علي الموسى
وسط بهو مطار الظهران الدولي القديم حيث أكتب الآن، تحتفظ إدارة الفندق بقطعة أرشيفية عملاقة لبقايا أحد صواريخ باتريوت التي أطلقت لالتقاط صواريخ صدام في حرب الخليج عام 1991م. المجسم والإطار كانا بالغي التعبير عما يمكن للجنون العربي أن يعمله حين يضطرنا الأشقاء الأعداء إلى استعمال صاروخ أمريكي من أجل دفع شر صاروخ عربي.
هذه هي الأحساء، ولم تكن يافا أو حيفا حين أخطأت البوصلة العربية. صناعة حروب الهزيمة براءة اختراع عربية. من أجل هوس الحرب، صرف صدام حسين تريليون دولار وضحى بمليون قتيل في حروب الشرق والشمال والجنوب ولم تكن لديه دائرة كاملة للبوصلة ليعرف اتجاه الغرب مثلما هي البوصلة ذاتها التي لا تعرف موقع إسرائيل بحسب المكان لكل دولة عربية، هكذا تمخضت كل حروبه عن بقايا لصواريخه التي بات حطامها زينة على مداخل الفنادق. مع هذا لم يكن صدام براءة الاختراع العربية الوحيدة، في لبنان تقاتل الفرقاء خمسة عشر عاما وكل فريق يرفع السلاح في وجه الفريق الآخر، كل يتهم الآخر بالخيانة لمصلحة إسرائيل. اليوم يرمم الفرقاء ذاتهم واجهات الفنادق التي صارت جدرانها متحفا واقفاً لتاريخ الحرب واسألوا الـ "سان جورج" فعلى جداره تاريخ الحكاية. وفي السودان وقف المؤدلجون يحشدون ويحتشدون فساقوا نصف مليون "شهيد" إلى حرب الكفرة في الجنوب وعندما تبدلت بوصلة المصلحة سكن قادة المعركة الوهمية في الغرفة المجاورة لجون قرنق في فندق أمريكي في كينيا وتبادلوا التهاني بالمصالحة في اليوم التالي، فأين ذهبت دماء الذين سيقوا قسرا إلى تلك الحروب؟ في ليبيا غرق القذافي في حروبه مع الجارة الإفريقية في الجنوب لأن دولة مثل تشاد كانت خطرا على مشروع الوحدة العربية فامتد بنا الزمن قليلا جدا لنشاهد الزعيم الفاتح ذاته يخطب في العاصمة التشادية أوجادين مبشرا بحلم الوحدة الإفريقية. في المغرب العربي الكبير لم تجد الجزائر والمغرب مكانا في كل الخريطة العربية الواسعة لنصب خيمة المصالحة الشهيرة حول البوليساريو والصحراء: اختلف المتفاوضون حول مكان الخيمة فنصبوها نصفين على أرض البلدين ووقف كل زعيم على كنبة داخل حدود بلده حين كان عمود الخيمة بالضبط على رسم الحدود.
وحده بلدي يبقى قيمة مختلفة. عاش قبلي أبي سبعين عاما لا يعرف صوت البندقية إلا في حفلات الزواج وهاأنذا على مشارف الأربعين لم أسمع صوتاً لبندقية، وحدهم المنتجون يعرفون قيمة الحياة ومرارة الحروب، بنينا هذا البلد بالعرق والكفاح فلنحافظ على المنجز. شكرا خادم الحرمين: كان وما زال مهندس إطفاءٍ لكل حرائق الحروب العربية، بل كان براءة العقل العربية الوحيدة.