روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
21-04-17, 07:24 PM | #131 |
بيان معنى قوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده)
قال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، والسورة مكية، والفقهاء يقولون: إن الزكاة لم تشرع إلا في المدينة، وعلى هذا اختلفوا في قول الله جل وعلا: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، فمن قائل: إنها الزكاة، وهذا مروي عن أكابر السلف، كـسعيد بن المسيب ، ومن قائل إنها الصدقة، والحق أن يقال -والعلم عند الله- إن هذه الآية مكية، وإنها أصلت للزكاة تعليماً، وجاء التفصيل في المدينة. |
|
21-04-17, 07:25 PM | #132 |
ذكر ما يجب في بعض أموال الزكاة
ومن أموال الزكاة ما يجب فيه ربع العشر، ما يجب فيه وهذا في زكاة النقدين وعروض التجارة. وفي الثمار المدخرة العشر إن كانت تسقى بلا مئونة، وأما الثمار والمدخرات مثل الحبوب التي تسقى بمئونة ففيها نصف العشر. وفي الركاز الخمس؛ لأنه ألحق بالزكاة إلحاقاً. وأما المواشي فالزكاة فيها ليست مشاعة، وإنما هي مقدرة شرعاً. كلمة وتنقسم المواشي إلى ثلاثة أقسام: قسم فيه زكاة، وهو ما اتخذ للدر والنسل والتسمين، فهذا فيه الزكاة بنصابه. وقسم اتخذ لعروض التجارة فهذا نقدر فيه الزكاة، بمعنى أنه تعرف قيمته ثم نستخرج ربع العشر. وقسم لا زكاة فيه، وهو ما اتخذ للعمل والاستعمال، كرجل عنده بقرات يحرث عليها، فهذه ليست للدر والنسل والتسمين، وليست عروض تجارة، فلا زكاة فيها. يقول الله جل وعلا: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]، فنهى الله جل وعلا عن الإسراف. |
|
22-04-17, 07:40 PM | #133 |
تفسير قوله تعالى: (ومن الأنعام حمولة وفرشا...)
ثم قال الله جل وعلا: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا [الأنعام:142]، الحمولة من الأنعام هي ما يركب عليه كالخيل والبغال والإبل، وأما الفرش فقال ابن جرير رحمه الله: إنه الغنم، ووجه تسميتها فرشاً عند ابن جرير هو دنوها من الأرض. ونقل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد المفسرين من السلف أن الحمولة ما اتخذ للركوب، والفرش من بهيمة الأنعام ما اتخذ للأكل والحلب. قال ابن كثير رحمه الله تعالى معقباً على قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وهذا القول يشهد له ظاهر القرآن . وذلك في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ [يس:71-72]، فالآيتين من سورة (يس) تشهدان بقوة لما ذهب إليه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من أن الحمولة ما اتخذ للكوب أياً كان، والفرش ما اتخذ للأكل والحلب. يقول الله تعالى: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا [الأنعام:142]، أي: كما أنه جل وعلا أنشأ الجنات، فليس لكم حق في حجرها على أحد؛ كذلك أنشأ الأنعام وخلقها، فليس لكم حق في حجرها على أحد. قال تعالى: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأنعام:142]، فلا يُجهَل تحريم ما أباحه الله جل وعلا من الطيبات لعباده. |
|
22-04-17, 07:40 PM | #134 |
بيان معنى قوله تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان...)
ثم قال سبحانه: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [الأنعام:142]، فبين سبحانه أن القرشيين بتحريمهم اتبعوا طرائق الشيطان؛ لأنهم افتروا على الله الكذب ووضعوا أنفسهم مقام المشرع، فمنعوا أقواماً وأعطوا آخرين، وجعلوا السائبة والوصيلة والحامي، وسموا أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، وقالوا: هذه لأزواجنا وهذه لنا، وهذه فيها شركاء وهذه ليس فيها شركاء، وأخذوا يشرعون ويفترون على الله الكذب وهم يعلمون. فلهذا نهى الله المؤمنين عن ذلك فقال: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأنعام:142]. والشيطان يخفي عداوته ويزين، ولا يظهر عداوته، ومع ذلك سماه الله عدواً مبيناً، فالله جل وعلا كشف أمره وفضحه لعباده، وأخبرنا بأن الشيطان عدو مبين حتى نكون على حذر منه، ومع هذا كله يقع الكثير منا -إن لم نكن كلنا- في خطوات الشيطان، وقد نهى الله عن ذلك فقال سبحانه: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأنعام:142]. |
|
23-04-17, 10:14 PM | #135 |
ذكر بعض ما يتعلق بالمركوب من الدواب
ونعود لقول الله جل وعلا: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا [الأنعام:142]، فما يتخذ للركوب كان في الزمن الماضي يحمل أثقال الناس إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، كما قال الله جل وعلا. وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء وتسمى القصواء، وهي التي حج عليها صلى الله عليه وسلم، وكان قد هاجر عليها، وقال يوم الهجرة: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة)، وفي يوم الحديبية بركت، فقال الناس: خلأت القصواء، فقال صلى الله عليه وسلم: (والله ما خلأت، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، ففهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الناقة ما خلأت إلا لأمر عظيم، فقال قبل أن يأتيه وفد قريش: (والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها)، ولهذا قبل صلى الله عليه وسلم الصلح. وكان له صلى الله عليه وسلم فرس اسمه السكب، وكانت له بغلة تسمى دلدل أهداها إليه المقوقس حاكم مصر صلوات الله وسلامه عليه. وما زال الناس في ذلك العصر يركبون الإبل والخيل والبغال حتى ظهرت دولة بني أمية، وصار هناك نوع من التلاقي الحضاري بين الشام وفارس، فعرف الناس البراذين ولم يكونوا يعرفونها والبغال الشهب ولم تكن مشهورة في الحجاز، فلما دخل معاوية رضي الله عنه المدينة على بغلة شهباء افتتن الناس بها، كمن يركب اليوم سيارة غير مألوفة، ولذلك يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: إن ابن الزبير إنما أعجبته الخلافة منذ أن رأى معاوية رضي الله تعالى عنه على بغلته الشهباء. وإن كان في إسناده إلى ابن عباس نظر. والذي يعنينا أن الناس جبلوا على حب المتاع الدنيوي، والإنسان يستطيع أن يستغني عن هذا بأن يربي نفسه على حب القرآن، فإذا تمكن القرآن منه من قلبه فإن أمثاله من المباركين ينفضون أيديهم عما في أيدي الناس، قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ [الحجر:87-88]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. |
|
23-04-17, 10:14 PM | #136 |
بيان معنى قوله تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)
قال تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]، أوغل بعض العلماء في تفسير هذه الجملة فقالوا: هي في الزكاة، ونسبوا إلى أحد الصحابة من الأنصار أنه كان إذا جاء يوم حصاده تصدق بماله كله وبقي فقيراً، وهذا القول مردود من باب أن هذه الآية مكية ولم تكن وقت إسلام الأنصار في المدينة، فلا يمكن حملها على الأنصار، ثم أنه ليس لها علاقة بما يؤتى الفقراء من الزكاة، فليست متعلقة بقوله جل وعلا: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، وإنما هي متعلقة بقوله جل وعلا: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [الأنعام:141]. والفرق بين الإسراف والتبذير أن الإسراف: الزيادة في الشيء الذي له أصل، أما التبذير فهو الزيادة في الشيء الذي لا أصل له، فالتبذير أعظم من الإسراف، ولهذا قال الله جل وعلا: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]، وقال في حق التبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:27]. وإذا أردت دائماً أن تعرف الفرق بين أمرين فانظر في وصف الله جل وعلا لهما ولعاقبتهما، فالزنا ونكاح زوجة الأب كلاهما محرم شنيع، ولكن الزنا أهون من نكاح زوجة الأب، فإن قال قائل أين الدليل؟ قلنا: التفريق القرآني، حيث قال الله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، ولما ذكر الله نكاح زوجة الأب قال: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، فزاد جل وعلا قوله: (مقتاً)، وهذا التدبر في القرآن والنظر في الفوارق بين آياته يضفي على كلامك عندما تنصح أو ترشد علماً جماً، فيورثك ثقة بنفسك، وهذا أمر مهم جداً، أعني أن تنطلق من قناعة عن نفسك؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كان من يتصدر للبحث العلمي وللكلام مزعزعاً لا يقف على أرضية صلبة فمحال أن يقتنع الناس به، ومحال أن يملك تأثيراً في القلوب، اللهم إلا في الضعفاء، فلتبدأ قوتك من ذاتك، والحصانة العلمية تعطيك القدرة على التصدر ومعرفة الشيء وإدراكه قبل التفوه به للناس. ولا تتعجل في كل شيء تسمعه فتنقله إلى غيرك قبل أن تمحصه؛ لأنك إن لم تمحصه لم تزل في دائرة في التقليد، ولكنك إن محصته وعرضته على عقلك المستند على شرع الله جل وعلا كنت قوياً حين عرضه، حتى لا يرد الناس عليك كلامك، وهذه هي حقيقة العلم. هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، وألبسني وإياكم لباسي العافية والتقوى. وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
26-04-17, 01:11 AM | #137 |
لقد ابتدع أهل الجاهلية بدعاً في الدين لم يكن لهم فيها من الله برهان، ومن جملتها تحريم بعض الأنعام، وهي كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فأبطل الله تعالى ما صنعوه لكونهم لم يأتهم بذلك نبي، ولم يتلقوه عن الله تعالى، وبأنه يلزمهم بتحريم بعض ذكور الأنعام تحريم جميع ذكورها، وبتحريم بعض إناث الأنعام تحريم جميع إناثها، وكل ذلك لبيان منزلة التشريع من العقيدة، وإذ لا يملكه غير الله تعالى، فليس للبشر الدخول في باب التشريع بأهوائهم.
|
|
26-04-17, 01:13 AM | #138 |
تفسير قوله تعالى: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين...)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد ولياً مرشداً، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذا درس يتبع ما سبق من النظر والتأمل في كلام الله جل وعلا في سورة الأنعام تحديداً، وكنا قد انتهينا إلى قول ربنا تبارك اسمه وجل ثناؤه: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا [الأنعام:142]. وسنشرع هنا في قول الله جل وعلا: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:143-144]. هاتان الآيتان على وجه التحديد يلتبس معناهما على الناس كثيراً، خاصة إذا قرئتا في صلاة التراويح؛ لأن فيهما بعض الألفاظ غير الواضحة للعامة، ولكنها -بلا شك- واضحة لطلاب العلم؛ لأن هذا وعد قرآني، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. وكلمة (زوج) في اللغة تطلق على الفرد الذي هو متعلق بغيره، ولا يقصد بالزوج التثنية ابتداء، فقول الله جل وعلا: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الأنعام:143] ليس المقصود منه أن العدد ستة عشر، فالإشكال يأتي في فهم هذه الآية إلى الناس عندما يقرءون أو يتلى عليهم قوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍَ [الأنعام:143]، فيظنون أن العدد ستة عشر، وكذلك في قوله تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ [النجم:45]، فيفهم بعض الناس أنها أربعة، وقد قال جل وعلا بعدها: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [النجم:45]، فالذكر وحده لارتباطه بالأنثى يقال له زوج، والأنثى وحدها لارتباطها بالذكر يقال لها زوج. ففي الإبل يقال للجمل: زوج؛ لأنه لابد له من ناقة، والناقة يقال لها: زوج؛ لأنها لابد لها من جمل، فهذا أمر مهم في العبور إلى فهم الآية. أما الآية من حيث العموم فقد قال الله تعالى قبلها: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا [الأنعام:142]، فهذا إجمال، ثم فصل بعد ذلك. |
|
26-04-17, 01:15 AM | #139 |
بيان أوجه إبطال ما شرعه أهل الجاهلية في الأنعام
وقد كان في العرب كان رجل يقال له عمرو بن لحي ، قال صلى الله عليه وسلم عنه -كما عند مسلم في الصحيح-: (رأيت عمرو بن لحي أخا بني كعب يجر قصبه في النار)، أي: أمعاءه، فـعمرو بن لحي كان مكياً، وعاش أيام ولاية خزاعة على مكة قبل قريش، وكانت لهم السيادة والإمرة، والعرب تقول: الناس على دين ملوكها، أي: على دين سادتها وعلى دين من لهم الشرف، فخرج عمرو إلى الشام فرآهم يعبدون الأصنام، ورأى عندهم عادات في الأنعام بنيت على ضلال، فنقلها عمرو بن لحي إلى مكة، فلما نقلها إلى مكة جاء إلى الناقة فبحرها، أي: جدع أنفها، فسميت بحيرة، ثم حرم لبنها، ثم جاء إلى الفحل من الإبل، فإذا كان قد طرق الأنثى مراراً وتكراراً حتى توالد منه الكثير حرم أكله وسماه حاميا، ثم جاء إلى بعض بهيمة الأنعام فسيبها وأطلقها ومنع الناس من أن يأكلوا منها، فسيب السوائب، وأتى بشرائع من عنده مزجها بحضارة من لقيهم من أهل الضلالة، ثم قننها وجعلها شرعاً، والتشريع والتحليل والتحريم لا يكون إلا لله، فهذا عين الشرك، قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعدي : (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحللون ما حرم الله فتحلونه؟! قال: نعم. قال: فتلك عبادتهم). فأقام عمرو حضارة في مكة على هذا المنوال، وتوارثها القرشيون عنه، فكانوا يأتون إلى الذكر من الإبل أحياناً فيحرمونه في مرحلة ويبيحونه في مرحلة، ويأتون إلى الأنثى ويصنعون معها مثل هذا الصنيع، ويقولون: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) فهذه الشرائع التي سنوها جاء الشرع بإبطالها رغم أن سورة الأنعام سورة مكية، ولكن لما كان هذا الخطأ خطأ عقدياً لم يؤجل إلى العهد المدني، وإنما جاء التحريم في العهد المكي؛ لأن هذا داخل في العقائد، والنبي صلى الله عليه وسلم مكث ثلاثة عشر عاماً يبني العقيدة في مكة، وهذا حق، ومن العقيدة أنه لا أحد يملك التحريم والتحليل إلا إلا الله، وإذا فقه المؤمن هذا يفهم علة قول الله هذه الآيات، وبعض الناس يقول: أتعجب من إيرادها في سورة مكية لولا أنها قرآن، والعلماء يقولون لنا: إن السورة المكية تعنى بالعقائد. والحق أن هذا من أعظم ما يتعلق بالعقائد؛ لأنهم شرعوا وحللوا وحرموا، وليس لهم ذلك. فأراد الله بهذه الآية أن يبطل ما ذهبوا إليه، فجاءهم بما يسمى بالسبر ثم التقسيم، بمعنى أنه يُستقصى الموضوع ثم يبين بطلان كل شيء، فقال الله لهم جملة: إنه لا سبيل إلى صحة قولكم عقلاً ولا نقلاً. أما النقل فأن يكون نبي من أنبيائي أخبركم بهذا التحريم، وهذا ما ذكره الله في قوله: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأنعام:143]، وأنتم لا تؤمنون بخير الأنبياء، فكيف تؤمنون بأنبياء قبله؟! ولم يأتكم نبي يخبركم بهذا التشريع الذي اتبعتموه، فهذه واحدة. والثانية أن تكونوا قد أخذتم هذا عن الله مشافهة، وهذا ذكره الله في قوله جل وعلا: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا [الأنعام:144]، فإذا انتفت مسألة كون النبي واسطة بينكم وبين الله لم يبق إلا أنكم أخذتموه عن الله مشافهة، وهذا لم يقع، فانتفى بهذين الدليلين النقليين ما فعلتموه. وبقي الدليل العقلي، وهو أن الله جل وعلا قال: إن الأنعام ثمانية أزواج، ثم فصلها فقال: من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الإبل اثنين، فهذه الثمانية لم يحرم الله جل وعلا شيئاً منها. ثم إن ما في البطون لا يخلو من أن يكون ذكراً وأنثى، ولم يحرم الله جل وعلا شيئاً منها، فإن حرمتم ذكراً وجب أن تحرموا جميع الذكران، وأنتم لا تحرمون جميع الذكران، فالذكر تارة تبيحونه وتارة تحرمونه، وإن حرمتم الأنثى -سواء أكانت في البطن أم خارج البطن- وجب أن تحرموا جميع الإناث؛ لأن الزوج لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى، وأنتم تحرمون نوعاً من الإناث وتدعون غيره، فانتفى بذلك كل دليل لهم على صحة ما ذهبوا إليه، فلم يبق إلا شيء واحد، وهو أنهم كذبوا على ربهم، وإذا كذبوا على ربهم أصبحوا ظلمة، والظلمة لا يفلحون، ولهذا ختم الله الآيتين بقوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:144]. |
|
26-04-17, 01:16 AM | #140 |
ذكر بعض ما ورد في الضأن والمعز
قال الله جل وعلا: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الأنعام:143] وقد بينا مسألة الزوج مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ [الأنعام:143] الضأن الذكر منه يسمى كبشاً، والأنثى منه تسمى نعجة؛ فالنعجة يقول عنها بعض من له علاقة بمثل هذه العلوم: إنها من أكرم الحيوانات على الله؛ لدليل عقلي، وهو أن الله ستر عورتها، وقد ورد في شعر العرب إطلاق النعجة على المرأة، وهذا لم يرد إلا في بيت أو بيتين، ولم يكن شائعاً على الصحيح، وهذا ما تمسك به من يقول: إن آية ص: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ [ص:23]، المراد بالنعجة فيها المرأة، وهذا عندي بعيد، والأصل إجراء القرآن على ظاهره، لا أن يحمل على بيت قيل في الجاهلية، فهذا لا يتفق مع سنن فهم القرآن. وأما الكبش فيطلق أحياناً على السيد والرئيس، يقول عمرو بن معدي كرب : نازلت كبشهم ولم أر من نزال الكبش بدا هم ينذرون دمي وأنذر إن لقيت بأن أشدا كم من أخ لي صالح بوأته بيدي لحدا ما إن جزعت ولا هلعت ولا يرد بكاي زندا وموضوع الشاهد قوله: (نازلت كبشهم) أي: سيدهم وفارسهم والقائم على أمرهم، فيطلق على السيد والرئيس. والكبش هو ما فدى الله به؟ إسماعيل على القول الشائع بأن إسماعيل هو الذبيح، والله جل وعلا يقول: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، وهنا جاء خلاف بين العلماء في قضية أي الأضاحي أفضل، هل الكبش أم الإبل أم البقر؟ فمذهب مالك أنه الكبش؛ لأن الله اختار أن يفدي به إسماعيل، وهذا قول قوي، ويدل عليه من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة يضحي عشر سنين فلم يضح إلا بالكبش من الضأن. فهذا الكلام كله عن الضأن ذكر وأنثى. ومن المعز التيس، وهو الذكر، والعنز هي الأنثى منه، وقد جاء ذكر العنز في حديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أعرابي فأكرمه، أي أن الأعرابي أكرم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فقال عليه الصلاة والسلام للأعرابي وهو يعلم الأمة كيفية رد صنع المعروف: (ائتنا)، يعني: إن جاءتك فرصة لأن تأتي المدينة فتعال حتى نكرمك، فقدر للأعرابي أن يدخل المدينة، فاحتفى به صلى الله عليه وسلم وقال: (سلني حاجتك؟)، وثقافة الأعرابي محدودة، والعلم والإيمان عنده لم يكن بذاك؛ لبعده عن موطن العلم، فقال: أسألك أعنزاً يحلبها أهلي. فقال صلى الله عليه وسلم: (عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟! فقالوا: يا رسول الله! وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن موسى لما أراد أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر قال له علماؤها: إن يوسف أخذ علينا العهد والميثاق أن إذا خرجنا أن نخرجه معنا، فقال: ومن يدلني على قبر يوسف؟ قالوا: لا يعرفه إلا عجوز في بني إسرائيل. فأتى موسى عليه السلام إلى تلك العجوز فقالت: لا أدلك حتى تؤتيني سؤلي؟ فقال: وما سؤالك؟ قالت: أن أكون مرافقتك في الجنة). فضرب النبي عليه الصلاة والسلام هذه القصة لبيان أن الإنسان يجب عليه أن ترتفع همته كما ارتفعت همة عجوز بني إسرائيل، وهذا الأعرابي لقلة علمه لم يكن يطلب إلا أعنزاً يحلبها أهله. قال الله تعالى: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ [الأنعام:143]، والله لم يحرم الذكر من الضأن ولا الذكر من المعز، ولا الأنثى من الضأن ولا الأنثى من المعز، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [الأنعام:143]، وليس في الرحم إلا ذكر أو أنثى نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأنعام:143] هذا بينا أن هذا دليل نقلي ممتنع عندهم، وهو أنه لم يكن لديهم نبي يأخذون عنه علماً. |
|
|
|