من فضائل ومزايا الوضوء:
منقول من خطبة جمعه لفضيلة المفتي عام للمملكة:
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله
أنّ اللهَ -جلّ جلاله- بيّن لنا أنّ ما فرض علينا مِن الفرائض ليس المقصودُ منه إلحاقَ الحرج بنا والتضييقَ علينا، ولكن المراد به تطهيرنا وإتمامُ نعمته علينا، فقال:( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) فهو جلّ وعلا- يسّر هذه الشريعة، وجعلها شريعةَ يُسر، لما أوجب الوضوء بالماء شرع لنا إذا عدمناه أن نعدلَ إلى التيمُّم لرفعِ الحرج عنّا، وهو يريد أن يطهّرَنا ويتمَّ نعمتَه علينا. أجَل -أيّها الإخوة- إنّ في الوضوء طهارةً للقلوب، طهارةً للنفوس، طهارةً لأعضاءِ الوضوء، فهي طهارة حسّيّة وطهارة معنويّة،(وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بما رتّب على هذا الوضوء من الثوابِ العظيم والأجر الكبير، وذا داعٍ لنا إلى أن نشكرَه تعالى، ونثنيَ عليه بما هو أهله، فهو شرَع الشرائع لمصلحةِ العباد، ولينالوا بها الخيرَ والفضل منه تعالى الله وتقدّس، لا إلهَ غيره ولا معبودَ سواه. أيّها المسلم: هذا الوضوءُ الذي تُمِرُّه على الأعضاء عند إرادةِ الصلاة فرْضها ونفلها، هذا الوضوءُ له ثوابٌ عظيم، وله فضلٌ كبير، عندما يتأمّل المسلم ذلك يزداد شكرًا لله وحمدًا لله وثناءً على الله، لِما يسّر وهيّأ من فُرص الثوابِ العظيم. فمِن فضائل هذا الوضوء أنّ المحافظَ عليه دالّ على إيمانه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يحافِظ على الوضوءِ إلا مؤمن". ومِن فضائِله أنّه شرطٌ لصحّة الصلاة: "لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إذا أحدَث حتّى يتوضّأ". ومِن خصائص هذا الوضوءِ أنّه السّيمة التي تتميّز بها أمّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- مِن بين سائر الأمم يومَ القيامة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ أمّتي يأتون يومَ القيامة غُرًّا محجَّلين من آثار الوضوء"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "تبلغ الحليةُ من المؤمن حيث يَبلغ الوضوء"، فأمّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- يومَ القيامة سيماهم أنّهم غرٌّ محجَّلون. هذه الأعضاءُ التي طالما أمَرّوا عليها الماء يومَ القيامة يخرُجون مِن قبورهم تتلألأ تلك الأعضاءُ نورًا يُرَى بالأبصار، آثار الوضوء نورٌ يوم القيامة في وجوهِهم وأيديهم، (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء) [المائدة:54].أخي المسلم: هذا الوضوءُ مكفّرٌ لسيِّئاتك وما مضى من ذنوبك بإخبار الصّادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضّأ المؤمن فغسَل وجهَه خرج مِن وجهه كلُّ خطيئة نظَر إليها بعينَيه مع الماء أو مع آخِر قطرِ الماء، فإذا غسَل يدَيه خرج من يدَيه كلّ خطيئة بطشَتها يداه مع الماء أو مع آخِر قطرِ الماء، فإذا غسل رجليه خرجَت كلّ خطيئة بطشَتها رجلاه مع الماء أو مع آخرِ قطر الماء، حتّى يخرجَ نقيًّا من الذنوب".أخي المسلم: إذًا فعند وضوئِك استحضِر هذه النيّةَ الصالحة، وأيقِن بما وعدَك به نبيّك -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق فيما يخبر به -صلى الله عليه وسلم-.وقد أخبَر -صلى الله عليه وسلم- عن نوعٍ آخر من الثواب، فروى عثمان بن عفّان أمير المؤمنين أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن مسلم تحضُره صلاة فيحسِن وضوءَها وخشوعَها وركوعها إلاّ كفّرت ما بينها وبين الأخرى ما لم تُأتَ كبيرة"، ويروي عثمان بن عفان أيضًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "إذا توضّأ المسلم خرجَت خطاياه من جسدِه حتّى تخرجَ من تحتِ أظفارِه، وكان صلاتُه ومشيه إلى المسجد نافلة".فيا أخي المسلم: كيفَ لا يفرَح المسلم بهذا الثواب العظيم وينشرحُ صدره بهذا الثواب العظيم؟! فيؤدّي تلك الأعمالَ الصالحة بيقين ونيةٍ صادقة، يرجو بها ما وعد الله به مِن الثواب العظيم، وهذا وعدٌ حقّ يناله المسلم برحمةٍ من الله وفضل. إنّما على المسلم أن يكونَ مستحضرًا النيّةَ الصالحة، قاصدًا رضَا الله وتطبيقَ سنّة محمّد -صلى الله عليه وسلم-.