أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بديع الزمان الهمذاني ، أبو الفضل ، قال أبو شجاع شيرويه بن شهردار في تاريخ همذان : إن أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الملقب أبا الفضل ، الملقب ببديع الزمان ، سكن هراة ، وأخذ العلم وروى عن أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، وعيسى بن هشام الأخباري ، وكان أحد الفضلاء والفصحاء ، متعصباً لأهل الحديث والسنة ( أي كان أصولياً ، سلفياً ) .
يصفه شيرويه بأنه من مفاخر همذان ، وما أخرجت ، همذان بعه مثله . روى عنه أخوه أبو سعد بن الصفار ، والقاضي أبو محمد عبد الله بن الحسين النيسابوري الذي يقول إن وفاة بديع الزمان كانت في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة (398 هـ) يصفه الثعالبي بأنه معجزة همذان ، ونادرة الفلك ، وبكر عطارد ، وفرد الدهر ، وعزة العصر . وأنه لم يلق نظيره في ذكاء القريحة وسعة الخاطر وشف الطباع وصفاء الذهن وقوة النفس وأنه لم يدرك قرينه من ظرف النثر ومليحة . وعزر النظم ونكته . ولم ير ولم يرو أن أحداً بلغ مبلغه من لب الأدب وسره . وجاء بمثل إعجازه وسحره . فكان صاحب عجائب وبدائع وغرائب .
ومن عجائبه أنه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرم حرفاً ولا يخل معنى .
ومن عجائبه أيضاً أنه كان ينظر في الأربعة والخمسة أوراق من كتاب لم يره نظرة واحدة خفيفة ثم ينشد هذه الصفحات عن ظهر قلب دون أدنى خطأ ويسردها سرداً وهذه حالة في الكتب الواردة عليه وغيرها وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة والجواب عنها فيها وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدىْ بآخر سطر منه ثم هلم جراً إلى الأول ويخرجه كأحسن شيء وأملحه ويوشح القصيدة الفريدة من قوله بالرسالة الشريفة من إنشائه فقيراً من النظم والنثر ويروي منهما ويعطي القافي الكثيرة فيل بها الأبيات الرشيقة . ويقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فير تجله في أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه ونفس لا يقطعه.
غادر الهمذاني همذان مسقط رأسه سنة ثمانين وثلاثمائة وهو في مقتبل الشباب ، غض الحداثة وقد درس على يد أبي الحسين بن فارس وأخذ عنه جميع ما عنده ، واستنفذ علمه ، واستنزف بحره . كما ورد حضرة الصاحب أبي القاسم فتزوَّد من ثمارها . وحسن آثارها ، ثم قدم جرجان وأقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتعيش في أكنافهم والاقتباس من أنوارهم محافظاً على مبادئه وأصوليته . واختص بأبي سعد محمد بن منصور ، فنفقت بضائعه وتوفر حظه من عادته المعروفة في اسداء المعروف والأفضال على الأفاضل ولما استقرت عزيمته على قصد نيسابور أعانه على حركته وأراح علله في سفرته .
إلى نيسابور وصل الهمذاني وكان ذلك في سنة ثنين وثمانين وثلاثمائة ونشر بها بزه وأظهر طرزه . وأملى أربعمائة مقامة من المقامات التي نحلها على لسان بطله المعروف (أبو الفتح الإسكندري ) في الكدية وغيرها ، وضمنها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين من لفظ أنيق قريب المأخذ بعيد المرام وسجع رشيق المطلع والمقطع كسجع الحمام وجد يروق فيملك القلوب وهزل يشوق ويسحر العقول ثم شجر بينه وبين أبي بكر الخوارزمي ما كان سبباً لهبوب ريح بديع الزمان وعلو منزلته وقرب نجحه وبعد صيته إذ لم يكن في الحسبان والحساب أن أحداً من الأدباء والكتاب والشعراء ينبري لمباراته ويجترئ على مجاراته . فلما تصدى البديع لمساجلته وتعرض لتحكيك به وجرت بينهما مكاتبات ومباهاة ومناظرات ومناضلات وأفضى السنان إلى العنان وقرع النبع بالنبع وغلب هذا قوم وذاك آخرون وجرى من الترجيع بينهما ما يجري بين الخصمين والقرنين والمتحاكمين المتصاولين .
وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه . وفارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل عزتها وبكاه الأفضال مع الفضائل . ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره .