روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16-01-17, 04:59 AM | #11 |
تغريب الزاني
ولم يذكر الله هنا إلا الجلد، وجمهور أهل العلم والخلفاء الراشدون على أنه يضاف إليه تغريب عام، لنطقه صلى الله عليه وسلم بهذا في قصة الأجير الذي زنى بامرأة مستأجرة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (على ابنك جلد مائة وتغريب عام) أي: النفي. وهذا قول جمهور أهل العلم. وقال بعض الفقهاء: إن التغريب يرجع إلى الإمام، وهذا قول أبي حنيفة . والسبب في ذلك أصل مذهب أبي حنيفة ، وذلك أن أصله أن الزيادة في النص تعني النسخ، وهذا الأصل حاكم للمذهب. ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك في تغريب المرأة، فذهب مالك رحمه الله إلى أن التغريب لا يقع على المرأة، وحجته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مع غير ذي محرم، أو بدون محرم) وغير ذلك من النصوص الحاكمة في هذا الباب. وقد يقول قائل: يجبر المحرم على السفر معها، وهذا لا دليل عليه، والأظهر -والعلم عند الله- أن التغريب يقع على الرجال دون النساء؛ لأنه يخشى من تغريب النساء مفسدة أكبر من الأمر الذي تغرب من أجله، لكن إن ثبت أن أبا بكر أو عمر فعله فلا ريب في أن رأيهما أو رأي أحدهما مقدم على رأي من بعدهما. وهذه المسألة إحدى مسائل الأصول، أعني اتفاق الشيخين أبي بكر وعمر على مسألة، فهل يعد قولهما حجة أم لا؟ والجواب أنه لا يعد قولهما حجة، ولكن نقول: من ذا الذي يقدر على أن يعارض قولاً اتفق عليه الشيخان؟! قال جرير يسخر من الأخطل : ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر |
|
16-01-17, 05:00 AM | #12 |
تفسير قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ...)
ذكر قول من حمل النكاح على الوطء وقول من رده ثم قال ربنا جل وعلا بعد ذلك: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]. هذه الآية هي من جملة آيات معدودات اضطربت فيها أقوال أهل العلم اضطراباً شديداً، بل هي من أعظم آيات القرآن إشكالاً باتفاق المفسرين، وكل من نحا في تفسيرها لا يستقيم كلامه على إطلاقه. والإشكال الوارد عندهم -أي: الأكابر الذين نظروا في كتاب الله من قبلنا- هو أنهم اختلف عليهم فهم كلمة (ينكح) في قول الله جل وعلا: الزَّانِي لا يَنكِحُ [النور:3] فهل المقصود بها عقد النكاح أو المقصود بها الجماع والوطء؟ بمعنى: هل المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، أو المقصود أن الزاني لا يجامع ولا يطأ إلا زانية أو مشركة من غير زواج، أي: لا يزني إلا بزانية أو مشركة. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما -كما صح عنه في نقل صحيح-: المقصود بالنكاح هنا الوطء. وقال ابن القيم رحمه الله: وينبغي أن ينزه كلام الله عن مثل هذا. فانظر إلى التعارض بين القولين. وقال الزجاج : إن القول بأن النكاح هنا بمعنى الوطء مخالف لكلام الله، بمعنى أنه لا يعرف في القرآن. ولكن الآخرين الذين لم يرتضوا هذا دافعوا عن قول ابن عباس بحجج عدة: أولها أنهم قالوا رداً على الزجاج : ثبت في كلام الله أن النكاح يراد به الوطء في قول الله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فقد فسرتها السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى تذوقي عسيلته) فعبر عن الوطء بالنكاح. وأجابوا عن قول ابن القيم رحمه الله: إن هذا القول يجب أن ينزه عنه كلام الله -كما قال الشنقيطي رحمه الله وغيره من قبل- فقالوا: إن القائل بهذا القول هو ترجمان القرآن وحبر الأمة، وهو من أعلم الناس بكلام العرب. والذي دفع ابن القيم رحمه الله إلى أن يقول: إنه يجب أن ينزه كلام الله عن مثل هذا هو أنه يرى -كما رأى غيره- أنه لا تتأتى على هذا التأويل أي فائدة من الآية؛ لأنه يصبح معنى الآية: الزاني لا يزني ولا يطأ إلا زانية أو مشركة، والزانية لا يطأها أصلاً إلا زان مثلها أو مشرك، فقالوا: أين الجديد في المعنى؟! فهذا شيء مألوف معروف. والذي دفع ابن عباس وأمثاله إلى منعهم القول بأنه النكاح هو الاتفاق على أنه لا يجوز للمؤمن أن يتزوج مشركة، ولا يجوز للمرأة الزانية المسلمة أن تتزوج مشركاً، فهذا هو الذي دفعهم إلى القول بعدم كون المراد به عقد النكاح المعروف. |
|
16-01-17, 05:01 AM | #13 |
ذكر قول من حمل الآية على معنى الرغبة الغالبة
وبعض أهل الفضل من العلماء يقول: إن الآية مسوقة فيما يجري مجرى الغالب، والمعنى من الآية: أن الله أراد أن الزاني لا يرغب في نكاحه إلا الزانية مثله أو المشركة، والزانية لا يرغب في نكاحها إلا زان مثلها أو رجل مشرك لا يؤمن بالله واليوم الآخر. فقالوا: هذا يجري مجرى الغالب؛ لأنهم يحاجون بأنه يوجد في الزناة من يرغب في الحرائر العفيفات، ويوجد في النساء الزواني من ترغب في الرجل العفيف. ونقول: إن الذين يكثر فيهم الشك في بيوتهم هم الذين كانوا على طرائق محرمة من قبل، فقول هؤلاء الأفاضل بهذا المعنى ينافي الواقع. |
|
16-01-17, 05:02 AM | #14 |
ذكر قول من حمل المشترك على معنييه
ولا بد من حل هذا الإشكال، ولذا قال ابن تيمية رحمه الله: إن النكاح هنا مشترك لفظي، أي: أن اللفظ إذا كان يحتمل معنيين فإننا نقبلهما جميعاً، فنحمل أحدهما على أمر والآخر على أمر آخر. فالنكاح هنا جاء بمعنى العقد وبمعنى الوطء، فالوطء نحمله على المشركات والمشركين؛ لأن النكاح لا يجوز بين مسلم وكافرة أو مسلمة وكافر، والنكاح نحمله على المؤمنين والمؤمنات. وهذا القول قال الشنقيطي معقباً عليه: ولا أعلم مزجاً واضحاً من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف. ثم ذكره. وحمل المشترك على معانيه جائز في العربية، حيث يجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، تقصد أن اللصوص عدوا على إحدى عينيه فعوروها، وعدوا على عين مائة فغوروها، وسلبوه الذهب والفضة، أي: عين ماله. والحق أن هذا القول بعيد جداً؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. وحمل المشترك اللفظي بهذه الأمثلة على كلام الله بعيد جداً، خاصة أن القرآن مخاطب به عموم الناس، والله يتكلم عن مسألة اجتماعية يحتاج إليها البر والفاجر وسائر الناس، ولا يتكلم عن مسألة عظيمة التعقيد، وإنما يتكلم عن مسألة اجتماعية يهذب بها المجتمع رجالاً ونساءً، فيبعد أن يكون هذا هو الحل. |
|
16-01-17, 05:04 AM | #15 |
ذكر القول بنسخ حكم الآية الكريمة
وبقي هناك قول يبدو لنا أنه أقرب الأقوال إلى الصواب، ولكن الذين ردوه لم يتأنوا -والله- في الرد، ولو تأنوا لأبصروه جيداً. وهذا القول هو قول سعيد بن المسيب رحمه الله وأخذه عنه الشافعي وأيده، وهو أن الآية منسوخة، فالله يقول: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] فالذين لم يرضوا بأنها منسوخة قالوا: الآية في الخاص؛ لأن وصف الزنا في المرأة والرجل وصف خاص، وقول الله جل وعلا: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى [النور:32] عام، وقد اتفق الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أن العام لا ينقض الخاص ولا ينسخه، فقالوا: قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] لا يُنسخ آية الزاني؛ لأن آية الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3] آية خاصة، والعام لا ينسخ الخاص. هذا هو قولهم، إلا أن هناك قرائن أخرى تدل على ما ذكرته تحتاج إلى تريث، وسأحاول بقدر الإمكان أن أبينها لك. فينبغي أن يفهم أن هذه السورة نزلت في العام الخامس، والعام الخامس كانت فيه حادثة الإفك في غزوة المريسيع، فسورة النور تحدثت عن الإفك، وإذا عرفت زمن نزول السورة عرفت أن نكاح المشركات من المؤمنين وقتها كان قائماً، ونكاح المؤمنات من المشركين كذلك كان قائماً، والدليل على ذلك أن الآية التي نسخت نكاح المؤمنات من المشركين في سورة الممتحنة، وسورة الممتحنة نزلت بالاتفاق بعد الحديبية، والآية هي قوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]. فالله عندما تكلم في سورة النور لم يكن في ذلك الوقت قد حرم جل وعلا نكاح المؤمنات من المشركات. وأما نكاح المؤمن من المشركة فإننا نقول: حرمه آية البقرة: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]. فأوجه الأقوال أن نقول: إنها نزلت بعد سورة النور، فعلى هذا نقول: إن النكاح هنا بمعنى العقد، وهو الكثير المستعمل في القرآن، فيصبح معنى الآية: أنه لا يليق بالمؤمن ولا يجوز له أن ينكح زانية، ولا يجوز للمؤمنة أن تنكح زانياً، فالزاني لا ينكح إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان مثلها أو مشرك، ثم نسخ هذا الأمر جملة، أي: نسخ نكاح المؤمنات من المشركين بآية الممتحنة، ونسخ نكاح المؤمنين من المشركات بآية البقرة. وأما نكاح الزواني فالدليل على أنه جائز عموم قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24]، وقوله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، وقوله جل وعلا: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] واضح؟ وهذا القول في ظني -والعلم عند الله- أظهر من غيره؛ لأن غيره يحتاج إلى تعسف قد يكون صعباً قبوله، وقد قلت: إن هذا هو مذهب الشافعي وسعيد بن المسيب ، ويؤيده عقلاً أننا نقول: إنه ينبغي أن ينظر في حال القائل، فإن لحال القائل دوراً في القول لا يصح إلغاؤه بالجملة. و سعيد بن المسيب أحد أجلاء التابعين، وكان يحفظ كثيراً من الآثار المنقولة عن عمر، بل احتج بمراسيله الشافعي وبعض العلماء خاصة إذا حدث عن عمر ، فـسعيد بن المسيب يقبل قوله، ونقول: إن الذي دفع سعيداً إلى القول بأنها منسوخة علمه بالآثار، وقد تكون هذه الآثار ليست موجودة لدينا، ولكن نقول: إن غالب الظن أن لا يتجرأ سعيد رحمه الله على القول بأنها منسوخة دون أن يعضده أثر قد سمعه؛ لما علم من تقوى الرجل. ثم إن الآخرين من الفضلاء الذين ردوا هذا النسخ ردوه بالقاعدة التي سبق أن بيناها وهي أن العام لا ينسخ الخاص، وقد حررنا أن العام ليس آية واحدة، بل هو عدة آيات تعاضدت فأخذنا بها وقلنا: إنها تنسخ الخاص. وبينا أنه ينبغي النظر في زمن نزول السورة بقدر الإمكان، ففهمنا من سورة الممتحنة أن نسخ نكاح المؤمنات من المشركين كان بعد الحديبية، وصحيح أننا في آية البقرة لا نعرف زمناً، ولكن نستطيع أن نقول بذلك من حيث الإجمال العام الذي يتفق مع تفسير هذه الآية. فهذا هو ما يمكن أن يحرر في قول الله جل وعلا: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]. |
|
16-01-17, 05:05 AM | #16 |
التغليظ في شأن الفواحش
وقال بعضهم: إنما هذا خبر أريد به تشنيع الأمر وبيان فظاعة الزنا عند الله، وهذا كله يسوقنا إلى أن نقول: إن ما تكلمنا عنه سابقاً يعنى بتدوين المسألة فقهياً، والقرآن لا يخاطب العقل فقط، بل يخاطب العقل والقلب؛ فإن الله جل وعلا لم يتعبدنا بالمعرفة فقط، وإنما تعبدنا بالعلم بالمعرفة، فكل الناس يعلمون أن الخمرة تسكر، والإنسان لا يثاب على علمه بأن الخمر تسكر، ولا يعاقب على علمه بأن الخمر تسكر، ولكنه إذا تركها من أجل الله يثاب، وإذا فرط فيها وشرب منها ولم يعظم تحريم الله لها يعاقب، فالله لا يتعبد أحداً بالمعرفة. فما قلناه هو معارف، ولا بد من مخاطبة القلوب، بأن تفهم من سياق الآية أن الله يبدأ بسورة يَنزل بها ملكٌ عظيم مثل جبريل من السماوات السبع ويقول في التمهيد لها: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا [النور:1] ويمهد للقول بها. ثم يشنع على أصحاب هذه المعاصي فيقول: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور:2] وهو أرأف بنا من أنفسنا، ويقول: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، ويقول في خاتمتها: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، كل ذلك يبصر المؤمن -إذا جمعه مع غيره من الآيات- بعظيم هذه الفاحشة، وقد قال الله في الإسراء: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]. وقد قال أهل العلم: إن هناك ثلاث معاصٍ حرمها الله جل وعلا في جميع الشرائع والأديان: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، والزنا، وجمعها الله في سورة الفرقان فقال: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68]. وعلى النقيض من قضية تعظيم الزنا تأتي نصوص شرعية ترغب في العفاف وتبين عظيم أجره ومآل أهله عند الله ترغيباً لهم في ترك هذه الفاحشة، حيث يقول صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -: (سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.. -وذكر منهم:- ورجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله). ويقول الله جل وعلا عن نبيه يوسف بن يعقوب عليه السلام: وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:23-24]. قال الله تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] . وقد اشتهر عند العلماء أن الزنا أشبه بالدين، وأن الإنسان إذا صنعه في أهل بيت رد ذلك في أهل بيته، وينسب إلى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قوله: إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم والحق أنا لا نؤمن بقول الشافعي هذا على عظيم إجلالنا له وحبنا إياه؛ لأن الله يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. ثم إن هذا القول يدفع الناس إلى باب شر عظيم، فقد يكون لأحد الناس سابقة في الزنا وفي الفواحش عياذاً بالله، ثم يمن الله جل وعلا عليه بالتوبة بعد أن ستره، فإذا قررنا ما قاله الشافعي رحمه الله -إن صحت نسبة الأبيات إليه- أضحى ذلك الرجل شاكاً مرتاباً في زوجته أو بناته، وهذا غير حق وغير عدل، ولكن نقول من حيث الجملة: إن الزنا -والعياذ بالله- من أعظم الفواحش وأجل الكبائر، وقد حرمه الله وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم. ومما جاء في التغليظ فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى الزواني والزناة عراة في تنور ضيق من أسفله واسع من أعلاه توقد من تحته نار. قال بعض العلماء -كالحافظ ابن كثير وغيره-: هذا من جنس صنيعهم، فكما هتكوا ستر الله عليهم في الدنيا هتك الله عنهم الستر في حياة البرزخ. |
|
16-01-17, 05:07 AM | #17 |
أهمية سد الذرائع
والزنا له طرائق، وأسباب تؤدي له، ومن أعظمها: كثرة رؤية الرجل للمرأة، وكثرة مخالطة المرأة للرجال. وسد الذرائع أمر مقرر شرعاً، ولكن بقدر، فلا يفتح باب سد الذرائع على إطلاقه، ولا يغلق أبداً، ولكن الأمور تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن مكان إلى مكان، وتقيد بقيود الشرع، ولكن قد قالوا: إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تمر على سلمى وواديها فما تبثه الفضائيات والقنوات والشاشات من صور خليعة وأفلام ماجنة وغيرها لا ريب في أنه من أعظم أسباب انتشار الفاحشة بين الناس عياذاً بالله. فالذي يكثر من النظر إليها يكون أقرب إلى الوقوع في الحرام، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وهذا حق ولا ريب؛ لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الواقع يشهد له شهادة عظيمة. |
|
16-01-17, 05:08 AM | #18 |
درء الحدود بالشبهات
فهذه الثلاث الآيات ذكرت حد الزنا في فواتح سورة النور كما بيناها، وذكرنا في أولها الفرق بين الحد والقصاص. ومن الفوارق بينهما كذلك أن الله جل وعلا جعل الحد لا يسقط ولا تجوز فيه الشفاعة، ولكن يسر الله على لسان رسوله دفع الحد بالشبهات، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود بالشبهات). ومن جملة ذلك ما يروى عن جماعة من الناس أتوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه يستعدونه شاعراً يقال له: النجاشي ، فاسقاً في لسانه، فهجا قوماً يتهمهم بما ليس فيهم، فكان عمر يدرأ الحد عنه بالشبهة، فكان يقصد بالبيت شيئاً فيحمله عمر على معنى آخر مع أنه ضليع في لغة العرب، حيث قال يهجو بني العجلان: قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل فقال عمر : ليت آل الخطاب كذلك. فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنه يقول: ولا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الوراد عن كل منهل فقال عمر : ذلك أخف للزحام وأصفى للماء. مع أنه أراد ضعفهم وعجزهم، وأراد عمر أن يغير المعنى، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنه يقول: تعاف الكلاب الضاريات لحومهم وتأكل من كعب بن عوف ونهشل فقال عمر : أجن القوم موتاهم. يعني: هؤلاء قوم طيبون يدفنون موتاهم فلا تصل الكلاب إليهم. فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنه يقول: وما سمي العجلان إلا لقولهم خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل فقال عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه: كلنا عبد، وخير القوم خادمهم. وكلما ذكروا بيتاً خرج به عمر مخرجاً آخر، وهو يعلم مقصده، لكن هذا من باب: (ادرءوا الحدود بالشبهات) حتى وصلوا معه إلى أبيات لا يمكن دفعها، فجلده تعزيراً. والذي يعنينا أن الإنسان يدرأ الحدود بالشبهات بقدر الإمكان، ومن أجل هذا أيضاً علق عمر حد السرقة في عام الرمادة؛ لأن شبهة الجوع والفقر وحاجة الناس كانت طاغية عامة من البلاء العام، فلم يقم الحد في ذلك العام، ولا يقال: ألغى عمر الحد، فهذا ليس لعمر ولا لغيره، ولكن علقه رضي الله عنه وأرضاه اجتهاداً لحاجة الناس آنذاك من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود بالشبهات). فهذا -أيها الأخ- ما تيسر قوله حول الثلاث الآيات الأول من سورة النور. وفي الدرس القادم سنعرج على قضيتين أخريين، وهما قضية حد القاذف وقضية الملاعنة، ونكتفي بهما بإذن الله تبارك وتعالى. وهذا ما تيسر إيراده وتهيأ قوله وأعان الله على أن نمليه، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
19-01-17, 04:37 AM | #19 |
من جملة أحكام الشريعة الواردة في سورة النور ما يتعلق بحكم قذف المؤمنين والمؤمنات، فقد أوجب الله تعالى في ذلك على القاذف الإتيان بأربعة شهود، وأوجب عليه عند العجز عن ذلك حداً في ظهره، فيجلد ثمانين جلدة تطهيراً للمجتمع وصيانة لأعراض المؤمنين عن المساس، ولما كان القذف -وهو تهمة المقذوف بالزنا- كان على الزوج إقامة البينة على قذفه امرأته أو الحد في ظهره، وفي ذلك مشقة عظيمة وحرج كبير على الأزواج، فشرع الله تبارك وتعالى حكم الملاعنة استثناء لقذف الزوج من الحكم العام في القذف.
|
|
19-01-17, 04:38 AM | #20 |
تفسير قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء)
ذكر ما يترتب على القذف من أحكام بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اعترافاً بفضله وإذعاناً لأمره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فغني عن القول أن يقال: إن هذا الدرس له ارتباط وثيق بالذي سبق، وقد شرعنا في الدرس الأول في تفسير فواتح سورة النور، وأخذنا الثلاث الآيات الأول منهن، وبينا أن الله جل وعلا قال: وَفَرَضْنَاهَا [النور:1] إشارة إلى الأحكام، وتكلم الله جل وعلا فيها عن حد الزنا. ثم ينتقل بنا القرآن إلى حد آخر، وهو حد القذف، حيث يقول الله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ... [النور:4]، وذكر تعالى أنه طلب منهم أربعة شهداء، فقال: ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] وهذا الحد يسمى حد القذف. وإذا تلبس المرء بجريمة الزنا فإنها تثبت عليه بواحد من ثلاثة: إما باعترافه بنفسه، وهذا هو الذي ثبت به الزنا في عهد النبوة، كقصة ماعز والمرأة التي من غامد. وإما بشهود أربعة، وهذا لم يقع في عهد النبوة. وإما بأن تحمل المرأة وليس لها زوج معروف، فهذا ما يتعلق بحد الزنا. أما الآية التي بين أيدينا فتتحدث عن حد القذف، والله جل وعلا قد أمر من قذف بأن يأتي بأربعة شهداء، فإن لم تقع تلك الشهادة على الوجه الذي أمر الله جل وعلا به ترتب على هذا الأمر ثلاثة أحكام: الأول: أن يجلد القاذف ثمانين جلدة. الثاني: ألا تقبل له شهادة أبداً. الثالث: أن يعتبر فاسقاً. ثم جاء الاستثناء بقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [آل عمران:89]. |
|
|
|