روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
25-04-07, 01:18 AM | #1 | |
عضو نشط
|
الدعوة إلى الله أصولها ووسائلها وأساليبها
الدعوة إلى الله أصولها ووسائلها وأساليبها
بسم الله الرحمن الرحيم . الفصل الأول : تعريف الدعوة وبيان أهميتها وفرضيتها المطلب الأول : تعريف الدعوة : أولا : التعريف اللغوي : الدعوة : من الفعل دعا ، يدعو ، والدعوة المرة الواحدة من الدعاء والجمع دعاة وداعون . وقد جاءت هذه الكلمة على عدة معان : 1- الاستغاثة : منها قوله تعالى : { وادعوا شهداءكم من دون الله } ، أي استغيثوا بآلهتكم . 2- التضرع والتوسل والابتهال : ومنه دعوت الله تعالى ، أي ابتهلت إليه بالسؤال . 3- العبادة : منه قوله تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } ، أي تعبدون . 4- الحث على الشيء والسوّق إليه : ومنه قولك دعاه إلى الأمير إذا ساقه أو حثه إليه . 5- النداء : يقال : دعا الرجل فلاناً أي ناداه ، والذي يؤذن وينادي الناس يسمى داعي الله ، والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الخلق إلى التوحيد . 6- السؤال : منه قوله تعالى : { ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها } ، أي سل لنا ربك. 7 - التوحيد والثناء على الله : منه قول المرء إذا ما دعا الله تعالى : يا الله ، لا إله إلا أنت ، فهذا يسمى دعاء وهو توحيد وثناء على الله ويلاحظ من من التعريفات السابقة أنها تدور حول معان ثلاثة ، وهي : الأول : دين الإسلام ، وهو ما ظهر في إطلاق لفظ الدعوة على معنى التوحيد والثناء على الله . الثاني : الجانب العملي والتطبيقي للدعوة الإسلامية ، وهو مستفاد من إطلاق كلمة الدعوة بمعنى العبادة ، والتضرع والابتهال ، والتوجه إلى الله بالثناء . الثالث : الجانب النظري ، وذلك بإطلاقها بمعنى الحث والنشر والتبليغ والسؤال والنداء والاستغاثة . ..ثانيا : التعريف الاصطلاحي : لقد اختلفت عبارات الباحثين في تحديد المعنى الاصطلاحي للدعوة وذلك بسبب تعدد معانيه اللغوية وقد ركز بعض الباحثين على بعض المعاني دون غيرها مما أدى إلى الاختلاف . طبعا لن نذكر اختلافات الباحثين لأن هذا أمر يطول ، سنذكر فقط التعريف النهائي وهو : الدعوة : ((هي الجهود المبذولة من الدعاة لتفعيل حركة الإسلام في حياة الناس وفق هدي النبوة .)) وهذا التعريف جامع شامل لجميع التعاريف وكذلك لجميع معاني الدعوة اللغوية . |
|
25-04-07, 01:21 AM | #2 | |
عضو نشط
|
1- أهميتها بالنسبه لموضوعها ( الإسلام )
2- أهميتها للدعاة 3- أهميتها للمدعوين ودرسنا اليوم سيكون عن أهمية الدعوة بالنسبة لموضوعها ( الإسلام ) المطلب الثاني : أهمية الدعوة وفوائدها أولا : أهمية الدعوة بالنسبة لموضوعها ( الإسلام ) تبرز أهمية الدعوة إلى الله ، بالنسبة لموضوعها في حياة رسالة الإسلام ، وظهورها وبقائها وعدم فنائها ، فقد اقتضت سنة الله في الدعوات أن ترتبط حياتها بمدى إخلاص حملتها ، وإيمانهم بها ، وعملهم المتواصل على نشرها وتبليغها ، لذلك كانت بعثة الرسل عليهم السلام ، ودورهم في تقرير التوحيد وإرساء الدين في الأرض ، ومنهجهم في تخريج الدعاة مثالاً واضحاً ، ومعيناً لا ينضب في بيان أهمية الدعوة ، وإذكاء روح العمل الجاد لترسيخ مفاهيمها ، وهو ما أوضحته الآية الكريمة : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً }. لقد أكدت الحقائق التاريخية ، أن الله عز وجل خلق الدعاة لتقرير دعوته -بدءاً بخلق آدم عليه السلام - أو تجديدها وإحيائها ، وهو ما يقوم به الدعاة المجددون ، لذا لا انفكاك بين الدعوة والدعاة ، فالأولى تخرج أفواج الدعاة ليحققوا لها استمراريتها ، من خلال ما تتضمنه من مناهج ومبادئ وأحكام ، تعمل على إحياء القلوب وتفجير الطاقات نحو العمل الجاد لصالح دعوة الله تعالى ، والدعاة يرسخون مفاهيم الدعوة ، وينشرونها في الأرض بعد أن أصبحت جزءاً أصيلاً في كيانهم . وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمكين لهذا الدين وانتشاره في الأرض ما دام الدعاة قائمون على حدود دعوتهم ، ولأن الغلبة ستكون لهم وأن الهزيمة والتتبير ستحيق بأعدائهم . عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك بيت مدر ولا وبر ، إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر ) إنه لا يكتفي لبقاء الدعوة الإسلامية وخلودها أن تكون ملائمة للفطر السليمة ، وموافقة للعقول الصحيحة ، إلى جانب آثارها الإيجابية في حياة الناس والمجتمع ، بل تستلزم إلى جانب ذلك كله حماة يذودون عنها ، ويهبوا لها كل ما في وسعهم من طاقة وجهد ، إذ بقيامهم بأمر الدعوة إلى الله حياة الدين . وترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤدي إلى حلول القيم الهابطة ، والأخلاق المرذولة بدلاً من الفضائل والتعاليم الدينية التي تدعو إلى الانضباط والاستقامة . وعند ابن ماجه بإسناد صحيح ..عن أنس بن مالك قال : ( قيل يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم ، قلنا : يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال : المُلك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رُذالتكم ) ، أي إذا كان العلم في الفساق . .. نافلة القول أن ديناً فقد مقومات وجوده ، وأسباب انتشاره بالإمساك عن إعداد المزيد من الدعاة العاملين أو بالإقلاع عن الدعوة إليه سيبقى حبيساً في صدور من تبقى من حملته وأتباعه ، حتى يكون وجودهم بالنسبة إليه حينئذ ، أشبه بجثث الموتى المتناثرة هنا وهناك ، لأنهم بذلك يكونوا قد فقدوا عنصر الحياة ، الذي به تحيا القلوب الموات ، وتلتئم الأشلاء المتناثرة ، وتتحد القوى المتنافرة ، وتحقق به النصر والبقاء والتمكين وهو ما وعد الله به عباده العاملين . { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ....} الآية . |
|
25-04-07, 01:22 AM | #3 | |
عضو نشط
|
ثانيا : أهمية الدعوة بالنسبة للدعاة
الداعي إلى الله وهو يؤدي رسالته ، يحقق لنفسه الفائدة في العاجلة ، وجزيل الثواب في الآجلة ، مما يعكس مدى أهمية الدعوة بالنسبه له ، وهو ما يمكن توضيحه في نقطيتين رئيستين : أ - أهمية الدعوة وفوائدها في الحياة الدنيا : 1- الشعور بالسعادة وتحقيق الأمن النفسي : إن الداعية إلى الله وهو يتفاعل مع مناهج الدعوة الإسلامية ، وما تتضمنه من أساليب في الإعداد والتربية الروحية وغيرها ، إنما يرقى ليكون ربانيا ، وهو ما يحقق له السعادة الروحية والطمأنينة والأمن النفسي. 2- اكتساب خبرات دعوية متجددة والاستفادة من الأخطاء الواقعة والمتوقعة : إن الداعية الناجح كالطبيب الحذق ، الذي يقدم العلاج الناجع لمحتلف الأمراض التي تخضع لاختصاصه ، إلا أن هذا الدور يستلزم أن يزود صاحبه بالتوجيهات والتعليمات ، التي يكتسبها من ميادين الدعوة العملية ومن العاملين معه بساحة الدعوة ، ممن سيزوده بعصارة خبراتهم وتجاربهم ، عندها يعرض تجاربه على خبرات الآخرين ، لتقييم سلوكه وخطواته ، ليقف على أخطاء نفسه فيصل إلى الأصوب والأفضل ، مما يحقق النجاح لدعوته . 3- صقل شخصة الداعية وتنمية قدراته على مواجهة الابتلاء : إن مواصلة الداعية في لعمله في مجال الدعوة يزوده بالصبر والإيمان ، ويكسبه القدرة على الصمود والثبات ويفيده مرونة التعامل مع شتى صنوف الابتلاءات . 4- كسب عناصر جديدة لصالح العمل الإسلامي : إن من يهتدي على يد الداعية يكون عوناً للداعية على أداء رسالته ، ويضم جهده إلى جهد الداعية ، وهكذا الإسلام لا ينتشر إلا عن طريق الدعوة إليه ، ولا يتقوى إلا بالعناصر الجديدة الرافدة ، وهذا يقوى شوكة الدعاة ويساهم في نجاح دعوتهم وانتشارها . 5- النجاة من الهلاك في الحياة الدنيا : إن الإنسان إذا قصر في واجب الدعوة وتقاعس عن تبليغها ، فإنه يستحق عقاب الله الذي وعد ، دون أن يجد منه ملاذاً أو ملجأ إلا إليه ، ومن ناحية أخرى فإن الدعوة إلى الله منجاة للدعاة من الذل في الدنيا . ب - أهمية الدعوة وفوائدها يوم القيامة : 1- الثواب والأجر العظيم في الآخرة : ويتحقق للدعاة من جهتين : الأولى : الثواب المترتب على دعوة الآخرين دون أن يكون مشروطا بهدايتهم ما دام مقصد العمل هو مرضاة الله عز وجل . الثانية : تضاعف الثواب وتناميه بقدر ما يكسبه الدعاة المخلصون من أنصار لصالح الإسلام . 2- النجاة من العذاب يوم القيامة ومن سوء المنقلب : إذا كان العقاب والطرد من رحمة الله يصيب يوم القيامة المقصرين عن واجب الدعوة إلى الله ، فإنه يرتفع بأدائها وبإزالة التقصير المقترن بها ، عندها تكون النجاة لفريق الداعين إلى الله من ذلك العقاب . .... ثالثاً : أهمية الدعوة بالنسبة للمدعوين : 1- تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة : قال تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } . 2- النجاة من الهلاك في الحياة الدنيا : بشرت سنة النبي صلى الله عليه وسلم المدعوين إذا قصروا تجاه أوامر الله تعالى بالهلاك ، وبالنجاة إذا استقاموا عليها ، واستجابوا لأحكامها . 3- إنقاذ الناس من ظلام المعصية إلى نور الطاعة : إن من أعظم آثار الدعوة إخراج الناس من ظلام الكفر إلى نور الهدى والإيمان ، وبالدعوة إلى الله تستنير البصائر وتهتدي العقول ، ويتحول المجتمع من الشقاء إلى السعادة . 4- الإرتقاء بالأمة إلى أعلى درجات العز والمجد والسيادة : قال تعالى : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، ولا يكون علو الشأن للمؤمنين دون قيام الدعاة بواجبهم ، والمدعوين باستجابتهم لأمر الدعوة ، وبقدر تحقيق ذلك تصل الأمة إلى أعلى درجات العز والسيادة. 5- تفجير الطاقات الكامنة في نفس المدعوة نحو بناء مجتمع قوي . |
|
25-04-07, 01:24 AM | #4 | |
عضو نشط
|
المبحث الثاني : حُكم الدعوة وإعداد الدعاة
لقد أجمع العلماء على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعموم الأدلة من الكتاب والسنة ، ولكنهم اختلفوا في نوع هذا الوجوب هل هو عيني أو كفائي وهذا سنبينه في الدرس القادم بإذن الله ، أما درس اليوم سيكون فقط عن أدلة وجوب الدعوة . المطلب الأول : أدلة العلماء على وجوب الدعوة أولا : الأدلة من الكتاب : ذكر العلماء عددا من الآيات الدالة على حكم وجوب الدعوة ، نذكر منها : 1- قال تعالى : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } 2- قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة } 3- قال تعالى : { لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } 4- قال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } 5- قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ويلاحظ في الآية الأولى قوله ( ولتكن ) أمر ظاهره الوجوب . وفي الآية الثانية أطلق مسمى الإيمان على من قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمن لم يقم به لا يستحق أن يكون من المؤمنين . وفي الثالثة شددت على المقصرين بشأن الدعوة إلى الله ، وعللت استحقاقهم اللعنة بتركهم النهي عن المنكر . في حين بينت الآية الرابعة أن الناجين ما تحققت لهم النجاة إلا بالنهي عن السوء ، وهو ما يؤكد أمر الوجوب . يضاف إليه الأمر الوارد في الآية الخامسة ، والذي يفيد وجوب الحث على التعاون ، وما قيام الداعية بواجبه تجاه المدعو مادياً ومعنوياً إلا صورة واضحة للتعاون الذي حثت عليه الآية . .. ثانياً : الأدلة من السنة استدل العلماء على وجوب الدعوة إلى الله بأحاديث كثيرة نذكر منها : 1- عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لتَأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنهَوُنَّ عن المنكر أو لّيُوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لَتَدعُنَّه فلا يستجيب لكم ) ..رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح 2- عن محمد (بن سيرين) عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة ذُكر النبي صى الله عليه وسلم قال : ( فإن دماءكم وأموالكم ، قال محمد وأحسبه قال : وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) ...رواه البخاري 3- عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم وأموالكم ) ..رواه النسائي وصححه الألباني. ويلاحظ أن صيغة الأمر الواردة في الأحاديث السابقة تدل على الوجوب . ثالثاً : الإجماع أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حيث نقل الإجماع ابن حزم ، قال : ( اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف بين أحد منهم ) ..الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/171. والإمام النووي حيث قال في : ( وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ) ..صحيح مسلم بشرح النووي ، 2/22. ونقل الإجماع أيضا الإمام القرطبي في تفسيره فقال : ( والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه ، فإن خاف فينكر بقلبه ، ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه ) .. |
|
25-04-07, 01:27 AM | #5 | |
عضو نشط
|
آراء علماء الأمة في نوع وجوب الدعوة
اتفق العلماء في ضوء الأدلة السابقة على أصل الوجوب إلا أنهم اختلفوا في نوعه من حيث كونه عينياً أم كفائياً ، فذهب بعضهم بالقول بالوجوب العيني ، فيما ذهب أكثر العلماء إلى القول بالوجوب الكفائي ويكن إجمال أقوال العلماء في قولين ، وهما : القول الأول : الدعوة واجبة وجوبا عينياً عل كل مسلم ذهب عدد من المتقدمين مثل ابن حزم وابن القيم الجوزية وابن كثير ، كذلك من المعاصرين إلى القول بالوجوب العيني للدعوة عل كل مسلم وقد استدلوا بالأدلة الآتية : 1- قال تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } والمقصدو بحرف الجر ( من ) في قوله ( منكم ) التبيين وليس التبعيض ، بمعنى أن أمر الوجوب يشمل الأمة كلها وليس بعضها ، وهذا يعني أن الآية تأمر أمة المسلمين كلها بالدعوة إلى الله . يقول ابن كثير : ( والمقصود من هذه الآية أت تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه ) . 2- قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهو عن المنكر } حيث جعلت الآية الدعوة إلى الله سمة عامة شملت أمة الإسلام ، دون استثناء ، فدل ذلك على وجوب الدعوة عليها جميعا ً. لذا فإن معنى الأية ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ، كونوا أمة دعاة للخير تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر . 3- إن جميع المكلفين مطالبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إما باليد أو اللسان أو القلب وأنه يجب عليهم دفع الضرر عن النفس إذا ثبت . يقول ابن حزم في المحلى : ( والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان ، على كل أحد على قدر طاقته ، فمن لم يقدر فبلسانه ، فمن لم يقدر فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ، ليس وراء ذلك من الإيمان ) . عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت سول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ..رواه مسلم 4- روى الإمام البخاري في صحيح بسنده عن أبي بكرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) ، فالأمر في الحديث يفيد العموم ، إضافة لكونه أمر بمعروف ، بوصفه أمر شرعي فهو يفيد الوجوب العيني . .. القول الثاني : الدعوة واجبة وجوباً كفائياً ذهب كثير من العلماء المتقدمين كالإمام العيني والغزالي والقرطبي والنووي وابن تيمية والسيوطي والفخر الرازي ، والمتأخرين ، إلى القول بالوجوب الكفائي للدعوة ، بحيث إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين ، وقد استدلوا على رأيهم بالأدلة الآتية : 1- قال تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } فحرف الجر ( من ) في قوله ( منكم ) للتبعيض مما يفيد أن المخاطب هو البعض وليس الكل. 2- ينبغي لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن تتوفر فيه الشروط التي تمكنه من أمر الدعوة كالفقه والرفق والحلم والصبر ، ويجب أن يكون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر علماء ، مع التسليم أن ذلك غير متحقق في جميع الناس ، مما يدل على أن الوجوب كفائياً وليس عينياً . 3- إن ما يجلبه الجهلة من شرور على الأمة دليل لهذا الرأي ، إذ ربما يأمر أحدهم بالمنكر وينهى عن المعروف ، أو يغلظ في موضع اللين ، أو يلين في موضع الغلظة ، لذا يجب أن يحصر أمر الوجوب على العلماء. 4- لفظ ( من ) في الآية ( ولتكن منكم أمة ) ، تفيد أن في القوم من لا يقدر على الدعوة ، ولا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل النساء والمرضى والعاجزين بشكل عام ، مما يعني تعذر القول بحمل أمر الوجوب على كافة الناس. 5- قال تعالى : { فولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } ، تفيد أن التكليف متوجه للعلماء وهم بعض الأمة . .... وفي ضوء ما تقدم ينبغي الإشارة إلى الملاحظات الآتية : 1- كل من الفريقين اتفق على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل إلا أنهما اختلفا في نوع الوجوب ، فيما إذا كان وجوبا عينيا أم كفائيا . 2- ينبغي أن يراعى أن هناك نوعان من الدعاة في الفقه الإسلامي : أولاهما : مكلف من الدولة ويروتزق من عمله ، والفرض في حقه متعين بحكم الولاية ، ويسمى بالمحتسب ، أي القائم بأمر الحسبة ، والتي هي : ( أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله ) . ثانيهما : المتطوع : وهو من يقوم بأمر الدعوة من تلقاء نفسه دون أن ينتظر رزقا من الدولة على إنكاره المنكر ، والفرض في حقه على الكفاية . [ إلا أن المقصود في دراستنا هو الداعية بمعناه الشامل لمفهوم الحسبة وغيرها .] 3- ذهب بعض القائلين بالوجوب العيني إلى عدم إسقاط أمر الدعوة عن غير المستطيعين بسبب العلم مثلا ، وذلك لأنهم مأمورون بالتعلم . وذهب آخرون إلى تقييد الوجوب بالاستطاعة ، فمن لم يكن عالماً بحكم المنكر لا يعد مستطيعا بالاتفاق . كما أن القائلين بالوجوب الكفائي أسقطوا الوجوب على من ليس عالماً ومن كان عاجزا عن تبليغ الدعوة . 4- اشتراط العلماء العلم بالنسبة للدعاة لا يعني بالضرورة أن يكون عالماً بكل مسألة ، فمن علم بمسألة فهو مطالب بتبليغها . 5- إن من بين القائلين بأن حرف الجر ( من ) في قوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة ) ، أنها بيانية وليست تبعيضية ، استدلوا بها على وجوب الدعوة على آحاد الأمة كلها كل حسب طاقته ، إلا أنهم قالوا : بأن الوجوب متى قام به البعض سقط الإثم عن الباقين ، واستدلوا بالعموم الوارد في قوله تعالى ( انفروا خفافاً وثقالاً ) ، فقالوا : إذا قام بأمر الجهاد طائفة ووقعت الكفاية بهم سقط الإثم عن الباقين ، مما يعني أن حرف الجر ( من ) حال كونها بيانية فإنها لا تنافي القول بوجوب الدعوة الكفائي على الأمة . 6- إن القول بالوجوب الكفائي يعني أن الأمة مأمورة بأن توجد بينها من يقوم بهذه الفريضة ، وعند تحقق وجودهم يصبح أمر الدعوة في حقهم فرض عين مع سقوط الوجوب على الآخرين ، وإلا أثمت الأمة كلها . 7- استحب أصحاب الرأي الثاني الدعوة إلى الله من جميع المسلمين وندبهم إلى ذلك حال سقوط حكم الوجوب عليهم ، وذلك بقيام من تحقق فيهم الكفاية . ...... خلاصة كل ماسبق في ملاحظتين رئيستين : الأولى : إن الخلاف بين الرأيين يكاد بنعدم خاصة في الناحية العملية ، وذلك لأن أمر الدعوة واجب التحقق إذا انعدم المعروف أو ظهر المنكر. الثانية : إن اتفاق العلماء على وجوب الدعوة ولزوم تصدر طائفة كافية من المسلمين للقيام بأعبائها ، يعني أن كل ما من شأنه تحقيق أمر الوجوب ، كتأهيل الدعاة وإعداد المحتسب واجب إذ ما لا يتم الواجب به فهو واجب ، وما دام الأمر كذلك فإن الأمة مطالبة شرعا بالدعوة وإعداد الدعاة ، وأي تقصير في ذلك فإنه يترتب عليه إثم على الجميع ، كلا بحسبه. |
|
25-04-07, 01:31 AM | #6 | |
عضو نشط
|
الفصل الثاني : أصول الدعوة : أدلتها ومصادرها وأركانها
كلمة أصول في اللغة جمع أصل وهو أسفل كل شيء ، وعليه فإن أصل الشيء هو ما ثبت أسفله ، وبني عليه غيره . واصطلاحا : أصول الدعوة هي : ( مجموعة القواعد والأدلة والمصادر التي يتوصل بها إلى تفعيل حركة الإسلام بين الناس على هدي النبوة ) . ... المبحث الأول : أدلة الدعوة ومصادرها يمكن تقسيم المصادر التي يحتاجها الدعاة ، ويسترشدون بها خلال دعوتهم وإعدادهم المناهج اللازمة لتأهيل الدعاة ، إلى مصادر نصية وتتضمن مجموعة المصادر التي أمرنا بالالتزام بها بنص واضح وصريح ، وتعد أصلا لما سواها من مصادر أخرى ، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما يستقى منها ...ثم مصادر تطبيقية وتتمثل بالجهود والتجارب الدعوية التي انبثقت عن الدعاة والعلماء والفقهاء ، من لدن الصحابة رضي الله عنهم ، حتى واقع الحركات الإسلامية المعاصر . .... المطلب الأول : المصادر النصية تعد المصادر النصية شيئا هاما في احتياجات الدعاة بوصفها الرافد الأساسي لهم ، وهي مصدران رئيسان ؛ القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما يلحق بهما من مصادر تبعية من هذين المصدرين ، كالإجماع والقياس والاستحسان وغيره ، مما محله كتب أصول الفقه ، وسيتم التفصيل في الحديث عن القرآن الكريم والسنة النبوية. ... أولاً : القرآن الكريم يعد القرآن الكريم أصل الأصول جميعاً ، إذ ترد إليه سائر المصادر الأخرى ، والقرآن مفجر العلوم ، ومنبعها ، وأودع الله فيه كل شيء ، وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبالنظر لأهمية هذا المصدر ، كان لا بد من بيان معنى القرآن الكريم ، ثم بيان أهم خصائصه . تعريف القرآن : عرف أكثر العلماء القرآن بأنه : ( الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ) . خصائص القرآن الكريم : اختلفت أساليب العلماء في عد خصائص القرآن الكريم ، فمنهم من اقتصر على خصائصه وفق مقتضى تعريف القرآن الاصطلاحي ، ومنهم من أضاف خصائص الإسلام العامة ، والتي في الحقيقة مستخلصة من خصائص القرآن الكريم والسنة النبوية . وستعنى هذه الدراسة بأهم الخصائص التي برز أثرها في تأهيل الدعاة ، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط الآتية : 1- الربانية : أي الانتساب إلى الرب أي الله سبحانه وتعالى ، والربانية تعني ان لا دخل للبشرية أبداً في القرآن الكريم ، لا من جهة اللفظ ، ولا من حيث المعنى ، ويترتب على ذلك أمران : الأول : كماله وخلوه من النقائص إن ما جاء في القرآن الكريم من قواعد ومناهج وأحكام موصوفة بالكمال ، لأنها جاءت من الله تعالى ، الموصوف بالكمال المطلق ، في ذاته وصفاته وأفعاله ، مما يستحيل في حقه خلاف ذلك من النقائص التي تلتصق بالبشر والقوانين والشرائع الصاردة منهم . الثاني : تحقيق الهيبة والاحترام من قبل المؤمنين به ويلاحظ أن هذا الأمر لا يخص شريحة في المجتمع دون غيرها ، بل يشمل الجميع ، إذ أن طاعتهم وخضوعهم لله ولشرعه طاعة اختيارية قائمة على أساس الإيمان بالله تعالى وهذا يستلزم من الدعاة أمرين ، هما : أ - أن ينهلوا من كتاب الله عز وجل ، وكلهم ثقة واطمئنان لما فيه من قواعد الدعوة ومناهجها ، وأساليبها ، وأنها تحقق لهم مقصدهم في تخريج الداعية الرباني. ب- أن يضع الدعاة لأنفسهم خططاً ومناهج جديدة ، ويعملوا على الاستفادة من مختلف الوسائل الحديثة المعاصرة والمبتكرة بما يخدم أغراض الدعوة وأهدافها ، وذلك في ضوء المناهج والأساليب الدعوية الربانية. |
|
25-04-07, 01:33 AM | #7 | |
عضو نشط
|
2- الشمول وتعني الإحاطة ، أي القرآن شامل لكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته وآخرته ، فهو ليس لعقل الإنسان دون روحه ، ولا لروحه دون جسده ، ولا لفكره دون عاطفته ، ولا عكس ذلك ، بل هو رسالة للإنسان كله في مراحل حياته ووجوده . والدعاة أمام القرآن يجدوا فيه الزاد الوافي الذي يلبي احتياجاتهم ، ويجدوا فيه ما يفي باهتماماتهم سواء في مجال التربية الروحية ، وتنمية الصلة بالله عز وجل ، أو في مجال الأخلاق والسلوك ، وكذلك في مجال التثقيف ، حيث يتضمن ثروة ثقافية في مجال الدعوة وتأهيل الدعاة . كما تضمن القرآن الكريم أخبار الرسل عليهم السلام ، وطرائق دعوتهم ، وما يستفيده الدعاة من مناهج دعوية ، مما يثبت قلوبهم وهم يواجهون أعداءهم ، متسلحين بثقتهم بالله عز وجل ، وتأييده لهم ، كما أيد الدعاة من قبل ، قال تعالى : { وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين } . إن كل ما يحتاجه المرء من أنباء الرسل عليهم السلام ، قد قصه الله عز وجل في كتابه ، وبين مدى صبرهم على أذى أقوامهم وما يترتب على ذلك من عبر وعظات مستفادة ، مما أصاب القرون الخالية التي كذبت. ويعد القرآن الكريم مرجعاً أصيلاً لكل ما يتعلق في مجال الدعوة والدعاة ، لما يتضمنه من علوم الأولين والآخرين . 3- الوضوح وتأتي بمعنى الإبانة والظهور ، وهي ضد الغموض ، قال تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } ، أي أنزله الله عز وجل بلسان عربي فصيح كامل شامل ، ليكون بينا واضحا ظاهرا قاطعا للعذر مقيما للحجة دليلا على المحجة . إن تميز القرآن بالوضوح يجعل الدعاة على بينة من أمرهم وهم يقتبسون ما يفيدهم ويساعدهمم في نجاح دعوتهم دون لبس أو تخبط أو غموض ، فوسائل الدعوة وأساليبها ومناهجها وأركانها واضحة بينة ، وبوسعهم في ضوئها أن يقتبسوا ما ينفعهم ، ويحقق أهداف دعوتهم ، والتي من بينها مناهج تأهيل الدعاة . 4- التوازن ويطلق عليه بعض العلماء الوسطية والاعتدال ، أي التوسط والتعادل بين طرفين متقابلين دون أن يفرد أحدهما بالتأثير دون الطرف الآخر ، ومثال ذلك الروحية والمادية ، والفردية والجماعية ، والواقعية والمثالية ، ونحو ذلك ، فالاعتدال بين ذلك يتحقق بعدم الإفراط والتفريط في أي شيء ، وأن نعطي لكل ذي حق حقه . وقد برزت الوسطية في القرآن الكريم ، وذلك في كل ما جاء به من هداية أو عرضه من مواضيع ، وعالجه من مشكلات ، وما ظهر فيه من توافق وانسجام بين الروح والمادة ، وبين العقل والقلب ، ونحو ذلك ، خلافاً للمذاهب الوضعية الأخرى التي ركزت على جانب المادة وأهملت الروح ، أو عنيت بالفرد وأهملت الجماعة أو العكس . إن الاعتدال سمة الدعوة في القرآن الكريم ، والداعية ينبغي أن يراعي التوازن في شؤونه كلها ، كي يواصل المسير ، ولا تنقطع به السبل إذ أن التوازن عصمة له عن الانقطاع ، وهذا يعني أن البرامج المعدة والمناهج الدعوية المقترحة لا بد أن تراعي هذه المسألة ، فتعنى بتربية المسلم ، وتنشئته ، عقدياً وثقافيا وسلوكيا ، ليكون صورة مشرقة لدعوته ، قال تعالى : { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين } . |
|
25-04-07, 01:34 AM | #8 | |
عضو نشط
|
5- المثالية والواقعية
ونعني بها بلوغ الإنسان أعلى مستوى ممكن من الكمال البشري ، دون أن نغفل عن طبيعة الإنسان وواقعه ، وهذا يعني الارتقاء بالإنسان ، في ضوء إمكاناته وقدراته التي يمتلكها . وقد أطلق البعض على هذه الخصيصة اسم العملية ، أي : ( صلاحية الشيء للتطبيق والعمل به في كل زمان ومكان ) ، ومعنى ذلك أن منهج الدعوة في تأهيل الدعاة قائم على أساس من المثالية الواقعية ، التي ترمي إلى وصول الداعية إلى أرقى الدرجات الممكنة ، بحسب إمكاناته وطاقاته ، دون أن نبخس طاقة حقها ، وذلك بتوظيفها كي تخط طريقها في ساحة الدعوة إلى الله ، وتحقق الاستخلاف في الأرض. إن مسمى العملية وإطلاقه على هذه الخصيصة يعني بالضرورة ، أن لا تقصر برامج التأهيل ومناهج إعداد الدعاة ، على الجانب النظري فحسب ، بل لا بد من تضمنها للجانب التطبيقي العملي كي تثمر وتحقق نتائجها المرجوة . ولما تفاوتت استعدادات الناس في بلوغ المستوى الرفيع ، الذي رسمه القرآن الكريم لهم كان لا بد أن تراعى مناهج الدعوة ذلك ، فجعلت لهم حدا أدنى من مستوى الكمال ، لا ينبغي الهبوط دونه ، كأن يقف عند حدود الفرائض فيؤديها ، والمحرمات فيبتعد عنها ، قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وقال أيضا : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ، وعلى الداعية أن يجتهد في الارتقاء في الطاعات والنوافل ، وفعل كل ما يقربه إلى الله قدر جهده . كما أن وجوب الدعوة إلى الله على آحاد الأمة ، كلاًّ بحسب طاقته ، وسقوطه عن العاجز عن تغيير المنكر ، هو دليل ظاهر على واقعية الإسلام ، ومراعاته لطاقات الناس وقدراتهم واستعداداتهم . وقد برزت هذه الخصيصة في عدة مجالات من جوانب الدعوة الإسلامية ، نذكر منها : أ - العقيدة الإسلامية : حيث راعت ظروف الإنسان وفطرته وطبيعة تكوينه وواقع حياته ، فيتوقف العقل عند الحدود المقدرة له شرعاً ، ومن ذلك مسائل مغيبة كالمتعلقة بالأسماء والصفات ، فلا يجوز أن يفسح المجال للعقل بالتأمل والنظر في كيفية صفات الله عز وجل وذلك لقصوره ومحدوديته ، ولأن الله عز وجل - كما ذكر صاحب العقيدة الطحاوية - لا ينتهي إليه وهم ، بأن يظن أنه على صفة كذا ، ولا يحيط به علم ، ولا يدركه عقل ، ولا يشبهه شيء : قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ولما كانت الدعوة إلى الله دعوة إلى التوحيد كان لا بد من عرض العقيدة بأسلوب سهل و بسيط وواضح ، وهو ماتميز به القرآن الكريم ، حتى تترسخ معاني العقيدة الصحيحة في نفوس البسطاء والعوام والمثقفين والمتعلمين . والداعية مطالب بغرس العقيدة الإسلامية في قلوب المدعوين ، بعيدا عن أساليب علماء الكلام في معالجة العديد من المسائل العقيدة ، وبعيدا كذلك عن التفصيلات التي من اهتمامات أهل الاختصاص لأصحابهذا الفن ، إذ ينبغي التفريق بين الخطاب الدعوي للعوام - غير المتخصصين - وأهل الاختصاص . .. ب - العبادة : لم تقتر العبادة في الإسلام على العبادات المحضة ؛ كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، بل تعدت لشمل كل عمل يقوم به الإنسان ويقصد به مرضاة الله عز وجل ، ويوافق شرع الله تعالى ، فالعبادة في معناها الأصيل اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضى . وهذا يعني أن ما يقوم به الداعية من نشر لدعوة الله تعالى عبادة ينبغي أن يؤديها وفق طاقاته وإمكاناته ، وأن يسعى للارتقاء بها بما يحقق معنى الواقعية المثالية ، خاصة إذا علمنا أن أحكام الشريعة الإسلامية قامت على أساس رفع الحرج والتيسير على الناس . .. ج - الأخلاق : لم يفترض القرآن الكريم النظرة الملائكية في البشر ، فلم يطالبهم إن يكونوا برءاء من كل عيب ، معصومين من كل ذنب ، بل اعترف ببشريتهم وحثهم على التوبة والرجوع إلى الله تعالى ، إذا ما أخطأوا ، قال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } . ومع ذلك أكد الإسلام على أهمية الأخلاق ودورها في كسب قلوب الناس ، وتأليفها حول دعوة الإسلام . .. د- تربية الأبناء : حث القرآن الكريم الآباء بالعناية بتربية أبنلئهم ، وحسن توجيههم ، وأن يكونوا قدوة خلال ذلك على أساس من الواقعية المتوزانة ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة } قال ابن كثير : ( أي مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة ) . ويعد البيت المحضن الطبيعي الأول لتربية الأبناء وإعداد الدعاة ، وهو ما ينبغي عدم إغفاله من قبل الأبوين ، إذ لو قاما بدورهما الدعوي تجاههما لاكتملت حلقات التربية مع المربين ، الذين وظفوا طاقاتهم خارج حدود البيت ، أي في المحاضن الأخرى كالشارع والمسجد والمدرسة وغيرها . |
|
25-04-07, 01:36 AM | #9 | |
عضو نشط
|
سيرة السلف الصالح
والسلف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، الذين اشتملتهم القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامية ، وهو ماثبت في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري بسنده ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خَيْرُ القرون قرني ثمّ الذين يَلُونَهم ثمّ الذين يَلُونَهم ، ثمّ يجيء أقوامٌ تسبق شَهادَة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) . وتعد سيرة السلف الصالح من المصادر الهامة للدعاة ، لأنهم أعلم من غيرهم بمقاصد الشريعة وفقه الدعوة إلى الله ، مما رشح سيرتهم أن تكون من خير زاد لأهل العلم ، ينهلوا منها ويقتبسوا من هديها ؛ فقد كان الصحابة يقرئون القرآن ، ويعلمون الناس أحكامه فهو لب الإسلام ، ولسان الدعوة إليه . وقد برزت بعض الأساليب الدعوية في حياة التابعين ، ومن ذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز الذي قام بتشجيع العلم والعلماء ، وجعل لهم رواتب كي يتفرغوا لنشر العلم دون أن ينشغلوا بالكسب عن تلقي العلوم الشرعية ، يضاف إلى ذلك مناظراته ومحاوراته لبعض الفرق كالخوارج والمرجئة والشيعة ، إلى غير ذلك من الجهود الدعوية التي برزت في خلافته رضي الله عنه . .. ثالثاً : استنباطات الفقهاء إن الداعية وهو يدعو إلى شريعة الإسلام ، لا يمكنه الاستغناء عن التراث الفقهي الذي خلفه الفقهاء والأئمة الأعلام وذلك من ثلاث نواح ، وهي : 1- إن عمل الداعية ما هو إلا دعوة إلى شريعة الإسلام ،بما تتضمنه من أحكام شرعية ، وهي ذاتها تراث الفقهاء ، واستنباطاتهم . 2- إنه يتوجب على الداعية أن يعرض وسائله وأساليبه ومناهجه ، على ضوابط الفقه الإسلامي وأحكامه ، كي يتحسس مواطن الصواب والخطأ . 3- إن الفقهاء - مع براعتهم في جانب الفقه - كانت لهم جهودهم في مجاتل الدعوة ، ومناهجهم في التعليم واستخداماتهم لأسلوب الحوار والمناظرة ، ونحو ذلك مما يمثل زادا هاما ، ومرجعا خصباً للقراء والسالكين . إن التراث الفقهي يعد من المصادر التي يحتاجها الدعاة ، وذلك لما عني به الفقهاء من استنباط للأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ، والتي من بينها الأحكام المتعلقة بأمور الدعوة ، والأمر المعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحسبة . إن استنباطات الفقهاء ومع أهميتها كمصدر للدعاة ، إلا أنه يعد مصدرا تبعياً ، يستفاد منه في ضوء المصادر الأصلية السابقة ، وذلك بوصفها اجتهادات بشرية تخطئ وتصيب ، فإذا أجمع العلماء على أمر كان حجة ، أما اذا اختلفت آراؤهم واجتهاداتهم ، فإنما هي آراء اجتهادية تنير الطريق لغيرهم . ... رابعاً : تجارب الدعاة عبر العصور إن لكل داعية تجربته الخاصة به في مجال الدعوة ، وذلك في ضوء احتكاكه المباشر مع المدعوين فضلاً عن استخدامه للوسائل الدعوية المختلفة ، مما يُضَمِّن سيرته مجموعة من الأخطاء والتصويبات في مجال التطبيقات الدعوية ، وبذلك تعد سيرته عصارة تجربته ، التي يستفيد منها غيره من الدعاة ، لذلك لا ينبغي للدعاة أن يزهدوا بواقع علماء عصرهم وتجارب الدعاة المعاصرين لهم - فضلاً عن تجارب السابقين - إذ قد يكون في سيرتهم وتجاربهم من الوقائع والأحداث ما يشابه ما يواجههم من وقائع وأحداث ، وهو ما يحقق الفائدة المرجوة حين الرجوع إلى هذا المصدر . إن آيات القرآن الكريم بينت عظيم الفائدة التي يحققها الدعاة ، حين رجوعهم إلى قصص الأنبياء عليهم السلام ، والاستفادة من العبر المستنبطة منها ، بوصفها حياة شاملة متضمنة الأحكام الشرعية ومسائل العقيدة ، وأسباب نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين ، وطرق الهداية والضلال ونحو ذلك مما يمثل زدا خصبا لا يصح للدعاية إغفاله . قال تعالى : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } . وقد أكدت التوجيهات النبوية تلك المسألة ، واستحثت همم الدعاة من الإفادة من تجارب غيرهم وإبداعاتهم لتحقيق أعلى درجات النجاح لدعوتهم ومبادئهم . ويمكن للدعاة أن يتستفيدوا من خبرات غيرهم ، ولو كانوا على غير الطريقة التي هم عليها مادام متوافقا مع ضوابط الشرع محققا المصلحة لدعوتهم . إن تجارب الآخرين لا تنحصر في آحاد الدعاة ، بل تتعدى لتشمل الحركات الإسلامية وما تمثله من عصارة العمل الجماعي المنظم، بما تحتويه من إيجابيات وسلبيات واجتهادات موفقة أو غير ذلك مما يجعل ذلك عبرة لنفسها ولغيرها إذ ان الجماعة أو الحركة مهما أوتيت من الصفات الحميدة إلا أنها تخضع في النهاية إلى الصفة البشرية التي تظهر في خططها واجتهاداتها . وفي ضوء ما تقدم فإنه ينبغي القول بأن الداعية ما دام لا يولد في فراغ ، ولا يتسنى له ذلك ، فإن هذا يعني أن برامجه ومناهجه لا بد ألا تغفل عن مجهودت من سبقه ، بل يأخذ منها ما يصلح لعصره وواقعه ، بعد أن يعرضها على الشرع الحكيم ، ثم يضيف إليها ما يسعه من إضافات ومقترحات من شأنها أن تساهم في نجاح عملية التأهيل والإعداد ، وذلك كله في حق المناهج البشرية دون غيرها . |
|
25-04-07, 02:54 AM | #10 | |
إداري سابق
|
|
|
|
|