الحديث عن معادن الرجال حديث ذو شجون فما من شخص عركته الحياة وتوالت عليه الأعوام والسنون في مخالطة الناس إلا و في ذاكرته أسماء رجال كشف بعضهم عن معدنه الأصيل الغالي النفيس , بينما كشف آخرون عن معدنهم البخس الرخيص .
لا يمكن قياس معادن الرجال بكثرة المال أو علو المنزلة والجاه أو المنصب فحسب فكم من أناس لم تزدهم كثرة أموالهم إلا بخلا وشحا و وضاعة وكم من آخرين لم ترفعهم مناصبهم و وظائفهم من درك البغي والظلم والدناءة , وكم أظهرت الحياة نفاسة معادن بعض الرجال رغم فقرهم وتواضع منزلتهم .
أكثر ما يكشف حقيقة معادن الرجال ويظهر جوهر ما تكنه نفوسهم من أصالة أو خساسة وما تحمله شخصيتهم من قيم ومبادئ راقية أو مصالح ومطامع ومنافع مادية بحتة هي الشدائد والمحن والملمات , ومن هنا يمكن فهم قول الإمام الشافعي رحمه الله وهو يثني على الشدائد خيرا بقوله :
جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ ... وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْدًا وَلَكِنْ ... عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي