روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
23-05-10, 09:43 PM | #1 |
مقتطفات من أقوال العلماء أرجو أن ينفعني الله ويأكم بصالح الأعمال
لفضيلة الشيح/ محمد صالح المنجد ( الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد إن معرفة أخبار الماضين مما يحمس النفوس للعمل ويطرد عنها غبار الكسل انهم عرفوا قيمة الوقت رجال عرفوا الله وصدقوا المرسلين ، انهم اغتنموا أعمارهم وشبابهم و أموالهم وصحتهم انهم عرفوا قيمة هذه النعمة نعمة العمر ، كانوا يغتنمون أيام دهرهم في عبادة الله – عز وجل – فكيف كانوا ؟ وماذا فعلوا ؟ هكذا فعل هؤلاء سلفنا فما حالنا نحن ؟ ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربى ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل ونيته للخير قائمة إضاعة الوقت اشد من الموت لأن الوقت يقطعك إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا هكذا كان أولئك السلف لو قيل لحماد بن سلمة : انك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا ، كنت تراه دائما مشغولا إما أن يحدث و أما أن يقرأ وسبح أو يصلي وقد قسّم النهار على ذلك . كانوا يقولون : افقد الساعات عليّ ساعة آكل فيها . أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة يباحث عند الموت فزاره بعض عواده فقال لتلميذه إبراهيم بن الجراح : يا إبراهيم ما تقول في مسألة قال : في مثل هذه الحالة وأنت في النزع ، قال : ولا بأس بذلك ندرس لعله ينجو به ناج ثم قال : يا إبراهيم أيهما افضل في رمي الجمار أن يرميها ماشيا أو راكبا؟ قلت : راكبا قال : أخطأت قلت : ماشيا ، قال: أخطأت ، قلت : قل فيها يرضى الله عنك ، قال : أما ما كان يوقف عنده للدعاء في الجمرة الأولى والثانية فالأفضل فيها ماشيا وأما ما كان لا يوقف عنده أي الجمرة الأخيرة الكبرى فالأفضل أن يرميه راكبا ، ثم قمت من عنده فما بلغت باب الدار حتى سمعت الصراخ عليه وإذا هو قد مات – رحمه الله - . عبيد بن يعيش يقول : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل كانت أختي تلقمني وأنا اكتب الحديث . فهكذا كان يشغلهم كتابة الحديث عن الطعام . الطبري المفسر المحدث الفقيه حافظ الوقت كان يصلي الظهر يجلس يكتب في التصنيف إلى العصر ثم يجلس للناس يُقرئ ويقرأ عليه إلى المغرب ثم يجلس للفقه والدرس إلى العشاء الآخرة ثم يدخل منزله قد قسم ليلة ونهاره في مصلحة نفسه ودينه والخلق كما وقفه لله – عز وجل – مرت عليه أربعين سنة لا يمر عليه يوم منها إلا يكتب فيها أربعين ورقة . الخطيب البغدادي يمشي وفي يده جزء يطالعه حتى يستفيد حتى من مشوار الوقت في المشي . سليم الرازي أحد أئمة الشافعية – رحمه الله – نزل داره يوما ورجع فقال قرأت جزءا في طريقي . وهكذا كان بعضهم إذا أراد أن يبري القلم بعدما ذهب حده يحرك شفتيه بذكر الله وبمسائل العلم لن لا يمضي الزمان وهو فارغ . يقول ابن عقيل : انه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا انهض إلا وقد خطر لي ما اسطره و إني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين اشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة . وأنا اقصر بغاية جهدي أوقات أكلي اختصار أوقات الطعام حتى اختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لماذا ؟ لأن الخبز يأخذ وقتا في المضغ أما سف الكعك على الماء فإنه يوفر وقتا وهكذا للمطالعة أو تسطير فائدة غنيمة يجب أن تنتهز أين هذا من أصحاب البوفيهات المفتوحة اليوم الذين يقضون الساعات الطوال فيها والتسالي والمشهيات والمقبلات قبلها وبعدها . يقول ابن الجوزي – رحمه الله - : كتبت بإصبعي هاتين آلفي مجلد قال الذهبي : ما علمت أحدا من العلماء صنف مثل هذا الرجل كان يجمع برايات أقلامه فلما مات سُخِّن به الماء الذي غسل به ففاض منها من برايات الأقلام ، استعملت حطب لتسخين الماء الذي غسل به عند موته . وشيخ الإسلام تبلغ تصانيفه ثلاثمائة مجلد قال الذهبي : وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلد وهكذا في سننه وكلامة وإقدامه وكتابته رأى طلابه أمرا عجبا رحمه الله شيخ الإسلام . وهكذا النووي كان لا يضيع وقتا لا في ليل ولا في نهار إلا بالاشتغال بالعلم وطلبه ست سنين متواصلة لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكله بعد العشاء الآخرة ويشرب شربة واحدة عند السحر وربما امتنع عن بعض الطعام قال : أخاف أن يرطب جسمي ويجلب لي النوم . ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية كان فقيه كان من أهل العلم إذا أراد أن يصنف تُوضَع له الأقلام مبرية جاهزة ليس واحد عدد ثم يولي وجهه إلى الحائط ويأخذ في التصنيف إملاء من خاطره فيكتب مثل السيل إذا انحدر يأخذ قلم ينتهي القلم يرميه ويأخذ الثاني والثالث وهكذا لأنه لا يريد أن يضيع وقتا في بري الأقلام . همة السلف كانت في هذا العلم طلبه حفظه المحافظة عليه تدريسه التأليف فيه التصنيف كما سيأتي العمل والعمل هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل . في العبادة قراءة القرآن والصيام والبكاء كان علقمه يقرأ القرآن في خمس ليالي . الأسود صاحبه كان يقرأه في ست . عبد الرحمن بن يزيد في سبع . مسلم بن يسار كان إذا صلى كأنه وتد لا يميل يمينا ولا شمالا وهكذا عطاء كما صحبه ابن جرير ثمانية عشرة سنة لما كبر وضعف كان يقوم الليل بمائتي آية من البقرة فكيف أيام الشباب ؟! ونحن كيف يضيع ليلنا اليوم ، سلفنا ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومن مما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون يبيتون لربهم سجدا وقياما هكذا كان الحال فأي شيء صار الحال اليوم ؟! كانوا يحيون ليلهم بطاعة ربهم بتلاوة وتضرع وسأل وعيونهم تجري بفيض دموعهم مثل انهمال وابل هطال في الليل رهبان وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الأبطال بوجوههم اثر السجود لربهم وبها أشعه نوره المتلالي قال محمد بن منكدر : ما بقي من الدنيا إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في جماعة . باقي اللذات ما عاد لها طعم . يقول مخلد بن حسين : ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن ادهم يذكر الله ويصلي فأغتم يعني كيف حالي بالنسبة لحاله ثم اعزي نفسي بهذه الآية ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) . قام أبو حنيفة ليلة بقوله تعالى ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى و أمر ) يرددها ويبكي حتى اصبح .يقول إبراهيم بن شماس : كنت أرى احمد بن حنبل يحي الليل وهو غلام . يقول أبو بكر المرودي : كنت مع احمد نحوا من أربعة اشهر في العسكر رباط وجهاد وصلاة وعبادة لا يدع قيام الليل وقراءة القران فما علمت بختمه ختمها مع انه ختم كثيرا لكنه كان يسر بعمله . البخاري يقوم يتهجد من الليل عند السحر يقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن . ابن عبد الهادي يقول عن قيام ابن تيميه : إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه . وهكذا يقول ابن حجر عن شيخة العراقي تربية جيل عن جيل هذا أبو الروح وذاك أبو النطف فأبو الروح مقدم قال : ابن حجر لازمته فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف . السلف كانوا في قيام الليل على أنواع المُقل والمستكثر منهم من كان يحيي الليل كله حتى ربما صلى الصبح بوضوء العشاء ، منهم من كان يقوم شطره نصفه ، منهم من كان يقوم ثلثه ،منهم من كان يقوم سدسه، منهم من كان لا يراعي تقديرا يصلي حتى يغلبه النوم فينام ، منهم من كان يصلي من الليل ركعات محدودة ،منهم من كان يحي بين العشائيين ويعسلون في السحر فيجمعون بين الطرفين . ألم يأتك نبأ عباد بن بشر الصحابي الذي رمى بثلاث سهام في جسده فينتزعها ويمضي في صلاته . وهكذا كان يحرص النبي – صلى الله عليه وسلم – و أصحابه . عامر لا يزال يصلي ابن عبد قيس من طلوع الشمس إلى العصر فينصرف فقد انتفخت ساقاه فيقول يا أمارة بالسوء إنما خلقت للعبادة . يقولون له أتحدث نفسك وأنت في الصلاة ، يقول أحدثها بالوقوف بين يدي الله . لم يكن ذلك مقتصرا على الرجال بل حتى النساء كنا نحضر أم الدرداء كما في الرواية تحضرها نساء عابدات يصلين عندها تنتفخ أقدامهن من طول القيام بل حتى الجواري والإماء . هذه جارية الحسن بن صالح لما باعها لقوم كانت إذا صلت العشاء افتتحت الصلاة تصلي وربما إلى الفجر وتقول لأهل الدار : يا أهل الدار قوموا يا أهل الدار صلوا ،فيقولون لها : نحن لا نقوم إلا إلى الفجر ، الناس الآن لا يقومون حتى إلى الفجر !! جاءت إلى الحسن بن صالح قالت : بعتني إلى قوم سوء ينامون الليل كله ما عندهم قيام ليل أخاف أن اكسد ردني ردني فرأف بها وردها . وهكذا كانت امرأة الهيثم بن حجاز لا تكاد تنام من الليل ولكن زوجها ما كان يصبر معها فكان إذا نعس ترش عليه الماء وتنبهه وتقول أما تستحي من الله إلى كم هذا الغطيط قال : فوالله أن كنت لأستحي بما تصنع . ثالثا : نفقاتهم في سبيل الله ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) الإنفاق في سبيل الله يشمل الإنفاق في الجهاد في إعداد الغزاة في ترميم الثغور والحصون وهكذا في تغطية العلوم النافعة وجميع المشروعات الخيرية والمحتاجين والفقراء والمساكين وعلى أبواب الخير توزع الصدقات ولإقامة الطاعات تنفق . يأتي عمر بن الخطاب يريد أن ينافس أبا بكر الصديق فيأتي بنصف ماله ويقول : اليوم اسبق أبا بكر أن سبقته يوما يعني ما سبقته ولا يوم فجئت بنصف مالي فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله ، فقلت : لا أسابقك إلى شيء أبدا . وهكذا ربما كان الواحد منهم يتصدق بإفطاره ويبقى جائعا ، تصدق ابن عمر بطعام إفطاره وقضى الليل جائعا . تصدق احمد بن حنبل بطعام إفطاره ، طرق الباب عليه مسكين قبل المغرب فقدم له إفطاره وبات طاويا . وكان بعضهم تُعِدُّ له زوجته طعام الإفطار في الصباح فينوي الصيام ويأخذ الطعام معه إلى الدكان يتصدق به في الطريق ثم يرجع إلى أهله عند المغرب فيفطر هنالك لا يظنونه إلا انه مفطر في النهار . ويطفئون السراج ليأكل الضيف وذلك فعل الصحابي وزوجته أبو طلحه حتى لا يُحْرَجَ الضيف على الطعام القليل الموجود فيأكله كله ويبقى أبو طلحة وزوجه وأولاده في جوع يتقلبون ولكن في رحمه الله – عز وجل – هم في الحقيقة ينقلبون ، ضحك الله من صنيع فلان و فلانة هكذا فعل هؤلاء . سعيد بن العاص كان يُجِلّ الفقير أو المحتاج أن ينظر إلى وجهه ووجهه يتغير عند الطلب والذل والمسكنة كان يعشي الناس في رمضان فتأخر عنده ليلة من الليالي شاب من قريش بعدما تفرق الناس فقال له سعيد : احسب الذي خلفك حاجة ؟ قال : نعم أصلح الله الأمير ، فضرب سعيد الشمعة بكمه فأطفأها ثم قال : ما حاجتك ؟ قال : تكتب لي إلى أمير المؤمنين أن علي دينا وأحتاج إلى مسكن وخادم ، قال : كم دينك ؟ قال : ألفا دينار وذكر ثمن المسكن والخادم ، فقال سعيد : نكفيك مؤونة السفر اغدوا فخذها منا ، فكان الناس يقولون : إن إطفاء الشمعة احسن من إعطائه المال ، لماذا ؟ لئلا يرى في وجهه ذل المسألة ، أطفأ الشمعة لئلا يرى في وجه الفقير ذل المسألة وهو يسأل . زين العابدين أصحاب صدقات السر علي بن الحسين كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، لما مات غسلوه وجعلوا ينظرون لآثار سواد في ظهره قالوا : ما هذا ؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة ، كان أناس يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يُؤْتَوْن به في الليل . لك يكن ذلك خاص بالرجال حتى النساء لما دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحابيات إلى الصدقة امتلأ ثوب بلال من أقراطهن وخلاخيلهن وصخبهن و أسورتهن يلقينه في ثوب بلال . روى البخاري في الأدب المفرد وهو حديث صحيح أن عائشة كانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندها قسمته على الفقراء . أما أسماء فكانت لا تمسك شيئا للغد وزينب بنت جحش أم المساكين تعمل بيدها لأنه ما كان عندها تعمل بيدها وتكسب لتتصدق به في سبيل الله . وهكذا ذهبت حميدةً متعبدةً قالت عائشة عنها : مفزع الأيتام والأرامل . الهمة العالية في العمل هكذا كان هؤلاء . رابعا : طلبهم للعلم يكثر التعب في التحصيل عندما يكون الشيء نفيساً خطيراً العلم كان لا ينال بالراحة ولا بالنوم ولا بالذات ،قال بعض الفقهاء : بقيت سنين اشتهي الهريسة ولا اقدر لأن وقت بيعها كان وقت سماع الدرس ، وقت الدرس هو وقت البيع وإذا انتهى الدرس كان البائع قد ذهب . قال ابن القيم : أما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع وصدق الطلب وصحة النية . من طلب الراحة ترك الراحة ، كيف ؟ من طلب راحة الآخرة ترك راحة الدنيا . ينبغي لطالب العلم أن يكون حريصا على التعلم في جميع أوقاته ليلا ونهارا سفرا وحضرا هكذا لا يقضي في نومه وطعامه إلا الضرورة استراحة يسيرة لإزاحة الملل وهكذا من أراد أن يكون على ميراث الأنبياء .ابن عباس ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يبلغه الحديث عن رجل يأتيه والرجل نائم في بيته في القيلولة يفرش ابن عباس ردائه ويتوسد على باب الرجل ، الريح تسفي عليه التراب فيخرج صاحب البيت ويراه ويقول يا ابن عم رسول الله ألا أرسلت إلى فأتيك فأقول : أنا أحق أن آتيك فأسألك . ابن معين خلف له أبوه ألف ألف درهم يعني مليون أنفقها كلها في تحصيل الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه . هكذا لقاء الشيوخ والسماع لئلا يفوت عندما دخل على عبد بن حميد وسأله عن حديث حماد قال : لو كان من كتابك فقام الشيخ ليأتي بالكتاب ليحدث به فقبض يحي على ثوبه وقال : أمليه علي الآن فإني أخاف أن لا ألقاك فأمليته عليه ثم أخرجت كتابي فقرأته عليه . يخاف أن يقبض أحدهما في هذه البرهة . مكحول كان عبدا لما اعتق بمصر قال : لم ادع بها علما إلا حويته فيما أرى ثم أتيت العراق ثم المدينة فلم ادع بهما علما إلا حويته ثم أتيت الشام فغربلتها . شعبة وما أدراك ما شعبة قال : إني لا اذكر الحديث يفوتني فامرض أمير المؤمنين في الحديث . سعيد بن المسيب يسير الأيام والليالي في الطلب . وهكذا يرحل سعيد بن جبير إلى شيخه ابن عباس ليسأله عن قراءة في قوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) هل هي منسوخة ؟ قال : ما نسخها شيء . رحل في تفسير آية واحدة من الكوفة إلى المدينة . عكرمة يقول : طلبت العلم أربعين سنة وكنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار . حتى توزيع المهمات قائم . وكان ابن مسعود يفتي في صف وتلميذه في صف على أبواب كنده في الحج . الناس ماسكين ( ؟؟ 20:53) وهم يفتونهم ويعلمونهم . وهكذا الحسن البصري رحل إلى كعب بن عجرة الصحابي قصته معروفة في قضية الحج عندما ملأ القُمَّل شعره فالنبي – عليه الصلاة والسلام – رحمه وأذن له بحلق شعره و إخراج الفدية . لماذا رحل الحسن البصري إلى كعب بن عجرة في الكوفة ؟ سافر قال له : ما كان فداؤك حين أصابك الأذى ، قال : شاة ، هذه كلمة واحدة . رحل فيها ولذلك كان للعلم بركة لأنه كان ينال بالطريق الصعب . اليوم أقراص الليزر معبأة بمائة ألف حديث ، عشرات الآلاف من الأحاديث لكن أين البركة ؟ هذه المعلومات قد جمعت والبحث بالجذر والكلمة و اللواصق والعبارات والمعاني ومع ذلك أين العلم الذي رسخ ؟ كان نفس المشايخ يظهر بالطلاب ، كان هناك تربية تعليم وتربية وليس فقط تحفيظ وتلقين و إنما معه تربية ، كل واحد يأخذ عن شيخة وعن شيوخه أنواعا من الأدب بالإضافة إلى العلوم والمعارف . عبد الوهاب الأنماطي كان بكاؤه أثناء مجلس الحديث يعمل في نفس تلميذه ابن الجوزي العمل العظيم في بناء قواعد الإيمان في نفسه قال علي بن الحسين : قمت لأخرج مع ابن المبارك في ليلة باردة من المسجد يعني بعد العشاء فذاكرني عند الباب بحديث أو ذاكرته فما زلنا نتذاكر هذا يقول حديثا وهذا يقول حديثا قال : حتى جاء المؤذن للصبح ، يصبرون على العلم . أما الرحلة في طلبه أبو حاتم الرازي يقول : أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ، الفرسخ خمسة كيلومترات يعني خمس آلاف كيلو هذه مشاها على قدميه وليس رحله بالتذاكر الجوية ، يقول : لم أزل أحصى حتى لما زاد على ألف فرسخ تركته ، الإحصاء . قال : أما ما سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما لا أحصى كم مرة ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة وخرجت من البحر بالقرب من مدينة سرى من المغرب الأقصى إلى مصر ماشيا ومن مصر إلى الرملة ماشيا ومن الرملة إلى بيت المقدس ومن الرملة إلى عسقلان ومن الرملة إلى طبرية ومن طبرية إلى دمشق ومن دمشق إلى حمص ومن حمص إلى انطاكيا ومن انطاكيا إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص وكان بقي علي شيء من حديث أبي اليمان أحد الرواة فسمعته ثم خرجت من حمص إلى بيسان ومن بيسان إلى الرقة ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة كل ذلك ماشيا . هذا سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين وخرجت المرة الثانية وكان سني في هذه الرحلة سبع و أربعون . ما تركوا طلب العلم ولا الرحلة في جمعه لا شبابا ولا كهولا ولا شيبا لا صغارا ولا كبارا . كان النهم لمعرفة فقه الكتاب والسنة حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسائل العلم التي يجمعونها لكن هذا التعب كان يرسخ العلم في نفوسهم يمشون على فقرهم ربما لا يملكون اجره الدابة وهذه الأسفار كم تكلف ومن الذي يطيق أن يدفع النفقات . لذة العلم كانت تنسيهم تعب طلبه . قيل للشافعي كيف شهوتك للعلم ؟ قال : اسمع بالحرف مما لم اسمعه من قبل فتود أعضائي أن لها سمعا تتنعم به مثل ما تنعمت به الأذنان . فقيل له : كيف حرصك عليه ؟ قال : حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال ، قيل : كيف طلبك له ؟ قال : طلب المرأة المظلة ولدها ليس لها غيره . هكذا فعل هؤلاء فماذا فعلنا نحن ؟ لا نكاد نصبر في الدرس وهكذا إذا حضرنا درسا في الأسبوع رأيناه كثيرا جدا ولكن بعضنا لا يحضر حتى درسا في الأسبوع وإذا أردنا قراءة كتاب مللنا من أول الصفحات وهكذا . إذا كيف والكتاب الإلكتروني موجود والوسائل المختلفة موجودة والتعليم بالشبكات قائم وسماع الدروس موجود في شبكة نسيج العنكبوت كل الوسائل متوفرة و أشرطة التسجيل والكتب والطبعات الفاخرة المذهبة الملونة وهكذا هي أحاديثها مخرجة كتب مخدومة مشكولة ، أولئك كانوا يقرؤون مخطوطات يفكون رموزها يفرح الواحد منهم جدا إذا عثر على نسخة من حديث فلان الراوي وفلان الراوي ، العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كله . لا يُسْتَطاع العلم براحة الجسد . يقول محمد بن عبدون : انه كان يصلي الصبح بوضوء العشاء ثلاثين سنة ، خمسة عشر سنة في الدراسة وخمسة عشرة سنة في العبادة يقسم الليل نصفان نصف دراسة ونصف عبادة . قال ابن أبي حاتم : كنا بمصر سبعة اشهر لم نأكل فيها مرقه نهارنا ندور على الشيوخ وبالليل ننسخ ونقابل فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا فقال هو عليل اليوم الشيخ مريض فماذا فعلوا ؟ رأينا سمكة أعجبتنا اشتريناها لما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس بعض الشيوخ ، الدرس الذي بعده صار وقته فمضينا ولم تزل السمكة ثلاثة أيام وكادت أن تنتن فأكلناها نيئة لم نتفرغ أن نشويها . دببت للمجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس والقوا دونه الازرى وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا الكير الراسي – رحمه الله من الأئمة الكبار في مدرسة سرهنك بنيسابور كان فيها قناة لها سبعون درجة يقول : كنت إذا حفظت الدرس أنزل القناة و أعيد الدرس في كل درجة مرة في الصعود والنزول وهكذا افعل في كل درس . يعني مائة و أربعين مرة يعيد كل درس . فمن أين ينسى مثل هذا ؟ وبهذا صاروا أئمة يُقتدى بهم ، هكذا فعل أولئك القوم . شعبة بن الحجاج ممكن يطوف المدن من اجل حديث واحد ، سمع حديثا فاستغربه شعبه ، سمع عن إسرائيل عن أبي إسحاق حديثا يقول لأبي إسحاق : من حدثك بهذا ؟ قال : حدثني عبد الله بن عطاء عن عقبة ، طيب عبد الله بن عطاء سمع من عقبه فأين عبد الله بن عطاء ؟ يريد شيخ الشيخ ، فقال له : عبد الله بن عطاء بمكة ، قال : فرحلت إليه بمكة أردت الحديث ، فسألته الحديث الفلاني من الذي حدّثك ؟ قال : سعد بن إبراهيم ، يقفز مالك بن انس يقول لشعبة : سعد موجود بالمدينة لم يحج هذه السنة ، قال : فرحلت إلى المدينة فسألت سعدا عنه من الذي حدثك ؟ فقال : الحديث من عندكم من زياد بن مخراق هو الذي حدثني فقال شعبة : أي شيء هذا الحديث بينما هو كوفي إذ صار مكيا إذ صار مدنيا إذ صار بصريا فأتيت البصرة فسألت زياد بن مخراق من الذي حدثك؟ قال : ليس هذا من بابتك لا يعجبك من الذي حدثني قلت : لابد أن تخبرني به قال : حدثني شهر بن حوشب ، شهر – رحمه الله – كان قد اخترطوا فيه ضعف فقال شعبة : دمر علي هذا الحديث والله لو صح لي هذا الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان احب إلى من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين . ناس ينقدون يتعبون ليرتاح من بعده في معرفة صحة السند وهل الحديث صحيح أو لا ، وما هي آفة السند . كل حديث ليس فيه حدثنا واخبرنا فهو خل وبقل كما يقول شعبة يعني لا يساوي شيئا . وهكذا كانوا يحجزون الأماكن في الدروس حتى لا تفوت كان جعفر بن دروستوية : كنا نأخذ المجلس عند علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس الغد نقعد طول الليل مخافة أن لا نلحق من الغد موضعا نسمع فيه . الآن عالم كبير في مسجد يلقي درسا عنده ثمانية !! اثنين يشخرون عند الأعمدة وواحد يكلم بالهاتف الجوال لأن الشيخ لا يبصر !! أيها الاخوة الوضع مزري ونحتاج إلى نفضة ننفض بها غبار النوم عنا والكسل . البخاري كان يقوم في بالليل إذا أراد أن ينام من خمسة عشر إلى عشرين مرة يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يُخْرج أحاديث ويعلم عليها يكتب فوائد ثم يضع رأسه يتذكر فائدة يقوم مرة ثانية يوقد السراج يكتب الفائدة يرجع لينام يتذكر فائدة يوقد السراج ويكتب الفائدة .. عشرين مرة في ليلة ممكن ؟ ممكن معه واحد خادم شاب مع ذلك كان يصلي وقت السحر ثلاثة عشر ركعة فقال له الشاب : انك تحمل على نفسك ألا توقظني قال : أنت شاب ولا احب أن افسد عليك نومك . قال البخاري : لما طعنت في ثمان عشرة يعني صار عمري ثمانية عشرة عاما جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وفي الليالي المقمرة يكتب وهكذا كان ثلاثون من علماء مصر فيما سبق في وقت يقولون حاجتنا من الدنيا ما نشتهي من الدنيا ولا شيء إلا النظر في تاريخ محمد بن إسماعيل لأن البخاري ألف كتاب التاريخ . وهكذا أملى عليهم أحاديثه و أملى عليهم كتبا – رحمه الله – يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتا ألف حديث غير صحيح واختار كتابة الجامع الصحيح البخاري من ستمائة ألف حديث ما وضع فيه حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين يستخير الله أن يضع هذا الحديث في كتابه ، فليس بغريب أن يكون لكتابه هذا القبول وهذه الصحة وهذه الشهرة . هكذا كان قد تخلّف عنه نفقته مرة فجعل يتناول الحشيش الأخضر من الأرض يأكله ولا يخبر بذلك أحدا . أسد الفرات المجاهد الذي مات شهيدا في جزيرة صقلية الذي حفظ القرآن والموطأ وتفقه على مذهب مالك وكان أمير المجاهدين في جيش صقلية الذي كان استشهد وفي يده اللواء يقرأ سورة يس . هذا لما انقطع لقراءة القرآن وعلومه حضر عند محمد بن الحسن الشيباني فقال له : أني قليل النفقة والسماع منك نذر والطلبة كثير فما حيلتي ، فقال له محمد بن الحسن لما رأى حرصه ، كانوا يهتمون بالطلاب النجباء قال : اسمع مع العراقيين مع الطلاب من أهل العراق بالنهار وقد جعلت لك الليل وحدك فتبيت عندي وأسمعك أي الحديث قال أسد : وكنت أبيت عنده وينزل إلي ويجعل بين يديه قدحا فيه الماء ثم يأخذ في القراءة فإذا طال الليل ونعست ملء يده ونضح وجهي بالماء فأنتبه فكان ذلك دأبه ودأبي حتى أتيت على ما أريد من السماع . الشافعي – رحمه الله – يقول : كانت نهمتي في الرمي ، تعلم الرماية لأن هذه سنة ومن تعلم الرماية ثم نسيها فهي نعمة كفرها ، كان يتعلم الرماية وطلب العلم ، قال : فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرةٍ عشرةً وسكت عن العلم فقال عمرو بن سواد : أنت والله في العلم اكبر منك في الرمي . الشيخ محمد أمين الشنقيطي – رحمه الله – كان يجيد الرمي وهكذا قال بعض أصحابه كنا معه مرة في الفلا فطار طائر فأخذ الشيخ البندقية فصاده والطائر في الهواء هكذا بدون التدقيق الذي يكون عند الرماة ، وكان يخرج لأجل هذه الرماية ليس للصيد ليس به هم الصيد ، الشنقيطي كان يلبس فردة خضراء و فردة لون ثاني لأنه لم يكن أصلا يهتم بالثياب ولا بالنعال من زهده بالدنيا – رحمه الله - . الشافعي جزء الليل ثلثه الأول يكتب وفي الثاني يصلي وفي الثالث ينام . وهكذا لما أُشْكٍل على بعض النحويين باب من النحو انفق ثمانين ألف درهم حتى حذقه . الإمام احمد – رحمه الله – رئي ومعه مجرة ومحبرة هذه من شأن الطلاب وليست من شأن الشيوخ الكبار فقال له قائل : يا أبا عبد الله أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين يعني معك المحبرة فقال : مع المحبرة إلى المقبرة . وقال : أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر . كانت همم عند هؤلاء في الدراسة والتدريس ، الطبري يقول لطلابه : هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا ؟ يقولون: كم قدره ؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة ، قال نكتب نكتب يا طلابي ، قالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ، قال : إنّا لله ماتت الهمم فاختصر نحو ذلك ثلاثة آلاف ورقة ولما أراد أن ينهي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ . ممكن يجوعوا في طلب العلم ؟ ممكن يضطروا للسؤال في طلب العلم ؟ محمد بن خزيمة ومحمد بن جرير ومحمد بن هارون الرويناني ومحمد بن مصر المروزي جمعت بينهم الرحلة في طلب العلم بمصر جمعوا نفقاتهم حتى فنيت النفقات وليس عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع اجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه يتناقشون في الجوع الذي مسهم فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام لأنهم لا يريدون واحد منهم يخرج ويسأل لكن الآن يهلكون من الجوع خرجت القرعة على ابن حزيمة، فقال: لأصحابه أمهلوني حتى اصلي صلاة الاستخارة فاندفع في الصلاة فإذا برجال من قبل السلطان والي مصر احمد بن طولون يدقون الباب ففتحوا الباب قال : أيكم محمد بن نصر قيل هو ذا فدفع إليه صرة فيها خمسين دينار يعني من الذهب ، قال : أيكم محمد بن جرير فأعطاه خمسين دينارا وكذلك للرويان ولابن خزيمة ثم قال لهم : إن الأمير كان قائلا ، نائم نوم القيلولة فرأى في المنام خيالا أو طيفا يقول له أن المحامد جياع أن المحمدين الأربعة هاذول نايمين في بلدك جياع وأنت نائم قم فقام ، سأل من هم المحمدون ؟ هل يوجد مكان فيه مكان واحد محمدون مجموعة ؟، قالوا: نعم دخلوا البلد أربعة هؤلاء فأنفذ إليكم هذه الصرر واقسم عليكم إذا نفدت أن تبعثوا إليه ليزيدكم . الهمم في قراءة المطولات لما قال عز الدين بن عبد السلام : ما رأيت في كتب الإسلام مثل المحلل لابن حزم والمغني لابن قدامه قال الذهبي : صدق الشيخ عز الدين وثالثهما السنن الكبرى للبيهقي و رابعهما التمهيد لابن عبد البر فمن حصّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين و أدمن المطالعة فيها فهو العالم حقا . ممكن تكون حادثة غريبة هي السبب أن تجعل واحد عامي تجعله عالم من كبار العلماء أصلا ابن حزم كيف صار عالم ؟ هو كان شخص عادي جدا شهد جنازة دخل المسجد فجلس ولم يركع يعني لم يصلي ركعتي تحية المسجد فقال له رجل : قم صلي تحية المسجد كان عمرة ستة وعشرين سنة فقام وصلى ركعتين لما رجعوا من الصلاة على الجنازة دخل المسجد فأراد أن يصلي ركعتين قام وقال : اجلس ليس هذا وقت صلاة هذا كلام قبل المغرب قال : فانصرفت وقد حزنت وقلت للأستاذ الذي رباني دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن داحون فقصدته فأعلمته بما جرى فدلني على موطأ مالك ، فبدأت عليه وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوا من ثلاثة أعوام ،قصة ممكن تبدو قصة عادية واحد دخل مسجد ماهو وقت نهي من جهله جلس قال له واحد قم صلي تحية المسجد دخل مرة ثانية في وقت النهي أراد أن يصلي على ما علمه الأول جبذه واحد قال : ليس ذا وقت صلاة ، طبعا الراجح أن تحية المسجد من ذوات الأسباب وأنها تُفعل حتى في أوقات النهي وهذا مذهب الشافعي – رحمه الله تعالى - . الفيروزابادي لا ينام حتى يحفظ مائتي سطر . النووي كل يوم كان يقرأ اثني عشر درسا على المشايخ شرحا و تصفيحا في الوسيط في المهذب في الجمع بين الصحيحين صحيح مسلم في ( ؟؟ 40:59) في إصلاح المنطق في اللغة لابن السكير في التعريف في أيصول الفقه في اللمعة لأبي إسحاق في المنتخب لفخر الدين درس في أسماء الرجال والدرس في العقيدة وهكذا . هؤلاء كيف صاروا علماء ؟ كيف صاروا كبارا ؟ هؤلاء ممكن الواحد يكون حلاق أتى شخص يحلق عنده الحلاق هذا كان يسمع أشياء يعني من بعض الزبائن كان من زمان الحلاقين ممكن يجيه زبون شيخ مثلا طالب علم دكتور في الجامعة نحوي مفسر فقيه محدث أديب لغوي فهذا كان يصيد فوائد وهو ذكي فجاءه أحد الشيوخ مرة ليحلق رأسه عنده فانتبه لذكاء الحلاق وأنه يسأل أسئلة ويثير أشياء فلم يزل به حتى سجله في الجامعة وهكذا خرج هذا الرجل واحدا من المشايخ من الكتاب المعاصرين في هذا الزمان في واحد شيخ من قديم كان مناديا في دار البطيخ يحرج على البطيخ ولكن لما صدقت نيته في طلب العلم صار عالما من كبار العلماء . وهكذا كان الشيخ الحكمي حافظ يرعى الغنم في جيزان لما وهبة الله سرعة في الحفظ والذكاء وقيض الله له الشيخ عبد الله القرعاوي مصلح اخذ بيده فصار الحكمي من العلماء ومات وعمره خمسة وثلاثين سنة وهناك كتب له لم تطبع إلى الآن لازالت مخطوطة .توفي قريبا العالم الفقيه ابن بسام – رحمه الله – من تلاميذ الشيخ السعدي ومن أصحاب ابن عثيمين قال لي : كنت أنا وابن عثيمين نتناوب في تسميع القران فيبدأ مثلا بالثمن الأول من أول القرآن يسرد علي ثم أنا اسمع له الثمن الثاني ثم يسمع لي الثمن الذي بعده وهكذا إلى نهاية المصحف الختمه التي بعدها إذا كان هو الذي بدأ أنا الذي أبدا حتى الأشياء التي أنا ما قرأتها اقرأها والتي لم يقرأها يقرؤها وهكذا . في كان مساعدة لبعضهم ولذلك يهون الطلب عندما يقيض الله رفقة صالحة . كانت الرحلة في طلب العلم على صعوبتها قائمة كما تقدمت أمثلة ومن قبلهم موسى – عليه السلام – نبيا ورحمة عندما رحل إلى الخضر في طلب العلم وقطع المسافات الطويلة . عقبة بن الحارث الصحابي سافر من مكة إلى المدينة ليسأل عن مسألة واحدة في الرضاع . جابر بن عبد الله سار إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد من المدينة إلى الشام طرق الباب خرج إليه اعتنقه قال حديث بلغني لم اسمعه خشيت أن أموت أو تموت وأنا لم اسمعه . ويُرْحَل في طلب العلم كما تقدم من المسافات الطويلة الكثيرة . أما الهمة في قراءة الكتاب الواحد وليس الكتب الكثيرة فقط ، الكتاب الواحد كم مرة كان يُعاد ربما يتخرق من كثرة الإعادة يقول القيرواني : وجدوا في كتب عباس أبو عرب القيرواني يقول وجدوا في آخر كتاب آخر أحد كتب عباس بن الوليد الفارسي أنه درسه ألف مرة وهكذا قال أبو محمد بن عبد الله بن إسحاق بن التبان أنه درس المدون لمالك ألف مرة . وهكذا قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الابهري قال : قرأت مختصر ابن عبد الحكيم خمسمائة مرة و الأسدية خمسة وسبعين مرة والموطأ خمس و أربعين مرة والمختصر البرقي سبعين مرة والمبسوط ثلاثين مرة والبخاري أكثر من ستين مرة ومسلم نحوا من عشرين وهكذا ، همة عالية سواء في القراءة أو في التأليف رابعا : في الدعوة في طلب الحق في السعي في الوصول إلى الحق همتهم في هذا كيف كانوا زيد بن عمرو بن نوفيل الذي أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عنه أنه يأتي أمة وحده الرجل هذا كان موحدا يسند ظهره إلى الكعبة يقول لقريش : ما أعلم أحدا على دين إبراهيم غيري ، وهكذا لما عرف بأن إبراهيم الخليل حنيفا مسلما سار على دينه كان قد خرج إلى اليهود زيد بن عمرو فلقي عالما منهم قال : إني أريد أن أكون على دينكم أخبرني عنه قال : إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله ، قال : أنا فررت من غضب الله أنا ما أتحمل غضب الله خرج لقي نصرانيا قال : أريد أن أكون على دينكم قال : لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله قال : أنا فررت من لعنة الله أنا لا أتحمل لعنة الله ، فماذا دلني على شيء آخر ، قال : إلاّ أن تكون حنيفا ما بقي إلا دين الحنيفية ، قال : ما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم الخليل ، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان يعبد الله فلما رأى زيد ذلك رفع يديه وقال : اللهم أني أشهدك أني على دين إبراهيم ، فكان موحدا مع أنه ما كان يعرف شعائر التعبد التفصيلية ما كان يعرفها لكن على دين إبراهيم الخليل على التوحيد . فذهب يطلب الحق ويبحث عن الدين الصحيح . وهكذا سلمان الفارسي – رضى الله عنه – كان لرجل لأب من المجوس من عباد النار يحش النار يوقدها ليعبدها مع قومه لكنه بفطرته عرف أنه لا يمكن أن تكون هذه النار هي الآلهة هي الإله الذي خلق فيستحق العبادة ، فسمع بقوم من النصارى فأتاهم وهرب من أبيه وهرب من البيت وذهب للشام ودخل الكنيسة هناك ليتعلم دينهم وكان الأسقف رجلا فاسقا سيئا مات وهو يخزن غلال الفضة والذهب فدل القوم على ثروته فأخذوه صلبوه رجموه قالوا لا ندفنه أبدا ، وجاءوا برجل بدلا منه وضعوه لازمة سلمان رآه يصلي زاهد في الدنيا يقوم الليل أحبه فكان معه إلى أن مات لما حضرته الوفاة قال : إلى من توصي بي قال : أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا اكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل فلان الحق به ذهب سلمان إلى ذلك الرجل من بعد ما مات صاحبه الأول وقال : إن فلان أوصى بي إليك وأمرني باللحاق بك بقي عنده إلى إذ أوشك على الموت قال : من توصي بي قال : يا بني والله ما اعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به ، لما مات وغيبه ودفنه ذهب إلى نصيبين فأخبره بالخبر ولزمه و أقام عنده فكان خير رجل ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلان كان أوصى بي إلى فلان ثم إلى فلان ثم إلى فلان إليك فإلى من توصي بي قال : يا بني والله ما اعلم بقي أحد على امرنا آمرك أن تأتيه إلاّ رجل بعمورية من ارض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فائته فإنه على امرنا فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وبقي عنده حتى صار عند سلمان بقرات وغنيمة لما نزل أمر الله بهذا الرجل الأخير وطلب منه أن يوصي به إلى شخص آخر،قال : أي بني والله ما اعلم اصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه ولكن قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب يهاجر إلى أرض مهاجرة بين ارض بين حرتين بينهما نخل وهذه علامة المدينة فيها حرتان شرقية وغربية صخرية سوداء ونخل في الوسط يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإذا استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . ثم مات وغيب ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب قبيلة تجار فقلت لهم : احملوني إلى ارض العربي و أعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي قالوا : نعم ، فأعطيتموها وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني وباعوني لرجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه وحملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها إلا عرفتها بصفة صاحبي لها الذي وصف لي هذه نفسها ، فاقمت بها وبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسلمان لا يدري و أقام بمكة وسلمان لا يدري وهاجر إلى المدينة وسلمان لا يدري فوالله إني لفي راس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي إذ اقبل ابن عم له يهود في يهود حتى وقف عليه فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم مجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون انه نبي ، قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت أني ساقط على سيدي فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال : مالك ولهذا أقبل على عملك ، فقلت : لا شيء و إنما أردت أن أستثبته عن ما قال . وكان عندي شيء قد جمعته يعني من تمر من رطب فلما أمسيت وأخذته ثم ذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له : انه قد بلغني انك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذووا حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال : فقربته إليه فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه : كلوا وامسك فلم يأكل ، فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم انصرفت فجمعت شيئا وتحول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة يعني من قباء إلى المدينة ثم جئته فقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ) ( بها ، قال : فأكل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منها و أمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي هذه اثنتان ، ثم جئت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدبرته انظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي فألقى ردائه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه اقبله وابكي فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحول فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس . هكذا كانت الرحلة في طلب الحق ، البحث عن الحق وهكذا كانوا يفعلون . كذلك المؤمن في سورة آل ياسين عندما خرج وجاء من أقصى المدينة رجل ممتلئ رجولة يسعى مجتهدا في الدفاع عن الأنبياء وهكذا تثبت ماشطة بنت فرعون على الحق حتى يلقي فرعون أولادها أمامها في القدر الذي يغلي بالزيت فتلوح عظامهم البيضاء على سطح ذلك القدر ثم لما أراد أن يلقيها قال : لك حاجة ؟ قالت : إن لي إليك حاجة قال : وما حاجتك ؟ ، قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا ، قال : ذلك لك علينا من الحق . وهكذا أمر بأولادها فألقوا واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صبي لها مرضع فكأنها تقاعست فقال : يا أم اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . قال ابن كثير إسناده لا بأس به . |
|
23-05-10, 09:50 PM | #2 |
المنجد , تكملة خامسا : كيف كانوا في إنكار المنكر وجرأة الموقف في إيضاح الحق والجهر به والصدع ولو كان على الكبار والولاة ، قصة مروان مع أبي سعيد الخدري لما خرج مروان يريد أن يخطب قبل صلاة العيد ليه قال : الناس لا يسمعون لنا ، قال : أنت تغير السُّنَة ، الخطبة بعد الصلاة ، قال : الناس لا يسمعون لنا إذا خطبنا بعد الصلاة ، أبو سعيد آخذ بثوبه فجبذه فشد مروان الثوب وعاند وطلع،فقال أبو سعيد: غيرتم والله فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقال: ما اعلم والله خير مما لا اعلم . وهكذا كان أحمد بن حنبل في درس مرة فسمع حس طبل فقام من الدرس حتى أرسل إليهم فنهاهم. أبو مسلم الخولاني – رحمه الله – لما قام مرة إلى الأمير قال : السلام عليك أيها الأجير ،فقال الحاشية: السلام عليك أيها الأمير ،فقال أبو مسلم: السلام عليك أيها الأجير، فقال الأمير: دعوا أبا مسلم فانه اعلم بما يريد، فقال له: اعلم انه ليس من أجير استرعي رعية إلا رب الرعية سائله عنها فإن داوى مرضاها وجبر كسراها وهنأ جرباها أي طلاها بالزفت لتبرأ ، الجرب مرض في الإبل هكذا يعالج ورد أولها على أخراها ووضعها في انف من الكلأ وصفو من الماء وفاه اجره وان كان لم يداوي مرضاه ولم يهنأ جرباها ولم يجبر كسرها ولم يرد أولاها على أخراها ولم يضعها على أنف من الكلأ وصفو من الماء لم يؤته اجرها ، لم يؤته الأجر فانظر أين أنت يا فلان، قال : يرحمك الله يا أبا مسلم و أذعن . حبس معاوية – رضى الله عنه – مرة العطاء أخره عن الناس مرتبات من بيت المال وصعد المنبر قام إليه أبو مسلم قال : لما حبست العطاء يا معاوية انه ليس من كدك وكد أبيك ولا من كد أمك حتى تحبس ، فغضب معاوية غضبا شديدا ونزل عن المنبر وقال للناس : مكانكم ، وغاب عن أعينهم ساعة ثم رجع فقال : إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني و إني سمعت ( الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار و إنما تطفأ النار بالماء ) و إني دخلت فاغتسلت وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا كد أبى فهلموا إلى عطائكم . هكذا سعيد بن المسيب – رحمه الله – يقوم بالحق فيُضرَب ستين سوطا فلا يجيد . سعيد بن جبير يبحث عنه الحجاج ويلقى عليه القبض ولما جيء به إليه قال الحجاج ائتوني بسيف عريض وكان الحجاج إذا أتي إليه بشخص قال : أكفرت بخروجك علي ، فإن قال : نعم ، خلى سبيله فقال لسعيد : اكفرت بخروجك علي ، قال : لا ، قال : اختر أي قتله أقتلك قال : اختر أنت فإن القصاص أمامك . يعني بعد الموت . أما حطيت الزيات والمواقف الجريئة عند الحجاج فإن حطيطا كان صواما قواما عرف الحجاج عنه أخذه استدعاه فقال حطيط لمن معه إني قد عاهدت الله لئن سئلت لأصدقن وان ابتليت لأصبرن ولأن عوفيت لأشكرن و لأحمدن الله على ذلك فقال له الحجاج : ما تقول في ؟ قال : أنت عدو الله تقتل على الظنة بدون دليل وبرهان قاطع ، قال : فما قولك في أمير المؤمنين قال أنت شرر من شراره هو شرر و أنت شرارة من الشرر وهو اعظم جرما قال : خذوه ففظعوا عليه العذاب ففعلوا فصبر ولم يصح فأتوه فأخبروه قال : قطعوا لحمه وصبوا عليه الخل والملح فصبر ولم يصح فأتوه فأخبروه فقال : اخرجوا إلى السوق فاضربوا عنقه – رحمه الله - ، كم عمره ثمانية عشر سنة بس . ابن أبي ذئب– رحمه الله – لما حج أبو جعفر المنصور دعاه قال نشدتك الله الست اعمل بالحق ؟ ألا تراني اعتدل قال : أما إذا ناشدتني بالله فأقول ما أراك تعدل وانك لجائر وانك لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير . ولما دخل المنصور المسجد النبوي قام الناس إلا من أبي ذئب فقيل له : قم قال إنما يقوم الناس لرب العالمين . سفيان الثوري يقول إني لأرى المنكر فلا أتكلم فأبول دما . أتى المهدي بسفيان الثوري لما دخل عليه سلم سفيان ولم يسلم بالخلافة وسياف المهدي قائم على راس المهدي بسيفه متكئ عليه ينتظر متى الأمر فأقبل المهدي على سفيان قال : يا سفيان تفر منا هاهنا وهاهنا تظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فقد قدرنا عليك الآن أمسكناك والقينا عليك القبض أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانه ؟ قال سفيان : إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل ،فقال السياف : يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا أتأذن لي أن اضرب عنقه ، المهدي كان فيه خير قال : اسكت ويلك وهل يريد هذا و أمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى لسعادتهم يعني هو يذهب شهيدا ونحن نذهب إلى جهنم ، اكتبوا عهدا لسفيان بقضاء الكوفة و ألا يعترض عليه أحد في حكم ، سفيان اخذ الخطاب وخرج رماه في نهر دجلة وغاب عن أنظار الناس فلم يُعرف أين هو . الاوزاعي لما فرض عبد الله بن علي هذا من دعاة بني العباس الذي وطؤوا له في أول الأمر وكان سفاكا للدماء لما فرغ من قتل بني أميه بعث إلى الاوزاعي وكان قد قتل يومئذ نيفا وسبعين من بني أميه قال الاوزاعي : دخلت عليه والناس صفان قال : ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه ؟ فتفكرت ثم قلت لأصدقن واستبسلت للموت ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث الأعمال بالنيات وبيده قضيب ينكت به ثم قال : ما تقول في قتل أهل هذا البيت يعني بني أميه فرويت له قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله و أني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ) قال : اخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نحن آل البيت فقلت : لو كانت وصية من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما ترك علي رضى الله عنه أحدا يتقدم ، قال : فما تقول في أموال بني أمية ؟ قلت : إن كانت لهم حلالا فهي عليك حرام وان كانت عليهم حراما فهي عليك أحرم ، فأمرني فخرجت فقمت فجعلت لا أخطو خطوة إلا قلت أن رأسي يقع عندها . وهكذا كان ذلك الرجل سفاكا للدماء صعب المراس لكن الله نجى الاوزاعي بصدقه . وابن النابلسي – رحمه الله – لما أخذه جوهر هذا العبيدي هذا الكافر الباطني قال له : بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب عليه أن يرمي في الروم سهما وفينا تسعه ، قال – رحمه الله - : ما قلت هذا بل قلت إذا كان معه عشرة اسهم وجب أن يرميكم بتسعة وان يرمي العاشر فيكم أيضا ، قال : لماذا ؟ قال : لأنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين وادعيتم نورا إلهيه ، فأمر جوهر أن يسلخ من جلده فطرح على وجهه في الأرض وشق السلاخون عرقوبيه ونفخ كما تنفخ الشاه ثم سلخ وهو يقرأ القرآن بصوت قوي ثم غشى عليه ومات – رحمه الله – كان الدارقطني إذا ذكره يبكي ويقول : كان يقول وهو يسلخ ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) . شمس الدين القاضي في عهد الدولة العثمانية لما حضر بايزيد محمد أحد سلاطين العثمانيين إلى المحكمة الشرعية بين يدي الشيخ ليشهد في قضية رد الشيخ شهادة السلطان ولم يقبلها قال السلطان : ولما؟ قال : لأنك تارك لصلاة الجماعة ، فابتسم السلطان ولعل الله أراد به خيرا ثم أمر بناء مسجد أمام داره ولم يترك صلاة الجماعة بعدها . وهكذا كان أهل العلم على الحق ثابتين لا يلينون ولا يتزلزلون .شيخ الإسلام الهروي إسماعيل الأنصاري يقول : عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك لكن يقال لي اسكت عن من خالفك فأقول : لا اسكت . القاضي المنذر بن سعيد البلوطي قاضي قرطبة لما عمل أمير المؤمنين في الأندلس قبة بالذهب والفضة وبعد ما تم الإنجاز العظيم هذا ودخل الأعيان وأخذوا مجالسهم جاء منذر بن سعيد فقال له الخليفة كمن قال لمن قبله : هل رأيت أو سمعت أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا ؟ فبكى القاضي وأَقْبَل ودموعه تتحدر ثم قال : والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ أن أنزلك منازل الكفار ، قال : لما ؟ قال : قال الله عز وجل ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا – يعني ذهب – وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) فنكس الخليفة رأسه ثم قال : جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين الذي قلته هو الحق و أمر بنقض سقف القبة . هذا من بيت المال بأي حق يوضع يرد إلى بيت المال . سادسا : فيما فعله أولئك القوم الجهاد في سبيل الله ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) دافعوا عن بيضة الإسلام وغزوا في سبيل الله ودخلوا نحور العدو ، دانت لهم البلدان لما أراقوا الدماء في سبيل الله ( من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق ) هذه البسالة والبطولة التي كان يبديها سلفنا – رحمهم الله – شيء عجب ، فكان انس بن النضر لما مات في بدنه ثمانون ضربة ورمية وطعنه ، كذلك جعفر الطيار في بدنه في مؤتة تسعون ضربة ما بين طعنة ورمية وضربة بسيف . الزبير يوم اليرموك قال له أصحابه : ألا تشد فنشد معك قال : إن شددتم كذبتم قالوا : لا نفعل ، فحمل حتى شق الصفوف فجاوزهم وما معه أحد ثم رجع فأخذ الروم بلجامه ضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر فهناك ثلاث آثار في عاتق الزبير ، اثنتين في اليرموك عن يمين وشمال وواحدة بينهما في بدر قال عروة ولده : كنت ادخل أصابعي في تلك الضربات العب وأنا صغير ، لما يتربى عبد الله بن الزبير عند هذا الرجل كيف يكون ؟ لذلك كان فارسا وعمره عشر سنين حتى أن الزبير وكل به رجلا لا يقتحم الأعداء فكان عبد الله يجهز على جرحى الروم يطوف على جرحى الروم ( الشيخ يحدث فتىً من الحضور يقول له : سمعت أنت ؟ كم عمرك ؟ الشيخ يستمع لإجابة الفتى ، إحدى عشر سنة يعني أنت اكبر بسنة ،فهذا عبد الله بن الزبير كان يطوف على جرحى الروم بعد المعركة والذي يجد فيه نفس يجهز عليه ، فجهز نفسك ) . يقول خالد بن الوليد – رضى الله عنه – لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية ، ما صبرت في يدي إلا صفيحة لي يمانية سيفٌ يمانيٌ هو الذي صمد في يده ، تقطعت أسيافه الستة – رضى الله عنه - . وهكذا كانت البطولات والشجاعات وبراءة بن مالك يوم اليمامة لما تحصن بنو حنيفة في بستان مسيلمة الذي كان يعرف بحديقة الموت ، يقول لأصحابه ضعوني على الترس والقوني فيلقونه من فوق السور فينزل كالصاعقة على رؤوس الكفار يقاتلهم وحده ويقتل عشرة ويفتح الباب ، جرح يومئذ بضعا وثمانين جرحا . وهكذا كان جليبيب – رضى الله عنه – لما قال – عليه الصلاة والسلام – بعد المعركة ( هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نعم فلانا وفلانا و فلانا ، قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نعم فلانا وفلانا و فلانا ، ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : لا ، قال : لكني افقد جليبيبا ، فطلبوه ، فَطُلِبَ في القتله فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فوقف عليه فقال : قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه ، هذا مني وأنا منه ثم حمله النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس له سرير إلا ساعدي رسول الله – عليه الصلاة والسلام – فحفر له ووضع في قبره ) . في واحد من المحدثين كان من شيوخ البخاري اسمه أحمد بن إسحاق هذا الرجل عجيب في شجاعته يقول البخاري : ما بلغنا أنه كان مثله ، يعني في الشجاعة يقول : مرة وقد أخرج سيفه أعلم يقينا أني قتلت به ألف كافر وإن عشت قتلت به ألفا أخرى ولولا خوفي أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي . أرسل الكفار يوما في عمل كمين لهذا الرجل خمسين فارسا انتقاء لما خرجوا حاصروه هجم عليهم وقاتلهم فقتل تسعة و أربعين وأمسك الخمسين وقطع بعض أعضائه و أرسله رسولا ليخبر قومه بما حصل . طارق بن زياد لما دخل الأندلس في ألف وسبعمائة رجل و تذفير هذا نائب اللذريق الذي صار قتال ثلاثة أيام ثم جاء الملك بنفسه بفرسان وجيش عرمرم . قال طارق : انه لا ملجأ لكم بعد الله غير سيوفكم أين تذهبون وانتم في وسط بلادهم والبحر من ورائكم محيط بكم و أنا فاعل شيئا إنما النصر و أما الموت ، قالوا : وما هو ؟ قال : أقصد طاغيتهم الآن الهدف القائد فإذا حملت فاحملوا بأجمعكم معي ففعلوا ذلك فقتل ملكهم وجمع كثير من أصحابه وهزمهم الله تعالى وتبعهم المسلمون ثلاثة أيام يقتلونهم قتلا ذريعا ولم يقتل من المسلمين إلا النفر اليسير . وهكذا كان على بن أسد – رحمه الله – كان رجل في البداية غير متدين كان صاحب معاصي ومن الذين أسرفوا على أنفسهم ، سمع واحد يقرأ في الليل ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمه الله ) قال : أعد ، أعاد ، قال : أعد ، أعاد ، قال : أعد ، أعاد ، ثلاث مرات رسخت وقعت اغتسل ثم غسل ثيابه ذهب في العبادة حتى عمشت عيناه من البكاء وصارت ركبتاه كركبتي البعير من كثرة الصلاة غزا البحر فلقي الروم فارتبطوا بمراكب العدو قال اليوم أطلب الجنة لا أطلب الجنة بعد اليوم أبدا . فاقتحم بنفسه في سفينة من سفنهم فما زال يضربهم وينحازون ويضربهم وينحازون حتى مالوا في شق واحد كلهم فانكفأت السفينة فغرق وغرقوا جميعا . أما أبو الفادية الذي كان يوما من الأيام مع المسلمين في المعارك البحرية بقيادة معاوية – رضى الله عنه – كان الروم جهّزوا طنجر مملوء بمادة مشتعلة ليقذفوه على سفن المسلمين تحترق بمن فيها ، فنظر أبو الفادية إلى رجل من الروم قد أمسك بالطنجر ليقذفه فرماه أبو الفادية بسهم فقتله وخر الطنجر في سفينة الروم فاحترقت بأهلها وكانوا ثلاثمائة فكان يقال : رمية سهم أبي الفادية قتلت ثلاثمائة نفس . أما أبا الفتحون – رحمه الله – الذي خرج إلى علج رومي كان قتل من المسلمين ثلاثة يطلب البراز يخرج مسلم يقتله يخرج مسلم يقتله ثلاثة ، جعل النصراني يمشي متبخترا يقول : هل من مبارز واحد لاثنين واحد لثلاثة ثلاثة من المسلمين لواحد من الفرنج، فتضايق المسلمون جدا وقالوا للمستعين ليس لها إلا أبو الوليد ابن فتحون فخرج أبو الوليد بقميص كتان واسع الأكمام وركب فرسا بلا سلاح وأخذ بيده سوطا طويل الطرف وفي طرفه عقدة معقودة ثم برز إليه فتعجب النصراني منه ، كيف ما يخرج إلا بسوط وحمل كل منهما على صاحبة فلم تخطيء طعنة النصراني سرج ابن فتحون فتعلق برقبة فرسه ونزل الأرض لا شيء منه في السرج ثم استوى على سرجه وضرب النصراني بالسوط على عنقه فالتوى السوط على عنقه فأخذه بيده فاقتلعه وجاء به إلى المسلمين فألقاه بين أيديهم . وهكذا كان البَطّال رأس الشجعان والأبطال من أعيان أمراء الشاميين كما يقول الذهبي هذا الرجل بعث سرية إلى ارض الروم فغابت واختفت واختفى جندها ، ما درى ماذا صنع أصحابه المسلمون ، فركب بنفسه وحده على فرس حتى جاء إلى عمورية وكان فيها النصارى فطرق بابها ليلا فقال له البواب : من هذا ؟ قال البَطّال : أنا سياف الملك ورسوله إلى البطريق فأخذ لي طريقا إليه فلما دخلت على البطريق إذا هو جالس على سرير فجلست معه على السرير إلى جانبه ، يعني انه شخصية مهمة مثله وهو أصلا أهم منه ثم قلت له : إني قد جئت في رسالة فأمر هؤلاء فلينصرفوا فأمر من عنده فذهبوا ثم قام فأغلق باب الكنيسة علي وعليه . الآن يظن أن رسالة من ملك النصارى . ثم جاء فجلس فاخترطت سيفي وضربته يعني ليس بحده لكن بعرضه وقلت أنا البطال اصدقني عن السرية التي أرسلتها إلى بلادك وإلا ضربت عنقك الساعة . فأخبرني ما خبرها ، قال : هم في بلادي وهذا كتاب قد جاءتني يخبر انهم في وادي كذا وكذا والله لقد صدقتك ، فقالت : هات الأمان فأعطاني الأمان فقلت ائتني بطعام ، شوف الشجاعة ، فأمر أصحابه فجاءوا بطعام فوضع لي ، فأكلت فقمت لأنصرف فقال لأصحابه أُخرجوا بين يدي رسول الملك فانطلقوا يتعادون بين يدي وانطلقت إلى ذلك الوادي فإذا أصحابي هنالك فأخذتهم ورجعت . هذا الرجل كان يسأل الله الشهادة قد شُغِلَ بالجهاد عن الحج فكان يسأل الله الحج فكان يسأل الله الحج قبل أن يستشهد وفعلا حج في السنة التي استشهد فيها – رحمه الله تعالى – وكان من المسلمين أيضا كان من انتضب للقاء الإفرنج في البحر وكان غزوات عظيمة من المسلمين والنصارى في البحر ، حسام الدين لؤلؤ العادلي الذي لما خرج الإفرنج في البحر خرج و أدركهم و أحاط بهم واستسلموا وقيدهم وكانوا اكثر من ثلاثمائة مقاتل وأقبل بهم إلى القاهرة وكان يوما مشهودا . و أما بطولات صلاح الدين ونور الدين وعماد الدين فإنها مشهورة معروفة كثيرة ومن الأشخاص الذين مروا في تاريخ الإسلام عندما وصل الإنسان إلى جزر الفليبين بقيادة ماجلان مُكتشف راس الرجاء الصالح هذا النصراني ماجلان قاد جيشا من النصارى إلى الفليبين وكان أهل الفليبين من المسلمين عام 927 م نزل الأسبان على ارض الفليبين يظنون أن أهلها على الوثنية لكنهم لاحظوا انهم فوجئوا بالمسلمين بصوت واحد فانهزم الصليبيون وكان قائدهم ماجلان قد جاء إلى ناحية الجزر الجنوبية ودخل على ملكها المسلم لابو لابو وقال له ماجلان يقول للمسلم : إنني باسم المسيح أطلب منك التسليم ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولي منكم بحكم هذه البلاد ، فرد عليه الأمير المسلم : إن الدين لله وإن الإله الذي اعبده اله جميع البشر على اختلاف ألوانهم ثم اخذ لابو لابو المسلم الفليبيني ماجلان بيده وقتله ودمر فرقته ورفض تسليم جثته للأسبان فانسحبوا خائبين . وهكذا غزا الأسبان بعد ذلك الفليبين واستولوا عليها بعدما جاهدهم المسلمون جهادا كبيرا ، لقد كان للمسلمين صولات وجولات كثيرة فهذه الصحراء وهذه البحار وهذه الأدغال شاهده على جرأتهم وشجاعتهم الأمثلة كثيرة لم تكن فقط في الرجال و إنما حتى النساء فأم سليم التي كانت تحمل الخنجر أيام حنين فرآها النبي – صلى الله عليه وسلم – معها الخنجر قال : ما هذا يا أم سليم ؟ قالت : اتخذته حتى إذا دنا مني من المشركين بقرت بطنه فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يضحك فقالت : يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك فقال لها : يا أم سليم إن الله قد كفى واحسن . رواه مسلم . وكانت المقاتلة الشجاعة أم موسى اللخمية مع زوجها باليرموك وجال الرجال جوله فأبصرت عِلْجاً يجر رجلا من المسلمين رومي نصراني أسر مسلما فأخذت هذه المرأة عمود الفسطاط ثم دنت من ذلك النصراني فشدخت به رأسه وأقبلت على أخذ سلبه – رحمها الله –. وهذه الأمة فيها خير عظيم والتاريخ يعيد نفسه في أشياء، وسنن الله الكونية ثابتة تجري وإذا كان لنا من مثل هذه الوقفات دروس وعبر أن نأخذها فإن علينا أن ننظر اليوم أيها الاخوة في حالنا ونقارب بأولئك القوم ونقول لأنفسنا هلم إلى العمل ولنذهب لنأخذ بكتاب ربنا وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – فإن الأيام التي تمر بنا الآن أياما صعبة تحتاج إلى عمل سريع والله أيها الاخوة والى إغاثة عاجلة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكشف الضر فإنه ليس لها من دون الله كاشفة ، ولنعلم بأن المسلمين قد آتاهم الله من الخيرات والإمكانات والعقليات والقوة ما لو اجتمعوا على دينهم لا يمكن أن يهزمهم الكفار وينبغي أن نشحذ هممنا وعزائمنا بأخبار سلفنا فإن المواجهة آتية ولابد مع معسكر أهل الشرك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت أقدامنا وان ينصرنا على القوم الكافرين ونسأله أن يلهمنا رشدنا وان يقينا شر أنفسنا ونسأله أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا ونسأله أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين |
|
23-05-10, 09:54 PM | #3 |
فضيلة الدكتور/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض البداية لا بد لكل عمل ليكون مقبولاً بإذن الله أن يتوفر فيه شرطان: الأول: أن يكون خالصاً لله تعالى، وصدق الله العظيم [مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ]. الثاني: أن يكون صواباً على وفق ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(رواه مسلم). بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]([1]). [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2]). [أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا]([3])، وبعد: فتلبية لرغبة المجلس الأعلى للإعلام قمت بكتابة هذا البحث،بعنوان الإخلاص والفاعلية لما لهذا الأمر من أهمية خاصة، حيث أن الإخلاص هو أصل الدين، وبدونه لا تقبل الأعمال. وصدق أحد العلماء وهو يقول:(وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلاَّ، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك . . . . . ). والناس اليوم على وجه الأرض على اختلاف عقائدهم، ودياناتهم، وتعدد رغباتهم يقومون بأعمال وتصرفات كثيرة، ظانين أنَّ فيها السعادة، ونسوا أو تناسوا أنَّ الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم وموافقاً لشرعه الحكيم . وكأني أنظر إلى الناس وقد ضعفت عزيمتهم، وقلت فاعليتهم، وركنوا إلى الخمول والكسل، فأصبحوا محتاجين إلى شحنه تُقَوِّي عزيمتهم، وتأخذ بأيديهم إلى طريق الصواب لقبول أعمالهم . لذا عمدت إلى الكتابة في هذا البحث، علَّها أن تكون خطوة مباركة على طريق العلم . وقد تحدثت في هذا البحث عن الإخلاص وأهميته، وعلاماته، وثمراته، ثم ذكرت نبذة مختصرة عن الرياء وعلاجه لما له من خطر عظيم على الأعمال. ثم عرجت بالحديث عن الفاعلية، وكيف يكون المسلم عنصراً فعالاً في المجتمع الذي يعيش فيه. وفي الختام أزجي خالص شكري وتقديري للمجلس الأعلى للإعلام ممثلاً في رئيسه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود الذي أولاني هذه الثقة في الكتابة حول هذا الموضوع الهام. وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه أبو محمد/عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار الزلفي في ضحوة الاثنين: 25/ 3/ 1426هـ الإخلاص ودوره في الفاعلية تعريف الإخلاص لغة: الإخلاص لغة : النجاة، خلص الشيء أي نجا وسلم من كل نشب. والمخلص الذي وحَّد الله تعالى خالصاً، ولذلك قيل لسورة قل هو الله أحد: سورة الإخلاص، لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل. وكلمة الإخلاص هي كلمة التوحيد([4]). وقيل الخالص: الذي زال عنه شوبه الذي كان فيه فصار صافياً([5]). ويأتي الإخلاص بمعنى الاختصاص،فكما يقال: استخلص الشيء لنفسه أي استخص نفسه به، فكذلك إخلاص العمل لله، أن تخص به الله دون غيره([6]). تعريف الإخلاص اصطلاحاً: لقد ذكر العلماء معاني كثيرة للإخلاص، لكن أكثرها شمولاً هو قول أبي محمد سهل بن عبد الله التستري الذي يقول فيه: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركاته وسكناته في سرًِه وعلانيته لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء لا هوى ولا نفس، ولا دنيا([7]). وقال غيره: الإخلاص: إفراد الله تعالى بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو معنى آخر سوى التقرب إلى الله تعالى. أدلة من القرآن والسنة تحث على الإخلاص أولاً _ من القرآن: قال تعالى [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)]([8]). قال القرطبي في تفسير هذه الآية: مخلصين له الدين، أي مخلصين له العبادة، ومنه قوله تعالى:[قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ]([9]) وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره ([10]). ومعنى الآية: أي عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، والميل عن الشرك وأهله، وإقام الصلاة، وإنفاق للمال في سبيل الله وهو الزكاة، فمن حقق هذه القواعد فقد حقق الإيمان، كما أمر به أهل الكتاب، وكما هو دين الله على الإطلاق، دين واحد،وعقيدة واحدة. وقال تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)]([11]). قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إنَّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة([12]). ثم قرأ قوله تعالى: [فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)]([13])، وقال تعالى: [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)]([14]). وقال تعالى على لسان إبليس لعنه الله: [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (83)]([15] ). وقال تعالى: [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23)]([16]). وهي الأعمال التي كانت على غير السنة، وأريد بها غير وجه الله([17]). أحاديث من السنة تدعو إلى الإخلاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)([18]). قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ( على المسلم أن يستحضر النية ولابد له في جميع العبادات من ثلاثة أشياء: 1_ نية العبادة. 2_ أن تكون لله. 3_ أنه قام بها امتثالاً لأمر الله([19]). وعلى المسلم أن يعلم أن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل. والعمل إذا كان لله تعالى قُبل، أمَّا ما كان لغير الله لا يحبط فحسب بل إنَّ صاحبه يلقى مصيراً مشيناً لأنه اتخذ مع الله شريكاً، وهذا ما يوضحه الحديث الذي رواه ضمرة عن أبي حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الملائكة يرفعون عمل عبد من عباد الله فيستكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه فيوحي الله تعالى إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إنَّ عبدي هذا لم يُخلص لي عمله فاكتبوه في سجين، ويصعدون بعمل عبد فيستقلونه ويحقرونه حتى ينتهوا به إلى حيث شاء الله من سلطانه فيوحي الله إليهم أنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا أخلص لي عمله فاكتبوه في عليّين)([20]) وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم وإن قلت، فهذا القليل يضاعفه الله تعالى بفضله. قال تعالى: [وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40)]([21]). ويرد الأعمال التي لا يبتغي بها وجهه وإن كثرت. ومن الأحاديث التي تحث على الإخلاص من السنة الشريفة : الحديث الذي رواه النسائي عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) فأعادها ثلاث مرات، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا شيء له) ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه. وقد جاءت أحاديث في السنة تبين فضل المخلصين ومنزلتهم وثوابهم منها: ما رواه ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء)([22]). ومنها حديث سعد أبي وقاص الذي يقول له النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ( .. إنك لن تُخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلاَّ ازددت به درجة ورفعة..)([23]). وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راضٍ)([24]). وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقه غير فقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىءٍ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم)([25]). وحديث أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل)([26]). والمرء مجازى على ما نواه وما أكنه في صدره. فالله سبحانه وتعالى مُطَّلع على ما يخفيه العباد،وما يظهرونه قال تعالى:[أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور*وحصل ما في الصدور]([27]). ويدل على ذلك أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)([28]). قال فضيلة الشيخ محمد العثيمين في شرح هذا الحديث: ( قد تجد الرجلين يصليان في صف واحد مقتديين بإمام واحد، يكون بين صلاتهما كما بين المشرق والمغرب، لأن القلب مختلف، أحدهما قلبه غافل، بل ربما يكون مرائياً والعياذ بالله يريد الدنيا، والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم([29]). وكما ذكرنا آنفا أن المرء يجازى بنيته، نرى عظيم رحمة الله تعالى تتجلى في الأحاديث الآتية: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كُتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف. ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كُتبت)([30]). وعن معن بن يزيد رضي الله عنه قال: ( . . . وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)([31])([32]) شروط قبول العمل الصالح: 1_ أن يكون فاعله مسلماً، موحداً، لا يشرك بالله شيئاً،مؤمناً بالله وملائكته، وكتبه،ورسله، واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره من الله تعالى. وقد اشترط الله سبحانه وتعالى شرط الإسلام في جميع العبادات لقبولها. قال تعالى:[ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)]([33]). وأوضح الله سبحانه وتعالى أركان الإيمان فقال: [كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)]([34]). لذا يبين الله سبحانه وتعالى أنه لا يقبل من غير المؤمنين، لأن غير المؤمنين كالمنافقين والكفار لا يعملون الأعمال إلا رياءً وسمعة. قال تعالى: [وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54)]([35]). 2_ أن يكون ذلك العمل خالصاً لله ولا يراد به إلا وجه الله والدار الآخرة فإذا اختل شرط الإخلاص، وقصد به غير الله تعالى أصبح العمل رياءً وشركاً. وهذا ما يوضحه الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال )رُبَّ صائم ليس من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس من قيامه إلا السهر).([36]). فالصائم والمصلي إذا لن يبتغيا بعملهما وجه الله فلا ثواب لهما. والله سبحانه وتعالى يميز الأعمال يوم القيامة فما كان لله تعالى قُبِل،وما كان لغير الله يُرمى في نار جهنم. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال) يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال: ميزوا منها ما كان لله عز وجل فيماز، ويرمى سائره في النَّار)([37]). كما روي عن بعض الحكماء أنه قال: مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة، كمثل رجل خرج إلى السوق، وملأ كيسه حصاة، فيقول الناس: ما أملأ كيس هذا الرجل، ولا منفعة له من عمله سوى مقالة الناس ولا ثواب له في الآخرة([38]). كما قال تعالى:[ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23)]([39]). 3_ أن يكون العمل وفق ما جاء به الشرع الحكيم، في كتاب الله،وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتضى فعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روت عنه أم المؤمنين عائشة:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)([40]). وقال صلى الله عليه وسلم: ( . . . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ . . . )([41]). علامات الإخلاص: إن للإخلاص علامات إذا وجدت في المسلم، عرف بها أنَّه مخلص منها: 1_ استواء المدح والذم من العامة. فالمسلم بعد قيامه بالعمل تجد أن مدح الناس له وذمهم إياه سواء، لأنه ينتظر الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، الذي ابتغى بوجهه الكريم هذا العمل. وهذا هو ميزان الإخلاص الذي توزن به الأعمال، ويتميز به بعضها عن بعض. فالخطيب مثلاً إذا نزل من المنبر، وصلَّى بالنَّاس، وانتهت الصلاة، ولم ينتظر أن يمدحه أحد من الناس، فذاك المخلص، بل يستوي عنده المدح والذم. لذا ترى حبات اللؤلؤ تنفرط من عقد لسانه الذكي قائلاً: يا أخي لا تشكرني أنا، ولكن اشكر الله عز وجل، الذي وفقني في المجيء إليكم، وأمدني بهذا العلم من عنده لأفقهكم في دينكم. من هنا ترى أن المخلصين لا ينسبون ما هم فيه إلى أنفسهم، بل يرجعون الفضل كله إلى الله تعالى، ولا تُهمُّهم مقاييس البشر، بل هم يتضرعون إلى الله لأن يقبل منهم، ولكي لا تحبط أعمالهم، وأن يقيهم الله عز وجل نار جهنم يوم القيامة. قال تعالى على لسان هؤلاء المخلصين:[ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)]([42]). 2_ اقتضاء ثواب العمل في الآخرة: بأن يريد المرء بهذا العمل، التقرب إلى الله تعالى،والفوز برضا الله تعالى عليه، ودخول الجنة بإذن الله تعالى، وَمنّه، وفضله. لأن الطريق الوحيد للفوز برحمة الله ورضوانه، هو إخلاص العمل لله وحده. وإن من أعظم ما يفعله المخلص أن يستر عمله عن الناس جميعاً. بل الأعظم من ذلك أن يسدي المعروف إلى من أساء إليه، ثم يستر هذا المعروف، مقتدياً بخلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه. |
|
23-05-10, 09:56 PM | #4 |
الطيار , ت حكم العمل إذا خالطه مع الإخلاص شيء آخر: بادىء ذي بدء: العمل الذي يراد به وجه الله تعالى مقبول، بل هو سبب للثواب. قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)]([43]). والعمل الذي لا يراد به إلا الرياء، فهو على صاحبه، وليس له، ويكون سبباً للعقاب. قال تعالى في حق المنافقين المرائين:[ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145)]([44]). وهذان القسمان لا خلاف فيهما. أما العمل المشوب الممتزج بشوب الرياء وحظوظ النفس، فهو الذي فيه نظر، وهل الجزاء عليه بالثواب؟ أم بالعقاب؟ أم أنه لا يقتضي هذا ولا ذاك؟ نقول وبالله التوفيق: إن كان الباعث على العمل الإخلاص، وأنه قد سبق الرياء الذي عُرض للعبد بعد نيته المخلصة، فإن ثوابه على هذا العمل بقدر ما أخلص فيه. ويكون حكمه كمن قطع النية في أثناء العبادة وفسخها، فيترك استصحاب حكمها . وإن كان البعث على العمل الرياء، ثم عرض له أن يحول نيته لله تعالى، فهذا لا يحتسب له الثواب على هذا العمل، إلا من وقت تحويله النية لله. فإن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بما صح به أولها،وجبت الإعادة كالصلاة. ولا يجب الإعادة في عبادة كالحج، فربما أحرم عبدٌ لغير الله ثم قلب نيته لله عند الطواف أو الوقوف بعرفات، فهذا لا يقبل منه عمله. أما إذا امتزج بالعمل مع الإخلاص حظ من حظوظ النفس،كالكسب المادي مثلاً، فإنه يثاب بقدر ما أخلص في هذا العمل، بل يضاعف الله تعالى الحسنة إلى عشر أمثالها،كالذي يخرج للحج ومعه تجارة فهذا يصح حجُّه، متى كان الحج هو المحرك الأصلي . قال تعالى: [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..]([45]). وكالذي يغزو ويقصد الغزو، والغنيمة، على أن يكون قصد الغنيمة على سبيل التبع، يحصل له الثواب، ولكن ثوابه ليس كثواب من لا يلتفت إلى الغنيمة أصلاً([46]). ثواب المخلصين في الدنيا والآخرة: بدأ الله سبحانه وتعالى حديثه في سورة ( النعم )([47]) عن عالم الملائكة، ثم عالم السماوات والأرض، ثم عالم البشر، ثم عالم الحيوان، ثم عالم النبات، ثم عالم الأفلاك، ثم عالم البحار، ثم ما في باطن الأرض من خيرات، ثم أخبر عباده أنهم لا يستطيعون أن يعدوا نعمه التي لا تحصى. وإن من نعمه سبحانه وتعالى في هذه السورة أنه يجازي عباده المخلصين بالخير في الدنيا، ويوفي لهم أجورهم في الآخرة. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر أربع آيات في تلك السورة: قال تعالى:[ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)]([48]). وقال تعالى: [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)]([49]). وقال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)]([50] ). وقال تعالى: [وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122)]([51]). وهذا يدل على عظيم رحمته سبحانه وتعالى، وكرمه لعباده، أنه يجازيهم بالخير في الدنيا، ويحسن لهم الجزاء أيضاً في الآخرة، المخلصين منهم خاصة، وقد ذكر لهم ذلك ليطمئنهم،ويثقوا فيما في يد الله أكثر من ثقتهم مما في أيديهم، عندما يعلمون أنهم سيوفون أجورهم التامة يوم القيامة ، بعدما أنعم الله عز وجل عليهم من خيره العظيم في الدنيا، قال تعالى: [وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . . .]([52] ). ولقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل المخلصين منها: ما رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء )([53]). وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم ( من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة،ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة )([54] ). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً).. ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك )([55]). والعبد إذا تعلق بالدنيا وجعلها همه أعطته ظهرها، على العكس من الزاهد المخلص الذي يتعلق بالآخرة ويجعلها شغله الشاغل، يرى الدنيا وقد أتته راغمة، فسبحان الله على عظيم بلائه للعباد! ! ! ويجسد تلك الحقيقة حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)([56]). وفي ثواب المخلصين يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه)فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله)([57]). فالمخلصون معهم الله لأنهم يقصدون بأعمالهم وجه الله، ومن كان الله معه فلا يقدر عليه أحد، ومن ليس معه الله فلا ينفعه أحد. وقد تحدث الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الإخلاص مبيناً ثواب المخلصين ومنزلتهم عند الله تعالى، وسوء عاقبة المرائين فقال:( إذا كان العبد مخلصاً، اجتباه ربه فيحيي قلبه، واجتذبه إليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من حصول ضد ذلك بخلاف القلب الذي لم يخلص لله، فإنه في طلب وإرادة وحب مطلق، فيهوي ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه كالغصن أيُّ نسيم من يعطفه أماله. فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة، فيبقى أسيراً عبداً لمن لو اتخذه هو عبداً له كان ذلك عيباً، ونقصاً وذماً. وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة، فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق. وتارة يستعبده الدرهم والدينار، وأمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب،والقلوب تهواها فيتخذ إلهه هواه، ويتبع هواه بغير هدى من الله. ومن لم يكن خالصاً عبداً له قد صار قلبه معبداً لربه وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، ويكون ذليلاً له، خاضعاً، وإلا استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وكان من الغاوين إخوان الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه)([58]). بذلك نرى البون شاسعاً، والفرق كبيراً بين المخلص والمرائي، فهل شمر للإخلاص المشمرون؟ وأخذوا بينهم وبين مهالك الرياء التي ذكرت آنفاً وقاية، ليأمنوا من عذاب الله وغضبه يوم القيامة. ثمرات الإخلاص للإخلاص ثمرات كثيرة وفوائد جمَّة نذكر منها ما يلي: 1_ الإخلاص يوجد الدافع عند المسلم للعمل والمبادرة فالمخلص يعلم أن الذي سيجازيه بالخير على عمله الله سبحانه وتعالى، لذا هو يسعى جاهداً لإرضاء الله تعالى، والفوز بالجنة يوم القيامة، فتجده يحب العمل ويبادر به، والذي يدفعه إلى ذلك هو الإخلاص. لأن الذي يجتهد في الطاعات، ولا تكون أعماله خالصة لوجه الله تعالى لم تنفعه أعماله بغير إخلاص، بل إن ذلك يُعدُّ اغتراراً منه. وفي هذا المعنى يقول أحد الحكماء([59]): من عمل سبعة دون سبعة لم ينتفع بما يعمل، أولاً: أن يعمل بالخوف دون الحذر، يقول: إني أخاف الله، ولا يحذر من الذنوب فلا ينفعه ذلك القول شيئاً. ثانياً: أن يعمل بالرجاء دون الطلب، يقول: إني أرجو ثواب الله تعالى،ولا يطلبه بالأعمال الصالحة، فلا تنفعه مقالته شيئاً. ثالثاً: النية دون القصد، كأن ينوي بقلبه أن يعمل بالطاعات والخيرات، ولا يقصد بنفسه لم تنفعه نيته شيئاً. رابعاً: الدعاء دون الجهد، بمعنى أن يدعو الله تعالى أن يوفقه للخير ولا يجتهد هو في ذلك، لم ينفعه دعاؤه شيئاً، بل كان ينبغي عليه أن يسعى ويجتهد، ليوفقه الله تعالى، ويستجيب منه، قال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)]([60]). أي الذين جاهدوا في طاعتنا وفي ديننا لنوفقنهم لذلك([61]). خامساً: الاستغفار دون الندم يقول: أستغفر الله، ولا يندم على ما كان منه من الذنوب، لم ينفعه الاستغفار بغير الندامة. سادساً: العلانية دون السريرة، أي يصلح أموره في العلانية ولا يصلحها في السر لم تنفعه علانيته شيئاً. سابعاً: أن يعمل بالكد دون الإخلاص، فلا تنفعه أعماله بغير إخلاص. والمسلم لا يطلب الأجر إلا من الله تعالى. يقول الله تعالى مبيناً ذلك: [وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى]([62]). فالداعي إلى الله مثلاً ليكون داعياً بحق، وليكون وارثاً نبوياً، وعالماً ربانياً،عليه أن يخلص في دعوته، لا يريد إلا نشرها في ربوع المعمورة واعتناق الناس للإسلام، اعتناقاً صحيحاً شاملاً من جميع جوانب الحياة. إذا رأى المنكر تغير وجهه وأنكره، لا يغضب لنفسه قط، بل يغضب للحق ويتمعر وجهه عندما تنتهك حرمات الله، فإذا به ينتصر للإسلام ابتغاء وجه الله، لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وليس من أجل الظهور، وحب المدح، وحظوظ النفس. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أسلم وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلَّمه الرسول ما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه هذا الدين الإسلامي الحنيف. ومن هذه الواجبات تبليغ دعوة الله عز وجل، والأخذ بأيدي الناس إلى طريق الهداية. فأخذ أبو بكر يبذل كل ما في وسعه تجاه هذا الأمر ولم يكن يبتغي من وراء ذلك رضا محمد صلى الله عليه وسلم بل كان يرجو رضا الله ورحمته. لذلك كان ثابت العقيدة، قوي الإيمان، يوم أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس قائلاً: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت([63]) . ثم تلا هذه الآية قال تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)]([64]). بينما وقف عمر بن الخطاب في وسط الناس يقول: والله ما مات رسول الله. ونرى أن أبا بكر لم يقف هذا الموقف ويذكر هذا الكلام إلا انتصاراً للحق، ولكي يؤصل في نفوس الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، ونهاية كل بشر الموت، فلقد أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه بذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: [إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)]([65]). وقد ظهر هذا المعنى العظيم في موقف خالد بن الوليد عندما كان يبارز أحد الكفار في غزوة من الغزوات فكسر سيف الكافر، فلم يجد مفراً من خالد إلا أن بصق في وجهه فأدخل خالد رضي الله عنه سيفه في مغمده، فسأله بعض الجند لم فعلت ذلك؟ ولم تقتله، وقد بصق في وجهك ! ! فقال رضي الله عنه: ( خشيت أن أقتله فأكون انتصرت لنفسي، ولم أنتصر لدين الله عز وجل). فالمسلم مع الحق حيث كان، متجرداً عن كل هوى، أو تعصب ممقوت. يبتغي بجميع أعماله وجه الله تعالى. إن قام لله، وإن قعد قعد لله وبإرادة الله، وإن استعان استعان بالله، وإن سكن اطمأن بالله، وإن سأل سأل الله، وإن عمل عمل لله، وإن أعطى أعطى لله وعلم أن المال من الله رزقه به وأمره بإنفاقه في وجوه الخير. فاستيقاظه لصلاة الفجر رضا من الله، واستعداده بالوضوء للصلاة توفيق من الله، ودخول المسجد لأداء الصلاة رحمة من الله به. فالرجلان يخرجان من بيت واحد، يتجه أحدهما إلى المسجد، ويتجه الآخر إلى الملهى، ويترك العبادة، فالله عز وجل لا يختار لدينه إلا الأتقياء الأصفياء الذين يستحقون ذلك لأنهم يخلصون في جميع أعمالهم لله تعالى. كما يقول الله عز وجل:[ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)]([66]). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود: (..وإن الله ليعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه..)([67] ). فعندما يتيقن المسلم أن عمله كله لله، وبتوفيق الله، سارع وبادر بالأعمال الطيبة وشارك في جميع أمر الخير، وتعاون مع الناس على البر، والتقوى، وسخَّر نفسه وماله وكل طاقته للعمل لدين الله تعالى، ورفع كلمة التوحيد عالية خفاقة في كل مكان. حيث تمكنت مبادىء هذا الدين من قلبه، وعقله، وعلم أن مهمات هذا الدين: النية التي تحكم كل نشاط المسلم يقول ابن القيم رحمه الله: ( المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات، والعبادات، كما هي معتبرة في التقربات، والعبادات. فالقصد، والنية، والاعتقاد يجعل الشيء حلالاً، أو حراماً، وصحيحاً أو فاسداً، وطاعة أو معصية، كما أن القصد في العبادة: يجعلها واجبة، أو مستحبة، أو محرمة، أو صحيحة، أو فاسدة([68]). وما يجذب المسلم إلى فعل الخير، ويجعله يبادر بالأعمال الصالحة إلا الإخلاص، لأنه يتمنى دائماً أن تكون جميع أعماله مقبولة. ويردد قول عمر رضي الله عنه وهو يقول: ( اللهم اجعل عملي صالحاً واجعله لك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً)([69]). |
|
23-05-10, 10:26 PM | #5 |
الطيار , ت 2_ الإخلاص يفتح مجالات واسعة للعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته مالاً ولم يؤته علماً فيقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء)([70] ). فالمسلم ما دام أنه قد أسلم وجهه لله، وأخلص نيته لله، فإن حركاته وسكناته، ونومه، ويقظته، تحسب في ميزان حسناته لأنه ابتغى بها وجه الله تعالى. ونرى في الحديث السابق ذلك المسلم الذي أخلص النية لله تعالى وتمنى أن يكون معه المال، لينفقه في سبيل الله، تقرباً لله، لا يبتغي به إلا وجه الله الأعلى، فهذا يؤجر على نيته الطيبة، وإن لم يقم بالعمل لعدم مقدرته عليه. كالذي ينوي الحج وليس معه النفقة فهذا مثاب بنيته بإذن الله تعالى. قال بعض السلف: ( إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي، وشربي، ونومي، ودخولي الخلاء، وفي كل ذلك، مما يمكن أن يقصد به التقرب إلى الله تعالى، لأن كل ما هو سبب لبقاء البدن، وفراغ القلب من مهمات الدين)([71]). والناس يختلفون في نياتهم، فمنهم من يأكل اشتهاءاً للطعام، وتلذذاً بصنوفه المختلفة، ومنهم من يأكل بنية التقوى على عبادة الله. ومنهم من يرى صنبوراً مفتوحاً بأحد المساجد فيغلقه لأنه يأنف رؤيته مفتوحاً، بينما يغلقه آخر بنية الحفاظ على ثروات المسلمين والتي من أهمها الماء. ومن المسلمين من يتزوج من أجل الرغبة الجنسية، والاستمتاع بامرأة جميلة، بينما يتزوج آخر من أجل أن يحصن نفسه، ويغض بصره، وينبت ولداً صالحاً يعبد الله عزوجل من بعده، فيكون بذلك قد أصاب السنة، وأكثر من نسل المسلمين، وحافظ على النوع البشري فيؤجر على إخلاصه في نيته هذه. ومنهم من يتعلم، ويُحصَّل العلم الشرعي، ويحصل على الشهادات العلمية من أجل أن يذيع صيته، ويشتهر بين الناس. وترى آخر يتعلم، ويحصَّل العلم الشرعي من أجل أن يفقه الناس في دينهم، وينتشلهم من الجهل، إلى التبصر بأمور الدين والدنيا. وهكذا يستطيع المسلم أن يحول العادات إلى عبادات إذا ابتغى بها وجه الله تعالى. وبذا يتميز عن غيره، الذي يقوم بهذه العادات ولا مبتغى له ولا قصد له من وراء فعلها إلا هوى النفس وجمع الدنيا. فتنقلب معه الطاعات إلى معاص بفساد هذه النية. ولا ينال منها إلا الخسران المبين. بينما من يصلح نيته، ويخلص قلبه لله رب العالمين، ترفع له منزلة أعماله الدنيوية البحتة، إلى ان تصير أعمالاً صالحة مقبولة. وبذلك إذا ابتغى المسلم بجميع أعماله وجه الله تعالى تفتحت أمامه مجالات واسعة للعمل، فتجده يجعل أكله،وشربه،ولبسه،ونومه،وحياته،وعمله،وتنزهه،ورحلاته ،وعمله، علمه كله لله تعالى. حتى عندما يأتي أهله لأنه يمتثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (..وفي بضع أحدكم صدقة..)([72]). وحتى ما يجعله في فم امرأته، يبتغي به وجه الله فيؤجر على إخلاصه هذا. لأنه ابتغى بأعماله وجه الكريم الجواد، الذي يعطي ويمنح،ويجود،ويصفح،ابتغى بها وجه القادر على أن يثيبه ثواباً عظيماً على ما أخلص، فيتفضل عليه بأعظم نعمه عليه يوم القيامة،وهي الفوز برحمة الله ورضوانه. ذلك المسلم الذي يضع نصب عينيه قول الله تعالى: [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)]([73]). وبذلك يسعى المؤمن لأن يبتغي بكل عمل وجه الله تعالى لأنه يعلم أنه سيؤجر عليه مرَّات ومرَّات. سيؤجر عليه في حياته قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)]([74] ). ويؤجر عليه بعد موته قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علمٌ ينتفع به)([75]). ويظل عليه بعد موته هكذا إلى يوم القيامة، فيؤجر عليه الأجر التام الوافي. قال تعالى [وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)]([76]). وقال تعالى: [وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40))([77]). وفي هذا المقام يقول الإمام السيوطي: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من فعل غير عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري ورائه مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناه محل ذكر وتعليم لقرآن كريم فخذها من أحاديث بحصر والإخلاص بالنسبة للمسلم يمثل سفينة النجاة،من الغرق في محيط النفاق، والشرك،والرياء،وحب المدح والثناء، وحبط الأعمال وبوارها. فالداعي إلى الله مثلاً في عمله، ونشاطه، وكتابته، وخطابته،وجهاده، وصبره ومشاركته في كل ما يخدم دين الله عز وجل، أحوج ما يكون إلى الإخلاص، حتى لا تضيع أعماله هباءً منثوراً. فمن أجل أن توجد أمامه مجالات كثيرة للعمل،فعليه أن يجدد النية عند كل عمل ويقوِّم القصد،ويصفي النفس. فالإخلاص هو صمام الأمان للمؤمنين في حياتهم،به تزكو أعمالهم،وتضاعف جهودهم،وأجورهم،وتزداد فاعليتهم،ويشاركون في مجالات شتى في العمل،يريدون رفعة الإسلام وعزته. وبالإخلاص،تكون الأقوال والأعمال،وتكون العبادة والطاعة،وبالإخلاص يكون التصديق بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم العمل بها، وبالإخلاص يكون التعليم،والتعلم،والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر،والإنفاق في سبيل الله،والجهاد في سبيل الله،والبذل،والعطاء،والتضحية،وصلة الرحم،وبالإخلاص يكون التحاب في الله والقيام بحقوق المسلم،والحفاظ عليها،وبالإخلاص تكون مراعاة حق الجار،ونصحه ومعاونته،والأخذ على يديه إذا فرَّط،والسؤال عنه،وغض البصر عن محارمه،وبالإخلاص تكون الرحمة والشفقة على المساكين،ومواساة الأيتام والأرامل،حتى أنك تفرغ من دلوك في دلو أخيك تؤجر على ذلك، بل الأعظم من ذلك أن تبسمك في وجه أخيك صدقة إذا ابتغيت بها وجه الله تعالى. وهكذا يجد المسلم الميدان للعمل أمامه كبيراً،والمجالات واسعة،ومتعددة ومختلفة،وما عليه إلا أن يخلص،فإذا به تتفتح أمامه أبواب كثيرة للخير وبذلك يتحقق فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:(إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر،وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه،وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)([78]). فيصبح المسلم نواة كل خير،يساعد بكلتا يديه المحتاج،ويعطي الفقير،ويكون في خدمة الناس على أن يبدأ في ذلك بأهله. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )([79]). ولا يكون له دافع من وراء ذلك إلا مرضاة الله وابتغاء وجه الكريم. فيكون في قمة سعادته عندما يرى أنه يمازح أهله ومع ذلك يؤجر على فعله هذا. والسلم يعلم تماماً المعيار والضابط الذي يقبل الله به الأعمال من العباد. لذلك هو يجتهد قدر طاقته أن تكون أعماله كلها خاصة لله تعالى لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم،وأرفع الناس عند الله منزلة المتواضعون،وأقرب الناس إلى الله في قبول الأعمال المتقون المخلصون،الذين تحدث الله عنهم في كتابه العزيز وخصهم بقبول الأعمال قال تعالى:[إنما يتقبل الله من المتقين][80]) أي ممن اتقى الله وأخلص في فعله ذلك. روى ابن أبي حاتم عن ميمون بن أبي حمزة قال: ( كنت جالساً عند أبي وائل، فدخل علينا رجل،يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ بن جبل،فقال له شقيق ابن سلمة: ياأبا عفيف، ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى سمعته يقول: يحبس الناس في بقيع واحد،فينادي منادٍ: أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن،لا يحتجب الله منهم،ولا يستتر، قلت:من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك،وعبادة الأوثان،وأخلصوا العبادة، فيمرون إلى الجنة )([81] ). والآية السابقة تتحدث عن قابيل وهابيل ابني آدم،وإنما حسد قابيل أخاه هابيل وغضب عليه لقبول قربانه دونه،حيث كان الأتقى هو هابيل. يقول الله تعالى:[ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) ]([82]). إذن فقبول الأعمال لدى رب العالمين من العباد مقترن بالتقوى والإخلاص. والأتقياء هم الذين ابتغوا بأعمالهم وجه الله، وكانت أعمالهم موافقة للشرع أما الحسب والنسب والمال فلا قيمة لها في الإسلام لقبول الأعمال، فليست الأمور كما كان يتمنى كفار قريش وهم يقولون: [ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم]([83]). بل الأصل في ذلك كله قول الله تعالى: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]([84]). |
|
23-05-10, 10:30 PM | #6 |
الطيار , ت 3_ الإخلاص يضمن ويكفل الاستمرارية لكي يستمر إخلاص المرء ولا ينقطع،عليه أن يتخلص من الرياء،والمحمدة عند الناس،من ثم يبارك الله له في أعماله. قال الإمام ابن القيم رحمه الله )لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح،والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء على والنار،والضب والحوت،فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس،وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة،فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص)([85]). والإخلاص عامل من عوامل الارتقاء الحضاري واستمراره،حيث أن القائمين على الأمور والولاة في كل مكان إذا أخلصوا في أعمالهم،وابتغوا بها وجه الله تعالى وكانوا في عمل دءوب من أجل خدمة الرعية،يبارك الله لهم في كل ما ملكهم من أسباب القوة،والحياة، والرزق،وأصبحت لهم كلمة تسمع لدى الأمم الأخرى،كلمة لها وزن وتقدر لدى الجميع، كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في صدر الإسلام. والعمل المقبول رسم شروطه منهج الله تعالى وبين طريقته، وساحته، وميادين هذا العمل مهما قلت،أو ضاق نطاقها،فإن كل عمل نابع من الإيمان متصل بمنهج الله تعالى هو عبادة. والعمل لا يعد صالحاً ولا مقبولاً،حتى ولو كان عبادة إلا عندما يكون خالصاً لوجه الله. فإذا توفَّر الإخلاص في أفعال المسلم كلها،ظهرت لديه روح الجهاد وأصبح يحب الجهاد في سبيل الله حباً عظيماً([86]). ذلك الجهاد جهاد طويل لا يتوقف،جهاد في كل ميدان بل في أحلك الظروف والأحوال، كل عامل في ميدانه وفي نطاق عمله فعندما تتضافر الجهود ، ويزداد البذل والعطاء والتضحية من الزارع في مزرعته، والتاجر في متجره،والصانع في مصنعه،والمدارس في معهده أو كليته،والخطيب في مسجده،والضابط في حراسته،والأمير في إمارته،والقاضي في محكمته،بإخلاص ، وإتقان،ووعي، وحرص شديد،لا يتوقف العمل، بل يزداد وينمو،ويبارك الله لهم في كل ما يفعلون، وتستمر الجهود،ولا تعرف للانقطاع طريقاً، بسبب هذا الدافع القوي العجيب وهو الإخلاص. وهؤلاء الجنود يعملون ليل نهار من أجل خدمة دينهم، ورفعة أمتهم،ورفع لواء التوحيد عالياً خفاقاً،فترى ثمرات ذلك نتائج طيبة،تلك النتائج تحققت في وجود عمل مدروس، مخطط، وفق منهج علمي،شرعي،صحيح. فالإخلاص يجعل طاقات المؤمنين تبذل، وتتحرك،وفاعليتهم تزداد، وتحركاتهم وآثارهم واضحة،في كل مكان،ومجال.يفرغون تلك الطاقات في عمل دءوب دون أن ينتظروا مكافأة من أجد من البشر،بل كل ما يسعون إليه،والفوز به هو رضوان الله تعالى عليهم. لأن همهم الوحيد التقوى،والصلاح،والإخلاص،فهم أغنياء عن مسألة الناس،يتعففون السؤال،ويرضون بالقليل بما قدر لهم الرزاق ذو القوة المتين. وهؤلاء المخلصون لا يتحركون كما ذكرنا آنفا،إلا بالعزيمة والنية،فبدون الإخلاص والنية تنهار العزيمة،لأنها نية العبادة،والإخلاص لله رب العالمين. ونيات المخلصين نيات متجردة عن المصالح،والأمزجة الهوائية،والرغبات المعطلة،نية إخلاص وتجرد لربهم سبحانه وتعالى. فالنية هي أساس النهج والتخطيط السليم،وهي منطلق العزيمة،والطريق،والحافز إلى الهدف والغاية. والتخطيط والعزيمة،والطريق الموصل للهدف،وهو طريق الله المستقيم هذه الأمور الثلاثة لها أهمية عظمى،في حياة كل من رفع شعار الإخلاص،وجعله من أساسيات حياته،يشترك فذلك الفرد،والأمة. فالأمة التي تتحرك وتسير بدون نية، ولا تخطيط، ولا نهج علمي،ولا عزيمة، ولا سبيل يوصلها إلى أهدافها، وغايتها، هي أمة سرعان ما تسقط من حساب المجتمع الدولي ومن ثم تُزْوى عن الوجود شيئاً، حتى تتهاوى نهائياً. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ومثلٌ أعلى يحتذى به في التخطيط،والعزيمة، والسبل الموصلة إلى الأهداف، والأخذ بالأسباب الذي يعد من أعظم مظاهر الإيمان بالله تعالى. فكما قيل: الأخذ بالأسباب من الإيمان بالله تعالى، لكن لا يعتمد عليها فالمؤمن عليه أن يعتمد على مسبب الأسباب وهو الله تعالى. فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك الإطار الإيماني والنهج الرباني،في هجرته المباركة من مكة على المدينة المنورة.كما تقول كتب السير المعتمدة([87]). أنه صلى الله عليه وسلم: أحكم التخطيط ونظم السير، وخادع الأعداء،وكان كل أمر يقوم به تراه منظماً تنظيماً دقيقاً، وما ترك أمراً من الأمور إلا وأعد له عدته، ووضع له خطة محكمة بتوفيق الله عز وجل. فاتفق مع أبي بكر الصديق على مكان اللقاء، وأحضر دليلاً للطريق، وجعل بينه وبين قريش مركزاً للمعلومات والإحصاء، واتُّفِقَ على من يحضر لهم الزاد، حتى يرحلون إلى بغيتهم من غار ثور. وكان ذلك كله في إطار منهج الله تعالى. والإخلاص،والتخطيط السليم يجعلان جهود المسلم محفوظة،ولا تتبعثر بل يصبانها في مجرى واحد دفاق بالخير. فها نحن نرى تقدماً عظيماً، ورقياً واضحاً،ونجاحاً لا مثيل له في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عصر خلفائه الراشدين. والتخطيط السليم والعزيمة القوية لا يتحركان بمجرد الوعظ والإرشاد والاهتمام بالنواحي الإيمانية فقط،علماً بأن الوعظ والإرشاد له دوره المهم الواضح،إذا اهتم فيه بالجوانب الروحية لدى المسلم، وذلك بأن توجد محاضرات،ودروس علمية يتحدث فيها عن الفاعلية، وكيف يصل المسلم إلى مرحلة استشعار معية الله عز وجل، فيراقب الله في كل أعماله، ويعطي من خلال هذه المحاضرات شحنة إيمانية كبيرة، تجعله يتحرك في ميادين الحياة الواقعية بكل يسر وسهولة وبكل حماس،وفاعلية،وقوة لا تتوقف بإذن الله تعالى ويا حبذا لو عممت هذه المحاضرات على جميع المستويات، ويختار فيها الموضوعات التي ترقق القلوب، وتحفز النفوس للعمل لدين الله عز وجل، ولارتقاء حضارة هذه الأمة. نقول ومع أهمية الوعظ والإرشاد بمكان، لكنهما لا يكفيان لتحرك العزيمة القوية،والتخطيط السليم، بل لا بد من الشحنة الفعلية العملية المباشرة المحسوسة. فإذا كان الوعظ والإرشاد هو الدافع الروحي،فإنَّ التدريب،والرعاية والتنظيم هو الدافع المادي للحركة،والعمل،والبناء،والتكوين،والمراقبة وتلك المراقبة والمتابعة من الرئيس للمرؤوس لا تتعارض والإخلاص بل هي تزيد من فاعلية المسلم،وتجعله في إخلاص دائم وعمل مستمر لا ينقطع. وإذا أردنا مهارة عالية،ومستوى فائقاً، وارتقاءاً واضحاً، وتزداد فعلية أبناءنا في جميع ميادين الحياة،فإننا ننصح بالاهتمام بالتعليم الفني خاصة من جانب أبناءنا الطلاب ليتم تدريبهم على أعلى مستوى تكنولوجي حديث خاصة في مجال الصناعة. وإننا في هذا البلد المبارك بلد الحرمين الشريفين،الذي يجمع بين الاهتمام بالأمور الشرعية، وبين الارتقاء بمظاهر الحياة العملية،ويتميز على سائر بلاد الدنيا في تحكيم شرع الله،نلحظ اهتماماً متميزاً في الصناعات والمصانع، وها هي الدولة تبذل بسخاء لمساعدة هذه المصانع على أداء رسالتها لكن الذي ينقصنا هو رغبة أبنائنا وشبابنا،وإقدامهم على المدارس الفنية وكلياتها،وهذا ما نتمنى أن يتحقق خلال الخطط القادمة إن شاء الله تعالى. وعلى كل فيجب على المسلم أن يصحح الخطأ،ويستفيد منه،ويقوم خبرته وتجربته، ويصحح نيته بالتوبة،والرجوع واللجوء إلى الله تعالى دائماً. والمسلم عندما يشارك في مجتمعه الذي يعيش فيه مشاركة فعالة ويجد خطأ من غيره،فعليه أن يقوم سريعاً بتصحيح هذا الخطأ،على أن لا يتتبع العورات،وأن ينصح بالحكمة والموعظة الحسنة،ويسدد ويقارب. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سددوا وقاربوا..)([88]). والمسلم كلما أخلص في عبادته لله تعالى أقبل بالحفاظ على الفرائض،ثم النوافل،والازدياد منها،ثم هجر البدع،والمنكرات،والمخالفات،ثم تقرب إلى الله تعالى بكل ما يستطيع،وقام ليسد على إبليس الملعون جميع مداخله،إذا حاول ذات مرة أن يبعده عن العمل،بأن يثبط همته،ويضعف عزيمته،فإذا بهذا المسلم المخلص ينتصر عليه بفضل الله تعالى،باللجوء إليه سبحانه،والتحصن بالأذكار الشرعية، والاستعاذة بالله من هذا العدو المضل آخذاً بقول أحد الصالحين وهو يقول: (إذا أردت أن تتغلب وتنتصر على من يراك ولا تراه فاستعذ منه بالذي يراك ويراه). فيحسن الظن بالله،ويتوكل عليه،ويزداد في العمل،ولا ينقطع عن فعل الخير،بل يستمر دائماً في طاعة الله وعبادته،وفي خدمة مجتمعه الذي يعيش فيه. ولقد شبه الله سبحانه وتعالى المخلصين تشبيهاً كريماً،حيث شبههم بالجنة التي هي في بستان عالٍ،وأصابها مطرٌ شديد فآتت ثمرها ضعفين،فإن لم يصبها هذا المطر الشديد فهي لينة بمطرها السابق وهذا كافيها،فكذلك المؤمن لا يبور عمله أبداً،ويتقبله الله ويكثره ويضاعفه كل بحسب عمله،والله لا يخفى عليه من أعمال العباد شيء([89]). قال الله تعالى:[ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]([90]). على الجانب الآخر شبه الله سبحانه وتعالى المرائين بالصخر الأملس،الذي عليه تراب ثم أصابه مطر شديد،فتركه أملساً يابساً، لم يبق عليه شيء من ذلك التراب. فكذلك أعمال المرائين تذهب سدى،وتضمحل عند الله،وإن ظهر لهم أعمال،فيما يرى الناس كالتراب([91] ). فالمراءون ليس لهم من أعمالهم شيء، بل هم يتوقفون في أماكنهم ولا يتقدمون خطوة واحدة نحو عبادة صحيحة مقبولة. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]([92]). هكذا يضيع عمل المرائي وتمحق منه البركة. على العكس من المسلم الموحد المخلص المحافظ على الأذكار،والأوراد النبوية في كل شيء،ينطق بها في بدء كل عمل، ويجدد النية ويصححها،هذا يبارك الله له في جميع أعماله. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل كلام أو ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر أو قال أقطع)([93] ). لذلك نرى المخلص يستمر في أعماله الصالحة ولا ينقطع عنها،بل هو في سعادة عظيمة عندما يقوم بعمل في مرضاة الله تعالى،لأن جسد المؤمن هيأه الله تعالى للطاعة والعبادة، فلو ظل يعمل أكثر الوقت لكفاه. لأن الجسد ما دام في طاعة الله، ولا يبتغي بالعمل إلا وجه الله فإنه لا يكل ولا يتعب. على العكس من ذلك العاصي أو الكافر فإن جوارحه تتمنى اللحظة التي ينام فيها،من أجل أن تستريح من الذنوب وتتوقف شيئاً ما عن المعصية. إذن فالباعث على الأعمال،والدافع وراء حركة المرء له أهمية عظمى،وبالغة في استمرار الأعمال،وانقطاعها،وفي دناءتها،وعلوها،وفي الثواب والعقاب عليها،فليتحرَّ كل منا الإخلاص، لتستمر أعمال المرء إلى حين انتقاله إلى الدار الآخرة،فتنفعه هذه الأعمال الصالحة التي ابتغى بها وجه الله تعالى، في يوم لا ينفع مال ولا بنون. 4_ زيادة فاعلية المسلم لأن الدافع الأخروي للعمل أقوى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علَّم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورَّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته)([94]). فالمسلم عندما يتوفر لديه الإخلاص تزداد فاعليته،ويقبل على فعل الخير،لما يعلم من أهمية الإخلاص في قبول العمل،وما ينتظره من ثواب عظيم يوم القيامة،وهو المتمثل في الدافع الأخروي لأنه أقوى من الدافع الدنيوي،وهذا الدافع الأخروي هو الذي يحرك المسلم للعمل. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:الإمام العادل،وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد،ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه،ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال:إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)([95]). ما أكثر أبواب الخير التي فتحها الله للمسلم،لتوصله إلى رحمة الله تعالى ويفوز بالنعيم المقيم،ويحظى بالدرجات العلى في الجنة. وإذا كانت الدنيا تعج بحمى ملذاتها وشهواتها المتعددة، ومحاولة التزود من متعها الزائلة، فإن الجائزة الكبرى التي تنتظر المخلصين يوم القيامة أن يتفيئوا ظلال رحمة الله يوم القيامة، يوم أن تدنو الشمس من الرؤوس،قاب قوسين أو أقل من ذلك،فيكون حر شديد،وعرق كثير،فمن الناس من يأتيه العرق إلى عقبيه ومنهم من يلجمه العرق تلجيماً، ومنهم من يسبح فيه سباحة([96]). فما أحوج الناس في يوم مثل هذا أن يكونوا في ظل عرش الرحمن يوم القيامة،فائزين برحمته التي وسعت كل شيء،ورضوانه الذي يعم به عباده المتقين. فإذا ما علم العبد هذا الدافع الأخروي،وهو النجاة من هذا الموقف العصيب يوم القيامة،الذي يتمنى فيه الكافر أن ينصرف من شمسه ولو إلى نار جهنم ([97]). لسارع المؤمن للعمل،وبادر إليه،ونظر باهتمام شديد إلى الغاية من عمله،هل هو مخلص فيه؟ فيحمد الله تعالى أم غير ذلك؟ فيتوب إلى الله، ويستغفر عن هذا التقصير ويجدد نيته ويصلحها ويعقد بيعة صحيحة مع الله تعالى ليدخل زمرة المخلصين. وفي الحديث السابق ذكره خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم سبعة من أصحاب الطاعات،يستمتعون بهذا الفضل المذكور في الحديث،وهو التنعم بظل الله يوم القيامة،وهؤلاء ممن زكت نفوسهم، واستقامت أحوالهم،وراقبوا ربَّهم في سرهم،وعلانيتهم،وأخلصوا أعمالهم،مبتغين بها وجه الكريم الجواد طامعين في الدافع الأخروي الذي حركهم للقيام بأعمالهم هذه، وهو أن يكونوا في كنف الله ورعايته. في يوم لا ناصر ولا معين إلا الله، ولا مَنْجى ولا ملتجأ إلاَّ إليه سبحانه. وعلى المسلم أن يعلم أن كل خير يقوم به سيكتب له في ميزان حسناته يوم القيامة إذا ابتغى بهذا الخير وجه الله تعالى. يبين ذلك الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)([98]). وكان الواحد من السلف يشكر أخاه أن أعانه على الحصول على الثواب من خلاله،أو القيام بطاعة، أو عبادة، تقربه من الله تعالى عن طريقه فيقول له: (جزى الله أخي عني خير الجزاء أن جعل لي من نفسه حظيرة لطاعة الله عز وجل). 5_ يمنع الإنسان من الشعور بالإعجاب ويشعره بالتقصير قال ابن القيم رحمه الله) أعمال القلوب هي الأصل،وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة،وإن النية بمنزلة الرُّوح،والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات،فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح)([99]). فإذا ما عرف المسلم الأحكام التي تتعلق بأعمال القلوب،أخذ يفتش في نفسه،ليرى هل هو مقصر أم لا؟ والذي يدفعه لذلك إخلاصه في العمل الذي يشعر الإنسان بتقصيره نحو خالقه،بالرغم من أنه يقوم على أوامر الله ويسارع في الخيرات،لكنه يخشى عدم القبول. قال تعالى:[ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ]([100] ). هذا المسلم الذي يلتزم بما أمر الله به، ويخشى عدم القبول،ويحاسب نفسه دائماً، ليرقى بها إيمانياً،عن المستوى التي هي عليه. فإذا وصلت لمستوى أعلى منه،لم يقنع بذلك،بل هو يريد الأفضل،والأرقى،يريد أن يصل إلى مرحلة المخلصين. وهكذا تزداد فاعلية المسلم، ويستمر في تقدم بسبب هذا الإخلاص، الذي يمنع صاحبه من إعجابه بنفسه أو استكثار عمله،أو استصغار ذنبه،فهو يحاسب نفسه على الفرائض التي أمره الله بها،فإن تذكر أنَّ فيها نقصاً قام بقضائه، فإنه لا كفارة فيها إلا ذلك. ثم ينظر إلى ما نهاه الله عنه، فإن كان قد اقترف منها شيئاً،أسرع بالتوبة والأوبة إلى الغفار ثم ينظر هل هو قائم بالغاية التي من أجلها خلق الله العباد المتمثلة في قوله تعالى:[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]([101]). والمتمثلة أيضاً في قوله تعالى:[ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ]([102]). فإن كان من المحافظين على طاعة الله وعبادته، ومن القائمين على تبليغ دين الله عز وجل،من المتعاونين على البر والتقوى، حَمد الله، وأرجع الفضل في ذلك كله لله وإن وجد تقصيراً اجتهد في إصلاحه. ثم يتنزه بنفسه عن الفضول من الكلام،والفضول من الطعام والشراب،والفضول من الثياب، وغير ذلك. ثم يسأل نفسه عند القيام بكل عمل،هل هذا العمل كان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى؟ أم أنه أراد به محمدة الناس،ورياءهم،وثناءهم عليه؟فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه. قال تعالى:[ وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى]([103]). ثم يسأل نفسه أيضاً كيف قام بهذا العمل؟ هل هو موافق لشرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبعيد عن البدع،والمنكرات وما حرَّم الله أم لا؟ هل روعي في هذا العمل أنه كان موافقاً للعقيدة الصحيحة التي لا يحول دونها أدنى مظاهر الشرك؟ هل اعتبر هذا المخلص الذي يحاسب نفسه من قوله تعالى: [لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً]([104]). ليت المرء يفكر في الآية السابقة ويعلم أن الصادقين سيسألون ويحاسبون عن صدقهم فما باله بالكاذبين! ! والذي يجعله يفكر في ذلك كله هو الإخلاص. إذن فالعبد كلما أخلص في عبادته وكان صادقاً مع نفسه،وجلس يحاسبها بصدق،شعر بالتقصير،وشعر أنه ليس على الحالة التي ترضي الله عنه، فقام ليصلح من أوضاعه،ويحسن من علاقته بربه. لأنه يخاف من الله سبحانه وتعالى يوم القيامة،وهذا الخوف الناتج من محاسبة النفس،يفيد المرء بفوائد عظيمة منها:([105]) 1_ الاطلاع على عيوب النفس،فإنه من لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى. روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء أنه قال)لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله،ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشد لها مقتاً )([106]). وقال أبو حفص ( من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال،ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته كان مغروراً. ومن ينظر إليها بإستحسان فقد أهلكها)([107]). لأن النفس داعية إلى المهالك،معينة للأعداء ناظرة إلى كل قبيح سائرة وراء كل سوء،عابثة بطبعها في المخالفات. 2_ معرفة حق الله عليه. فإن لم يعرف حق الله عليه،لا تكاد عبادته تنفعه،وهذه المعرفة تورثه الإزراء على نفسه،وتخلصه من العجب،فتفتح له أبواب كثيرة واسعة للعمل، والاجتهاد في العبادة ودافعه في ذلك كله أيضاً هو الإخلاص،لأنه دائماً في محاسبة نفسه وفي حق الله تعالى عليه،ويجتهد في تأديته على النحو الذي يرضي الله عنه،ومع ذلك هو يخشى عدم القبول،وإن كان يرجوا ثواب الله ورحمته. أما المرائي فَلِمَ يحاسب نفسه؟ وَلِمَ يجلس مع نفسه في خلوة ليعرض أعماله على الكتاب والسنة؟وها هو قد رضي بثناء الناس ومحمدتهم له. وهذا النوع من الناس جاهل بربه، وبنفسه،ينظر في حقه على الله،ولا ينظر في حق الله عليه. فانقطع عن ربه،وحجب قلبه عن معرفة ما عليه لله،ومحبته والشوق إلى لقائه،والتنعم بذكره. والإخلاص تجارة رابحة ليس فيها كساد،ولا خسارة،وما أعظم أن يكون البيع،والصفقات التجارية مع الكريم سبحانه وتعالى،الذي لا تنفد خزائنه أبداً،حتى أن من كرم الله على عباده أنه سبحانه يرزقهم ويملكهم أسباب القوة،ثم يحثهم على بذلها،ويحسن لهم في الجزاء،ويجزل لهم في عطائه. مع أن الله الرازق هو الذي رزق عباده ما بذلوه. ونصوص هذه الصفقة وبنودها وشروطها نزل بها أمين الوحي جبريل عليه السلام من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بدستور المسلمين قال تعالى:[ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ]([108]). 6_ يعين المسلم على تجاوز العقبات التي قد تقف في وجهه الإخلاص هو سبب نجاة العبد من مهالك كثيرة،بل أنه لا يستطيع أن يتغلب على الشيطان ويحصن نفسه منه إلا إذا كان مخلصاً في جميع أحواله،وفي جميع أعماله،ملتزماً بكل ما أمر الله،فيختاره الله،ويجتبيه من عباده بالحفظ من عدوه. قال الله تعالى مبيناً ذلك على لسان إبليس لعنه الله:[ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ]([109]) لأن هذا العدو الملعون هو الذي يحاول دائماً وأبداً أن يتسبب للعبد في إبطال أعمله،وهو الذي يدعوه إلى الرياء،والإخلاص هو المنجي له من ذلك. والناظر إلى البلاء الذي وقع يه يوسف عليه السلام،وهو التعرض للفتنة،في وجود مغريات كثيرة،منها شبابه الذي يفيض بالحيوية والجنس،وحُسْنُ وجهه حيث أنه أعطي شطر الحسن وهذا يجعل داعي الإغراء والإلحاح أشد،من ناحية امرأة العزيز،ومكان الحادث كان بعيداً عن أن يراه أحداً من أهله،أو أقاربه،فيفضح أمره. لكنه ثبت ثباتاً عظيماً في هذا الموقف العصيب فيرى الناظر لهذا البلاء أن يوسف عليه السلام قد نجاه الله سبحانه وتعالى،وكان سبب نجاته الإخلاص. يقول الله حاكياً عن نجاة يوسف عليه السلام:[ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]([110] )، فهل يتعظ، ويعتبر، ويستفيد الشباب والفتيات من هذا الدرس العظيم وهذه العبرة الطيبة التي حدثت من يوسف عليه السلام؟ أن من عباد الله عباداً لا يستطيعون غض البصر فقط،المأمور به شرعاً،ولا سبب لذلك إلا قلة التقوى،والإخلاص،والله الهادي إلى سواء الصراط. والمسلم يستطيع أن يتوسل إلى الله عز وجل بما أخلص من أعماله،فيكون إخلاصه منجاة له من الكروب،والعقبات التي قد تقف في وجهه. عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( انطلق ثلاثة رهط فيمن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه،فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار،فقالوا:إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم،قال رجل منهم:اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران،وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي في طلب شيء يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً،فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنَّا ما نحن فيهمن هذه الصخرة فانفرجت شيء لا يستطيعون الخروج،قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلىَّ فأردتها عن نفسها فامتنعت منِّي حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلِّي بيني وبين نفسها ففعلت،حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفضي الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها،فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها،اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه،فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث:اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إلى أجري، فقلت له كل ما ترى من أجرك من الإبل،والبقر والغنم والرقيق،فقال يا عبد الله:لا تستهزىء بي!! فقلت:إني لا أستهزىء بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً،اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)([111]). يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح هذا الحديث:(الإخلاص من أسباب تفريج الكربات لأن كل واحد منهم يقول:(اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه،أما الرياء والعياذ بالله والذي يعمل الأعمال رياءً وسمعة حتى يمدح عند الناس فإن هذا كالزبد يذهب جفاءً لا ينتفع منه صاحبه. . . )([112]). فهؤلاء الثلاثة أخلصوا في أعمالهم،وابتغوا بها وجه الله سبحانه وتعالى وحده،وقضية التوحيد عندهم واضحة،توحيدهم لله توحيد خالص،متضمن محبة الله،وإجلاله، وتعظيمه،والخوف منه ورجاءه وحده سبحانه ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض وما يبين إنقاذ العبد من أي مكروه قد يقع فيه،لأن هذا التوحيد لا تشوبه شائبة شرك. لأن الشرك كلما كان في العبد أغلب من الإخلاص كانت ذنوبه أكثر،ووقوعه في المضايق والكربات أكثر. لكن كلما كان الإخلاص أعظم كان العبد من الذنوب أبعد،وللمناجاة أقرب وأيسر. |
|
23-05-10, 10:33 PM | #7 |
الطيار , ت 7_ بالإخلاص تنصر الأمة عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنَّه ظن أنَّ له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:(إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم،وصلاتهم،وإخلاصهم)([113]). وصلاح الدين الأيوبي عندما كان يتفقد جنوده في إحدى المواقع الحربية،وجد بعضهم يقيم الليل فقال:(من هنا يأتي النصر) ووجد بعضهم نائماً فقال:(من ها هنا نُؤتى). 8_ يشرح صدر صاحبه للإنفاق في سبيل الله فالمخلص لا يخشى الفقر،ويعلم أن ما عند الله لا ينفد أبداً،لذلك هو ينفق ويبذل في وجوه الخير المختلفة،ويؤثرها بأعظم قدر مما ملكه الله من أسباب القوة،حتى وإن كان محتاجاً لما يبذل. قال تعالى:[وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ]([114]). 9_ يحمل طالب العلم على الاجتهاد والمعلم على الحرص في الإيضاح فكما يخلص التلميذ في حضوره لدروس العلم وأنه يتعلم ابتغاء وجه الله لينفع الناس في جميع أمور حياتهم. فكذلك يجعل الأستاذ يبذل كل ما في وسعه لإيضاح ما خفي عن التلميذ،ولا يبخل على الطلاب بما تسعه أفهامهم من المباحث المفيدة،ويكون الأستاذ حريصاً على أن يسلك في طريقه التدريس الأساليب التي تجدد نشاط تلاميذه وتحفزهم إلى التعمق في المسائل. وكلما أخلص العالم في عمله،وعمل بما عَلِم، علَّمه الله ما لم يعلم، ونفعه بما علَّمه،وصار علمه حُجة له لا عليه. 10_ يحمل صاحبه على تنظيم أعماله([115]) فالإسلام دين النظام،والانضباط،والدقة،والجمال. فتجد المخلص يحافظ على وقته،ويستغله أفضل استغلال،ويصرفه كله في طاعة الله عز وجل. لأنه يعلم أنه سيسأل عنه يوم القيامة. عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما تزال قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟..)([116]). 11_ يجعل صاحبه في منزلة عظيمة عند الناس فيحترمه الناس، ويوقرونه،ويجلونه،ويكون محبوباً لديهم. باش الوجه،حسن اللفظ،طيب الخلق. يقول الشاعر: وأحسن وجه في الورى وجه مخلص * * * لمن خلق الأشياء ربَّ ا لبشرية وأيمن كف في الورى كف مخلص * * * يريد رضا الخلاق نعم الإرادة([117] ). 12_ ينجو به المرء من عذاب الآخرة ويفوز بنعيم الجنة فالمخلص عندما يتصدق لا يريد من وراء صدقته إلا رضا الله تعالى عليه،وأن ينجو بهذا العمل من العذاب يوم القيامة،لما فيه من هول شديد،وأمور عظام قال تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً )([118]). 13_ الإخلاص دواء لمرض البعد عن الله قابل شخص الفضيل بن عياض فسأله قائلاً: يا أبا علي: هل لمرض البعد عن الله دواء؟ عليك بعروق الإخلاص،وورق الصبر،وعصير التواضع،وضع هذا كله في إناء ا لتقوى وصبَّ عليه ماء الخشية والخوف من الله عز وجل وأوقد عليه نار الحزن والبكاء والندم،وصفِّه بمصفاة المراقبة مع الله جل وعلا،وتناوله بكف الصدق،واشربه بكأس الاستغفار وتمضمض بالورع،وابعد عن الحرص والطمع،تشفَ من مرض البعد عن الله([119]). قالوا في الإخلاص تحدث الكثير من علماء المسلمين،والتابعين،والسلف الصالح عن الإخلاص وذكروا باقات طيبة من كلامهم الذي يفوح بالمسك في هذا الأصل.وإليك باقة من كلامهم حول الإخلاص: قال إبراهيم بن أدهم ( الإخلاص صدق النية مع الله تعالى)([120]). وقال سهل: ( الإخلاص أن يكون سكون العبد،وحركاته لله خاصة)([121] ). وقال آخر : ( الإخلاص ما استتر عن الخلائق،وصفا عن العلائق)([122]). وقال سفيان بن عيينة:)ما أخلص عبد لله أربعين يوماً إلا أنبت الله الحكمة في قلبه نباتاً، وأنطق لسانه بها وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها)([123]). وقال الربيع بن خيثم: ( كل مالا يراد به وجه الله يضمحل)([124]). وسئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ فقال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام،ونجاة النفوس،ورضا الرحمن،ونحن نتكلم لعز النفوس،وطلب الدنيا،ورضا الخلق([125] ). وقال أويس القرني رحمه الله: (وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك،فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما)([126]). وسئل سهل أي شيء أشد على النفس؟ فقال الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب)([127]). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس)([128]). وقال الفضيل بن عياض: ( ترك العمل من أجل الناس رياء،والعمل من أجل الناس شرك،والإخلاص أن يعافيك الله منهما)([129]). وقيل: الإخلاص دوام المراقبة،ونسيان الحظوظ كلها([130] ). وروي عن ابن مسعود أنه قال: ( لا ينفع قول إلا بعمل،ولا ينفع قول ولا عمل إلا بنية، ولا ينفع قول ولا عمل ولا نية إلا بما وافق السنة)([131]). وقال ا بن عبد الله التستري:(الإخلاص مسك مرصون في مسك القلب تنبه ريحه على حامله)([132] ). الرياء وأثره على الأعمال: الرياء يمحق الأعمال الصالحة، ويفرغها من آثرها الطيبة،ويبطلها، ويتركها خواء،ويصيرها هباء منثورا. يأكل الحسنات،ويضيع على العبد كل سعيه أشد فتكاً على المسلم في أعماله من الذئب في الغنم،أخطر على المسلمين من فتنة المسيح الدجال،يورث المرائي في الدنيا الصغار، والذل والهوان،وفي الآخرة سخط الله عليه، والزج به إلى نار جهنم،لأنه ابتغى بعمله غير الله تعالى. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال:فما عملت فيها؟قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه،وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته،وقرأت فيك القرآن،قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.ورجل وسع الله عليه،وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال:فما عملت فيها؟ قال: ما تركت سبيل تحب أن ينفق فيها إلاَّ أنفقت فيها لك،قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال:هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم القي في النار)([133]). فالعمل قد يبطل،مع أن صاحبه قد عقد له الإخلاص قبل القيام به،لكنه جاء بعد فترة من الزمن،وذكره أمام الناس،على سبيل المن والافتخار،فيبطل ثوابه في توه. عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنَّ الاتقاء على العمل أشد من العمل،وإن الرجل ليعمل العمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر يضعف أجره سبعين ضعفاً،فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه،فيكتب علانية،ويمحى تضعيف أجره كله،ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية،ويحب أن يذكر به ويحمد عليه فيمحى من العلانية،ويكتب رياءً،فاتقى الله امرؤٌ صان دينه،وإن الرياء شرك)([134]). علاج الرياء إذا ما أراد العبد أن يخرج من دائرة الرياء،فعليه أن يُقرَّ بفضل الله عليه،وتوفيقه له،وأن يخاف مقت الله وغضبه عليه يوم القيامة وأن يطالع ما في نفسه من عيوب، تقصير فيعالج ما فيها، وأن يعرف مداخل الرياء وخفاياه،فيتم له الاحتراز منها،وأن يكثر من العبادات غير المرئية،ويخفيها،ولا يذكرها لأحد،كقيام الليل،والصدقة سراً،والبكاء من خشية الله تعالى وأعماله مقبوله بإذن الله تعالى. أمور لا تعد من الرياء: وحتى لا يتلبس على الإنسان في أعماله شيء،فليعلم أن الأمور الآتية ليست من الرياء ومنها: 1_ثناء الناس عليه ومدحهم لعمله دون قصده. عن أبي ذر رضي الله عنه قال:قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:( أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن)([135] ). 2_ كتمان الذنوب:المؤمن المخلص الصادق هو الذي يستر على نفسه،ولا يهتك سترها، لأن الذي يذكر ذنوبه بحجة أن ذلك توبيخ للنفس،وتواضع، ليقال عنه أنه لا يزكي نفسه، فما ذلك إلا تلبيس من إبليس لعنه الله. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد العمل بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه،فيقول: يافلان!! قد عملت البارحة كذا وكذا،وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه([136]). فلا يظن أن كتمان الذنوب من الرياء. 3_ إظهار الطاعات:كالأعمال التعبدية التي لا يمكن إخفاؤها مثل الحج،والعمرة،والصلاة والجمعة، والجهاد،لأنه ربما قصد من إظهارها خيراً فلا يعد رياءً. كأن يقصد بذلك تعليم جاهل، أو الأخذ بيد لاهٍ غافل إلى طريق الله رب العالمين. عن أنس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(الإسلام علانية والإيمان في القلب..)([137]). 4_ تحسين الهيئة: فالإسلام دين الطهارة،والنظافة، والجمال،والمسلم يمثل أمته، ودينه،ودعوته. فظهوره بهيئة طيبة في أحواله كلها في حدود لا تخالف الشرع ليس من الرياء أو الكبر.قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق،وغمط الناس)([138] ). دور المتابعة في الفاعلية: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج عملي للحركة والعمل والفاعلية: قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([139]). المؤمن التقي المخلص هو الذي لا يعرف الكسل لجسده طريقاً،فهو يسعى ويجتهد،ولا تتوقف حركته التي يبتغي من ورائها عز أمته،ورفع راية التوحيد مقتدياً في ذلك بالنبيصلى الله عليه وسلم الذي يقول الله تعالى عنه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]([140]). وسنته الشريفة صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة فيها نماذج عظيمة تدعو إلى العمل، والفاعلية والحركة. والله سبحانه وتعالى يدعونا إلى العمل،والبحث عن الرزق، في قوله تعالى: [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ]([141]). وغير ذلك من الآيات: وإذا نظرنا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته لوجدنا الكثير الكثير. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحداً فيعطيعه أو يمنعه)([142]). وعن المقداد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما أكل أحدٌ طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)([143] ). وقد عمل نبينا صلى الله عليه وسلم بحرفة رعي الغنم،وعمل بها من قبله الكثير من الأنبياء. وحدث هذا عندما بدأ الرسول يستأنف حياة الكد والكدح،والعمل،بعد عودته من رحلته التجارية من الشام التي خرج فيها مع عمه أبي طالب. واختار الرسول حرفة الرعي، التي كان قد بدأها مع إخته في بني سعد،تلك الحرفة التي تعلم منها الصبر،والحلم،والأناة والرحمة، والرأفة، والعناية بالضعيف حتى يقوى. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم،فقال أصحابه: وأنت؟ فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)([144]). وكان يسيراً على الله عز وجل القادر على كل شيء أن يرزق النبي صلى الله عليه وسلم في بداية حياته بما يساعده على الترف، والراحة، ومظاهر العيش المترف المنعم بما يغنيه عن الكد، والتعب، ورعاية الأغنام سعياً وراء الرزق، حيث بدا له ما يلاقيه عمه أبو طالب من نصب بسبب ثقل عياله، ولكن حكمة الله تعالى تقتضي أن نعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بعناء، ولقاء ما يقدمه لمجتمعه من خدمات الخير، ويساعدهم فيه. وأن شر المال ما أصابه الإنسان وهو مستلق على ظهره على فراش لين،لم يبذل فيه مجهوداً، ولم يقدم شيئاً ولو قليلاً ينتفع به مجتمعه. وهكذا كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بين العمل في التجارة،ورعي الأغنام،وبين مساعدة المجتمع الذي يعيش فيه ليكون عنصراً فعالاً مفيداً لهذا المجتمع. أما بعد البعثة، فتضاعفت جهود النبي صلى الله عليه وسلم وحركته لأنه أصبح قدوة وأسوة للناس جميعاً فها هو صلوات الله وسلامه عليه يشارك أصحابه في حفر الخندق، يحمل معهم التراب على كتفه الشريف وكأنه يلبس ثوباً من تراب من كثرة العمل. ولما قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يارسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافيهم)([145]). وهذا يدل على عظمة تواضعه صلى الله عليه وسلم وعلى حسن ضيافته وعلى مشاركته في كل شيء صغر أو كبر. والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من أمته أن تكون أمة عاملة، فإذا به يعلمهم أن عليهم العمل، والأخذ بالأسباب،أما النتيجة فعلى الله تعالى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)([146]). والناظر لهذا الحديث من أول وهلة يتساءل إذا غرست هذه الفسيلة ومات الناس جميعاً بعد قيام الساعة فمن سيستفيد منها؟ هنا يعلمنا الرسول هذا الدرس العظيم،بأننا علينا العمل فقط، وليس علينا تحصيل النتائج لأننا لسنا مطالبين بها. وهكذا كانت حياته صلوات الله وسلامه عليه مفعمة بالفاعلية،والعمل والحركة،حياة كانت موزعة بين الدعوة لدين الله،وتبليغها،والجهاد في سبيل الله، والقيام بين يدي الله في الصلاة ليلاً حتى تورمت قدماه وبين القيام بأعباء بيته كأب، وزوج ومرب، يقوم على خدمة أهله ويجالسهم ويمازحهم،فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. وإن من فاعلية المسلم أن يخالط الناس ويأخذ بأيديهم إلى طريق الحق ويسع صدره لجهلهم. فيكون واسع الأفق، حسن التصرف،يشاركهم في أمورهم التعبدية ولا يكون في معزل عنهم،أو في منأى عن مسايرة العصر الذي يعيش فيه، فلا يكاد يدرك الحقائق أو البديهيات المسلَّم بها. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:( المسلم إذا كان مخالطاً للناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)([147] ). لقد أمر الإسلام بزيارة المريض،وتشميت العاطس،ونصر المظلوم،وصلة الرحم،وإبرار المقسم،وإجابة الداعي، واتباع الجنائز،فإذا ما شارك المسلم في هذه الأمور صار فعالاً في مجتمعه،وحصل على الخير، وأفاد الناس بأخلاقه الطيبة، واستفاد ودهم،وحبهم له،وحظى برضا الله رب العالمين. أما إذا اعتزلهم فمن أين يأتيه الخير؟ ولقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على هذه المعاني العظيمة،وحثهم على التفاني في العمل،ودعاهم إلى الإخلاص في أعمالهم. فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمجرد أن نطق بالشهادتين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم ما عليه من واجبات تجاه هذا الدين، وما له من حقوق، انطلق يدعو إلى دين الله،ويأخذ بيد الضال إلى طريق الله، لم يحصل على الخير ويقصره على نفسه، بل دعا له،وأرشد إليه،فإذا به يسلم على يديه خمسة من العشرة المشهود لهم بالجنة([148]). وإن مما يساعد في إنجاز الأعمال،الدقة في تنظيم الوقت،ومحاسبة النفس في كل دقيقة،هل صرفت هذه الدقيقة في طاعة الله أم لا؟ والذي ينظر إلى تاريخ الصحابة،والتابعين،والسلف الصالح يرى كيف كانوا يعيشون،ويرى ما قدموه لهذه الأمة من أعمال جليلة في سنوات قليلة،ما ذلك إلا لتقواهم،ودقتهم في تنظيم أوقاتهم،ومحافظتهم عليها فسجلوا بذلك صفحات بيضاء في جبين التاريخ،فهم رهبان بالليل، فرسان بالنهار. |
|
23-05-10, 10:39 PM | #8 |
محمد راتب النابلسي الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس العاشر من دروس الحديث النبوي الشريف ، ومن كتاب رياض الصالحين ، ومن باب الصبر ، الحديث الشريف الذي نحن بصدده هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أَبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )) . ( رواه مسلم ) وصلنا في الدرس لماضي إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام : " وَالصَّلَاةُ نُورٌ " ، واليوم بتوفيق الله أشرح لكم : " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " . الحقيقة أن الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل ، ماذا فعل ؟ يعني إذا آمنت أن هذه الآلة تعمل على الطاقة الكهربائية ، أنت إذا آمنت بهذه الحقيقة ، ماذا فعلت ؟ ماذا قدمت ؟ ماذا أحدثت ؟ الحقيقة إذا آمنت بالحقيقة لا تكون قد فعلت شيئاً إلا أن تأخذ منها موقفاً ، لذلك حينما يكتفي الإنسان بالإيمان بما هو حقيقي ، بما هو واقع من دون أن يكون له موقف دقيق ، من دون أن يكون ذا عمل يترجم إيمانه ، فإيمانه لا قيمة له . في بالإسلام تشريعات كثيرة ، هناك بعض التشريعات تتوافق مع طبيعة النفس ، فلو أن الإنسان ذهب في الشتاء إلى العمرة ، يستمتع بالحرمين المقدسين المكي والمدني ، وقد يكون له أهل وأقارب هناك يرحبون به ، ويمضي أياماً لطيفة جداً في الرحاب الطاهرة ، طبعاً العمرة واجبة بنص الكتاب والسنة : ( سورة البقرة : من آية " 196 " ) لكن الذهاب إلى العمرة ، وأخذ إجازة بعيداً عن مشاكل الحياة ، والإقامة في الحرمين المقدسين ، والتمتع بما عند المضيف من إكرام ، هذا يتوافق مع طبيعة النفس ، وقد يقدم الإنسان على الزواج ، ويقول : أنا أطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، طبعاً كان يدخل إلى البيت ولا أحد يؤنس وحشته ، بعد الزواج صار له زوجة ترغب به ، ويرغب بها ، تؤنسه ويؤنسها ، ويقول : أنا أطبق السنة ، شيء جميل طبعاً ، فتطبيق هذه السنة توافق مع رغبتك ، لا يعد الزواج برهاناً على إيمان الإنسان ، لأن كل الناس يرغبون في الزواج ، ولا تسمى العمرة في الشتاء إلى الديار المقدسة برهاناً على الإيمان ، لأنه شيء ممتع ، ولكن الشيء الذي يؤكد إيمانك ، ويكون دليلاً عليه ، هو أن يكون الشيء متناقضاً مع حاجاتك الأساسية . فربنا سبحانه وتعالى أودع في قلب الإنسان حب المال لقوله تعالى: ( سورة آل عمران ) فالمال ذهباً ، أو فضة ، أو ورِقاً شيء أودع الله حبه في النفوس ، فإذا ما بذل يكون بذل المال متناقضاً مع حرص النفس عليه ، إذاً عندئذٍ يكون بذل المال شيئاً مؤكِّداً للإيمان ، ربنا سبحانه وتعالى يقول: ( سورة آل عمران ) المتقون ما صفاتهم ؟ لهم آلاف الصفات ، المتقون لهم صفات كثيرة ، ولكن الصفة لتي بدأ الله بها هي قوله تعالى : ( سورة آل عمران ) لماذا بدأ الله تعالى بهذه الصفة ؟ لأن هذه الصفة تؤكِّد تقواهم ، فالإنسان إذا جاءت الأوامر الإلهية متوافقةً مع طبيعة النفس ، لا تكون هذه الأوامر برهاناً على إيمانه ، ولكنها إذا جاءت متناقضةً مع طبيعة النفس ، عندئذٍ تكون الصدقة برهان ، أنت إذا أنفقت ألف ليرة أو مئة ليرة إنك بحاجة ماسة إليها ، إنك تقضي بها بعض الحوائج ، إنها شيء محبب ، إنها جهدك ، إن المال تعبير عن قيمة مطلقة ، إنها رمز الجهد، إنها رمز العمل ، إنها بذل رمز الطاقة التي أودعها الله في الإنسان ، فإذا أنفقتها أنفقت جزءً من طاقتك ، أنفقت جزءًا من عملك ، أنفقت جزءًا من جهدك، أنفقت جزءًا من وقتك ، الوقت إذا بذلته تكسب به المال ، فإذا أنفقت المال أنفقت وقتك ، وأنفقت خبرتك ، وأنفقت عملك ، وأنفقت جهدك ، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام : " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " . |
|
23-05-10, 10:42 PM | #9 |
النابلسي , ت الإنسان أحياناً يأتيه الشيطان ، ويقول له : أنت لست مؤمناً ، أنت منافق ، الشيطان يوسوس للإنسان ، فإذا دفع الإنسان مبلغاً من المال من دون أن تعلم شماله ما أفقت يمينه فإن هذا الإنفاق يلقم الشيطان حجراً يسكته ، دفعت المال ، وقد حبب إليك ، دفعته ، ولم يدرِ بهذا الدفع أحد ، إنك بهذا ترجو الله عز وجل ، لذلك من كان في شكٍ من أمره ، من كان في شك من إيمانه ، مَن كان في شك من حبه لله عز وجل ، فلينفق دون أن يذكر إنفاقه ، فإن في هذا الإنفاق قطعاً لوسوسة الشيطان ، إن في هذا الإنفاق برهاناً . فأحياناً الإنسان يكون له صديق ، فيزوره ، يحتفل فيه ، يدعوه لزيارته ، فيرد الإكرام بإكرام مثله ، عواطف جيَّاشة ، وكلمات لطيفة ، كلمات حارة ، عبارات أنيقة ، يعلق على العلاقة، يقول له : أنا أحبك ، أنت جزء من كياني ، أنا أتعاطف معك ، هذا كله كلام ، والسهرات متع والرحلات فيها متع أيضاً ، ولكن إذا جاءك هذا الصديق ، وقال : هل معك مبلغ تقرضني إياه ، فأنا في أشد الحاجة إليه ؟ هنا تظهر المحبة الحقيقية ، ما دام الأمر لا يوجد فيه بذل ، في مجاملات ، في عبارات دافئة ، في كلمات رنَّانة ، في تعليقات عاطفية ، في تعبيرات عما في النفس من عواطف جياشة ، ما دام الأمر على مستوى الكلام ، فكله كلام بكلام ، ولكن حينما يأتيك طالباً منك بعض المال ، حينما تعطيه هذا المال ، وأنت حريص عليه ، فذا الدفع يؤكد إخلاصك له .. إن الصديق الحق مَن كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومَن إذا ريب الزمان صدعـك شتت فيك شمله ليجمعك * * * فلذلك " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " ، برهان على أنك تحب الله ورسوله ، برهان على أنك واثق بما عند الله من خيرٍ كبير ، برهانٌ على أن الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام من دعوة إلى الإنفاق في قلبك وفي سمعك وأنت مصدق النبي العدنان ، فلذلك ربنا عز وجل قال : ( سورة التوبة) من يقرأ القرآن الكريم في ثماني آيات فيما أذكر على سبيل الحصر يؤكد الله سبحانه وتعالى أن كل شيء تنفقه الله سبحانه وتعالى يخلفه .. ( سورة سبأ : من آية " 39 " ) فإذا قرأت القرآن ، وصدقت الله سبحانه وتعالى عندئذٍ تنفق ، فإذا أنفقت ، فإنفاقك تصديق وبرهان على أنك مصدق لكلام الله ، هذا معنى آخر ، إنفاق المال في حد ذاته برهان على طاعتك لله ، برهان على إيمانك ، برهان على محبتك ، ولكن إنفاق المال أيضاً دليل على أنك مصدق لوعد الله ، إذا أنفقت المال فالله سبحانه وتعالى لابد من أن يخلفه عليك ، من هنا تأتي كلمة : " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " . وذاق طعم القرب من أنفق ماله ابتغاء وجه الله ، إن الصدقة لتقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد الفقير ، إن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يسترضى بالصدقة ، باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ، ((صدقة السر تطفئ غضب الرب )) ، فإذا سنحت من الإنسان سانحة لا ترضي الله عز وجل ؛ وقع في مخالفة ، وقع في تقصير ، وقع في غيبة ، خطفت نفسه صورة امرأة من دون أن يشعر ، لم يكتف بالنظرة الأولى ، زلت قدمه ، زلَّت عينه ، خانته عينه ، وشعر أن الله ليس رضياً عنه ، وشعر بالحجاب ، وشعر بالتقصير ، شعر بالمخالفة ، إذا أسأت فأحسن ، ادفع من مالك الذي كسبته حلالاً استرضاءً لله عز وجل. والله الذي لا إله إلا هو لا يعلم هذه المعاني إلا من ذاقها ، إذا الإنسان وقع في غفلة ، وقع في حجاب ، وقع في مخالفة صغيرة عن غير قصد ، وكانت هذه المخالفة حجاباً بينه وبين الله ، بإمكانه أن يبادر في دفع صدقة تزيل هذه الجفوة بينه وبين الله ، تذيل هذا الحجاب الذي كان بينه وبين الله . لذلك " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " ، لا أعتقد في واحد من الإخوة الحاضرين لا يعرف عشرات بل مئات بل ألوف القصص التي تؤكد أنك إذا أنفقت المال عوض عليك ما أنفقه أضعافاً مضاعفة ، فالله سبحانه وتعالى يسترضى بالصدقة ، غضب الله عز وجل يطفأ بالصدقة ، البلاء يرد بالصدقة، المرض يعالج بالصدقة ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ((داووا مرضاكم بالصدقة)) . ( من الجامع الصغير : عن " ابن مسعود " ) يعني إذا أردت أن تتقرب إلى الله عز وجل ، فالمال جعله الله بين يديك مادةً للتقرب إلى الله عز وجل ، يقول لك : فلان كيف مفتاحه ؟ مع مَن مفتاح ؟ كيف نجعله يوافق على هذه الشيء ؟ يقال لك : فلان مفتاحه ويوجهه توجيه معين ، فالله سبحانه وتعالى إذا تصدقت فإن هذه الصدقة تطفئ غضب الرب ، إن هذه الصدقة تمنع البلاء ، إن الصدقة تمحو السيئة ، ((اتق الله حيث ما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن )) . " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ "، ((أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً )) ، ورد في الحديث القدسي : ((عبدي أَنفق أُنفق عليك)) . ( من الجامع لأحكام القرآن ) ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك ، لا تعلم قد يبدو للورثة أن يتهموا أباهم بالجنون ، ويقولون : هذا أبونا يحتاج إلى حجر صحي ، يريد حجرًا على عقله ، ربما لا تنفذ وصيتك ، ربما لا تنفذ وصيتك ، وقد يحتال في تنفيذه ، أما إذا قدمت مالك أمامك سرك اللحاق به ، أما إذا تركته خلفك آلمك تركه ، لذلك " وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " . مرة ثانية : ( سورة التوبة) والذي لا إله إلا هو إذا أنفقت من مالك الحلال لا تبتغي سمعة ، ولا رياء ، ولا ضجيجاً ، ولا مكانة ، ولا علواً في الأرض ، ولا سمعة ، ولا تألقاً ، لا تبتغي إلا أن يرضى الله عنك ، كان هذا المال مطهراً لنفسك ، تُطَهِّرُهُمْ ، مزكياً لها ، مقرباً لك من الله عز وجل ، والإنسان لا يقول : ليس معي ، قال عليه الصلاة السلام ، وقد أنفق بعضاً من ماله ، قال : ((يا رب هذا جهد من مقل )) ، لأن رُبَّ درهم سبق ألف دهم ، إذا الإنسان دفع عشرة ليرات ، ولا يملك غيرها فقد دفع ماله كلها ، شاب ، له مخصصات أسبوعية ، خمسة وعشرين ليرة ، لو أنه دفع منها خمس ليرات ، ما معنى خمس ليرات ؟ أي دفع خمس ماله ، رب درهم سبق ألف درهم ، شيء آخر : درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم ينفق في رياء . فهذه الصدقة أيها الإخوة برهان ، والله الذي لا إله إلا هو ، إخوة كثيرون يروون عشرات القصص كيف أنها تطفئ غضب الرب ، كيف أنها تمنع البلاء ، كيف أنها تقي مصارع السوء ، صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، كيف أنها تقرب من الله عز وجل ، كيف أنها تطهر النفس، كيف أنها تزكِّياه ، كيف أنها ترقى بصاحبها . فلذلك آيات الإنفاق التي وردت في القرآن الكريم أكثر من أن تعد ، كثيرةٌ جداً ، والأحاديث الشريفة التي بينت فضل الإنفاق ، أكثر من أن تحصى ، وإذا أردت أن تتعامل مع الله بهذه الأحاديث ، لا أقول لك : جرب . لأن الله لا يجرب ، الله سبحانه وتعالى لا يجرب ولا يشارط ، ولكن زوال الكون أهون على الله من أن تنفق نفقة من مالك الحلال ، ولا يعوضها الله عليك بعشرات الأمثال في الدنيا قبل الآخرة ، لذلك الحديث القدسي : ((عبدي أَنفق أُنفق عليك )) ، بل للصدقة معنى آخر ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((استنزلوا الرزق بالصدقة)) . ( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " ) والله أخ كريم حدثني أن عمله أوشك أن يقف ، ولا مورد له آخر، فاستمطر الرزق كما قال عليه الصلاة والسلام بالصدقة ؛ صار ينفق من ماله كل يوم مبلغاً يسيراً ، فالمبيعات كثرت إلى أن صار ينفق كل يوم مبلغاً كبيراً جداً يتناسب مع حجم مبيعاته ، استمطروا الرزق بالصدقة ، إذاً بالصدقة تجلب الرزق ، وبالصدقة تطفئ غضب الرب ، وبالصدقة تدفع البلاء ، وبالصدقة تمحو السيئة ، وبالصدقة تثبت لنفسك أنك مؤمن وأن الله يحبك ، وأن دفع المال رمٌز لإخلاصك في حب الله. بقي هذا الدفع ، الأفضل أن يكون في حياتك ، لأنه درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك ، والأفضل أن يكون هذا الدفع بإخلاص شديد ، درهم أنفق في إخلاص خيرٌ من مئة ألف درهم أنفقت في رياء . والصبر ضياء .. ( سورة الزمر) لماذا هو ضياء ؟ الصبر تماماً كطفلٍ صغير جعل على مقعد طبيب الأسنان ، هذا الطفل الصغير لجهله بعلم الطبيب ، ولجهله بحكمته، ولجهله بأن هذا الذي يفعله في أسنانه لمصلحته ؛ تراه يصيح ، ويثور ، ويبكي ، ويرغي ، ويزبد ، أما الراشد الكبير قد يتألم ، وقد يشد على طرف المقعد من ألمه ، ولكنه لا يتكلم ، ولا يضجر ، ولا يقول إلا الكلام اللطيف مع الطبيب ، لأنه يعلم علم اليقين أن هذا الذي يفعله الطبيب لمصلحته. لذلك ، "الصَّبْرُ ضِيَاءٌ " ، معنى الصابر أنت تعلم أن هذا الذي يجري لمصلحتك عملية معالجة ، الدواء دائماً مر ، كان في تقصير ، كان في وقاية ، فربنا عز وجل أراد أن يقي هذا الإنسان أو أن يعالجه ، فساق له بعض الشدائد ، فالصابر هو الذي يعرف أن الله سبحانه وتعالى بيده الخير ، كل شيء وقع أراده الله ، وإرادة الله متعلقة بحكمته ، وحكمته متعلقة بالخير المطلق ، يجب أن تعلم علم اليقين أن الذي وقع هو خيرٌ مطلق ، فإذا سمَّاه علماء التوحيد شراً ، والإيمان بالقدر خيره وشره ، هذه التسمية بحسب ما نفهم نحن في أشياء مؤلمة ؛ الفقر مؤلم ، المرض مؤلم هذا الفقر في ظاهره مؤلم ، لكن في حقيقته ربما كان الطريق إلى الله عز وجل ، لذلك إن المصائب والحكم حكماً جليلة ، وهي أنها تدفع العبد إلى باب الله سبحانه وتعالى ، وتلجئه إلى أن يكون عبداً له ، لذلك ولو كشف الغطاء لاخترتم الواقع ، " ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر " .. ( سورة الشورى) ( سورة البقرة ) بعضهم قال في تفسير هذه الآية : وإنا راجعون إلى الله بها .. ( سورة البقرة ) إذاً " وَالصّبرُ ضياءٌ ، والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك " ، القرآن إذا طبقته فهو حجة لك ، فإن لم تطبقه فهو حجة عليك ، إذا عرفت أن هذا الكلام كلام الله ، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن كلام الله يعلو على كل كلام ، وان مصداقيته من أعلى درجة ، وأن السعادة كلها في تطبيقه ، وأن الشقاء كله في تركه ، وأن القرآن غنىً لا فقر بعده ، ولا غنى دونه ، إذا علمت هذا العلم وطبقته كان حجة لك ، فإذا علمت ولم تطبق كان حجة عليك . لذلك كلمة : صدق الله العظيم كلمة خطيرة جداً ، نقرأ جزءًا ، حزبًا ، عشرًا ، ونقول : صدق الله العظيم ، هل أنت مصدق ما في هذا الكتاب ؟ طبعاً ، كلمة نعم سهلة ، هل عملك في اليوم ، وهل كسبك للمال ، وهل علاقتك الاجتماعية ، وهل علاقتك الزوجية ، وهل منطلقاتك النظرية ، وهل ممارساتك العملية تنطلق من هذا القرآن أم من أشياء أخرى ؟ فيكفي أن الله سبحانه وتعالى يقول لك : ( سورة النور : من آية " 30" ) فإذا كنت مصدقاً قال : ( سورة النور : من آية " 30" ) رب العزة يقول : غض البصر أزكى لك وأطهر في الدنيا والآخرة ، فإذا رأيت أن في النظر متعةً ، فأنت بهذا لست مصدقاً ما قاله الله عز وجل . إذا قال الله : ( سورة البقرة ) ورأيت أنه لابد من أن يستثمر المال بفائدة لئلا تقل قيمته ، هكذا رأيت أنت ، رأيت شيئاً يخالف كلام الله ، عندئذٍ الله سبحانه وتعالى يمحق الله الربا ، فهذا الذي نقوله : " والقرآن حجة لك أو عليك " . " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ، كل إنسان ينطلق في حياته ، إما أن يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله ، فينجو من عذاب الدنيا والآخرة ، وإما أن يبيعها للشيطان فيخسر الدنيا والآخرة ، إما أن يبيعها للرحمن فيكسب الدنيا والآخرة ، وإما أن يبيعها للشيطان فيهلكها في الدنيا والآخرة ، كل الناس يغدو .. ( سورة الليل) كل إنسان ينطلق ؛ هذا إلى عقد صفقة ، وهذا إلى كسب مال حرام ، وهذا إلى طلب علم شريف ، وهذا إلى خدمة أخ صادق ، وهذا إلى معاونة أرملة ، وهذا إلى رعاية أيتام ، وهذا يغدو إلى صلة الرحم ، وهذا يغدو إلى طلب العلم ، وهذا يغدو إلى تعليم العلم .. ( سورة الليل) متفاوتة بالدوافع والأهداف والنتائج ، فالإنسان العاقل هو الذي يسعى لمرضاة الله ، " كل الناس يغدو " ، كل يوم صباحاً الناس ينطلقون من بيوتهم هذا إلى إيقاع الأذى بالناس ، أعانه الله على مصيره ، وهذا إلى بث الحق في النفوس ، وهذا إلى تعليم الناس الخير ، وهذا إلى الأمر بالمعروف ، وهذا إلى النهي عن المنكر ، وهذا إلى عمارة مسجد من مساجد الله عز وجل ، وهذا إلى رعاية أرملة ، وهذا إلى رعاية يتيم ، " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها " من النار ، " أو موبقها " . رواه الترمذي في الدعوات ، وقال : إنه حديث حسن ضعيف ، فقد روي من طريق فكان صحيحاً ، وروي من طريق فكان حسناً ، كلمة صحيح أعلى صفة في الحديث ، وأعلى منها المتواتر ، وبعد المتواتر الصحيح ، وبعد الصحيح الحسن ، وبعد الحسن الضعيف ، هذه مراتب الحديث ، فإذا مر معكم أن هذا الحديث صحيح حسن ، يعني من طريق هو صحيح ومن طريق آخر هو حسن ، هذا الحديث حسن صحيح صححه النسائي وابن عساكر ، وغيرهم ، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير . نعيده مرة سريعة لنجمع المعاني التي مَنَّ الله بها علينا في هذه الدروس الثلاث . عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )) . ( رواه مسلم ) |
|
23-05-10, 10:44 PM | #10 |
النابلسي , ت والآن إلى قصة تابعي من التابعين الأجلاء تابعي اليوم طاووس بن كُيسان ، هذا التابعي قال عنه كتاب السيرة بخمسين نجماً من نجوم الهداية استضاءت ، فغمره الثناء ، وتدفق عليه النور ؛ نور في قلبه ، ونور في لسانه ، ونور يسعى بين يديه ، وعلى خمسين علماً من أعلام مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم تخرج هذا التابعي الجليل ، فإذا هو صورة لصحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في رسوخ الإيمان ، وصدق اللهجة ، والتعالي على عرض الدنيا ، والتفاني في مرضاة الله ، والجهر بكلمة الحق مهما كان ثمن هذه الكلمة ، لقد علمته المدرسة المحمدية أن الدين النصيحة ، النصيحة لله ، وكتابه ، ورسوله ، وأئمة المسلمين وعامتهم . في غداة يوم بارد من أيام الشتاء دخل على والي اليمن طاووسٌ ومعه وهب بن منبِّه ، فلما أخذا مجلسيهما عنده ، طفق طاووس يعظه ، ويرغبه ، ويرَهِّبه ، والناس جلوس بين يديه ، فقال الوالي لأحد حجابه : يا غلام أحضر طيلساناً ـ الطيلسان كساء أخضر اللون غالي الثمن تلبسه الخاصة ، الطبقة العلية في المجتمع ـ وألقاه على كتفي أبي عبد الرحمن . فعمد الحاجب إلى طيلسان ثمين ، وألقاه على كتفي طاووس ، وظل طاووس متدفقاً في موعظته ، وجعل يحرك كتفيه في تؤدة حتى ألقى الطيلسان من على عاتقه ، وهب واقفاً وانصرف، وترك الطيلسان في المجلس . فغضب محمد غضباً ظهر في احمرار عينيه ، واحتقان وجهه ، غير أنه لم يقل شيئا ، فلما صار طاووسٌ وصاحبه خارج المجلس قال وهب لطاووس : ـ والله لقد كنا في غنىً عن إثارة غضبه علينا ، فماذا كان يضيرك لو أخذت الطيلسان منه ، ثم بعته ، ودفعت ثمنه للفقراء والمساكين ؟ خذه منه وبعه وادفع الثمن للفقراء والمساكين . ـ فقال طاووس : هو ما تقول ، لولا أنني خشيت أن يقول الناس من بعدي : نأخذ كما يأخذ طاووس ، ثم لا يصنعون فيما أخذوه ما تقول أنت ، هذا موقف من مواقفه الجريئة . ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعث إلى طاووس يقول : ـ أوصني يا أبا عبد الرحمن . فكتب إليه طاووس رسالة في سطر واحد ، قال فيها : ـ إذا أردت أن يكون عملك خيراً كله ، فاستعمل أهل الخير والسلام . فلما قرأ عمر الرسالة قال : كفى بها موعظة كفى بها موعظة . ولما آلت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك ، كان لطاووس معه مواقف مأثورة ؛ من ذلك إلى أن هشاماً قدم البيت الحرام حاجاً فلما صار الحرم قال لخاصَّته من أهل مكة : ـ التمسوا لنا رجلاً من صحابة رسول الله . ـ فقالوا له : إن الصحابة يا أمير المؤمنين قد تلاحقوا بربهم لم يبق منهم أحد ، واحداً إثر آخر. ـ فقال : إذاً فمن التابعين . فأوتي بطاووس بن كيسان ، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ، وسلم عليه من غير أن يدعوه بأمير المؤمنين ، وخاطبه باسمه دون أن يكنيه ، وجلس قبل أن يأذن له بالجلوس . كم مخالفة ؟ أولاً دخل عليه ، وخلع نعليه بحاشية بساطه ، وسلم عليه من غير أن يدعوه بأمير المؤمنين ، وخاطبه باسمه دون أن يكنِّيه ، وجلس قبل أن يأذن له بالجلوس ، فاستشاط هشام غضباً حتى بدا الغيظ في عينيه ، ذلك أنه رأى في تصرفاته اجتراءً عليه ، ونيلاً من هيبته أمام جلسائه ورجال حاشيته ، بيد أنه ما لبث أن تذكر أنه في حرم الله عز وجل ، فرجع إلى نفسه وقال لطاووس : ـ ما حملك يا طاووس على ما صنعت ؟ ـ فقال : وما الذي صنعته ؟ ماذا فعلت ؟ ـ فعاد إلى الخليفة غضبه وغيظه وقال له : خلعت نعليك بحاشية بساطي ، وكان ينبغي أن تخلعهما خارج المكان ، ولم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين ، وسميتني باسمي ولم تكنني ، ثم جلست من غير إذني !! ـ فقال طاووس بهدوء : أما خلع نعلي بحاشية بساطك فأنا أخلعهما بين يدي ربِّ العزة كل يوم خمس مرات ، فلا يعاتبني ، ولا يغضب علي ، وأما قولك : إني لم أسلم عليك بإمرة المؤمنين فلأن جميع المؤمنين ليس راضين بإمرتك ، وقد خشيت أن أكون كاذباً إن دعوتك بإمرة المؤمنين ، وأما ما أخذته عليَّ من أني ناديتك باسمك ولم أكنك ، فإن الله عز وجل نادى أنبيائه بأسمائهم ، فقال : يا داود ، ويا يحيى ، ويا عيسى ، وكنى أعداءه فقال : تبت يدا أبي لهب وتب ، وأما قولك : إني جلست قبل أن تأذن لي ، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار ، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام بين يديه ) ، فكرهت أن تكون ذلك الرجل الذي عُدَّ من أهل النار. قال : فأطرق إلى الأرض خجلاً . وقد روى عطاء بن رباح قال : رآني طاووس في موقف لم يرتح له ، فقال : يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق في وجهك بابه ، وأقام دونك حُجَّابه ، وإنما اطلبها ممن أشرع لك أبوابه ، وطالبك بأن تدعوه ، ووعدك بالإجابة ، أي الله عز وجل .. لا تســألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تُحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب * * * كان يقول لابنه : يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم ، وإن لم تكن منهم ، ولا تصاحب الجهال فإنك إن صحبتهم نسبت إليهم ، وإن لم تكن منهم . لذلك الفقهاء ذكروا حالات كثيرة تجرح العدالة منها : صحبة الأراذل ، إذا إنسان صفيه ، أو له سمعة منحطة ، أو منحرف الأخلاق ، يكفي أن تمشي معه فإن هذا يجرح عدالتك ، يجرحها ، وترفض شهادتك إذا سرت معه ، فالذي يصحب الأراذل ، والذي يتحدث عن النساء ، والذي يتنزه في الطرقات ، والذي يعلو صوته في البيت حتى يسمعه من في الطريق ، والذي يطفف بتمرة ، والذي يأكل لقمةً من حرام ، والذي يطلق لفرسه العنان ـ المسرع في المركبة ـ والذي يقود برذوناً ، والذي يمشي حافياً ، والذي يبول في الطريق ، والذي يأكل في الطريق ، والذي يلعب النرد ، هذه الأعمال كلها تجرح عدالتك ، وترفض شهادتك. ولا تصاحب الجهال ، فإنك إن صحبتهم نسبت إليهم ، وإن لم تكن منهم . وقد امتدت الحياة بطاووس حتى بلغ المئة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((خيركم من طال |
|
|
|