|
أولا -أزمة الديمقراطية التي تعيشها معظم الأنظمة العربية، من خلال تقييد المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، لأن عملية تركيز السلطة واتخاذ القرار وتنفيذه تتمثل في فئة حاكمة وضمن نموذج بطركي، كما أن أمر تداول السلطة محتكر بيد فئة حاكمة دون إعطاء المجال للجيل الجديد، إضافة إلى الانفراد بالرأي دون احترام رأي الآخرين، وهي صيغة مستمرة ودائمة في معظم الدول العربية.
ثانيا –اتباع أغلب الأنظمة العربية نمط القمع السلطوي، الموجه بالدرجة الأولى ضد حرية الآخرين، ونحو تعزيز السلطات القائمة، وذلك عبر إسكات الناس ومنعهم من المشاركة في الرأي والقرار، وتعزز ذلك من خلال ترسخ منظومة معلنة أو مضمرة من الأفكار البسيطة أو المركبة التي تسوغ استخدام الإكراه.
ثالثا –قيام الأنظمة العربية، في سياق سعيها إلى الشرعية وتأمين رضا الناس، وإلى رفع مستوى تطلعات الجماهير، دون أن يتوفر لكثير منها القدرة الاجتماعية والاقتصادية على سد حاجاتهم التي راحت تتزايد مع اتساع تطلعاتهم، والحال أن ثورة التوقعات تحولت من دافع قوي للارتقاء إلى إحساس بعدم الرضا وخيبة الأمل، الأمر الذي ساهم في انتشار التذمر واليأس لدى المواطنين.
رابعا –استمرار إيمان النخب في العالم العربي بأنها على وعي رفيع بشؤون المجتمعات العربية، في حين أن طرق التفكير الشعبية تنشأ في أحضان الثقافة السائدة، حيث لا تلعب النخب إلا دورًا هامشيًّا، وينتهي الأمر بها إلى التحدث مع نفسها، وانقطاع جسور التواصل مع الناس الذين باتوا يفتقدون لمرجعيات فكرية وثقافية.
خامسا –على وقع التطور الهائل في وسائل الاتصال، تكشف أمام المواطن في البلاد العربية أساليب متنوعة من المعيشة وصنوف الاستهلاك، وأنماط مختلفة من أشكال التعبير والنشاط السياسي، لا يمكن توفرها للكثيرين في عالمنا العربي حتى على مدى أجيال قادمة، وهو ما رسخ الإحساس ليس بالدونية تجاه الآخر فحسب، وإنما بحالة اللامبالاة واليأس تجاه الذات والمجتمع.
سادسا –تغلغل ظاهرة الفساد في أغلب الدول العربية، التي كان من نتيجتها إحداث اختلالات واضحة في البنى الاجتماعية العربية، عبر تسيد المقربين من الأنظمة والمحسوبين عليها للمشهد الطبقي (الأغنياء الجدد) المستفيدين من عملية توزيع موارد الدولة، بما فيها المناصب والمراكز والتسهيلات، مقابل التقلص الكبير في الطبقات الوسطى، وتثبيت أوضاع الطبقات الفقيرة بشكل محكم ونهائي.
لقد أدت هذه الأساليب مجتمعة، وممارستها بأسلوب ممنهج ودائم، إلى ما يسمى بظاهرة موت السياسة في البلاد العربية، عبر نزع ديناميتها المتمثلة في الحراك السياسي أولا، وهذه ربما كانت الإرهاصات الأولى لازدهار ظاهرة إفناء الجسد التي يشهدها العالم العربي اليوم.
|