روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
14-08-06, 05:36 PM | #1 |
عضو ماسي
|
الأيام النظرة في شرح السيرة العطرة ( 2 )
الأيام النظرة في شرح السيرة العطرة ( 2 )
الشيخ صالح بن عواد المغامسي فـصـل فـي أسـمـائـه ـ صلى الله عليه و سلم : الدرس الثاني: فصل في أسمائه: (روى جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي حَشَرَ الناس، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ) صحيح متفق عليه ) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد، هذا فصلٌ في ذكر أسمائه صلوات الله وسلامه عليه، وتحرير المسألة أن يُقال إن من أسمائه صلى الله عليه وسلم ما يُشاركه فيه الناس مثل محمد وأحمد، فالناس يُسمَوْن بمحمد وأحمد، ولهذا لم يقل صلى الله عليه وسلم في تفسيرهما شيئًا، قال ( أنا محمد ) ولم يُبين، وقال ( أنا أحمد ) ولم يُفصل، لأنها من الأسماء المشتركة التي يُسميها كل أحد، لكن عندما قال ( أنا الماحي ) ( أنا العاقب ) فسر صلوات الله وسلامه عليه، لأن الماحي و العاقب تتعلق بكونه نبيًا ورسولا لا تتعلق بكونه رجلا يُنادى بين الناس. كونه عليه الصلاة والسلام ماحيًا فللكفر، وعاقبًا أي جاء عقب النبيين عليه الصلاة والسلام، هذا يتعلق برسالته، فلهذا بين ما معنى (الماحي)، وبين ما معنى (العاقب) الذي يُحشر الناس على يديه، بمعنى أنه من أشراط الساعة خروجه صلى الله عليه وسلم، لكنه عندما قال ( أنا محمد وأنا أحمد ) فهذا من الأسماء التي يشترك فيها صلى الله عليه وسلم في أصل التسمية مع الناس. و أحمد هو الاسم المُسمى به في الإنجيل، ومحمد هو الاسم المُسمى به في التوراة، في التوراة جاء أن اسمه محمد، وفي الإنجيل جاء أن اسمه أحمد. ( وروى أبو موسى عبد الله بن قيس، قال: سمَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماءً، منها ما حفظنا، فقال: ( أنا محمد، وأنا أحمد، و المُقَفِّي ، ونَبِيُّ التوبة، ونَبِيُّ الرحمة ) وفي رواية: ( ونبي الملحمة ) وهي المقتلة، صحيح، رواه مسلم ) أبو موسى هو أبو موسى الأشعري الصحابي الجليل المعروف عبد الله بن قيس، أحد الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، والحديث كما بيّن المصنف أخرجه الإمام مسلمٌ في الصحيح، وقد ذكر به النبي صلى الله عليه وسلم أسماءً خاصةً به هي محمد وأحمد بالنسبة للنبيين، ومعنى بالنسبة لنبيين لا يوجد نبيٌ من الأنبياء اسمه محمد، ولا يوجد نبي من الأنبياء اسمه أحمد، لكن كلمة نبي التوبة تُطلق عليه وعلى غيره من الأنبياء، ونبي الرحمة تُطلق عليه وعلى غيره من الأنبياء؛ لأن كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا رحمةً وتوبةً للناس، لكن الفرق بينه وبينهم أنه له منها صلى الله عليه وسلم الحظ الأوفر والنصيب الأكمل. ( وروى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا أحمد، وأنا محمد، وأنا الحاشر، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، فإذا كان يوم القيامة لواء الحمد معي، وكنت إمام المرسلين، وصاحب شفاعتهم ). و سماه الله – عز وجل – في كتابه العزيز: ﴿ بَشِيرًا ﴾ و﴿ َنَذِيرًا ﴾ [البقرة: 119]، و﴿ رَءُوفًا ﴾ و﴿ رَّحِيمًا ﴾ و﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] صلى الله عليه وسلم ) الأسماء الأولى التي ذكرها صلى الله عليه وسلم ونقلها المصنف تدل على رفيع مقامه عليه الصلاة والسلام عند ربه، وعلو منزلته، وله عليه الصلاة والسلام خصائص في الدنيا وخصائص في الآخرة، والمقام المحمود خصيصةٌ في الآخرة وهي أعظم خصائصه صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبدٍ وأرجو أن أكون أنا هو ) صلوات الله وسلامه عليه، ونحن نقول كما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام: وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، والله جلّ وعلا قال له في الإسراء ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسـراء: 79]، فالمقام المحمود له صلى الله عليه وسلم. ولواء الحمد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( ولواء الحمد يومئذٍ بيدي )، كل الناس آدم فمن سواه تحت هذا اللواء الذي يحمله صلوات الله وسلامه عليه. المقصود رفيع مقامه وجليل مكانته، ولا نريد أن نفصل فيها أكثر لأنها سيأتي بيانها في فصول قادمة، لكن معلومٌ من الدين بالضرورة مقامه صلوات الله وسلامه عليه بين خلق الله أجمعين ورفيع منزلته وعلو درجته عليه الصلاة والسلام عند ربه. ثم قال المصنف ( وسماه الله – عز وجل – في كتابه العزيز: ﴿ بَشِيرًا ﴾ و﴿ َنَذِيرًا ﴾ [البقرة: 119]، و﴿ رَءُوفًا ﴾ و﴿ رَّحِيمًا ﴾ و﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ )، هذه الأفضل أن يُقال أنها صفات أكثر من كونها أسماءً، هذه صفات له عليه الصلاة والسلام أكثر من كونها أسماءً، لأن جميع الرسل كانوا مبشرين وكانوا منذرين، وكانوا رؤوفين بأممهم، وكانوا راحمين للعالم أجمع، لكن كما قلنا أن الفرق بينه وبينهم صلوات الله وسلامه عليه أن له المقام الأعلى وأنه أوفر حظًا وأكمل نصيبًا عليه الصلاة والسلام. فصل: نشأته صلى الله عليه وسلم بمكة، وخروجه مع عمه أبي طالب إلى الشام، وزواجه بخديجة : (: ونشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيما يكفله جده عبد المطلب، وبعده عمه أبو طالب ابن عبد المطلب. وطهره الله – عز وجل – من دنس الجاهلية، ومن كل عيب، ومنحه كل خُلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من أمانته، وصدق حديثه، وطهارته ) لا ريب أن الله أعد نبيه صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر العظيم منذ الأزل، فكان منطقيًا أن يتعهده ربه جلّ وعلا، والله جلّ وعلا قال لموسى ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طـه: 39]، فإذا كان في حق موسى فكيف بحق محمدٍ صلى الله عليه وسلم! والمصنف هنا ذكر ما أفاءه الله جلّ وعلا عليه من إيواء جده أبي طالبٍ أول الأمر، ثم عمه أبي طالب، وكلا الرجلين بذلا جهدًا عظيمًا في كفالة نبينا صلى الله عليه وسلم، أما عبد المطلب فقد كان يقربه منه، وكانت يُفرش له فراش عند الكعبة فيجلس صلى الله عليه وسلم بجوار جده ولا يُعاتبه أحدٌ رغم أن عبد المطلب كان وجيهًا سيدًا مُطاعًا مُهابًا، لكن كانت الحَظْوَة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبيٌ عند جده عظيمة. فلما مات كفله عمه أبو طالب، أبو طالب اسمه عبد مناف –على الأظهر-، وهذا العم مات على غير إسلام، لكن ذلك لا يمنع أنه كان من أعظم النصراء لنبينا صلى الله عليه وسلم، ومما يُقال عنه في تعهده بنبينا عليه الصلاة والسلام صغيرًا وكبيرًا أنه كان – والنبي عليه الصلاة والسلام صغيرًا ـ تطلب قريشٌ من أبي طالبٍ أن يستسقي لهم إذا أجدبت الديار – كما نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق- فجاء أبو طالبٌ وحمل النبي صلى الله عليه وسلم – وكان يوم إذٍ صغيرًا أبيضًا- فألصقه بجدار الكعبة، فلما ألصقه بجدار الكعبة أشار صلى الله عليه وسلم بإصبعه إلى السماء وهو صبي، فجاء السحاب من كل مكان فسُقوا حتى سال الوادي، فقال أبو طالبٌ في لاميته بعد ذلك: وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل هذا من حظوة النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب، فلما كبر بقيت هذه الحَظْوَة كما هي، وكان صلى الله عليه وسلم قد ربّاه الله وتعهده أنه يفقه ماذا يفعل وماذا يصنع من دون أن يعلم أنه سيكون نبيًا، فكان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة من أجل أن يسد العوز والفقر والمسكنة المالية التي كانت موجودة عند أبي طالب حتى لا يكون عبئًا عليه، فلما حوصرت بنو هاشمٍ في الشعب كان أبو طالب – رغم كفره- أحد الذين حوصروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب. وبلغ من محبته – رغم الكفر- مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا جاء الليل يحمل النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ويضعه في مكانًا آخر، ثم يأتي بأحد أبنائه ويضعه مكان النبي عليه الصلاة والسلام حتى إذا أراد أحدٌ قد بيت النية أن يغتال النبي عليه الصلاة والسلام وهو نائم يغتال ابنه لصلبه ولا يغتال النبي عليه الصلاة والسلام، هذا يفعله كله وهو مشرك، يقول الله في الأنعام ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ [الأنعام: 26]، ﴿ يَنْهَوْنَ ﴾ عن أحدٍ أن يقتل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ أي أنه لا يقبل أن يدخل في الدين، حتى تعلم أن الهداية مردها إلى الرب تبارك وتعالى. ويجب على العاقل المسلم أن يستفيد من الأوضاع التاريخية التي يعاصرها، فأبو طالبٍ كان كافرًا فاستفاد النبي صلى الله عليه وسلم من جاه عمه ومن نصرته، ولم يقل إنه كافرٌ ولا أستعين به ولا ألجأ إليه لأن الأوضاع تختلف من زمنٍ إلى زمن ومن مرحلةٍ نصرة الدين فاعمل به ولا تبالي، لأنه لا يخلو الأمر من مصالح ومفاسد، لكن إذا كان الإنسان يقدم أعظم المصلحتين ويدرأ أعظم المفسدتين فإن المقصود الأعظم نصرة الدين، وقد قبل صلى الله عليه وسلم أن يكون مع عمه وهو كافرٌ يسجد لغير الله في شعبٍ واحدٍ استفادةً من جاه عمه ونصرته، وكان عليه الصلاة والسلام يُثني على عمه وتشفع له عند ربه أن يكون أهون أهل النار عذابًا، هذه الفائدة الأولى. قلنا في الفائدة الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم استفاد من نصرة عمه أبي طالب، الفائدة الثانية أن الهداية بيد الله، وأن الإنسان قلبه كقلب غيره مُعلقٌ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنت لا تفرح بشيءٍ أعظم من نعمة الهداية، فإن نعمة الهداية التي رزقك الله إياها أو رزقكِ الله إياها يا أختاه حُرمها أبو طالب من نصر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تعلم فضل الرب تبارك وتعالى عليك، ولا ييأسن أحدٌ من أحدٍ وهو يدعوه، ولا يُجزم أحدٌ في أحدٍ وهو يراه، بمعنى مهما رأيت على رجلٍ من الصلاح لا تقطع له بجنةٍ ولا بنار، ومهما رأيت على أحدٍ من سوءٍ وفساد لا تقطع له بجنةٍ ولا نار، إنما الأعمال بالخواتيم. كان عبد الله بن أبي الصرح أحد الصحابة، أسلم قديمًا ثم هاجر إلى المدينة، وكان يجيد الكتابة، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فلما نزلت سورة المؤمنون كان جبريل يمليها على النبي عليه الصلاة والسلام وعبد الله بن أبي الصرح يسمعها منه، فقرأ جبريل على النبي عليه الصلاة والسلام﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ [المؤمنون: 12] فكتبها عبد الله، يقرأها النبي عليه الصلاة والسلام فيكتبها عبد الله، ثم قرأ ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13] فكتبها، ثم أتم الآية، ثم أتم الآية حتى قال ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴾ [المؤمنون: 14] فكتبها عبد الله، فقال عبد الله قبل أن يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]، فقال صلى الله عليه وسلم ( هكذا أُنْزلت عليّ ) أو ( هكذا أملاني إيّاها جبريل )، فطبق المصحف – وما كان يُسمى مُصحفًا، سُمِّي مُصحفًا في عهد أبي بكر-، فطبق الورقة التي كان يكتبها وقال: إن كان محمدٌ كاذبًا فأنا أكذب كما يكذب محمد، وإن كان محمدٌ صادقًا فأنا يوحى إليّ كما يوحى إلى محمدٍ، وترك الإسلام وخرج من الدين ورجع إلى الكفر، وأصبح كافرًا حتى كان عام الفتح. عبد الله هذا أخٌ لعثمان رضي الله عنه من الرضاعة، فلما كان عام الفتح دخل عثمان به على النبي صلى الله عليه وسلم – وكان عليه الصلاة والسلام قد أباح دمه أو هدر دمه- فطلب له العهد – أي طلب له أن يصون دمه- فسكت صلى الله عليه وسلم وهو في ملئٍ بين أصحابه وجعل يحدق النظر فيه مدةً طويلة، فلما ألحَّ عثمان على رسول الله قال ( نعم ) أي أجرناه، فخرج عثمان بأخيه عبد الله خارج معسكر المسلمين، فلما خرجوا قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه ( أما قام منكم من أحدٍ إذ قد رآني قد أبطأتُ عنه فيضرب عنقه )، قالوا يا رسول الله لم نكن ندري ما مرادك، لو أشرت إلينا بعينيك، قال ( لا ينبغي لنبيٍ أن تكون له خائنة الأعين ). موضع الشاهد هذا الرجل الذي ارتد أصابه الندم على ما كان من الردة، فلما أسلم يعمل من الصالحات تعويضًا عما فات، فلما كانت الفتنة بني علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما ترك الفتنة واعتزلها وسكن في عكة في أرض فلسطين، ومكث حريصًا على الصلوات خوفًا من أن يُختم له بسوء، حتى كان ذات ليلة دعا ربه: اللهم أمتني وأنا أصلي الفجر، فلما كانت صلاة الفجر صلى بالناس إمامًا، قرأ في الأولى والعاديات ضبحًا -ولم ينقل الرواة ماذا قرأ في الركعة الثانية-، ثم سلم التسليمة الأولى – لم تتحقق الإجابة- وقبل أن يُسلم التسليمة الثانية فاضت روحه إلى ربه جلّ وعلا وقد مات في صلاة الفجر كما دعا. المقصود من هذا انظر الرجل كيف تقلب ثم استقر على خير حال، فالقلوب بين يدي الرحمن، هذا أبو طالب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب والسلم والسراء والضراء، وأقول الحرب تجويزًا فلم يكن في مكة حرب، ومع ذلك لم يُرزق الهداية، وقد يُرزقها رجلٌ في أقاصي الأرض كما قال الله ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]، نسأل الله لنا ولكم الثبات على هذا. ( فلما بلغ اثنتي عشرة سنة، خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام، حتى بلغ بُصْرَى فرآه بحيرى الراهب، فعرفه بصفته، فجاء وأخذ بيده وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه رحمة للعالمين. فقيل له: وما علمك بذلك؟ قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق شجرة، ولا حجر، إلا خر ساجدًا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإنا نجده في كتبنا، وسأل أبا طالب فرده خوفًا عليه من اليهود ) هذه رحلة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى إلى الشام وفيها خبر بُحيرى الراهب، لكن قبل بحيرة ما نُقل أن الراهب قال أنه "لما دخل لم يبق حجرٌ ولا شجرٌ إلا سجد له" نقول فيها ما يلي هذه غير ثابتة، وإن ثبتت فيكون تخريجها على أن المقصود بالسجود هنا سجود تحية لا سجود عبادة، إن ثبتت فيكون تخريجها على أن من سجد من حجرٍ أو شجر يكون سجد سجود تحية لا سجود عبادة، لأن الله لا يأذن لأحدٍ شرعًا أن يسجد لغيره تبارك وتعالى، فسجود الملائكة لآدم وسجود أخوة يوسف ليوسف كله كان سجود تحية ولم يكن سجود عبادة، والمقصود منه أنه صلى الله عليه وسلم كان معروفًا في التوراة، وهذا الراهب اطلع على ما في التوراة، فقطعيٌّ أنه عرف فيه من الدلائل ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم سيكون خاتم الأنبياء. ( ثم خرج ثانيًا إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها في تجارة لها قبل أن يتزوجها، حتى بلغ إلى سوق بُصْرَى، فباع تجارته ) هذه هي الرحلة الثانية، وكانت كما ذكر المصنف مع ميسرة غلام خديجة، وهذه أحد الأسباب التي أرادها الله تبارك وتعالى حتى يتزوج صلى الله عليه وسلم من خديجة بنت خويلد، ونقف هنا عند خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ونقول علميًا لها خصائص لا يشاركها فيها أحدٌ من أمهات المؤمنين، ولها خصيصة واحدة لا يشاركها فيها أحدٌ من نساء العالمين، فمن الخصائص التي لم يُشاركها في أحدٌ من أمهات المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج عليها وهي حية، فلم يجمع بينها وبين أحدٍ من النساء، والثانية أن الله رزقه منها الولد ولم يرزقه بولدٍ من غيرها إلا ما كان من جاريته مارية أم إبراهيم، هذه الخصائص التي تفردت بها خديجة رضي الله تعالى عنها عن أمهات المؤمنين. أما الخصيصة التي تفردت بها عن نساء العالمين أجمعين أن الله جلّ وعلا بلغها سلامه مع جبريل عليه السلام، وهذه خصيصة لا يُعلم نقلا أن أحدًا من نساء العالمين نالها، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين- أنه قال ( إنّي رُزقتُ حبها )، أي حب خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. والمقصود أن هذه كانت هي الرحلة الثانية له صلى الله عليه وسلم إلى الشام، وخديجة هي أول نسائه، وسيأتي فصلٌ عن نسائه صلوات الله وسلامه عليه. ( فلما بلغ خمسًا وعشرين سنة تزوج خديجة عليها السلام.فلما بلغ أربعين سنة اختصه الله بكرامته، وابتعثه برسالته، أتاه جبريل عليه السلام وهو بغار حراء – جبل بمكة -، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وقيل خمس عشرة، وقيل: عشرًا، والصحيح الأول.) هذا ذكر ما كان له صلى الله عليه وسلم عند تمام الأربعين، في تمام الأربعين لما قاربها بدأ ما يدل على أن الله جلّ وعلا سيختصه بأمرٍ عظيم، فكان لا يمشي في طرقات مكة إلا ناداه الحجر والشجر "السلام عليك يا نبي الله" فيلتفت يمينًا وشمالا فلا يرى شخصًا ولا خيالا فيتعجب ويمضي، ثم حُبب إليه الخلاء بعد أن أصبح يرى الرؤيا فتقع كفلق الصبح، فحُبب إليه الخلاء فأخذ معه سويقًا وماءً وكان يتحنث ليالي ذوات عدد في غار حراء يتأمل في ملكوت الله، وكل هذا يمضي بقدر الله حتى أتم عليه الصلاة والسلام رأس الأربعين. فلما أتمها جاءه جبريل بالوحي من الله ليعطيه أعظم شرفٍ على الإطلاق وهو أنه خاتم النبيين، ولم يكن عليه الصلاة والسلام قد رأى الملك من قبل لا في صورته الحقيقية ولا في غيرها، كان رجلا من عامة الناس، ما بين هذه اللحظة وهذه اللحظة أصبح خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، جاءه الملك قال: اقرأ، فقال ( ما أنا بقارئ ) أي لا أجيد القراءة، فالملك يردد الطلب، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد الإجابة، ثم قال له الملك ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1-5]، الخمس الآيات الأول من سورة العلق، فنزل صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده تتسابق خطواته يَشْكُلُ عليه أمران، لذة المناجاة، والخوف والفزع الذي أصابه مما رآه لأول وهلة. حتى وصل إلى خديجة رضي الله عنه وأرضاها، فلما أخبرها بما رأى صدقته فأصبحت خديجة أول خلق الله إيمانًا برسولنا صلى الله عليه وسلم، فأصبحت خديجة أول هذه الأمة إيمانًا برسولنا صلى الله عليه وسلم، فضمته وهو يقول ( دثروني دثروني زملوني زملوني )، ولما أخبرها الخبر كانت تعلم أن باطنه وظاهره سواء: فقالت: والله لا يخزيك الله أبدًا، ثم هذا اليمين استدلت عليه بدلائل، قالت: إنك لتعين على نوائب الحق وتحمل الكل وتُقري الضيف، وأخذت تُعدد ما تراه وما تُشاهده من زوجها صلوات الله وسلامه عليه، وأنه أهلٌ للنبوة عليه الصلاة والسلام فلم تُفاجأ أنه سيُنبأ لما علمت رضي الله عنها وأرضاها وهي تعاشره وتخالطه ويأوي إليها من عظيم صفاتها وجليل مناقبه التي فطره الله جلّ وعلا عليها قبل أن يُنبأ. الإنسان إذا خاف يحتاج إلى شيءٍ ثقيل يُمسك جوارحه حتى تقل وحشته، فكانت بدهيًا أن يقول ( زملوني زملوني دثروني دثروني ) لأن الخوف بلغ به مبلغا، فدثرته خديجة فأنزل الله جلّ وعلا عليه قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2] و ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 1، 2]، فأخذ صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ربه. ثم انقطع الوحي فترةً لحكمةٍ إلهية، لما انقطع الوحي لفترة ذهب الخوف وبقيت لذة المناجاة، فأصبح صلى الله عليه وسلم في أعظم الشوق للمناجاة، فلما جاءه الوحي مرةً أُخرى بالقرآن كان صلى الله عليه وسلم في أكمل حال يبلغ رسالة ربه على أكمل وجه. ثم قال المصنف أنه عاش بمكة ثلاثة عشر سنة هذا هو الصحيح، وغيره شاذٌّ لا يُعوّل عليه، وفي المدينة عشر سنين بعد أن هاجر إليها صلوات الله وسلامه عليه. الصلاة أعظم فرائض الدين، وكان صلى الله عليه وسلم يُصلي قبل أن تُفرض عليه الصلوات الخمس –على الأظهر- ركعتين قبل الغروب وركعتين قبل طلوع الشمس، وكان يُصلي بين الركنين اليمانيين، فالإنسان إذا وقف بين الركنين اليمانيين واستقبل القبلة يُصبح بيت المقدس أمامه، فيكون صلى الله عليه وسلم في آنٍ واحدٍ قد جمع بين استقبال بيت المقدس لأنه شمال مكة، وما بين استقبال الكعبة، يعني لم يجعل الكعبة وراء ظهره، فكان يصلي على هذه الحال. ثم فُرضت عليه الصلوات الخمس في رحلة الإسراء والمعراج، ثم هاجر إلى المدينة فمكث فيها ستة عشر شهرًا ثم أنزل الله جلّ وعلا قوله ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 144]، فولى النبي صلى الله عليه وسلم شطر المسجد الحرام، وعلى هذا يُفهم أن ما يُنقل من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني المسجد جاءه جبريل فمحى ما بينه وبين مكة حتى رأى الكعبة فجعل القبلة عليها غير صحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد كانت قبلته جهة الشمال، ولم تكن جهة مكة جهة الجنوب، وإنما بُدل هذا بعد ستة عشر شهرًا، لكن إن قيل أن هذا حصل بعد التبديل فربما يكون له وجهٌ من النظر. هجرته صلى الله عليه وسلم: (ثم هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، وهو كافر ولم يعرف له إسلام.وأقام بالمدينة عشر سنين ) صلوات الله وسلامه عليه، ذكر لنا المصنف هنا هجرته إلى المدينة، النبي عليه الصلاة والسلام لما اشتد عليه أذى الكفار رأى رؤيا أنه يهاجر في أرضٍ ذات نخل، فجاء في ظنه أنها أرض هجر ـ الأحساء ـ ، ثم استبان له عليه الصلاة والسلام أنها المدينة نخلٌ بين حضرتين، فهاجر إليه عليه الصلاة والسلام. والهجرة قصتها معروفة، لكن الذي يعنينا في الهجرة كدرس أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هناك أمورٌ تتعلق بكونه نبيٌ يُقتدى به، وأمور تتعلق بكونه نبيٌ له مقامٌ عظيمٌ عند الله، فما كان يتعلق بكونه نبيٌ له مقامٌ عند الله لا علاقة لنا به من حيث الاقتداء، وما يتعلق بكونه نبيًا يُقتدى به هذا الذي لنا علاقةٌ به، وحتى تتضح الصورة نقول أن الله جلّ وعلا أسرى به في برهةٍ من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به في نفس الليلة إلى السماوات السبع، وعاد به ليلتها، ولأنها رحلةٌ لا يتعلق بها اقتداءٌ جعلها الله جلّ وعلا رحلة خارجة عن نطاق البشر، ولذلك لما يتعلق برفيع مقامه، ولا نؤمر نحن بالعروج . أما الهجرة فتتعلق بكونه نبيٌ يُقتدى به، فلما كان النظر إليه صلى الله عليه وسلم هنا على أنه يُقتدى به في هذا الأمر كانت الرحلة أمرًا بشريًا بحتًا أخذ له صلى الله عليه وسلم الأسباب التي يأخذها البشر عادةً فتخفى، ووارى، وخرج في الجهة التي لا يُعتقد أنه سيخرج إليها، وجعل عليًا مكانه على الفراش، واختفى في الغار ثلاثة أيامًا، وأمر من يمسح آثاره بعد صعوده إلى الجبل، ووُضع له الطعام يُذهب به إليه ولم يمت من الجوع، زادٌ مادي، وزادٌ معنويٌ مع الله، وجلس في الغار ثلاثة أيام، ثم مكث تقريبًا أحد عشر يومًا في الطريق معه دليلٌ كافرٌ يدله على الطريق، ومعه مولًى لأبي بكرٍ يعينه في الطعام والشراب، ومعه صاحبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهذه كلها أسبابٌ مادية، ولو استغنى عن الأسباب أحدٌ لاستغنى عنها رسولنا صلى الله عليه وسلم. والناس في هذا الباب على ثلاثة فرقٍ، فرقة تترك الأخذ بالأسباب كليةً وتقول: جنونٌ منك أن تسعى لرزقٍ ويُرزق في غياهبه الجنين وهذا باطلٌ لا تدل السنة عليه. وفرقةٌ لا تعرف الله أبدًا، وإنما تنظر إلى الماديات، وهو ما تمليه العلمانية المعاصرة. وفرقةٌ هداها الله للإيمان وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فتأخذ بالأسباب وتعتمد على الملك الغلاب جل شأنه، وهذا هو هديه صلوات الله وسلامه عليه حتى يقتدي الناس به عليه الصلاة والسلام، هذه هي القضية الأولى. القضية الثانية بالهجرة أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كانت الولاة تكتب لعمر فيرد عليها حصل هذا في شعبان، حصل هذا في رمضان، حصل هذا في شوال، فكتبت الولاة الأمراء العمال الذين لعمر كتبوا له إننا لا نفهم منك، أي شوالٍ تقصد؟ أي شعبان، فلو جعلت لنا شيئًا نفيء إليه نؤرخ. فاجتمع رضي الله عنه الله مع الصحابة واختاروا أن يختاروا حدثًا يُرخون به، فنظروا في ثلاثة أمور، مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وهجرته، ووفاته، فأعرضوا عن المولد، وأعرضوا عن الوفاة، واختاروا الهجرة ورأوها أنها يومٌ فرق الله به بين الحق والباطل وأقام به بعده دولة الإسلام، وكان هذا مشورة من عليٍ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأقره عمر، ثم أجمع المسلمون عليه، وهذا من أعظم الدلائل على عظيم حدث الهجرة في التاريخ الإسلامي. واستعانة النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أرقيط –على رواية وعبد الله بن أريقد بالدال على رواية، ولا يعنينا هذا الاختلاف- دلالة على أن المؤمن يستعين بما يمكن الاستعانة به إذا احتاج إليه إذا كان المقصود نصرة دين الرب تبارك وتعالى. وفاته صلى الله عليه وسلم: (وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. وقيل: خمس وستين. وقيل ستين، والأول أصح.وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين اشتد الضحى لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لاستهلال شهر ربيع الأول. ودفن ليلة الأربعاء، وقيل: ليلة الثلاثاء ) السن التي مات فيها صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثًا وستين، هذه هي الروايات الصحيحة، وتوجد روايات في الصحيح أنه كان ابن خمسٍ وستين، لكن الصواب أن هذه روايةٌ شاذة في متنها وإن كانت مثبتةٌ في أحد الصحيحين، قال هذا بعض العلماء، وقال بعضهم إنه يمكن الجمع بأن العرب تتجاوز عن الكسر، هذه العبارة أن العرب تتجاوز عن الكسر يمكن إمرارها على القول في رواية بأنه مات ابن ستين سنة، يمكن أن نقول إن من قال إنه مات وهو ابن ستين لم يقصد بها. أما القول على أنه مات وهو ابن خمس وستين صلوات الله وسلامه عليه فلا يمكن تخريجها إلا أن تُرد الرواية، لأنه لا يمكن الجمع ما بين القول بأنه مات وهو ابن ثلاث وستين ومات وهو ابن خمس وستين، وأكثر الروايات الصحيحة والتي دلت عليها الروايات المتعددة وأشياء أخرى وقرائن كُثر على أنه مات صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاثٍ وستين سنة. ( وكانت مدة علته اثني عشر يومًا، وقيل: أربعة عشر يومًا.وغسله علي بن أبي طالب، وعمه العباس، والفضل بن العباس، و قثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولياه، وحضرهم أوس بن خولي الأنصاري ) هذا ما يتعلق بوفاته صلى الله عليه وسلم، واعلم أن الأمة لم تُصب بشيءٍ أعظم من وفاته عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال ( تعزوا عن مصائبكم بمصيبتي )، والحديث عن وفاته صلى الله عليه وسلم يحرك القلوب ويثير الشجون، ولكنني مُلزمٌ بالحديث عنه وفق المتن، ثم أتكلم عن الحديث عنه إجمالا. ذكر المصنف رحمه الله تعالى الاختلاف في مدة مرضه عليه الصلاة والسلام وذكر منها ثلاثة عشر يومًا أو أربعة عشر يومًا أو اثني عشر يومًا، والحق أن مدة مرض الوفاة عشرة أيام، وإن كان الأمر في هذا واسع بغير التحديد في بداية المرض، والمحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم، كان أول ما اشتكى وهو راجعٌ من جنازةٍ من البقيع، شعر بصداعٍ في الرأس وحُمّى أصابته معها، ثم لما دخل بيته وجد عائشة قد عصبت رأسها تقول وارأساه، فقال ( بل أنا وارأساه )، هذا أول ما اشتكى المرض صلوات الله وسلامه عليه، وهذا في آخر صفر وأول ربيعٍ الأول. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الذين تولوا غسله عليه الصلاة والسلام عليٌّ والعباس وقثم والفضل وشقران وأسامة بن زيد وحضره أوس بن خولي، هذا فيه تفصيل، الإنسان الميت أولى الناس به أهل بيته، والنبي صلى الله عليه وسلم تولى أهل بيته وعصبته من بني هاشم أمر غسله، والذي باشر الغسل مباشرةً عليٌ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أسند النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميتٌ إلى صدره، والذي كان يقلب النبي عليه الصلاة والسلام لعليٍّ عمه العباس وابنا العباس قثمٌ والفضل، هذان ابنا العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كان يصب الماء أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه وشقران –واسمه صالح-، وسيتكرر شقران هذا مرةً باسمه ومرة بلقبه، اسمه صالح ولقبه شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم. قبل أن يشرع عليٌ رضي الله عنه في غسل نبينا صلى الله عليه وسلم ناداه أوس بن خولي من بني عوفٍ من الخزرج من خلف الدار:يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أدخلتني أشهد غسله، فوافق عليٌّ رضي الله عنه لأن زمام الأمر بيده وبيد بني هاشم، لأن القضية الآن قضية عصبة وليست قضية صحبة، ولذلك لا دخل لأبي بكرٍ ولا عمر، فأذن عليٌّ لأوسٍ أن يدخل وأن يجلس دون أن يُباشر غسل النبي عليه الصلاة والسلام، فأوسٌ شهد الغسل لكنه لم يشارك فيه، شهده رغبةً منه رضي الله عنه وأرضاه أن يحظى بأن يكون ممن يشهد غسل نبي الأمة صلى الله عليه وسلم. وقلتُ إن الذي باشر الغسل عليٌ فقط، والقثم والفضل وأبوهم العباس يقلبون النبي عليه الصلاة والسلام، وشقران وأسامة يصبان الماء، وعليٌّ مسندٌ رسول الله إلى صدره من غير تجريدٍ من ثيابه وبيده خرقة يغسل بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ما أطيبك يا رسول الله حيًّا وميتا. هذا ما ذكره المصنف في غسل نبينا صلى الله عليه وسلم. ( وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من ثياب سحول – بلدة باليمن – ليس فيها قميص ولا عمامة. وصلى عليه المسلمون أفذاذًا، لم يؤمهم عليه أحد ) ذكر المصنف بعد ذلك أنه لما فرغوا من غسله كفنوه، وكُفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثوابٍ سحولية –بلدةٌ في اليمن-، والثياب كانت من قطن، ولذلك جاءت في بعض الروايات أنها من كرسف، والكرسف هو القطن، فكفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب، أدرج فيها إدراجًا دون أن يخلعوا ما كان عليه من ثيابٍ، ثم شرع المسلمون يصلون عليه، والناس الآن يصلون على الميت جماعةً خلف إمام كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام على أموات المسلمين في حياته، صفهم لما صلى على النجاشي، وصفهم لما صلى على غيره، لكن الصحابة رضي الله عنهم لم يصلوا على النبي عليه الصلاة والسلام خلف إمام، وإنما صلوا عليه أفرادًا، هذا معنى أفراد ، هذا معنى أفذاذًا ، كل شخصٍ يُصلي لوحده من غير إمام. والروايات جملة تدل على أن أول من صلى عليه عمه العباس لكون كبير بين هاشم وعم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخذوا يصلون عليه عشرة عشرة، فصلى عليه أول الأمر بنو هاشم آله عليه الصلاة والسلام، ثم صلى عليه المهاجرون، ثم صلى عليه الأنصار، ثم صلى عليه باقي الناس، ثم صلى عليه النساء ثم الصبيان، وقيل الصبيان ثم النساء، والمقصود المتفق عليه أنهم لم يصلوا عليه خلف إمام، وإنما صلوا عليه أفذاذًا –أي أفرادًا-. واختلف العلماء في العلة التي من أجلها صلى المسلمون الصحابة على نبيهم صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة، وقيل في هذه أجوبة، قيل إن هذا من باب التعبد الذي لا يُعقل معناه، لك أجمل الأجوبة التي قيلت ما قاله أبو عبد الله الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال إن الصحابة صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أفذاذًا لعظيم قدره وعلى أنه لا يمكن أن يأمهم عليه أحد لمنافستهم على أنه يأمهم عليه أحد، يعني استعظموا أن يأمهم أحدٌ وهم يصلون على نبيهم صلى الله عليه وسلم ولعظيم قدره، هذا تعليل الشافعي رحمه الله، وقال غيره –ولا تعارض بين تعليل الشافعي وتعليل غيره- أنه حتى تكثر الصلاة عليه لكثرة من يصلي عليه أفرادًا، تكثر الصلاة عليه جماعةً بعد جماعة، عشرةً بعد عشرةً، كلهم يصلي عليه فردًا فردًا . هذا من إكثار الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام، وقيل حتى تكون الصلاة فردية من المصلي إليه صلوات الله وسلامه عليه. كل هذه أجوبة ذكرها العلماء في سبب أن الصحابة رضي الله عنهم لم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم خلف إمامٍ واحد، وقلنا إن الأمر المتفق عليه أنهم لم يصلوا عليه خلف إمامٍ واحد. وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |
15-08-06, 01:30 PM | #2 |
18-08-06, 11:03 PM | #3 |
21-08-06, 10:16 PM | #4 |
25-08-06, 05:38 AM | #5 |
23-09-06, 07:09 AM | #6 |
05-10-06, 07:49 AM | #7 |
07-10-06, 10:02 AM | #8 |
25-10-06, 01:35 AM | #9 |
15-11-06, 08:52 PM | #10 |
|
|