روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
13-01-17, 12:19 AM | #41 |
تفسير قوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا...)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. فما زلنا وإياكم نتفيأ ظلال سورة الكهف، وقد مضى القول في آخر اللقاء السابق عن قول الله جل وعلا: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45]. وقلنا: إن هذه الآية تبين أن لله جل وعلا كمال القدرة، وجليل الصنعة، وأنه جل وعلا قادر على الإحياء، قادر على الإفناء، قادر على الإعادة. قال الله فيما بعدها: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]. قال علي رضي الله عنه: الْمَالُ وَالْبَنُونَ : حرث الدنيا، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ : حرث الآخرة. وقد جمعهما الله لأقوام. أما التفسير الجزئي للآيات فإن الله جل وعلا ذكره في صدر الآية أن المال والبنين من أعظم العطايا التي تعطى في الدنيا، وأنا قلت: البنين؛ لأني عطفتها على المال، ولأنها منصوبة، ولم أقلها حكاية عن القرآن، يعني: ليس خطأ في القراءة. قال الله: الْمَالُ وَالْبَنُونَ [الكهف:46]. البنون والمال كلاهما من زينة الدنيا باتفاق، لكن الله قدم المال؛ لأن المال تتعلق به نفس كل أحد بخلاف البنين فإنه لا يتعلق بهم قلب كل أحد، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: أن الإنسان إذا كان كثير المال، ولا أبناء عنده فلا يقال عنه: إنه شقي، شقاوة دنيوية، لكن من كان عنده كثرة أبناء، ولا مال له ففيه نوع من رقة الحال، وكثرة العيال، وشقاوة المرء في دنياه من حيث الجملة لا من حيث قضاء الله وقدره. فلهذا قدم الله جل وعلا المال، وإن كان حب الأبناء في النفس مقدم على حب المال، لكن هذا الذي من أجله قدم ذكر المال، فذكر الله اثنين من زينة الدنيا، وذكر الزينة يدل على أن هناك شيئاً من الضروريات غير الزينة؛ لأن الله قال: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا [الكهف:7]، والمعنى: أن ما على الأرض غير الأرض، فلما قال جل وعلا: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ [الكهف:46]، دل على أن هناك أشياء ألصق بالإنسان غير المال والبنين، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). قوت اليوم الواحد، والأمن في الدور، والمعافاة في الأبدان هذه من أعظم النعم، لكنها تعين على طاعة الرب تبارك وتعالى، فإن رزق الإنسان مع هذه الثلاث مالاً وبنيناً فقد أتم الله عليه نعمة الدنيا، فما بقي عليه إلا أن يجعلها طريقاً للآخرة. لما ذكر الله متاع الدنيا الفاني، وكان قد ضرب مثالاً محذراً فيه قال: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45]. ذكر هنا ما يفنى؛ لأنه لا المال ولا البنون يغدوان مع صاحبهما إلى القبر، فذكر الله ما يغدو معك إلى قبرك، فقال جل ذكره: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]، والأصل أن يقدم الصلاح هنا ولا تقدم الباقيات لكن الله ذكر الباقيات قبل الصالحات -مع أن الصالحات هي المستخدمة في القرآن كله- حتى تقابل قضية ما هو فان، ولا يجدي، ولا نفع منه في الآخرة: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46]. وقد قال بعض العلماء: إن الباقيات على وجه التخصيص: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد وردت بهذا المعنى أحاديث، لكن الأصح أن يحمل قول الله جل وعلا: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف:46]، على كل عمل صالح اجتمع فيه الشرطان: وهما: إرادة وجه الله، وموافقة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46]، خير أملاً: أمور الدنيا وحرث الدنيا لا أمل من ورائها؛ لأن عمله ينقطع بمجرد الموت، أما الأعمال الصالحة فسماها الله باقيات؛ لأن أمل نفعها بعد البعث أعظم وأجدى. |
|
13-01-17, 12:20 AM | #42 |
تفسير قوله تعالى: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة...)
ثم قال جل ذكره: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47]. أي: واذكر يوماً تسير فيه الجبال، وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47]، ولن نطنب في الحديث عن الجبال؛ لأنه سيأتي لها شيء مخصوص، ومن منهجنا بالتفسير أن ما ذكر في الآيات عرضاً لا نتوقف عنده، وما ذكر أصلاً نقف عنده، وسيأتي ذكر الجبال كأصل في صورة طه عند قول الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ [طه:105]، ولكن المقصود هنا: ذكر أهوال اليوم الآخر. وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ [الكهف:47]، دل عليه قول الله: وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:3]. وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47]، الأرض الآن موجودة، سواء هي أرض المحشر أو غير أرض المحشر، وبارزة بمعنى: ظاهرة، وأنت تقرأ بالتاريخ، وتعي بعقلك أنه عندما يحتدم الجيشان ويلتقيان لا يميز فارس عن فارس، فمعنى المبارزة: أن يخرج واحد من هذا الجند مثلاً في الشق الأيمن ويخرج واحد من الجند فيصبح ظاهراً بيناً؛ لأنه خرج عن جملة الجيش الأول، ويخرج آخر عن الجيش الثاني فيصبح بارزاً ظاهراً عن الجيش الثاني، ولقاءهما يسمى مبارزة، وكانت هذه طريقة في الحروب، كما هي مقدمة معركة بدر. معنى: وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً ، فالأرض في الدنيا مغطاة بما عليها من بنيان، وبما عليها من جبال، وبما عليها من زرع، فقل ما ترى الأرض على حقيقتها إلا الصحراء غير المثمرة التي عليها نبت، وإلا الأرض أذهبت معالمها ما عليها مما أفاءه الله على بني آدم، لكن يوم القيامة يقول ربنا: وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47] فلا يوجد على الأرض أي معلم، ولهذا جاء في الحديث: (وليس فيها معلم لأحد)، لا يوجد علامة نتواعد ونتفق على أن نلتقي عندها، وهذا معنى قول الله: وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً . ثم قال ربنا: وَحَشَرْنَاهُمْ ، أي: جمعناهم: فَلَمْ نُغَادِرْ ، أي: لم نترك، ويقال لفلان: غادر؛ لأنه ترك الأمانة، ولم يغادر منهم أحداً قطعاً فكل مخلوق سيحشر في عرصات يوم القيامة. |
|
13-01-17, 12:26 AM | #43 |
تفسير قوله تعالى: (وعرضوا على ربك صفاً...)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الكهف:48]. فكما خلقناكم أول مرة، وهذا بداية الخلق الأول، ويبعث بعد الموت يسمى الخلق الثاني أو الخلق الآخر، وهو الذي حار فيه أهل الإشراك، قال الله جل وعلا: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ [ق:15]، وهم يعترفون بالخلق الأول، وأن الله خالقهم، لكن المشكلة كما قال الله: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق:15]، هو الشك عندهم في قضية البعث. فقال ربنا وهو يخاطب أهل الإشراك: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا [الكهف:48]، اسم زمان، أي: ليس لكم موعد زماني ولا مكاني، وهذا مخاطب به أهل الكفر في المقام الأول أنهم كانوا يعترضون على البعث والنشور، قال الله جل وعلا: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن:7]. ثم ما زالت الآية تذكر أهوال اليوم الآخر قال الله: وَوُضِعَ الْكِتَابُ ، وهو اسم جنس: ولكل أحد كتابه كما دلت عليه كثير من النصوص: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ ، أعاذنا الله وإياكم منهم: مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ، أي: أصابهم الوجل والخوف، انقلب ما كانوا يظنونه وهماً إلى حقيقة، وأصبح أمراً مرئياً لا يمكن إنكاره. قال الله جل وعلا: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مؤنث ويل، والمعنى: الدعوة على أنفسهم بالهلاك والثبور، أي: شعروا بالهلاك والثبور: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]. قول الله جل وعلا: صَغِيرَةً ، إخبار بدقة ما تضمنه الكتاب، وقوله جل وعلا: وَلا كَبِيرَةً ، إخبار بالعموم. قال الله: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف:49]، كل ما صنعه الإنسان، واقترفته اليدان، وأبصرته العينان، أي خطيئة في ليل أو نهار سيراها المرء بين عينيه، أعاذنا الله وإياكم من ذل الفضيحة يوم العرض عليه، قال الله: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ، بل إنه سبحانه يغفر ويرحم، ويقيل العثرة، ويقبل التوبة، ويعفو عن السيئات. وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ، منزه جل وعلا عن أن يظلم أحداً، فأنت عندما تناجي ربك اثن على ربك بأنه تنزه عن الصاحبة والولد، وتقدس فلم يلد ولم يولد، وتعالى أن يظلم أحداً، فكلما نعت الله بما أثنى به على نفسه كنت أقرب إلى رحمة ربك، ومثال ذلك قوله: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3]، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، وقال: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]. |
|
13-01-17, 12:26 AM | #44 |
تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم...)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50]. هذه القصة تكرر ذكرها في القرآن، لكن العلماء يقولون: إن ذكرها في كل مرة له غاية وعبرة، فذكرها في سورة البقرة إعلام بمبادئ الأمور، وذكرها هاهنا تنظير للحال، وتوطئة للإنكار، فالعبر من القصة تختلف من طريقة إلى طريقة، ومن سورة إلى سورة، والقصة واحدة لا تتغير. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [الكهف:50]، وإبليس رأس الجن. قال الله: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف:50]. |
|
13-01-17, 12:27 AM | #45 |
تفسير قوله تعالى ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض...)
قال الله: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ [الكهف:51]، أي: لا يوجد لهم دليل قيم، ولا برهان يتكئون عليه في دعواهم، فإن الله خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق الخلق، ثم إن الله جل وعلا ما أشهد أحداً خلق نفسه، حتى يشهده على خلق غيره: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ [الكهف:51]. وهذه الآيات إبقاؤها على ظاهرها أعظم هيبة والغيبة التي فيها أعظم أثراً في القلوب. |
|
13-01-17, 12:28 AM | #46 |
تفسير قوله تعالى: (ويوم يقول نادوا شركائي...)
ثم قال الله جل وعلا: وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ [الكهف:52]، وفي هذه المرة استجاب أهل الإشراك، وهم يردون قول الله في الدنيا، والدليل على أنهم استجابوا: فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [الكهف:52]، والذين لم يستجيبوا هم المدعوون، ولم يستجيبوا؛ لأنهم لا يملكون القدرة، وإنما هم أسماء سموها. قال الله: وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا [الكهف:52]، الموبق: الهلاك، قال الله: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا [الشورى:34]، أي: يهلكهن بما كسبوا، لكن ما المقصود به هنا؟ هل هو واد ما بين المحشر والنار؟ هل هو واد في النار؟ الله أعلم بكيفيته وحيثيته وكنهه، لكن المقصود أنه الهلاك هو الذي سيكون محل أهل الإشراك يوم القيامة. |
|
13-01-17, 12:29 AM | #47 |
تفسير قوله تعالى: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها...)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الكهف:53]، وهذه رؤيا بشرية، فانقلب الأمر الذي كان وعداً إلى حقيقة. وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا ، وظن هنا ليست على بابها، وإنما بمعنى الاعتقاد؛ لأنه لا يعقل أن يروا النار وهم يدفعون إليها، ويشكون هل يدخلونها أو لا يدخلونها. وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:53]، أي: لا محيط ولا ملجأ عن النار. |
|
13-01-17, 12:30 AM | #48 |
تفسير قوله تعالى: (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن...)
قال الله بعدها: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]، وهذا عود على بدء؛ فإن الله كرر وبين في هذا الكتاب العظيم ما ينفع الإنسان في أمر دينه ودنياه، فلا يوجد مجلس أعظم من مجلس يتدارس فيه كلام الله، جعل الله مجلسنا هذا ومجلسكم من هذه المجالس. قال الله: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الكهف:54]، ومع ذلك قال الله: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]. (أكثر) اسم تفضيل، لكنها هنا مسلوبة التفضيل، والمعنى: وكان الإنسان كثير الجدل، ليست المقارنة بين الإنسان وغيره، وإنما المقصود أن الإنسان كثير الجدل. |
|
13-01-17, 12:31 AM | #49 |
تفسير قوله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى...)
ثم قال: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا [الكهف:55]، (الناس) هنا عموم مراد به خصوص، أو عام أريد به الخاص، والمقصود: كفار قريش. وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [الكهف:55]، وسنة الأولين: أن الله جل وعلا أهلكهم بهلاك الاستئصال، كما أهلك عاداً وثمود، وقوم لوط وغيرهم. أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا [الكهف:55]، لها معنيان: قبلاً بمعنى مقابل أي: مواجه، و(قبل) تكون جمع لقبيل، والمقصود متنوع، والمعنى: ألوان من العذاب: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا [الكهف:55]، أي: ذا ألوان وأنواع متعددة. ثم بين الله: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [الكهف:56]، والمعنى: أننا لن نبعث الرسل ليطلب منهم قومهم العذاب، فهذا خلاف ما كلف الله به الرسل، ولا شأن للرسل لهم به، إنما بعثهم ليبشروا ولينذروا في آن واحد، وما بعثهم ليطلب منهم عذاب أو غير عذاب، لكن الناس إذا جاءهم الرسول خرجوا عن الطريق الذين يخاطبون به، ولا يقبلون بشارة، ولا يخافون نذارة، وإنما أخذوا يطلبون من الرسل العذاب، وهذا خلاف المقصود من إرسال الرسل. وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ [الكهف:56]، وهذا هو نوع من الجدال المذموم: وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا [الكهف:56]، فقد بعث لهم الآيات، وصرفت لهم الآيات، وبعث لهم النذر لتكون طرائق ومعالم تهديهم إلى الحق، فقلبوا ظهر المجن، ولم يفقهوا التعامل معها، وجعلوها هزواً، فقد سخروا من القرآن فقالوا: إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [الأنعام:25]، وسخروا بمن نزل عليه القرآن فقالوا: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر:6]، وكلا الحالتين جعلوا من القرآن ومن الرسول مادة هزو لهم، وهذا لا يضر إلا إياهم، نقول: وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا [الكهف:56]. |
|
13-01-17, 12:32 AM | #50 |
تفسير قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه...)
ثم قال الله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [الكهف:57]. هذا استفهام إنكاري، أي: لا أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه، ومع ذلك أعرض عنها ونسي ما قدمت يداه. وما تصنعه من خير، وما تصنعه من شر يسمى كسب، لكن جرى أسلوب القرآن أن الله إذا قال: بما قدمت يداك، يراد به العمل السيئ، ودليله قول الله في الحج: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [الحج:10]. قال الله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الكهف:57]، الأكن: الغطاء: وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [الكهف:57]، أي: ثقل في السمع، صمم: وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:57]، (إذاً) هي الرابط، أي: إذا كان الله قد وضع على قلوبهم أكنة، في سمعهم وقر، فلن يهتدوا، إذاً: كل أمر راجع إلى مشيئة الله، قال الله عن أهل تقواه: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]. وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:57]. |
|
|
|