روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
15-02-07, 05:21 PM | #1 | |
إداري سابق
|
المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ)
البشارات بالنبي الكريم في التوراة ونبدأ بذكر البشارات التي وردت في نصوص التوراة والتي يؤمن بها اليهود والنصارى، وتعرف اليوم باسم "العهد القديم". البشارة الأولى: جاء في سفر التثنية 18 ( 17-22 ): (قال لي الربُّ: قد أحسَنوا فيما تكلَّموا، أقيمُ لهم نبياً من وسَطِ إخوَتِهم مثلَك، وأجعلُ كلامي في فمِه، فيكلِّمُهم بكلِّ ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمعُ لكلامي الذي يتكلمُ به باسمي، أنا أطالبُه. وأما النبيُّ الذي يطغى فيتكلَّم باسمي كلاماً لم أوصِهِ أن يتكلَّمَ به، أو الذي يتكلمُ باسمِ آلهةٍ أخرى، فيموت ذلك النبيُّ، وإن قلتَ في قلبكَ: كيفَ نعرفُ الكلامَ الذي لم يتكلمْ به الربُّ؟ فما تكلمَ به النبيُّ باسمِ الربِّ، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلامُ الذي لم يتكلمْ به الرب، بل بطغيانٍ تكلَّم به النبي، فلا تخفْ منه). وهذا النص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون، ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام، لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى الله عليه وسلم، ولقد أفاض الشيخ الجليل "أحمد ديدات" رحمه الله في دراسة هذا النص في مناقشة مع أحد القساوسة الذين يرون أن المبشَر به في هذا النص هو عيسي عليه السلام، ونلخص فيما يلي دراسة الشيخ ديدات لهذا النص مع بعض الإضافات الهامة: أ- "مثلك": جاء في البشارة "أقيم لهم من وسط أخوتهم نبيًا مثلك"، وأول نقطة لدراسة هذا النص هي المقارنة بين مشابهة نبي الله عيسي عليه السلام لموسي عليه السلام ومشابهة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لموسي عليه السلام، لنرى أيهما أولى أن ينطبق عليه وصف "مثلك". - يعتقد النصارى أن عيسي عليه السلام إلهًا وابن للإله، وهو بذلك لا يشابه موسى عليه السلام. - بمقتضى عقيدة النصارى أيضاً أن عيسى عليه السلام جاء ومات من أجل خطايا العالم، ولكن موسى لم يكن ليموت من أجل خطايا العالم، فعيسى لا يشابه موسى عليهما السلام. - بينما يتشابه موسى ومحمد عليهما السلام من وجوه كثيرة، فقد ولد الاثنان ولادة عادية بطريقة طبيعية من أم وأب، ولكن عيسي عليه السلام ولد من أم دون أب وذلك بمعجزة ربانية. - تزوج موسى ومحمد عليهما السلام وأقاما حياة أسرية، وذلك على خلاف عيسى عليه السلام الذي لم يتزوج حتى رفعه الله عز وجل إليه. - جاء رسول الله وموسى عليهما السلام بشريعة جديدة وأحكام جديدة، بينما جاء عيسي عليه السلام مكملاً لشريعة موسى عليه السلام، جاء في إنجيل متي (5/17): "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل". - توفى الله عز وجل محمد وموسى عليهما السلام وفاة طبيعية، ولكن عيسي عليه السلام رفعه الله عز وجل إليه وسوف ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، كما يعتقد النصارى أن عيسي عليه السلام مات شر ميتة وذلك بقتله على الصليب. ويتضح من هذه المقارنة أن عيسى عليه السلام ليس مثل موسى عليه السلام، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه بموسى عليه السلام وهو الذي ينطبق عليه وصف "مثلك"، ويؤكد ذلك أيضًا أن التوراة نفسها نصت على أنه لن يأتِ في بني إسرائيل نبي مثل موسى عليه السلام، فقد جاء في سفر التثنية (34/10): "ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله". ب- "من وسط إخوتهم": يقول النص:" أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك"، والتركيز على هذه الكلمات يؤكد أن المراد في هذا النص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخطاب موجه إلى موسى عليه السلام وشعبه الذين هم "بنو إسرائيل" وعندما يقول "إخوتهم" فهو يعني بذلك "إخوة" بني إسرائيل وبالتأكيد ليس "بني إسرائيل" والذي منهم عيسي بن مريم عليه السلام، لذلك فإن "من وسط إخوتهم" لا تنطبق على عيسي عليه السلام، لأنه ينتمي إلى من يخاطبهم النص، أما "أخوة" بني إسرائيل، فهم العرب أبناء إسماعيل عليه السلام، فقد كان لإبراهيم الخليل عليه السلام ولدان هما إسماعيل وإسحاق, وأبناء إسماعيل هم العرب وأبناء إسحاق هم اليهود, ومحمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل عليه السلام بينما عيسي عليه السلام فهو من نسل إسحاق بني إسرائيل, وبهذا ينطبق الوصف على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وليس على غيره. ومن الجيد أن نشير هنا إلى أنه من المعهود في التوراة إطلاق لفظ "الأخ" على ابن العم، ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: « أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو » التثنية 2/4 وبنو عيسو بن إسحاق هم أبناء عمومة لبني إسرائيل، وهذا يؤكد أن النبي المقصود في هذا النص هو محمد صلى الله عليه وسلم. ت- "وأجعل كلامي في فمه": تستأنف النبوءة قولها: "وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به"، وبذلك نستنتج أن من صفات هذا النبي المبشَر به أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً كما جاء في إنجيل لوقا (4/16-18). يقول الشيخ أحمد ديدات معلقًا على هذا النص مخاطباً القس فان هيردن: أنت تشاهد عندما أسألك أيها القس أن تفتح التوراة على سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر, والعدد الثامن عشر, في البداية، وإذا ما طلبت منك أن تقرأ, وإذا ما قرأت, هل أجعل كلامي في فمك؟. أجاب القس: لا. فقال أحمد ديدات: ولكن إذا أردت أن أعلمك لغة باللسان العربي، تلك اللغة التي لا تعلم عنها شيئاً, فإذا ما طلبت منك أن تقرأ أو تتلو القراءة عني فيما أنطق به على سبيل المثال (هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) [سورة الإخلاص]، أليس هكذا أضع هذه الكلمات التي لم تسمع عنها من قبل عن لسان أجنبي التي تنطق بها الآن في فمك؟. وافق القس قائلاً: بالحق إنه هكذا. قلت (أحمد ديدات) وبأسلوب مشابه في تنزيل القرآن كان جبريل يجعل كلام الله في فم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً فنزل به جبريل على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين. ث- "يكلمهم بكل ما أوصيه به": ومن علامات هذا النبي المنتظر أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو "يكلمهم بكل ما أوصيه به"، وهو ما ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينطبق على عيسي عليه السلام، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، بينما رُفع عيسي عليه السلام ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه، لكنه لم يتمكن من بلاغه، لكنه بشرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق، لأنه النبي الذي تكمل رسالته، ولا يحول دون بلاغها قتله أو إيذاء قومه، جاء في إنجيل يوحنا (16/12-13): "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به". ج- "ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه": يستفاد من هذا النص أن النبي المنتظر التي تبشر بها البشارة هو نبي واجب السمع والطاعة، ومن عصاه أو خالفه فإنه متعرض لعقوبة الله عزوجل، وهو ما ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث انتقم الله من كل من كذبه من مشركي العرب والعجم، وأما عيسي عليه السلام فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة، ولم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه. ح- "فما تكلمَ به النبيُّ باسمِ الربِّ، ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلامُ الذي لم يتكلمْ به الرب": تصف هذه الجملة النبي المنتظر بأنه يخبر بأمور غيبية أوحى الله عزوجل إليه بشأنه، ووقوع الأمور الغيبية المستقبلية هو دليل آخر على صدق النبي المنتظر، وهذا الأمر هو ما يصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما سنذكر بعض أمثلة منه عند الحديث عن دلائل نبوته ومعجزاته والذي منها الإخبار عن الأمور المستقبلية. وهكذا يظهر أن النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام لا تتحقق أوصافه في عيسي عليه الصلاة والسلام، إنما تتحقق في خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً. البشارة الثانية: نبوءة موسي عليه السلام: جاء في سفر التثنية (33: 1-2): "وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال : جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم". يقول الدكتور "منقذ بن محمود السقار": "وقبل أن نمضى في تحليل النص نتوقف مع الاختلاف الكبير الذي تعرض له هذا النص في الترجمات المختلفة، فقد جاء في الترجمة السبعينية: "واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يمينه، فوهب لهم وأحبهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أطهاره، وهم يدركون آثار رجليك، ويقبلون من كلماتك، أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب". وفي ترجمة الآباء اليسوعيين: "وتجلى من جبل فاران، وأتى من ربى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم". وفي ترجمة 1622م " شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة "، ومعنى ربوات القدس أي ألوف القديسين الأطهار، كما في ترجمة 1841م " واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار ". واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهود في الكتاب المقدس "ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه" (دانيال7/10)، ومثله قوله: "كان يقول: ارجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل" (العدد 10/36)، فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران. والنص التوراتي يتحدث عن ثلاثة أماكن تقع منها البركة، أولها: جبل سيناء حيث كلم الله موسى. وثانيها: ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا (انظر يشوع 15/10)، وثالثها:هو جبل فاران. وتنبئ المواضع التي ورد فيها ذكر "فاران" في الكتاب المقدس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها، لكن تذكر التوراة أيضاً أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران (التكوين 21/21)، ومن المعلوم تاريخياً أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز. ويرى اليهود والنصارى في هذا النص أنه يتحدث عن أمر قد مضى يخص بني إسرائيل، وأنه يتحدث عن إضاءة مجد الله وامتداده لمسافات بعيدة شملت فاران وسعير وسيناء. ويرى المسلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلام في سعير في فلسطين، ثم محمد صلى الله عليه وسلم في جبل فاران، حيث يأتي ومعه الآلاف من الأطهار مؤيدين بالشريعة من الله عز وجل. وذلك متحقق في رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمور:- 1) أن جبل فاران هو جبل مكة، حيث سكن إسماعيل، تقول التوراة عن إسماعيل: " كان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " (التكوين 21/20-21). وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فتقول التوراة " هؤلاء هم بنو إسماعيل... وسكنوا من حويلة إلى شور " (التكوين 25/16 - 18)، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين. وعليه فإن إسماعيل وأبناؤه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل. 2) أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب فلسطين لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل، وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس فقالا بأن فاران هي مكة. 3) لا يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ، إذ التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس. يقول اسبينوزا: " أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات". 4) ونقول: لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال لو كان الأمر مجرد إشارة إلى انتشار مجد الله. 5) ومما يؤكد أن الأمر متعلق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم "أطهار الملائكة " أي أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أن " ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنينُ وملائكتُه …." (الرؤيا 12/7). فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار ؟ فما ذلك إلا محمد وأصحابه صلى الله عليه وسلم" . وتشبه نبوءة موسى عليه السلام قول الله عز وجل في القرآن العظيم: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4]. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم. قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران - وأشرق من سَاعيرَ -يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-واستعلن من جبال فاران -يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا-فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما" . البشارة الثالثة: نبوءة حبقوق.. فاران مرة أخرى: ويوجد بالتوراة نبوءة أخرى ونص آخر يؤكد نبوءة موسي عليه السلام، وهي نبوءة النبي حبقوق عليه السلام (من أنبياء بني إسرائيل) حيث جاء في سفر حبقوق (3/2-12): (يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك في وسط السنين أحييه.. في وسط السنين عرف.. في الغضب أذكر الرحمة. الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه. وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى. وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم مسالك الأزل له. رأيت خيام كوشان تحت بلية، رجفت شقق أرض مديان. هل على الأنهار حمى يا رب، هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك، حتى أنك ركبت خيلك، مركباتك مركبات الخلاص. عريت قوسك تعرية ، سباعيات سهام كلمتك ، شققت الأرض أنهارا أبصرتك ففزعت الجبال، سيل المياه طما، أعطت اللجة صوتها، رفعت يديها إلى العلاء الشمس والقمر وقفا في بروجهما، لنور سهامك الطائرة، للمعان برق مجدك. بغضب خطرت في الأرض، بسخط دست الأمم). إذا ما قرأ شخص منصف النص السابق وعلم المقصود بكلمة تيمان وفاران لأيقن بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا النص لا يتحدث إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففاران كما أوضحنا منذ قليل هي مكة المكرمة - حرسها الله – أما تيمان فهي اليمن وهو ما سنثبته في الأسطر القادمة، وذلك على خلاف النصارى الذين سعوا إلى طمس أبصارهم عن الحقيقة وجاهدوا لتحريف معنى هذا النص الحقيقي. تيمان: رجح العلماء المسلمون الذين تعرضوا قبل ذلك لهذه النبوءة أن اليمن هي نفسها تيمان، وذلك نظرا للتشابه اللفظي بينهما، ولأن معنى كل منهما هو الجنوب، وأيضا بسبب اقتران تيمان في النص بفاران الثابت تاريخيا أنها هي مكة المكرمة والتي تقع شمال اليمن، ويقول الدكتور "محمد عبد الخالق شريبة" في بحث له عن البشارات: ".. يقول قاموس الكتاب المقدس في تعليقه على تيمان: (هي مكان يقع جنوب إدوم)، ولكن ما هي إدوم ؟. يقول معجم الطرق القديمة (إنشنت تراد روتس) تحت عنوان إمبراطوريات (إمبيرز): (إدوم بدأت من النهاية الجنوبية للبحر الميت إلى مساحات من الصحراء العربية إلى الشرق، ومن هذا الخط امتدت إدوم لتشمل كل الأراضي جنوب البحر الأحمر والأراضي على طول الساحل الشرقي للبحر الأحمر .. والجزء الجنوبي من إدوم كان عبارة عن أرض صحراوية ممتدة واشتملت إدوم على جزء من طريق البخور يمتد جنوبا إلى شيبا والتي تمثل منطقة اليمن حاليا). وتيمان التي يقول قاموس الكتاب المقدس أنها تقع جنوب إدوم معناها في جميع المعاجم الخاصة بأصول ومعاني الكلمات هو: الجنوب. وإذا كانت تيمان تقع جنوب إدوم كما يقول قاموس الكتاب المقدس، واليمن تقع جنوب إدوم كما يقول معجم الطرق القديمة، والمعنى العبري لتيمان واليمن هو الجنوب؛ فإن ما سنستنتجه بداهة هو أن تيمان هي نفسها اليمن. هذا ما قاله معجم الطرق القديمة وقاموس الكتاب المقدس، واستنتجنا منه أن تيمان هي نفسها اليمن.. عموما فإن كل المصادر التي عثرنا عليها تتحدث مباشرة عن تيمان قد أراحتنا من عناء هذا الاستنتاج !!..فماذا قالت؟!. تحكي الموسوعة اليهودية (جويش إنسيكلوبيديا) عن رحالة يهودي شهير فتقول: (كارازو ديفيد صمويل رحالة يهودي ولد في سالونيكا بتركيا، وقام برحلة إلى اليمن بالجزيرة العربية سنة 1874، ودرس حالة اليهود في تلك المنطقة ودونها في مؤلف أسماه ذيكرون تيمان،رحلتي إلى اليمن). ويقول موقع يهودي يسمى موقع الموسوعة اليهودية ويكيبديا: (اليهود اليمنيون يسمون بالعبرية التيمانيون وهم اليهود الذين يعيشون الآن في اليمن والتي تسمى في العبرية تيمان وهي أمة تقع في جنوب شبه الجزيرة العربية ، وهم ينتمون إلى طائفة اليهود المزراحية). ويقول موقع يهودي آخر يسمى مؤسسة مانفريد ليهمان عن يهود اليمن: (أي شخص يتاح له مقابلة أحد يهود اليمن سوف يندهش من التواضع والنقاء والتقوى التي تصبغه(!) وجذور يهود اليمن – تيمان بالعبرية – تبدأ من بداية تاريخنا. فبجانب الذي ذكر في التوراة العبرانية:(أليفاز صديق يعقوب كان من تيمان وكثير من الأنبياء قد تحدثوا عن تيمان)، فلقد قيل أيضا أن ملكة شيبا(سبأ) قد سمعت عن الملك سولومون(سليمان) من خلال اليهود في اليمن والتي تقع بجوار مملكة شيبا). ويحكي لنا موقع يهودي آخر يسمى أيريديس إنسيكلوبديا عن تاريخ يهود اليمن: (واحد من أفضل علماء اليهود في اليمن وهو يعقوب الفيومي قد كتب خطابا يستشير فيه رابي موشي ابن ميمون والمعروف بميمونيديس فقام بالرد عليه في خطاب عنوانه إيجريت تيمان-مكتوب اليمن-وهذا الخطاب كان له تأثير هائل على يهود اليمن)" . وإذا كان نصارى اليوم يصرون على الزعم بأن فاران هي برية بين سيناء وفلسطين، وأن تيمان تقع في الأردن، فإن عليهم أن يجيبوا عن سؤال واحد، من هو هذا النبي الذي خرج من بين تيمان وفاران وامتلأت من تسبيحه الأرض؟، بل إن السؤال يجب أن يكون أكثر دقة، هل خرج من هذا المكان نبي أصلا؟. أضف إلى ذلك فإن بقية النبوءة لا تنطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعته فلقد رجح الدكتور إبراهيم خليل أحمد والذي كان قسًا فأسلم، أن قول حبقوق "جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه" المقصود به الأذان في الإسلام حيث يرفع تسبيح الله عز وجل خمس مرات في اليوم والليلة، أما قول "وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم" فلعله موافق لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا . البشارة الرابعة: نبوءة داود عليه السلام ورأس الزاوية: ومن النصوص الواضحة على تبشير الأنبياء السابقين برسول الله صلى الله عليه وسلم نصان ورد أحدهما على لسان داود عليه السلام في المزامير، بينما جاء الآخر على لسان عيسي عليه السلام في الإنجيل، والنصان يدوران حول أمر واحد. جاء في (المزمور 118 : 22- 23): "الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا". إن هذا يعني أن أنبياء بني إسرائيل على كثرتهم تشير إليهم الحجارة الكثيرة في بناء بيت الرب، أما الحجر الذي هو رأس الزاوية ويمسك البناء كله فهو وإن كان حجرًا واحدًا إلا أنه هو الأهم والأعظم أثرًا في إقامة البناء وتماسكه، إنه يشير إلى محمد خاتم النبيين والذي بدونه لا ترتبط النبوات معًا ولا يمكن أن تكون لها قيمة تذكر تمامًا كما أنه بدون ذلك الحجر "رأس الزاوية" لا يكتمل البناء ولا يكون له قيمة، لقد كان هذا الأمر "من قبل الرب". ربما يقول قائل إن هذا الكلام يشير إلى عيسي عليه السلام، إلا إننا نجد عيسي عليه السلام يخاطب تلاميذه موردًا هذا النص ويؤكد لهم أنه ليس هو المذكور؛ جاء في إنجيل متى (21 : 43-44):"قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار هو رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه". وهذه الكلمات قالها المسيح عليه السلام لجماعة من اليهود بعدما وبخهم على قتل الأنبياء، وإنكار الرسالات، والنص يوضح إخبار المسيح عليه السلام لليهود باستبدال الله لهم بأمة أخرى تحل محلهم في القيام بأمر الدين وأداء رسالته (لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمه تعمل أثماره). ويخبرهم المسيح عليه السلام أيضا عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية ( الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية ). ويواصل عيسي عليه السلام كلامه عن ذلك الحجر الذي سيصير رأس الزاوية فيقول: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه)، واستخدام لفظي (يترضض) و(يسحقه) يؤكد أن الكلام يشير إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أيده الله بالقوة المادية وخاض العديد من الحروب حتى أظهر الله به الدين وسحق به كل أعدائه. ولا يستقيم حمل هذا الكلام على المسيح وأمته؛ لأن المسيح نفسه من أمة بني إسرائيل، كما أن المسيح عليه السلام يقول: (وهو عجيب في أعيننا)، مما يدل على أنه يتكلم عن شخص آخر غيره. ولقد أكدت الوقائع التاريخية صحة انطباق هذه البشارة على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حيث استطاعت قلة ضعيفة من العرب المسلمين أن تكتسح أعظم إمبراطوريتين قويتين في زمن ظهور الإسلام فقد قضى المسلمون الناشئون على الإمبراطورية الفارسية، كما اقتطعوا من الإمبراطورية الرومانية نصف أملاكها التي كانت أرضًا كثيرة الخيرات غنية بالأموال والرجال. وتتفق هذه النبوءة مع ما رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ . فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو رأس الزاوية الذي أعجب النبيين والناس أجمعين صلى الله عليه وسلم. البشارة الخامسة: مكة.. ووادي البكاء: ومن النصوص العجيبة التي تدل على تبشير كتب السابقين بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتدل في الوقت ذاته على التحريف المستمر المتعمد لهذه الكتب لإخفاء ما به من حقائق باهرة، ما ورد في المزمور 84 (4-7)؛ حيث جاء في هذه الفقرة: (طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضا ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون). ولدراسة هذا النص يجب أن نعرف ما المقصود بوادي البكاء؟، وأين يقع هذا الوادي؟. "أما وادي البكاء وعلاقته ببكة: فيسأل عنها القساوسة العرب، لأن وادي البكاء في النسخة الإنجليزية لنفس النص مكتوبة (وادي بكة) وليس وادي البكاء كما هو في النص العربي، ونلاحظ أنها تبدأ بحرف (بي كابتال)، مما يدل على أنه اسم لعلم لا يمكن ترجمته. وأما كلمة صهيون: فمعناها الأصلي المكان المقدس أو المجتمع الديني الخالص، كما ورد في القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس.. والنص كما ورد في النسخة الإنجليزية هو هكذا: (Blessed are they that dwell in thy house. they will be still praising thee, blessed is the man whose strength is in thee, in whose heart are ways of them who passing through the valley of Baca make it awell, The rain also filleth the pools, they go from strength to strength, every one of them in Zion appeareth before God) وبذلك فإن الترجمة الصحيحة للنص الإنجليزي هي كما يأتي: (طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك، طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم عابرين في واد بكة يصيرونه ينبوعا المطر أيضا يغطيه بالبركات يذهبون من قوة إلي قوة يرون قدام الله في الأرض المقدسة). وبالمناسبة فإن قاموس الكتاب المقدس لم يستطع تحديد أين توجد بكة!!، وكل ما قاله عن موقعها: (ربما)! يكون هذا مكان يمر به الحجاج!!. فهل هناك بكة غير التي يحج إليها المسلمون؟!. ولو كان هناك بكة غيرها ، فهل ادعى أحد أن بها بيت الله الذي يحج إليه الناس؟!. هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة.. فهل من مجيب؟!". إذًا فإن وادي البكاء هو بكة، ولمن لا يعلم فإن بكة هي أسم من الأسماء التي أطلقها الله عز وجل في القرآن الكريم على مكة المكرمة حفظها الله، يقول تعالي: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) [آل عمران: 96]، وبذلك يتضح أن المقصود بوادي البكاء هو مكة المكرمة. كما أن بقية النص لا تنطبق على مكة وبيت الله الحرام، فجملة (طوبي للساكنين في بيتك أبدًا يسبحونك) لا تنطبق إلا على مكة وبيت الله الحرام، فلا يخلو بيت الله الحرام من معتمر أو ذاكر أو مصل يدعو الله عز وجل ويسبحه. (طوبى لأناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم) أما هذه الجملة فهي تشير إلى الشوق لدي حجاج هذا البيت، ويعلم الجميع كم يشتاق المسلم إلى زيارة بيت الله الحرام والطواف. (عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً أيضا ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون). هذه الجملة تشير بكل وضوح إلى مناسك الحج وما فيها من خشوع وسكينة يصحب الحجيج، فالعبور والبكاء والانتقال من مكان إلى مكان أليس هذا أشبه بالسعي والطواف وبقية مناسك الحج. البشارة السادسة: نبوءة أشعياء: ومن النصوص العجيبة كذلك، نبوءة أشعياء والتي بالتأمل فيها ودراستها بإنصاف نجدها لا تنطبق إلا على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، جاء في سفر أشعياء (42 : 11- 13): (هو ذا عبدي الذي أعضده مُختاري الذي سُرت به نفسي وضعتُ روحي عليه فيُخرجُ الحقَّ للأمم. لا يصيحُ ولا يرفعُ ولا يُسمِعُ في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفيء، إلى الأمان يُخرجُ الحقَّ. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته. هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها، باسطُ الأرض ونتائجها مُعطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحا. أنا الربُ قد دعوتُك بالبر فأُمسكُ بيدك وأحفظُك وأجعلُك عهدا للشعب ونورا للأمم. لتفتح عيون العُمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة. أنا الربُ هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات. هُوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبُت أعلمكم بها. غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحهُ من أقصى الأرض أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر(جمع جزيرة) وسكانها. لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا. ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر. الرب كالجبار يخرج كرجل حُروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. قد صمت منذ الدهر سكت تجلدت كالوالدة أصيح انفخ وانخر معا. أخرب الجبال و الآكام و أجفف كل عشبها واجعل الأنهار يبسا وأنشف الآجام. وأسير العمى في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم اجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجات مستقيمة هذه الأمور افعلها ولا اتركهم. قد ارتدوا إلى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن آلهتنا). وهذا النص على طوله من أعجب النصوص في التبشير برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أطلع على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ هذا النص بعد معرفة المقصود بكلمتي "قيدار" و"سالع" لأيقن بما لا مجال للشك معه أن عبد الله المختار الذي يتحدث عنه هذا النص ليس هو إلا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد البشر أجمعين. وقبل دراسة هذا النص، نبدأ بتحليل كلمتي "قيدار" و"سالع" لمعرفة المقصود بهما. أما "قيدار" فهو أحد أبناء إسماعيل عليه السلام وهو الجد الأكبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر أقرته التوراة وكتب التاريخ، جاء في سفر التكوين (25: 13): (وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم: نبايوت بكر إسماعيل وقيدار وأدبائيل ومبسام). وقيدار بن إسماعيل ينسب له العرب المستعربة، والتي تسمى أيضا بالعرب العدنانية نسبة إلى عدنان الذي انحدر من صلب قيدار بن إسماعيل عليه السلام. وتؤكد المصادر التاريخية أن قيدار ابن إسماعيل سكن وأقام في مكة المكرمة، جاء في كتاب "الرحيق المختوم": (وقد رزق الله إسماعيل اثني عشر ولدا ذكرا وهم: نابت أو بنايوط وقيدار وأدبائيل ومبشام ومشماع ودوما وميشا وحدد ويتما ويطور ونفيس وقيدمان، وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، وانتشرت هذه القبائل فى أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان إلا أولاد نابت وقيدار. وقد ازدهرت حضارة الأنباط –أبناء نابت- في شمال الحجاز وكونوا حكومة قوية ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد. وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار إلى أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخيران هما اللذين كثرت بطونهما فكان من ربيعة: أسد بن ربيعة وعنزة وعبد القيس وابنا وائل-بكر- وتغلب وحنيفة وغيرها. وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين: قيس بن عيلان بن مضر وبطون إلياس بن مضر. فمن قيس عيلان: بنو سليم وبنو هوازن وبنو غطفان، ومن إلياس بن مضر: تميم بن مرة وهذيل بن مدركة وبنو أسد بن خزيمة وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة:قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وانقسمت قريش إلى قبائل شتى من أشهرها بطون قصي بن كلاب وهى عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العزى بن قصي وعبد مناف بن قصي. وكان من عبد مناف أربع فصائل:عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله منه سيدنا محمد بن عبد الله وسلم. صلى الله عليه وسلم. إذًا فقيدار هو أحد أجداد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك تكون الديار التي سكنها قيدار هي مكة المكرمة، وهي أيضًا الديار التي شهدت مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما "سالع" أو "سلع" فمن غير العجيب أن نعرف أن أشهر جبال المدينة النبوية هو جبل "سلع" الذي يقع غرب المسجد النبوي، وهذا الجبل ورد ذكره في كتب الأقدمين وأشعار السابقين كثيرًا، وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة شهدت سفوح هذا الجبل معركة تاريخية هامة هي غزوة الخندق مع الأحزاب، لذلك عندما تقول تلك البشارة "لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال" فإنها في حقيقة الأمر تصف استقبال الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم مهاجرًا إليهم، ويزداد عجب المرء عندما يرى هذا الترتيب الزمني في سياق البشارة، حيث بدأ الحديث عن ديار قيدار وهي مكة المكرمة ثم الحديث عن سكان سالع وهي المدينة النبوية وهكذا كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأت بمكة ثم انتهت في المدينة. وعند النظر في بقية البشارة بعد الحديث عن سكان سالع نجده تتحدث عن الحروب وعن انتقام الله عزوجل من أعدائه "الرب كالجبار يخرج كرجل حُروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه"، وهذا أيضًا ما يتفق مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن الجهاد ولا الغزوات ولا الفتوحات العظيمة إلا بعد الهجرة إلى المدينة النبوية وإلا بعد "ترنم سكان سالع". وإذا تعمقنا قليلاً في بقية النص لوجدناه لا ينطبق إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقول "لا يصيحُ ولا يرفعُ ولا يُسمِعُ في الشارع صوته"، يتفق مع ما ذكره عبد الله بن عمرو بن العاص من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه سابقًا، حيث وصفت التوراة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه "لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ". أما قول "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة خامدة لا يطفئ، إلى الأمان يُخرجُ الحقَّ. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته"، فإنها تتحدث عن صفة هذا النبي المنتظر الذي لا يكل ولا يقف حتى يكمل دعوته ويبلغ رسالة ربه عز وجل، ولا تنطبق هذه الصفة على رسول إلا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3]، بينما ورد عن المسيح عليه السلام في إنجيل يوحنا قوله: "إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق". وجملة: (أنا الربُ قد دعوتُك بالبر فأُمسكُ بيدك وأحفظُك وأجعلُك عهدا للشعب ونورا للأمم، لتفتح عيون العُمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة). دليل آخر على التبشير برسول الله صلى الله عليه وسلم لقد وعد الله هذا النبي المنتظر بأنه سيحفظه حتى يبلغ رسالته وهذا يتوافق مع قوله عز وجل في القرآن الكريم: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67]، وهو ما يتفق كذلك مع ما ورد في حديث "عبد الله بن عمرو بن العاص": " وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا". والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخرج الناس من ظلمة الشرك وعبادة الأصنام والمنحوتات إلي عبادة الله الواحد، وهو ما ينطبق عليه ما ورد في هذه البشارة :(أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات). والنص السابق لا ينطبق على المسيح عليه السلام الذي لم يدع أنه قد أخرج كل الحق للأمم؛ فقد قال المسيح عليه السلام أنه لم يأت إلا لهداية بني إسرائيل كما جاء في إنجيل متى: (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). ومن المعلوم أيضا أن دعوة المسيح عليه السلام لم تظهر في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة، ولا رفعت بها الصحراء صوتها، كم أنها قد ظهرت في بني إسرائيل، وهي أمة كتابية ليست من عبدة الأصنام مثل أهل مكة الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقبل أن نغادر تلك البشارة التي لم نطيل في دراستها، نكشف هذه المفاجأة التي كشفها الدكتور محمد عبد الخالق شربية (.. والمفاجأة التي وجدناها في النص عند قراءته في النسخة الإنجليزية ( وما أكثر المفاجآت عند مقارنة النسخة العربية بالنسخة الإنجليزية ! ) هو أن كلمة ( الأمم ) الواردة في النص ليست ترجمة لكلمة(nations) كما هو متوقع، ولكن الكلمة الواردة في النسخة الإنجليزية هي(gentiles) ، وتترجم بالعربية إلى الأمميين .. ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود يستخدمونه على الأمم الأخرى من غيرهم، فهم يعتبرون أنفسهم حملة الرسالات وشعب الله المختار، ويقول أيضا أن اليهود يستخدمونه كمصطلح لاحتقار الأمم الأخرى من غير اليهود باعتبارها أمم وثنية.. وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضا من أهل الكتاب، وهذا هو الحق عند المسلمين وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف الأمم من غير أهل الكتاب قبل ظهور الإسلام كما يخبرنا القرآن الكريم: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) [آل عمران:20] .. وهم الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2]" . إن هذا النص من أعجب البشارات الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا أن الجهل والضلال طمس أعين أهل الكتاب لما منعهم من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم مانع. |
|
16-02-07, 01:19 AM | #2 | |
عضو فضي
|
|
|
16-02-07, 05:56 AM | #3 |
17-02-07, 12:54 AM | #4 |
17-02-07, 05:54 PM | #5 | |
إداري سابق
|
بارك الله فيك اختي الغاليه ريم على المرور |
|
17-02-07, 05:54 PM | #6 | |
إداري سابق
|
بارك الله فيك اختي الغاليه اميرة الورد على المرور |
|
17-02-07, 05:55 PM | #7 | |
إداري سابق
|
بارك الله فيك اخوي ابو روان و شكرا على المرور |
|
28-02-07, 05:25 PM | #8 |
01-03-07, 02:37 AM | #9 |
08-03-07, 02:54 AM | #10 | |
إداري سابق
|
بارك الله فيك اختي الغاليه اميرة الورد على المرور |
|
|
|