. ومما أخبر الله أنه أنزل من السماء قوله جل ذكره: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [الإسراء:95] فأخبر الله جل وعلا أن الملائكة تنزل من السماء، ولا ريب أن السماء في الرجز، والسماء في الملائكة، والسماء في الماء تختلف كل بحسبه لكن المقصود أن تفقه أن الإنزال في هذه الآيات مقيدة، لكنه لم ينسب أنه من عند الله، فلم ينسب الله جل وعلا شيئاً أنه من عنده إلا القرآن، وهذا التقييد. الإطلاق: هو أن الله يذكر الإنزال ولا يذكر جهته، أو لا ينسبه إلى شيء معين، ومنه قول الله جل وعلا: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25]، وقوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6]، فهنا لم يخبر الله جل وعلا من أين نزل، فيقال فيه: أن كل شيء بحسبه. والإطلاق يحمل على المقيد الذي أخبر الله جل وعلا أنه من عنده، فالإطلاق الذي لم يذكر الله عز وجل فيه جهة النزول يحمل على التقييد الذي فيه أن إنزال القرآن أخبر الله أنه من عنده. فقول الله جل وعلا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [الكهف:1-2] ولم يخبر الله عن جهة الإنزال، ومثله قول الله جل وعلا: تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:80]، وقوله: تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] إلى غيرها مما ذكرناه آنفاً. من هنا: نفهم ونعتقد ما كان يعتقده سلف الأمة من قبل وهو: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، اتفق السلف على هذا وأجمعت الأدلة عليه، وخالف في ذلك البعض من أصحاب الفرق الضالة لكن لا عبرة بخلافهم. هذا معنى الإنزال، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا [الكهف:1-2]، تعلمون يقيناً أن هناك سكتة ما بين (عوجا) وما بين (قيما)، والسكتة وجدت لسبب مهم جداً، وهو أن الله قال: (لم يجعل) هذا نفي أنه لم يجعل له (عوجا)، لكن الله جعل القرآن (قيما) فلو قرأناها من غير سكتة لأوهم هذا أن يفهم أن القرآن لا عوجاً ولا قيماً، وهذا ليس مقصود كلام الله، وإنما المقصود نفي العوج، وليس المقصود نفي أنه قيم. قال الله جل وعلا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا [الكهف:1-2]، فـ(عوجا) مفعول لـ(يجعل)، وجملة: (ولم يجعل له عوجا) الجملة الفعلية كلها: حال من (الكتاب)، وكذلك (قيما) حال آخر، حال ثانٍ من (الكتاب). إذاً: وصف الله جل وعلا الكتاب بحالتين: أنه أنزله على حال ليس بها عوج، وعلى حال أنه قيم، وهنا تفقه لماذا وجدت هذه السكتة اليسيرة ما بين (عوجا) وما بين (قيما). وقد خالف في هذا الزمخشري رحمه الله لكن نفيه لهذا الأمر غير صحيح؛ لأن تعدد الحال نطق به القرآن، قال الله جل وعلا: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا [الأعراف:150] فذكر الله حالين لموسى عندما رجع إلى قومه، قال الناظم: والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم أو غير مفرد (والحال قد يجيء ذا تعدد) يعني: يكثر من حال، (لمفرد) يعني: يكون صاحبه مفرداً، (فاعلم أو غير مفرد) أي: قد يكون صاحبه غير مفرد، والشاهد من البيت صدره وهو: أن الحال يأتي متعدداً. وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1] أي: أن القرآن العظيم لا خلل في نظمه ولا تنافٍ في معانيه، بل إنه يدعو إلى الحق وإلى عدم العوج. |
|
09-01-17, 11:57 PM | #6 |
تفسير قوله تعالى: (قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ... ماكثين فيه أبداً)
قَيِّمًا [الكهف:2]: اختلف فيها، والأظهر أن معناه: مهيمن على الكتب كلها، ثم بين الله قائلاً: لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [الكهف:2]. الإنذار: هو الإعلام المقترن بالتخويف والتهديد، فإذا كان غير مقترن بتخويف أو تهديد فلا يسمى إنذاراً وإنما يسمى إعلاماً، وعلى هذا فإن كل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذار. لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:2] كلمة (بأس) وردت في القرآن على ثلاثة معانٍ، وردت بمعنى: اللأواء والشدة والتضييق، ومنه قول الله جل وعلا: مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ [البقرة:214]، ووردت بمعنى: العذاب، وهو صريح آية الكهف التي بين أيدينا: لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [الكهف:2] ونظيره قول الله جل وعلا في سورة غافر: فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] والمقصود: عذاب الله، وتأتي بمعنى القتال والمعركة، ويدل عليه قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب: وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:18] أي: أنهم لا يشهدون المعركة إلا ليروك وجوههم ثم ينصرفون، ومعنى البأس في آية الأحزاب: القتال واحتدام المعركة، وفي آية سورة الكهف معنى البأس: هو العذاب، لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:2]. والفعل (أنذر) ينصب مفعولين: ذكر الله جل وعلا واحداً منهما وهو العذاب، ولم يذكر المعذبين، وسيأتي بعد ذلك: أن الله ذكر المعذبين ولم يذكر العذاب. لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:2]، (شديداً): للتأكيد، وإلا كونه من عند الله، يكفي هذا قرينة على أنه شديد. فلما ذكر الله الإنذار لأهل الكفر، ذكر البشارة لأهل الإيمان، فقال جل ذكره: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [الكهف:2]، والأجر المذكور يحتمل خيري الدنيا والآخرة، لكن وجدت قرينة تدل على أن المقصود: الآخرة، وهي قول الله جل وعلا: مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [الكهف:3]، ومعلوم أن أجر ونعيم الدنيا لا خلود فيه، ولا يعني هذا أنه ليس لهم أجر في الدنيا، فقد جاء هذا في آيات أخر، لكن قوله جل ذكره: مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا [الكهف:3]، قرينة على أن المقصود به: الأجر الأخروي. وهذا يدفع طالب العلم إلى ألا يستعجل في التفسير حتى يقرأ الآية المراد تفسيرها كاملة حتى يستبين له من القرائن المصاحبة لما يريد تفسيره، ويتضح مراد الله جل وعلا من قوله. |
|
09-01-17, 11:58 PM | #7 |
تفسير قوله تعالى: (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً)
قال تعالى: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [الكهف:4]، هنا ذكر الله جل وعلا المعذبين المنذرين ولم يذكر العذاب، فعكس الأولى. المخاطب بهذه الآية كفار قريش بشكل خاص، لكن الذين نسبوا لله الولد -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- هم ثلاث طوائف: اليهود والنصارى ومشركو العرب. اليهود والنصارى جمعهم الله جل وعلا في آية واحدة وهي قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، وأما مشركو العرب فقد جعلوا الملائكة بنات لله، قال الله جل وعلا: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57]، وكلمة (سبحانه) في آية النحل تسمى عند البلاغيين: إطناب، أي: زيادة، لكنها زيادة محمودة؛ لأن المقصود منها تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به. |
|
09-01-17, 11:59 PM | #8 |
تفسير قوله تعالى: (ما لهم به من علم ولا لآبائهم ...)
قال تعالى: مَا لَهُمْ [الكهف:5] نافية، بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ [الكهف:5] ليس لهم به علم؛ لأنه أصلاً غير موجود، ولا يتعلق العلم إلا بشيء موجود، العلم لا يتعلق إلا بشيء موجود، فلما نفى الله العلم عنهم كان هذا من باب اللزوم، ونفي الوجود، وإنما المسألة عندهم مسألة تقليد، يتبع آخرهم أولهم ويقلد آخرهم أولهم على غير بينة ولا برهان. قال سبحانه: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5] ليس المقصود بـ(كلمة) هنا كلمة واحدة أو مفردة، وإنما المقصود جنس الكلام، وهذا دلّ عليه القرآن في أكثر من موضع، قال الله جل وعلا: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:99-100] وهو قال جملة كاملة. (كَبُرَ) جاء الماضي هنا بضم الباء، وإذا استخدمت هذه الكلمة للكلام عن العمر فإن الباء تكسر، وإذا كان الكلام عن غير العمر فتضم الباء سواء في الماضي والمضارع، تقول: كَبُر يكبُر، بمعنى يعظم الشيء السن. وهنا لا يتكلم الله عن عمر ولا عن سن ولا عن أمد زمني، وإنما يتكلم عن فظاعة ما قالوه، (كبرت كلمة)، أما في الكلام عن السن فيقال في الماضي: كَبِرَ، بالكسر، وفي المضارع: يكْبَر، بالفتح، قال المجنون : تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ولم يبد للأتراب من ثديها حجمُ صغيرين نرعى البهْم يا ليتَ أننا إلى اليوم لم نَكْبَرْ ولم تَكْبَرِ البهم وهو يقصد المرحلة الزمنية وامتداد العمر، والمجنون : هو قيس بن الملوح أحد الشعراء المعروفين، وإنما يذكره المفسرون هنا؛ لأن كلامه مما يستشهد به؛ لأنه في الحقبة التي يؤخذ منها كلام العرب، وقد جاءت حقبة لا يستشهد بكلام شعرائها، فمثلاً لا يُستشهد بقول المتنبي ، أو قول أبي تمام ؛ لأنهما متأخران، لكن ما كان قبل المائة عام، أو مائة وثلاثين فإنه يُستَشهد بكلامهم، وهذا يحتاجه طالب العلم، وسيأتي الاستشهاد بكثير من شعر العرب، وهذا أصل في تفسير كلام الرب تبارك وتعالى. قال الله: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5]، وقول الله جل وعلا: (من أفواههم) دلالة على أن هذا الأمر ليس له أصل في قلوبهم، ولم يحرروه على بينة وبرهان؛ لأنه أصلاً لا يوجد وإنما تتلقفه الأسماع، وتقوله الأفواه، ولا أصل له قطعاً. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5]، وتكذيبهم فيما قالوه ذكره الله جل وعلا في أكثر من موضع، قال الله تبارك وتعالى: فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ [الصافات:148-149]، إلى أن قال سبحانه: وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الصافات:152] أي: فيما زعموا. |
|
10-01-17, 12:00 AM | #9 |
تفسير قوله تعالى: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم ...)
قال تعالى: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، (لعل) الأصل فيها أنها للإشفاق والترجي، لكنها في هذه الآية بمعنى النهي، فينهى الله نبيه ألا يُذهب نفسه حزناً على هؤلاء القوم؛ لأن هذه الأمور تجري بقدر الله، ولا يوجد أحد بيده هداية الخلق كلهم والله جل وعلا قد ذكر أن الخلق لن يُهدى كله، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، فلا ينبغي أن يتقطع الإنسان حسرات على أمور أخبر الله جل وعلا أنها ستكون، فثمة أمور لا يستطيع أحد تغييرها ولا تبديلها، وسنة الله جل وعلا ماضية فلا مجال لأن تحزن فيصيبك الأسى ويغير طبعك ويثبط شأنك، هذه الأمور، وقد مضت ووقعت، ولا سبيل إلى تغييرها، قال تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]. |
|
10-01-17, 12:01 AM | #10 |
تفسير قوله تعالى: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ... صعيداً جرزاً)
قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا [الكهف:7]، أي: زينة للأرض من الأشجار والثمار وغيرها مما يدل على وجود الله. لِنَبْلُوَهُمْ [الكهف:7] أي: نأمرهم، فنبلوهم، فتكون هذه الآيات التي على الأرض قرينة لصحة ذلك الأمر، وإلا نفس ما على الأرض لا يكفي بأن يكون ابتلاءً، ونظيره قول الله جل وعلا في الإسراء: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [الإسراء:16] ليس المقصود أن الله أمرهم بالفسق، لكن أمرهم بأمور فخرجوا فيها عن طاعة الله، فكان حقاً أن يكون العذاب عليهم. أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7]، ومشهور هذا عند أهل العلم: أن العمل لا يكون صواباً إلا إذا اجتمع فيه شرطان: الإخلاص لله جل وعلا: والموافقة لهدي وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه الآيات كلها فيها إجمال، ويأتي التفصيل في آيات أخرى، وبيان أن زينة الأرض من ثمار وأشجار ما تلبث أن تنتهي. قال تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا أي: ما على الأرض: صَعِيدًا جُرُزًا [الكهف:8]، الجرز: الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات، وهذا مآل الأرض بعد ذلك. |
|
|
|