روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
23-12-16, 02:52 AM | #161 |
تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ...)
قال الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:91] أي القرآن. قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا [البقرة:91] أي التوراة. وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91] أي بما سواه. وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:91] الألف واللام في الحق للجنس، لكن ينبغي أن يفهم أنها تحمل هنا معنى الاشتهار، وأحياناً الألف واللام تتضمن معنى الاشتهار والعرف حتى يصبح كأنه معنى من معاني الحصر، قال حسان يهجو رجلاً: وإن سنام المجد من آل هاشم بنو بنت مخزوم ووالدك العبد لم يقصد أن العبودية محصورة في والد المذموم، لكن قصده أن والدك اشتهر بالعبد فإذا أطلق لفظ العبد ينصرف إليه بصورة أولية، فالله يقول هنا: (وهو الحق) أي أن الحق إذا أطلق اشتهر به الدين والقرآن الذي جاء به محمد، لا حصر الحق فيه؛ لأن الله جل وعلا حق، فقال الله جل وعلا في هذه الآية: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91] أي بما سواه. وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا [البقرة:91] حال. ويصح أن تقول في غير القرآن: مصدقٌ على أنها خبر، لكنها هنا حال مؤكدة على مذهب سيبويه ، والحال تقع مؤكدة وتقع مؤسسة. أراد الله أن يجيب عليهم فقال: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91] معنى الآية من حيث الإجمال أنهم قالوا: قالوا أليس محمد يقول: إن التوراة حق؟ قلنا: بلى. قالوا: إذاً بما أن التوراة حق فيكفينا أن نكون مؤمنين بالتوراة، ولا حاجة لنا بالقرآن، لأننا دخلنا في أصل الإيمان! هذا صنيعهم ودعواهم، قال الله جل وعلا لهم: إن التوراة لا يمكن أن تأمركم بقتل نبي، فإن كنتم تعتقدون أنه يكفيكم الإيمان بالتوراة: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91] أي أن إيمانكم بالتوراة ليس إيماناً حقيقياً. |
|
23-12-16, 02:53 AM | #162 |
تفسير قوله تعالى: (ولقد جاءكم موسى بالبينات ...)
قال الله يذكر اليهود ببعض معايبهم: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [البقرة:92] لاحظ ما قال: واتخذتم العجل، بل قال: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ [البقرة:92] أي: جاءتكم البينات فتدبرتموها زمناً، وبقيت في أذهانكم أزماناً، وفي قلوبكم شهوراً وأياماً وأعواماً، ثم بعد استقرارها قلباً وعقلاً ويداً وقراءة وتأملاً اتخذتم العجل! والعرب تقول مثلاً: اتخذ الرجل التدريس مهنة، فمهنة مفعول ثاني لاتخذ، لكن الله هنا لم يقل: ثم اتخذتم العجل إلهاً، بل حذف المفعول الثاني، وليس في القرآن كله ذكر أن اليهود اتخذوا العجل إلهاً، كلمة إله لا تأتي، والسبب في عدم ذكر المفعول هنا التشنيع على من اتخذوه، أي لا يتصور عقلاً ولا نقلاً أن أحداً يترك عبادة الله ويعبد عجلاً، فلما كان أمراً لا يتصور عقلاً ولا نقلاً أعرض القرآن عن ذكره إلا تلميحاً، فيذكر أوله ويترك آخره لشناعته. قال الله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:92]. |
|
23-12-16, 02:54 AM | #163 |
تفسير قوله تعالى: (وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ..)
قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:93]. هذه بعض الآيات والآلاء والمواثيق والعهود التي أخذها الله عليهم، وقد مرت معنا بالتفصيل. وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا [البقرة:93] ماذا قالوا؟ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:93]. هذه استعارة، شبه الله جل وعلا تأصل حب العجل في قلوبهم وعبادتهم له كالمشروب الذي إذا استساغه العبد سرى في أعضائه، وقد قال العلماء: إن هذا لا يكون في الطعام كما يكون في المشروبات، ولهذا عبر الله عنه بقوله: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93]. |
|
23-12-16, 02:55 AM | #164 |
تفسير قوله تعالى: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس ...)
قال الله جل وعلا: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94]. هذا رد على مزاعم اليهود، فهم يقولون: أن الجنة سيدخلها اليهود، وأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، فمن كان على ثقة وبرهان عندهم أنه سيدخل الجنة فبدهي أن يتمنى الموت؛ لأنه لا يحول بين من كتب الله له الجنة وبين دخولها إلا أن يموت، فالله يقول لهم: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94]. وهذه من الآيات التي تضمها إلى أخرى، فقد مر معنا أن أبا لهب عجز أن يقول: آمنت بمحمد، وهذه الآية أختها، فاليهود العلماء وغير العلماء منهم يعلمون قطعاً أن الأجل لا يقدمه أمنية ولا يؤخره خوف منه، الأجل محدود محتوم مكتوب، فسواء تمنيت الموت أو لم تتمنه، فهو حاصل في وقته، هذا أمر متفق عليه بين العقلاء، فالله يقول لهم: تمنوا الموت إن كنتم صادقين. واليهود يعلمون أنهم لو تمنوه لن يقع إلا في وقته، ولو لم يتمنوه لن يقع إلا في وقته، فالتمني وعدم التمني بالنسبة لوقوع الموت واحد، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يتمنونه، وإلا لردوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: الله يقول: تمنوا الموت إن كنتم صادقين، وسنثبت لك أننا صادقون، اللهم ارزقنا الموت، لكنهم لم يتمنوه، فالله جل وعلا علم ما في قلوبهم، وقدر على ألسنتهم. ومثل هذه الآيات تنبيك أن هذا القرآن من عند الله، وتقطع كل وسوسة أو شبهة تأتيك أن القرآن من عند غير الله، فهؤلاء أمة حسدوا النبي وبغضوه وحاربوه وقاتلوه، والله يقول لهم في آيات يسمعونها وهي تقرأ عليهم: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94]، فعجزوا أن يقولوا: نتمنى الموت مع يقينهم أن تمنيهم للموت لن يعجل به، وعدم تمنيهم له لن يؤخره، هذا يعلمه كل أحد، ومع هذا عجزوا أن يقولوا ذلك حتى تكون رسالة واضحة لكل أحد أن القرآن من عند الله. |
|
23-12-16, 02:57 AM | #165 |
تفسير قوله تعالى: (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ...)
قال الله: وَلَنْ [البقرة:95] هذه نفي. يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:95]؛ لأنهم علموا أن مصيرهم الهلاك في الآخرة بسبب أعمالهم، فهم لن يتمنوه. ويتبادر إلى الذهن أن معنى الآية: لن يتمنوا الموت بسبب خوفهم من الآخرة؛ لأن الباء هنا سببية، فلا يتمنون الموت لأنهم يعلمون أنهم كاذبون في دعواهم أنهم سيدخلون الجنة، وأن مصيرهم إلى النار، وهذا ظاهر جداً، لكنني أقول: ليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: لن يقع منهم التمني حبساً من الله لهم بسبب معاصيهم، يعني أن الله جل وعلا منعهم أن تنطق ألسنتهم بالتمني الذي يردون به على النبي؛ لأن لهم معاصي اجترءوا بها على الله، فخذلهم الله جل وعلا ونكس بهم حتى إنهم لا يقدرون أن يقاوموا نبيه صلى الله عليه وسلم ويجادلوه، وهذا ظاهر. قال الله جل وعلا: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:95] هنا نقف وقفة مرت مع جار الله الزمخشري في (لن يتمنوه أبداً) وهي منصوبة، فهو يقول: إن رؤية الله جل وعلا مستحيلة شرعاً وقدراً في الآخرة، وهذه الآية تبين خطأ ما ذهب إليه الزمخشري ؛ لأن الله أثبت أن اليهود لا يتمنون الموت، قال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا [البقرة:95]، وذكر في آية أخرى أن أهل النار يتمنون الموت: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77]، ومعلوم قطعاً أن اليهود من جملة أهل النار، فكونهم يتمنون الموت واقع لا محالة في الآخرة، ومع ذلك نفاه الله هنا، فالنفي هنا نفي في الحياة الدنيا ولا يستمر في الآخرة؛ لأنه يقع منهم تمني الموت في النار، فعلى هذا تبطل حجة الزمخشري بقوله: إن لن للتأبيد تفيد النفي في الدنيا والآخرة، ولو لم يكن هذا قائماً للحجة اللغوية التي قررناها فإنه محجوج بالنصوص والآثار القاطعة برؤية أهل النعيم لربهم تبارك وتعالى والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم. |
|
23-12-16, 02:59 AM | #166 |
تفسير قوله تعالى: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ...)
قال الله جل وعلا: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96] نسأل الله العافية. اللام موطئة للقسم واقعة في جواب القسم، والمعنى: والله لتجدنهم، والنون نون التوكيد الثقيلة. أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] نكرت حياة لإرادة التنويع، والمعنى أي حياة. وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [البقرة:96] أهل الإشراك يختلفون عن اليهود في شيء ظاهر، اليهود يؤمنون بوجود الآخرة وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة:111]، وأهل الإشراك لا يؤمنون بوجود الآخرة بل قالوا: مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، فإذا كان اليهود يؤمنون بوجود آخرة وأهل الإشراك لا يؤمنون بوجود آخرة فأيهما ينبغي أن يكون أحرص على أن يعيش؟ أهل الإشراك؛ لأن المشرك يعتقد أنه إذا مات انتهى بالكلية، لا بعث ولا نشور، بخلاف من يؤمن بالآخرة فإنه يعلم أن هناك بعثاً ونشوراً سواء كان في الجنة أو كان في النار، لكن أهل الإشراك لا يؤمنون ببعث ولا نشور، فعلى هذا بالعقل والنقل ينبغي أن يكون أهل الإشراك أكثر أهل الأرض تمسكاً بالحياة؛ لأنهم يعتقدون في قلوبهم ضلالة أنه لا حياة بعد هذه الدنيا، مع ذلك يقول الله: هؤلاء اليهود أحرص أهل الأرض على الحياة، بل أحرص من الذين أشركوا الذين لو أنهم كانوا حريصين على الحياة لكان أمراً مستساغاً مع عقيدتهم؛ لأنهم لا يؤمنون بأن هناك بعثاً ولا نشوراً، ومع ذلك هؤلاء اليهود الذين يؤمنون بالبعث والنشور من جهة، ويقولون أنهم أهل جنة، أحرص من أهل الإشراك على الحياة، وهذا يدل على تشبث اليهود بالحياة. لكن ينبغي أن يعلم أن الحرص على الحياة من حيث الأصل موجود في كل أحد، تقول عائشة : كلنا يكره الموت، لكن المقصود من هذا الحرص هنا الحرص الذي لا طمع فيه مع رحمة الله، ذلك التشبث المبالغ فيه في الحياة الدنيا، وإلا كل إنسان عند نزع الروح يحب أن يبقى، ولذلك لو قدر لكم أن تكشفوا أوراق تحقيق في مسائل الانتحارات لا سيما الذين ينتحرون شنقاً تجد آثاراً تدل على أنه حاول أن يثني نفسه عن الانتحار بعد أن شعر بمنازعة الروح، إذا كان معلقاً في وسط الغرفة لا يظهر هذا، لكن إذا كان بجنب جدار يظهر نوع من ضربات أقدامه أو ظهره في الجدار، مما يدل على أنه كان يحاول قدر الإمكان أن يترك ما عزم عليه، متى يصل إلى هذه المرحلة؟ إذا شعر بمفارقة الروح، فيتشبث بالدنيا أكثر، وهذا من حيث الفطرة عام جبل الناس عليه. ولو كان لأحد أن يتشبث بالدنيا أكثر مما هو فطري لكان أهل الإشراك؛ لأنهم لا يؤمنون ببعث ولا نشور، لكن يقسم الرب أن اليهود أشد حرصاً، ونحن نؤمن بكلام الله ولو لم يكن مصحوباً بقسم، قال الله: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96]. وهنا نتوقف عند (لو) من حيث الصناعة النحوية: لأهل العلم في معنى (لو) هنا ثلاثة أقوال: مذهب سيبويه ومن وافقه من نحاة البصرة أن معناها حرف امتناع لامتناع، فإذا قلنا أنها حرف امتناع لامتناع فلابد لها من جواب، والجواب غير مذكور هنا فلابد أن يقدر، ويصبح المعنى: لو أن أحدهم عمر ألف سنة لسر بذلك، فتقدير جواب: لسر بذلك، ومفعول يود محذوف، وجواب لو كذلك محذوف، وقالوا: إن سبب الحذف الدلالة عليه، هذا مذهب سيبويه رحمه الله، وأنا في غالب اختياراتي النحوية أختار قوله إلا هنا. وقال نحاة الكوفة كـأبي علي الفارسي وأبي البقاء وغيرهم ممن تبعهم سواء كانوا كوفيين أو لا: إن (لو) هنا بمعنى أن المصدرية، فيصبح المعنى عندهم: يود أحدهم تعمير ألف سنة؛ لأن المصدر المؤول يعوض به عن المصدر الصريح، تقول: أحب أن أنجح أي أحب النجاح، فالنجاح مصدر عوضاً عن أن المصدرية وما بعدها، فهم يقولون: إن لو هنا قامت مقام أن المصدرية فيصبح المعنى: يود أحدهم أن يعمر أي: يود أحدهم تعمير ألف سنة، وهي بهذا المعنى لا تحتاج إلى جواب. ومن قرائنهم أن يود جاءت مقرونة بأن، فجعلوا لو مقام أن؛ لأنه كثر في القرآن ارتباطها بالفعل يود، أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ [البقرة:266] هذا مذهب نحاة الكوفة. ومال الزمخشري هنا إلى أنها بمعنى التمني، وهذا هو القول الثالث أنها هنا بمعنى التمني، وهذا -والعلم عند الله- من حيث الصناعة النحوية أقرب إلى الإجابة؛ لأن تقدير الجواب الذي قال به سيبويه رحمه الله يحدث زلزلة في المعنى. قال الله: وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة:96] فطول العمر أو نقصانه لا يغير من الأمر شيئاً، وإنما يغير من الأمر العمل الصالح، وهذه مسألة إيمانية طرقناها في وقتها. وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96] الآية ظاهرة في المعنى، فإن الله جل وعلا يعلم الخفيات، ويدرك ما تحويه كل نفس، تبارك اسمه، وجل سلطانه، وعلا قدره، ولا رب غيره، ولا إله سواه. هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول هذه الآيات المباركة، ويلاحظ من يسمعنا أو يشاهدنا أننا لم نقف كثيراً عند مسائل إيمانية، ونحن نجمع أحياناً بين الطرق الوعظي وبين الطرق العلمي بحسب ما يقتضيه الحال، وإنما يعرف الطرق جملة إذا ضمت الأشباه والنظائر بعضها إلى بعض، فأنا أتكلم في طريقة جزئية منفكة عن غيرها، ونؤسس لدرس منفرد، وهذه الدروس المباركة ينبغي أن يجمع أولها مع آخرها ووسطها، فيتحرر من ذلك معان جليلة أفاء الله جل وعلا بقولها. هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
25-12-16, 05:44 PM | #167 |
25-12-16, 05:45 PM | #168 |
تفسير قوله تعالى: (من كان عدواً لله وملائكته ورسله ..)
قال الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:98] هذا تحرير وزيادة تفصيل، وهذا قول الملائكة عام ثم أتى بذكر الخاص فقال: وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة:98] ما دل به على شرف جبريل وميكال عليهما السلام. فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] السياق اللغوي يستوجب أن يكون هناك إضمار لكن الله أظهر مبالغة في الشناعة على أولئك القوم، قال الله: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98] ولم يقل: فإن الله عدو لهم. |
|
26-12-16, 05:43 AM | #169 |
تفسير قوله تعالى: (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ..)
قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة:99] ما جئت به أيها النبي الخاتم من آيات واضح جداً، فبينات صفة لآيات. وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [البقرة:99] يعرف علماء اليهود قبل عامتهم أنها حق من الرب تبارك وتعالى، فكفرهم بها ليس لنقص في تلك الآيات لكن لما يحملونه في طياتهم من الفسق والخروج على الطاعة. |
|
27-12-16, 12:13 AM | #170 |
تفسير قوله تعالى: (أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم ..)
قال الله تعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:100] والتحرز في الخطاب القرآني وارد في أكثر الآيات، يقول الله: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ [آل عمران:113]، وهنا يقول الله: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100]، فكلمة فريق لا تعني الكلية، فاليهود كانوا أربع طوائف أشهرهم من كان مؤمناً بالله واليوم الآخر قائماً بالكتاب على أكمل وجه، وهذا سيأتي في قول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121]، ومنهم علماء يعلمون أنه الحق لكنهم أبوا الإيمان حسداً، ومنهم جهلة يتبعون علماءهم، ورابعهم فسقة متمردون حتى على شريعة موسى. قال الله: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا [البقرة:100] الهمزة هنا للاستفهام، والواو عاطفة، هذا مذهب سيبويه رحمة الله تعالى عليه، وقد تكرر نظير هذا في القرآن كثيراً. أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100] النبذ في الأصل لا يكون إلا بعد استلام وقبول، وهم قبلوا التوراة ثم بعد ذلك نبذوها وتركوها، فيكون النبذ إلقاء لشيء تحمله، وقد ذكر الله عز وجل أنه نبذ فرعون في اليم. نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:100] وكلمة (بل) هنا للإضراب أي: للإنتقال أي أن الحق في صنيعهم أنهم لا يؤمنون. ثم قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:101] كتاب الله المقصود به القرآن، تركوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، مع أنهم أهل علم، وكأن تفيد التشبيه، فلما لم يعملوا بعلمهم شبههم الله بمن لا علم له أصلاً. |
|
|
|