روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
11-03-17, 07:35 AM | #31 |
.
بيان معنى قوله تعالى (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) ثم قال تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، والذي أقسم هنا هو رب العالمين، وهو -جل وعلا- أصدق القائلين. ويتحرر من هذا أن أصدق القائلين أقسم على أن هناك جمعاً، فمن أعظم اليقينيات الكبرى في حياتنا أن هناك بعثاً ونشوراً، فإن قيل لنا: لماذا؟ قلنا: لأن أصدق القائلين جل جلاله أقسم على أن هناك جمعاً وبعثاً ونشوراً فقال تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، وهذه اللام هي لام القسم. وهناك لامات أخر، منها لام الجحود، ولام الجحود كائنة في القرآن كثيراً، تأتي في خبر كان المنفية، كقول الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى [هود:117]، فـ(كان) سبقت بـ(ما) النافية، فأصبحت (كان) هنا منفية، و(رب) اسمها، والكاف مضاف إليه، و(يهلك) خبرها جملة فعلية، فسبق الفعل باللام، وهذه اللام اصطلح أهل النحو على تسميتها بلام الجحود. وهناك لام أخرى اسمها: اللام المزحلقة، أي: استقر في الذهن أنها تحركت من .. من مكان إلى مكان، فيقولون: إن (إن) التوكيدية التي تنصب اسمها وترفع الخبر إذا جاءت اللام في خبرها فإن الأصل أن هذه اللام كانت موجودة في الاسم، فانتقلت من الاسم إلى الخبر، ولذلك أسموها اللام المزحلقة، وأحياناً لا تعمل (إن)، بل تخفف، فإذا خففت دخلنا في إشكال، وهو أنه يوجد (إن) نافية تعمل عمل (ليس)، فإذا خففت (إن) اشتبهت مع (إن) النافية، فوجب التفريق بينهما، فيأتون باللام في خبر (إن) المهملة، ويسمونها اللام الفارقة، قال الله -وهو أصدق القائلين- في القرآن: وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ [المؤمنون:30]، فـ(إن) هنا ليست نافية، وإنما هي مخففة من (إن)، ولذلك جاءت اللام في خبرها، وأصلها هي اللام المزحلقة، ولكن لما خففت (إن) أصبحت اللام تسمى اللام الفارقة. |
|
11-03-17, 07:36 AM | #32 |
بيان معنى قوله تعالى (الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون)
قال الله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، ثم قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12]، ومن جميل ما حرره السعدي هنا في المناسبة بين قول الله جل وعلا: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [الأنعام:12]، وبين قوله: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12] أنه قال: إن هذا اليوم الذي أقسم الله بوقوعه يؤمن به أهل الطاعة وأهل الإيمان، ويجحده أهل الكفر، ولهذا قال الله بعدها: الذين لا يؤمنون بي هم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ [الأنعام:12]، أما عبارة: خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ [الأنعام:12]، فتحرير خسارة النفس من حيث الإجمال في الدنيا فساد الفطرة، ففساد الفطرة هو أعظم خسران للنفس، وبحسب فساد الفطرة وبلوغ المرء فيه يكون خسران النفس. |
|
11-03-17, 07:38 AM | #33 |
11-03-17, 07:39 AM | #34 |
بيان وجه إفراد الساكن بالذكر دون المتحرك
وهنا إشكال، وهو أن المخلوقات قسمان: ساكن ومتحرك، والله نص هنا على أحدهما فقال: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]. وتوجيه هذا الإشكال عند العلماء ينقسم -كما حكاه ابن العربي - إلى ثلاثة أوجه: فقال بعضهم: لما كانت المخلوقات الساكنة أكثر من المتحركة اكتفى الله جل وعلا بذكر الساكن، فيندرج هذا التوجيه تحت ما يسمى بباب التغليب. فالذين ذهبوا إلى هذا التوجيه أصحاب صناعة تعتمد على التغليب، ولهم قرائن، ومنها أن التغليب موجود في اللغة. وقال بعضهم: إن الله جل وعلا نص على الساكن لأنه ليس كل ساكن يتحرك، ولكن كل متحرك يسكن، فنص الله على الساكن لأنه سيندرج فيه المتحرك لزاماً، ولهذا جاءت الظرفية في قوله تعالى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الأنعام:13]، فما كتب الله له أن يتحرك نهاراً سيسكن ليلاً، وما كتب الله له أن يتحرك ليلاً سيسكن نهاراً، فقالوا: إن هذه الظرفية حلت الإشكال؛ لأن كل ساكن لا يلزم منه أن يتحرك، ولكن كل متحرك سيسكن، فإن لم يسكن ليلاً فسيسكن نهاراً، وهذا التوجيه يحتاج إلى إثبات؛ فنحن لا نعلم أن جميع المخلوقات لا بد من أن تسكن. وقال بعضهم: إن هذا يسمى وفق الصناعة البلاغية اكتفاء، والاكتفاء: أن تقول شيئاً تكتفي به، فلازمه محرر أصلاً لا حاجة إلى التلفظ به، فقالوا: إن الله جل وعلا اكتفى بذكر (ما سكن) اكتفاء بأن كلمة (ومتحرك) ستأتي لا محالة، ومن نظائر هذا في القرآن أن الله قال: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل:81]، ولم يذكر الله البرد، والناس يحتاجون إلى التوقي من البرد أكثر من الحر، فقالوا: هذا من الاكتفاء. فالله ذكر أحد الأمرين واكتفى به ودخول الآخر فيه لازم لا بد منه. وليس المقصود من الآية هذا الذي أطلقناه من باب اللغة والبلاغة، وإنما المقصود من الآية إثبات أن العالم كله تحت مشيئة الله جل وعلا، لا يقع فيه إلا ما أراد الله. |
|
11-03-17, 07:39 AM | #35 |
بيان معنى قوله تعالى (وهو السميع العليم)
ثم قال الله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، السميع لأقوالهم، العليم بما تكنه ضمائرهم وسرائرهم. وهذا أمر نزدلف به إلى قضية الموعظة العامة، وهي أن الإنسان إذا علم أن كل ما سكن في الليل والنهار لله تبارك وتعالى وحده أذعن لله وأسلم لله جل وعلا قلبه. |
|
11-03-17, 07:41 AM | #36 |
أثر الاستشفاء بقوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار)
وهناك علم يسمى العلم التجريبي، يقوم على التجربة، والآيات في القرآن حينما نتعبد الله بها نتعبده تعبداً محضاً لا يدخله التجريب، فنحن محكومون بالشرع ومحكومون بالأثر. ولكن نقول: إن الله تعالى قال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]، وقد دلت تجارب الناس وأهل الصلاح منهم على وجه الخصوص على أن هذه الآية: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، لها أثر حميد إذا تليت على الشيء الذي يؤذي، كألم الضرس أو أشباهه من آلام الأعصاب التي تتحرك ولا تجعل المرء يرتاح في مقامه، فإذا تلي عليها قول الله جل وعلا: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام:13]، يكون في ذلك أثر حميد. قلت: هذا يندرج تحت ما يسمى بالطب، والطب علم تجريبي، فلا يتنافى هذا مع قداسة القرآن، خاصة مع قول الله جل وعلا: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ [الإسراء:82]. هذا ما تيسر إيراده وتحرر إعداده وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
13-03-17, 03:24 AM | #37 |
لقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن مرد الأمور جميعها إليه، فكشف الضر، وإيصال الخير إلى العباد إنما هو بيده، كما أخبر تعالى بأنه علي على عباده ذاتاً ومكاناً وقهراً وغلبة، وأمر تعالى رسوله وأتباع رسوله شهادة أنه لا إله إلا هو، والبراءة من شرك المشركين، وبين تعالى عظيم الظلم، وهو افتراء الكذب على الله والتكذيب بآياته، وفاعل ذلك خاسر سالك غير سبيل الفلاح.
|
|
13-03-17, 03:25 AM | #38 |
تفسير قوله تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو...)
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس السابع حول سورة الأنعام، وكنا قد انتهينا إلى قول الله جل وعلا: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [الأنعام:16] وحررنا أن الفوز يكون بنيل الثواب والنجاة من العقاب. ثم قال الله جل وعلا بعدها: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] . والضر يلحق الإنسان من ثلاثة أوجه: ضر في النفس، وضر في البدن، وضر في الحال. فالضر في النفس: كالجهل والحمق وما أشبه ذلك. والضر في البدن: كنقص بعض الأعضاء أو مرضها. والضر في الحال: كقلة الجاه والمال، فهذه الثلاثة يمكن أن يجمع بها أنواع الضر، وقد يكون هناك ضر لا تحويه هذه القاعدة. فالله يقول لنبيه في أسلوب شرط: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام:17] فالله جل وعلا هو الولي، فلما كان جل وعلا هو الولي لم ينبغ لأحد أن يلجأ في كشف ضره إلى غير الله؛ لأنه لا يكشف الضر إلا الله، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ [الأنعام:17]. والنبي عليه الصلاة والسلام هو أعظم المصدقين بكلام ربه، فعندما تنزل عليه آية كهذه لن يخشى بعد ذلك ضر أحد من أهل الإشراك. قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17] . |
|
13-03-17, 03:28 AM | #39 |
ذكر مناسبة ختم الآية ببيان قدرة الله تعالى
قال العلماء في بيان مناسبة ختم الله الآية بقوله: فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17]: ذلك ليستقر في قلب المؤمن أن الله إذا أراد به خيراً وفضلا لا يقدر أحد على منعه منه، وقد قال تعالى في سورة يونس: فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107] والمعنى واحد. والمقصود من هذا كله أن سياق سورة الأنعام يتحدث عن القدرة الإلهية، ولذلك جاء التذييل فيها بذكر ما لله من صفات الجلال والجبروت والكمال، بخلاف غيرها من السور، فقال الله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17] والمراد والمقصود الأعظم من الآية تربية النفوس على ألا تتعلق بأحد غير الله جل وعلا، وأن الإنسان يرفع إلى الله حاجته ويبث إلى الله شكواه، ويرفع إلى الله نجواه، وهو يعلم أنه لا يقدر على نفعه ولا ضره إلا رب العزة جل جلاله، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس : (يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) ثم قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). |
|
13-03-17, 03:28 AM | #40 |
تفسير قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده...)
ثم قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18]. وبعض المفسرين يتجنب أن يقول: إن الفوقية مكانية، والحق الذي لا محيد عنه أن الآية يعنى بها تعظيم الله من وجوه ثلاثة، فالله جل وعلا علي في ذاته، علي في مكانه، علي في قهره لعباده؛ لأنه جل وعلا فوق عرشه مستو على عرشه بائن عن خلقه، والعرش فوق السموات، ولا مجال للتردد في نفي الفوقية المكانية عن الله جل وعلا. وقد استدل على ذلك بعض علماء الإسلام إضافة إلى النصوص الظاهرة بما هو في الفطرة؛ فإن الإنسان بفطرته -كما حرره الهمداني رحمه الله تعالى في محاورته لـأبي المعالي الجويني - إذا أراد أن يبث شكواه إلى ربه يرفع بصره إلى السماء، وهذا أمر لا ينبغي أن يكثر النزاع فيه. |
|
|
|