[rainbow]من علماء الآخرة
أبو إسحاق إبراهيم الحربي رحمه الله (198-285ﻫ) [/rainbow]
|
|
|
|
هو إبراهيم بن بشر بن عبد الله أبو إسحاق الحربي، من تلاميذ الإمام أحمد الأوفياء، ومن طلابه النجباء، حسنة من حسناته الكثيرة، وصدقة من صدقاته الجارية الوفيرة، وثمرة من ثماره المفيدة، حيث تربى على يديه منذ الصغر، وأخذ عنه الأدب والسلوك قبل أن يأخذ عنه الحديث والفقه.
كان أبو إسحاق الحربي رحمه الله إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، قدوة في الزهد والفقر والصبر.
له التصانيف الكثيرة المفيدة، منها "غريب الحديث"، وهو أجلها، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات محققة، و"دلائل النبوة"، و"كتاب الحمام"، و"سجود القرآن"، و"ذم الغيبة والنهي عن الكذب"، و"المناسك"، وغيرها كثير.
o قال إبراهيم: رأيتُ رجالات الدنيا، فلم أر مثل ثلاثة: رأيتُ أحمد بن حنبل يعجز النساء أن يلدن مثله، ورأيتُ بشر بن الحارث ـ الحافي ـ من قرنه إلى قدمه مملوءاً عقلاً، ورأيتُ أبا عبيد ـ القاسم بن سلام ـ كأنه جبل نفخ فيه علم.
o وقال: ما شكوتُ إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي حُمَّى قط وجدتها، الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه، ولا يغم عياله.
o وكانت بي شقيقة خمساً وأربعين سنة قط، ما أخبرت بها أحداً قط.
o ولي عشر سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحداً قط.
o وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بها أمي أوأختي أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الثانية.
o وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني به امرأتي أوإحدى بناتي أكلته، وإلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الأخرى.
o والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة، إن كان برنياً، أونيفاً وعشرين إن كان دَقلاً.
o ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهراً، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف ـ يعني إفطاره من الصيام ليلاً.
o ودخلت الحمام واشتريت لهم صابوناً بدانقين، فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف.
o ما أخذت على علم قط أجراً إلا مرة واحدة، فإني وقفت على باب بقال فوزنت قيراطاً إلا فلساً، فسألني عن مسألة فأجبته، فقال للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئاً، فزادني فلساً.
o وقال لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم هذا؟ فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه، وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه، وقال كل واحد منهم شيئاً، فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن منكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه ـ كأن إبراهيم يعني بذلك نفسه.
o قال عبد الله بن الإمام أحمد: كان أبي يقول: امض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقي عليك الفرائض.
o وقال محمد بن صالح القاضي: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب، والحديث، والفقه، والزهد.
o وقال محمد بن خلف وكيع: كان لإبراهيم الحربي ابن، وكان له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن، ولقنه من الفقه شيئاً كثيراً، قال: فمات، فجئت أعزيه، قال: فقال لي: كنت أشتهي موت ابني هذا؛ قلت: يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم، رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم، وكأن اليوم حار شديد حره، فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، فنظر إلي وقال: لستَ أبي، فقلت: إيش أنتم؟ فقال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته.
o ذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن إبراهيم الحربي؟ فقال: كان إماماً، وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه، وزهده، وورعه.
o وقال إبراهيم الحربي: ما أنشدت بيتاً من الشعر إلا قرأت بعد: "قل هو الله أحد" ثلاث مرات.
o وقال: التابعون كلهم خير، وخيرهم أحمد بن حنبل، وهو عندي من أجلهم.
o وقال: كل شيء أقول لكم "هذا قول أصحاب الحديث" فهو قول أحمد بن حنبل، فهو ألقى في قلوبنا منذ كنا غلماناً اتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة والاقتداء بالتابعين.
o وقال عن أحمد بن حنبل: والله ما أعرف لأحد من التابعين عليه مزية، ولا أعرف أحداً يقدره قدره، ولا نعرف من الإسلام محله، فما لقيته لقاه في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس.
o وقال: أجمع عقلاء كل أمة أن من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه.
o وقال: ما كنا نعرف من هذه الطبائخ شيئاً إنما هو باذنجان مشوي أوباقة فجل أونحو هذا.
o بعث إليه المعتضد الخليفة بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها وردها، فرجع الرسول وقال: يقول لك الخليفة: فرقها على منت عرف من فقراء جيرانك، فقال: هذا شيء لم نجمعه ولا نسأل عن جمعه، فلا نسأل عن تفريقه، قل لأمير المؤمنين: إما أن يتركنا، وإما أن نتحول من بلده. |
|
|
|
|
ألا رحم الله إبراهيم الحربي ورحم من رباه وعلمه من العلماء الأخيار، الربانيين الأطهار.
فعلينا أن نستفيد من هذه السير، وأن نقتدي بهؤلاء الرجال، وأن نتشبه بهم، فإن التشبه بالرجال فلاح، وأن نحبهم، فمن أحب قوما فهو معهم.