عرض مشاركة واحدة
قديم 20-01-17, 08:32 AM   #35
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

افتراضي

الشخصيات المذكورة في قصة الإفك

سنتكلم ابتداءً عن الشخصيات التي تتعلق بقصة الإفك، حتى إذا شرعنا بعد ذلك في تفسير الآيات كانت الصورة واضحة جلية.

فأول تلك الشخصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غني عن التعريف، ثم الصديق لكونه والداً لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ثم أم رومان أم عائشة رضي الله عنها، وزوجة أبي بكر ، وهؤلاء الثلاثة قد لا يكونون مقصودين بالأمر، وإنما ينصرف الأمر أول ما ينصرف إلى عائشة وإلى صفوان بن المعطل .

فأما عائشة فهي الصديقة بنت الصديق ، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أشهر من أن تعرف بها، ولكن نعرف بالشيء الذي تعلق بالقضية، فقد رزق النبي صلى الله عليه وسلم حبها، وأتاه جبريل بصورتها سرقة من حرير، وفي رواية: في كفه، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون زوجته، وقال: (إن يرد الله خيراً يمضه)، أو: (أن يرد الله شيئاً يمضه)، ثم كانت زوجته رضي الله تعالى عنها وأرضها، فبعد الهجرة بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال.

وهذه المباركة أنزل الله جل وعلا فيها هذه الآيات بياناً لبراءتها، وتوفي النبي عليه الصلاة السلام بين سحرها ونحرها، ودفن في حجرتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

وأما من رميت به فهو صفوان بن المعطل السلمي ، أحد خيار الصحابة، ومما يدل على أن الله جل وعلا أراد به خيراً أنه مات شهيداً، والظفر بالموت شهادة ليس بالأمر الهين، فقل ما يعطاه أحد، والله تعالى يقول: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140]، وليس كل أحد يتخذ شهيدا.

فـصفوان بن المعطل لما رآها قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فكان ذلك سبباً في نجاته كما سيأتي.

ومن الشخصيات شخصيات خاضت في الأمر بشدة، وبعضها تولى كبر الأمر، وهو عبد الله بن أبي المنافق الخزرجي النسب، قدم النبي عليه الصلاة السلام المدينة وكان القوم من الأوس والخزرج قد أجمعوا أمرهم على أن يولوه ملكاً عليهم، ولهذا اغتاظ من قدوم النبي عليه الصلاة السلام إلى المدينة.

ومن تلك الشخصيات حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهور عند العلماء أنه وقع في الأمر، وشارك في نشره، وحمنة بن جحش أخت زينب بنت جحش زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، المنافسة لـعائشة في الخطوة عند رسول الله عليه الصلاة السلام، فلو قدر أن زينب هي التي شاركت لكان الأمر فيه بعض العذر، لا بعض الجواز؛ لكونها منافسة لـعائشة ، ولكن الورع عصمها، ولم تقل كلمة واحدة في عائشة .

لكن حمنة أختها انتصرت لها، والإنسان قد تغلب عليه العاطفة، فيريد أن ينفع غيره فيضر نفسه ويضر غيره، وربما لا يصل إلى ضرر غيره، كما فعلت حمنة ، فـحمنة لا علاقة لها بـعائشة ؛ إذ هي زوجة لـطلحة ، ولكنها أرادت أن تنصر أختها، فشاركت في النقل لعلها تصيب من ذلك نقصاً في عائشة ، ولا تعتقد صحة ذلك؛ لأن الله قال: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ [النور:15] فلا يوجد من ذلك شيء مستقر في القلب، ولكنها أرادت نصرة أختها، فنصرتها لأختها أعمت بصيرتها عما تنظر إليه.

ومن تلك الشخصيات مسطح بن أثاثة أبن خالة لـأبي بكر ، كان فقيراً مستضعفاً، وكان أبو بكر ينفق عليه، فشارك في قضية إشاعة الأمر، وهو بدري، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (... لعل الله أطلع على أ هل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وليس المعنى: إنني قد أذنت لكم بالمعاصي. إذ لو كان المقصود هذا لما عوتب مسطح هنا، ولما أقيم عليه الحد.

وأبو أيوب الأنصاري كان أحد الذين عصمهم الله هو وزوجته، فقالا خيراً، وقالا عن ذلك الإفك: هو الكذب بعينة.

ومنهم الجارية التي سألها النبي عليه الصلاة السلام، فبعض أهل العلم يقول: إنها بريرة ، وبعضهم يقول: إن بريرة لم تكن بعد في عهدة عائشة ، وكيفما كانت تلك الجارية فإنها امرأة عصمها الله، فقالت: يا رسول الله! أهلك ولا أعلم إلا خيراً . وذكرت عن عائشة أنها امرأة تغفل عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.

ومنهم أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان من الشخصيات الحاضرة في القصة، استشاره النبي عليه الصلاة السلام فقال: يا رسول الله! أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وعبارة (ولا نعلم إلا خيرا) تدل على كمال عقل، فهي ليست مفرطة في المدح، ولا تقارب الذم أبداً، ولكنها في نفس الوقت فيها شيء من التزكية، وهي عبارة لو استخدمها المزكون اليوم لكان ذلك جيداً.

ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، خاتم الخلفاء الأربعة، ورابع الحنفاء رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال: يا رسول الله! النساء غيرها كثير. وليس المقصود اتهام عائشة ، ولكن علياً ليس كـأسامة ، فـأسامة مولى لا يلحقه عيب لو وقع الأمر حقاً، أما علي فهو ابن عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما ينتسب إلى بني هاشم، فهو عصبة لرسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم عصبة له، فهو ينظر من باب أن الأمر يتعلق ببني هاشم وزوجاتهم، فأراد أن يغلق الباب، ويسد على الناس طرائق أقوالهم، ولم يرد أن يتهم عائشة ، ولكنه ملف أراد أن يغلقه، وقضية لا يريد لها أن تثار، هذا هو المقصود من قول علي رضي الله تعالى عنه: (النساء غيرها كثير) يعني إن تعلق قلبك بها حباً، فتزوج غيرها ينسيك إياها، وانفك من مسألة أن يقدح الناس فيها، هذا هو مقصود قول علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد قالت الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها بعد سنين من هذه الحادثة: إن علياً لم يكن بيني وبينه إلا ما يكون ما بين المرأة وأحمائها، أي: قرابة زوجها.

فهذه هي الشخصيات التي يأتي خبرها في قصة الإفك، وهناك شخصيات غير مسماة، وهم عامة المؤمنين، وعامة المنافقين، ولكن هؤلاء أفراد مميزون جاء ذكرهم في القصة.

وقد وقعت الحادثة في غزوة المريسيع -غزوة بني المصطلق- في السنة الخامسة تقريباً، قبل دخول المدينة في منطقة تسمى العشيرة إلى الآن، تبعد عن المدينة قرابة عشرين أو ثلاثين كيلو متر، بعد الخروج من المدينة بطريق الهجرة الجديد، فهذا هو المكان، وهذا هو الزمان، وأولئك هم أفراد القصة.

أما القصة إجمالاً فحاصلها أن النبي عليه الصلاة السلام كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ابتغاءً للعدل، وفي هذه الغزوة جاءت القرعة لـعائشة بقدر الله، فخرج عليه الصلاة والسلام بـعائشة وأتى المريسيع، فحصل ما حصل من سبي وبعض قتال، واقتتال على الماء ومناوشة بين المهاجرين والأنصار أراد أن يثيرها عبد الله بن أبي ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي القضية، فأمر الركب بالرحيل في غير ساعة يرحلون فيها، ففقدت أم المؤمنين عقداً كان عليها، والعقد هو ما يحيط بالعنق، يراد به الزينة، فإذا أحاط بالمعصم سمي سواراً، فإذا أحاط بالإصبع يسمي خاتماً.

فلما فقدت أم المؤمنين عقدها ذهبت إلى ذلك المكان الذي يرجى أن يكون فيه، وفي تلك اللحظات رحل الجيش، وكان هناك أناس مسئولون عن هودج أم المؤمنين، وكانت امرأة نحيلة؛ إذ كانت في قرابة الرابعة عشرة من عمرها، وقليلاً ما تأكل اللحم، ولم يمض على زواجها إلا ثلاث سنين أو أربع على الأكثر، فالهودج التي هي فيه، لا يكاد يختلف على أشداء الرجال، وإنما يختلف عندما يكون الذي يحمله ضعيفاً، ولكن أشداء الرجال الذين يحملون امرأة في الرابعة عشرة لم يظهر لهم فرق، فحملوا الهودج وهم لا يشكون في أن أم المؤمنين فيه، فعادت فلم تجد نبي الله عليه الصلاة السلام، ولم تجد القوم جميعاً، ولا يمكن لها أن تنطلق، فذهبت إلى شجرة في نفس المكان، فوضعت عليها لثامها وجلست، فغلبها النوم بقدر الله، وكان صفوان بن المعطل قد كلف بساقة القوم، فتأخر عن الجيش ليمضي قدر الله، فلما أتى إلى المكان الذي كان فيه الجيش وجد الجيش قد ذهب، وهو يعلم ذلك، ولكنه وجد خيالاً، فاقترب منه فإذا هو أم المؤمنين، وكان يرها قبل الحجاب، فعرفها، ولن تخفى عليه، إذ كان مجتمع المدينة صغيراً، وقد لا يعرف كل صغيرة وكبيرة، ولكن الإنسان لا يجهل أن تكون هذه امرأة فلان إذا رآها مرة أو مرتين، فاقترب منها، وألهمه الله تعالى أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه، ومن أراد الله أن يرحمه فتح له طرائق الرحمة، وألهمه ما يقول، وأعانه على ما يفعل، وينبغي أن تعلم أنه ما يرفع شيء من الأرض إلى السماء أعظم من الإخلاص، ولا ينزل شيء من السماء إلى الأرض أعظم من التوفيق.

فلما سمعت عائشة استرجاع صفوان أفاقت على استرجاعه، فلم تتكلم، فأناخ الناقة، وركبت أم المؤمنين، ولم يكلمها ولم تكلمه، وهو يعلم قطعاً أنه سيتعرض للبلاء، أما هي فكانت صغيره في الرابعة عشرة، فربما لم يدر بخلدها أن يتكلم فيها.

وقبل أن يصل الجيش إلى المدينة أناخوا المطايا في عز الظهيرة في منطقة تسمى العشيرة الآن, وكانوا في منطقة مكشوفة، فإذا بـصفوان يقبل وأم المؤمنين على ناقته، وهو يقود الناقة، فرآهما عبد الله بن أبي ، فطار فرحا، فقال بصوت يسمع ولا يسمع -أي: يسمعه الضعفاء الذين لا يمكن أن يشهدوا به، وهم قادرون على أن ينقلوه، ولا يسمعه من يستطيع أن يأتي شاهداً عليه- قال: امرأة نبيكم مع رجل! والله ما نجت منه ولا نجا منها! كلمة تكاد تسقط لها بعض الجبال، ولا أقول: الجبال كلها؛ لأن هذا يقال في حق الله فقط.

فلما قال ذلك انتشرت الكلمة، وأم المؤمنين لا تدري، فلما رجعت أصابتها وعكة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل ذلك كونها عائدة من سفر، ولكن الأمر أذيع وأشيع، وبلغ النبي عليه الصلاة السلام، فرأت في النبي عليه السلام تغيراً في معاملته، وذلك اللطف الذي كانت تعهده منه قل أو تلاشى قليلاً، ولم يدر بخلدها أن يكون ذلك بسبب شيء سمعه عنها.

ثم قدر لها أن تتعافى تدريجاً، فخرجت مع أم مسطح -أحد الذين ساهموا في نشر الأمر- إلى الصحراء، لقضاء الحاجة، ولم يكن للعرب يوم ذاك عهد بتلك الأمور، فلما خرجتا كانت هذه المرأة تريد أن تدخل عائشة في القضية، فقد علمت أن عائشة لا تعلم، بدليل أنها لو كانت تعلم لسألتها عن خوض ابنها في ذلك، ولكنها لم تسألها، فأرادت أن تشركها في القضية، فبدأت تتعمد التعثر، وإذا تعثر الإنسان فجأة فإنه تصدر منه كلمات من باب ردة الفعل، فلما عثرت قالت: تعس مسطح . ولا يوجد ارتباط بين مسطح وبين سقوطها في البرية، فـعائشة أنكرت ذلك، ولو قالت كلمة مألوفة لما أنكرت عائشة ، وهي لا تريد أن تقول كلمة مألوفة، بل تريد أن تقحم عائشة في القضية، وتريد أن تفتح باباً للحديث، فرددتها مرتين، فتعجبت أم المؤمنين، فقالت: سبحان الله! رجل شهد بدراً تدعين عليه! أو كلمة نحوها، فقالت: يا هنتاه -وكانت عائشة بجوارها- و(هنتاه) كلمة تقال للبعيد، ولكنها تريد أن تبين لها أنها امرأة تعيش في عالم آخر، ولا تدري بما يحصل في الساحة، وإلا لقالت: يا هذه، فقالت: يا هنتاه! أما علمت؟! ثم أخبرتها، فقالت: سبحان الله، وتحدث الناس بهذا؟! قالت: نعم، فرجعت وازداد مرضها، حيث أصبح ذلك هماً وغماً، ومرضاً قلبياً، ثم سألت أمها، فقالت لها أمها تريد أن تخفف وطأة الأمر عليها: يا بنية! إنه قل أن تكون امرأة وضيئة -أي: مثلك- لها حظوه عند زوجها، ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها.

فازدادت حزناً على حزن رضي الله عنها وأرضاها، وكل هذا يحصل والوحي لا ينزل بشيء، ولا ينزل قرآن من السماء، ونبي الأمة ورأس الملة يتهم في زوجته، ولكن الله جل وعلا أراد أن يمحص بشريته عليه السلام من نبوته.

فأي شيء عظيم تريد أن تكشفه إذا كان مختلطاً بغيره، وتريد لمعانه أخرجه عن غيره، حتى يظهر جلياً بيناً؛ لأنه حين يكون وسط الأشياء التي تشوبه وتختلط به لا يظهر.

فالله جل وعلا أراد هنا أن يميز نعمة النبوة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون منفكة عن بشريته، فبشريته ذهب يستشير، ودعا الجارية، ودعا أسامة ودعا علياً ، وصعد المنبر وقال: من يعذرني في رجل بلغ أذاه أهلي. ويختصم الحيان الأوس والخزرج، فما يزال بهما حتى يسكتهما، ويذكر عن صفوان أنه ما علم فيه إلا خيراً، فقال: لقد ذكروا لي رجلاً -يقصد صفوان - لا أعلم عنه إلا خيراً، ولا يدخل على أهلي إلا معي. أي: هم لا يتحدثون عن رجل وجدته مرة مع أهلي، أو رأيته يطلع على أهلي، وإنما يتكلمون عن رجل لا أعلم عنه إلا خيراً، ولا يدخل على أهلي إلا معي، فيتجنب أن يأتي البيت وأنا غير موجود، فبعيد جداً أن يتهم، وهذا كله كلام بشر يحصل في أي مجتمع، ويقوله أي فرد؛ فالوحي منفك في هذه القضية، وليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نبياً في تلك الفترة، فهذا محال، بل هو نبي في كل حال، ولكننا نتكلم عن تصرفه مع هذه الحدث، فهنا يتصرف ببشريته عليه الصلاة والسلام، فلما استغرق الجهد البشري جاء الوحي الرباني والتنزيل الإلهي ليفصل في القضية.

ثم دخل عليه الصلاة والسلام على عائشة وقد استأذنته من قبل أن تمرض عند أبويها، ولك أن تتصور موقف خير الأصحاب، فقد كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن كان عمره ثمانية عشر عاماً، وكان صديقاً له مدة تزيد على عشرين عاماً، إذ لما جاء الإسلام كان عمر الصديق ثمانية وثلاثين عاماً، ثم بعد ذلك صار صاحباً له بتعبير القرآن، وعاش معه كل سنين العذاب في مكة في المرحلة السرية والجهرية، ثم كان معه في المدينة، وفي بدر وأحد والخندق، ثم تعود ابنته زوجة ذلك الصاحب إليه متهمة بأنها خانته في عرضه، فهذا شيء مذهل بالنسبة للصديق ، ولكنه الأدب؛ إذ لما سكت الله فما أنزل شيئاً سكت رسول الله فما حكم بشيء، فلما سكت رسول الله سكت أبو بكر، فما استطاع أن يدافع عن ابنته ولن يتهمها، ولكنه سكت لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعود إليه ابنته متهمة فيظل يبكي رضي الله عنه وأرضاه، حتى ورد في بعض الروايات أنه كان يقرأ القرآن على سطح المنزل، فيسمع ابنته تبكي فيبكي، ولكن الأدب منعه أن يتكلم بكلمة واحدة.

ثم دخل نبينا صلى الله عليه وسلم يعرض الأمر مكشوفاً على عائشة فقال: إن كنت أذنبت فاستغفري، وإن كنت بريئة فسيبرئك الله، فقالت كلاماً، ثم قالت: ما أقول لكم إلا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:18].

تقول: (كما قال أبو يوسف) فنسيت اسم يعقوب، وفي هذه اللحظات انقطعت كل الطرائق الدنيوية، فمن كان حول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال مشورته، وأبو بكر سكت، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدر كيف يفصل في القضية، والمرأة تبكي، فأنزل الله جل وعلا قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، وما زال الوحي يتنزل عليه حتى انفصم عنه صلوات الله وسلامه عليه وأن جبينه ليتفصد عرقاً.

فكانت هذه هي براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ونهاية شهر الأسى في حياة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فقال لها: احمدي الله. ففرح الأبوان أبو بكر وأم رومان ، فقالا لها: قومي إلى رسول الله. فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله.

وليس المقصود أنها غضبت على نبي الله صلى الله عليه وسلم، حاشاها، فهذا لا يقع في قلب أي أحد من المسلمين الصادقين، ولكنها أرادت أن تبين جلالها وفضلها وحقها على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

والمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا القرآن وأظهر بما تلاه من كلام الله براءة أم المؤمنين وصفوان بن المعطل رضوان الله تعالى عليهما، فهذا هو مجمل حديث الإفك كما وقع في صحيح الأخبار وصريح الآثار.




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس