روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
29-05-11, 04:12 PM | #1 |
رحلة 0000000التين 00000000000والتمر 2
أدرت مِقود المركبة باتجاه الغرب أو صراط التاريخ وقد مثَّلتُ أني اخرج من إحدى بوابات دمشق العتيقة مع قافلة من قوافل الحجاز قُبيل الصبح، مُخلفاً كنز أحلام نزار ومروحته وراء ظهري، وكم يكبر على المرء المُنصف أن يتعجل الرحيل عن حاضرة التاريخ ومأوى الثقافة، إلا أن للوقت حكمه وسيفه، وعزائي أنني قد مررت بها قديماً غير مرة.
في هذا الطريق المؤدي إلى الأردن وطوله قرابة 90 كيلو، يمكن لمن يهوى التاريخ أن ينغمس في صفحات عذبةٍ مشرقة عن يمينه وشماله، وذاك لأنك تلحظ أثناء مسيرك أسماء بعض القرى والمدن التي كان لها ما كان في عصور قد خلت، أو أنها مسقط رأس عظيم أو مدفن كريم، وبما أنني مولع بتفقد الآثار وتنقيب أحقاب التاريخ بحثاً عن عبرة أو نادرة، أخذت أتلفت وأقرأ أسماء تلك المدن الممتدة عبر الطريق لأربطها مع ما كنت أقرأه حتى يكون الأمر أمامي واقعاً ملموساً. كان الطريق مستوياً وربما انحدر بك قليلاً وأنت لاتشعر، والأرض منبسطة في معظمها ما خلا من بعض المرتفعات والسهول والتلال هنا وهناك، كما تكثر على جانبي الطريق الحقول والمزارع و أصوات الرعاة والفلاحين لتمتزج مع طبيعة نفسي المُحبة للبساطة وعدم التكلف، وتتخلل هذه الحقول قرى وبلدات أعرف سيماها واستحضر في ذاكرتي مسمّاها. ومن أول ما لحظت بعد المُضي قليلاً في الطريق بلدة يقال لها داريا وكانت أعظم قرى أهل اليمن بغوطة دمشق تبعد عن دمشق بنحو ثمانية كيلو مترات جنوبًا إلى الغرب، قال عنها ياقوت: قرية كبيرة مشهورة من قرى دمشق بالغوطة، والنسبة إليها داراني على غير قياس، وبها قبر أبي سليمان الداراني، ومنها ابن المهنا الذي صنف كتاب اسمه تاريخ داريا، وأبو قلابة الجرمي تابعي ومحدِّث مكثر، روى عن بعض الصحابة وروى عنه الكبار. وحديثه مخرج في الكتب الستة وغيرها، كان عالماً بالقضاء مع عزوفه عنه، طُلب للقضاء فتغيب وتغرب عن وطنه، فقدم الشام، ونزل داريَّا ومرض فعاده في مرضه عمر بن عبدالعزيز . ثم بلدة اسمها الكسوة وهي التي قَتَلَ بها الغساسنة رسل ملك الروم لما أتوا إليهم لأخذ جزيتهم منهم واقتسموا كسوتهم، فسميت بالكسوة، وهي أول منزل تنزله القوافل الخارجة من الشام باتجاه مصر قديماً، والغساسنة هؤلاء هم الذين قال فيهم حسّان في الجاهلية: يُغشوْنَ حتى ما تهرُّ كلابهم .. لا يسألون عن السواد المُقبلِ بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابهم .. شُمُّ الأنوفِ من الطراز الأولِ أولاد جفنةَ حول قبر أبيهمُ .. قبر ابن مارية الكريم المفضلِ يسقون من ورد البريص عليهمُ .. بَرَدى يُصفقُ بالرحيق السلسلِ وقريباً منها دارت معركة شقحب أو مرج الصفر سنة 702 هـ، بين المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون، والمغول بقيادة قطلوشاه وانتهت بانتصار المسلمين، وقد شارك في هذه المعركة شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله. ثم رفعت لي بعد ذلك بلدة تسمى غباغب، قال أبو الحسن الرازي : أبو القاسم الغباغبي كان معلماً على باب الجابية، سمعت منه، ومات سنة 525 هـ .انتهى . وقد سمعت صاحب قول على قول ذكرها في بيت جاء في معرض رده على أحد أسئلة برنامجه، فقال: ومن أطول ما قرأت في الوصف التصويري قول علي بن الحسين بن علي العبسي الورَّاق : وما ذات بعلٍ مات عنها فُجاءة ... وقد وجدت حملاً دوين الترائبِ بأرض نأت عن والديها كليهما ... تعاورها الوُرَّاث من كل جانبِ فلما استبان الحمل منها تنهنهوا ... قليلاً وقد دبَّوا دبيب العقاربِ فجاءت بمولودٍ غلامٍ فأحرزت ... تراث أبيهِ المَيْت دون الأقاربِ فلما غدا للمال رباً ونافست ... لإعجابها فيه عيونُ الكواعبِ وكاد يطول الدرع في القد جسمه ... وقارب أسباب النُهى والتجاربِ وأصبح مأمولاً يُخافُ ويُرتجى ... جميل المحيا ذا عذارٍ وشاربِ أتيح له عبل الذراعين محذر ... جريء على أقرانه غير هائبِ فلم يبق منه غير عظم مجزر ... وجمجمة ليست بذات ذوائبِ بأوجع مني يوم ولَّت حمولهم ... يؤم بها الحادون ( وادي غباغبِ ) وقريباً من غباغب يقع دير العدس، ودير العدس هذا له خبر غريب ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، والمحب الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، وهو بتصرف غير مخل: أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في تجارة مع قوافل قريش إلى الشام وهو شاب في أيام الجاهلية، وعند عودتهم تذكر أنه نسيَ حاجة له فرجع الى دمشق وقال لرفقته: اذهبوا وسألحق بكم. يقول عمر: فوالله إني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد جاء فأخذ بعنقي وأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكب بعضه على بعض، فدفع إلي مجرة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع؟ فأتاني في الهاجرة وقال: لم أرك أخرجت شيئاً، وضم أصابعه فضرب بها وسط رأسي، فقلت ثكلتك أمك يا عمر، بلغت ما أرى، فقمت بالمجرة فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فأخذته فواريته تحت التراب، ثم خرجت على وجهي ما أدري أين أسلك بقية يومي وليلتي حتى أصبحت. يقول: فانتهيت إلى دير فاستظللت بظله، فخرج إلي رجل منه فقال: يا عبد الله ما يجلسك ههنا؟ فقلت: أضللت أصحابي، فقال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فاصب من الطعام والشراب واسترح ونم، فدخلت فأتى بطعام وشراب، فصعد في النظر وصوبه ثم قال: يا هذا: قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير وتغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل: قد صنعت معروفاً فلا تكدره، فقال لي: اكتب لي كتاباً في رق ليس عليك فيه شيء. فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فلن يضرك، فقلت: هات فكتبت له ثم ختمت عليه، فدعا بنفقة فدفعها إلي وبأثواب وبأتان قد وكفت، فقال: ألا تسمع قلت: نعم ! قال: اخرج عليها، فإنها لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها، حتى إذا بلغت مأمنك فاضرب في وجهها مدبرة فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلا علفوها وسقوها. فذهبت بها حتى أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز ثم ضربت في وجهها مدبرة ثم سرت معهم. قال الراوي: فلما قدم عمر في خلافته إلى الشام أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب فعرفه عمر فقال له: أوف لي، فقال عمر: ليس العمر فيه شيء ولكن للمسلمين. ثم أنشأ عمر يحدثنا بحديثه حتى أتى على آخره، ثم قال للراهب: إن أضفتم المسلمين وهديتموهم الطريق ومرضتم المريض فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فوفى له بشرطه ، فالله أعلم . وبعد الدير تقع قرية جاسم مسقط رأس أبي تمام الشاعر العباسي المعروف، وممن ذكرها عدي بن الرقاع العاملي في قوله: لولا الحياء وأنَّ رأسي قد عسا .. فيه المشيبُ لزرتُ أمّ القاسم ِ وكأنها بين النساء أعارها .. عيْنيهِ أحوَرُ من جآذرِ جاسم ِ وسنانُ أقصدَه النعاس فرنّقت .. في عينهِ سِنةٌ وليس بنائم ِ وقريباً منه تقع أيضاً بلدة نوى وهي مسقط رأس الإمام النووي رحمه الله صاحب رياض الصالحين الذي أصبح شاهداً على قبول العمل نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، إذ أنك قلما تجد بيتاً أو مسجداً أو مدرسة لا يوجد بهم هذا الكتاب المبارك، بالرغم من أنَّ هناك ما يفوقه في بابه ولكن البركة إذا حلَّت فلا تسأل عن غيرها من الأسباب، والنووي من العلماء الذين لم يتزوجوا كشيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يكن هذا رغبة منهم عن سنة المرسلين في الزواج ولكن حياة العلم والدعوة والجهاد والتصنيف والرد على الفرق الضالة قد تكون من الأسباب التي شغلتهم عن الزواج والله أعلم. وعلى الطريق تقع بلدة الصنمين، التي جاء ذكرها في غزوات التتار لبلاد الشام أيام دولة المماليك، وجاء أيضا ذكرها في خريدة القصر للعماد الأصبهاني عند ترجمة الشريف محمد بن محمد بن هبة الله الحسيني الشاعر في قصيدته التي مدح بها الأفضل ومنها : رضيتُ وصال طيفكِ وهْوَ زُورٌ ... وعند الشيب يُرْضَى بالخضابِ فدع ذكراك أياماً تقضَّت ... إِذا ذهب الصِّبَا قَبُحَ التصابي ودون ثنيَّةِ الصَّنَمين ظبيٌ ... وقورُ الحِجْل طيَّاشُ الحِقَابِ وإذا وقف الإنسان في الصنمين، واستقبل الشمال ظهرت له بلدة الجابية، وتظهر من نوى أيضاً، وفيها خطب عمر بن الخطاب خطبته المشهورة لما قدم الشام سنة 16هـ بعد معركة اليرموك ووزع غنائم المعركة فيها، وباب الجابية الذي بدمشق منسوب إليها. ومما رأيت أيضاً على جانب الطريق قبل الحدود لوحة مدينة بُصرى وهي بصرى الشام التي تشرفت أرضها بموطئ النبي صلى الله عليه وسلم عليها، كما جاء في السِير، عندما اصطحبه عمه أبو طالب في تجارة إلى الشام عندما كان فتى صغيراً، وهنا في بصرى التقى ببحيرى الراهب، وهي المذكورة في الحديث : ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ، تضيء أعناق الإبل ببصرى ) رواه البخاري، وقد حدث هذا في سنة 654 هـ كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وغيره، ومما قيل في بصرى : أيا رفقة من دير بصرى تحملت .. تؤمُّ الحِمى أُلقيتِ من رفقةٍ رشدا إذا ما بلغتم سالمين فبلغوا .. تحية من قد ظنَّ أن لا يرى نجدا وقُبَيْل الغروب كنت قد وصلت إلى مركز نصيب الحدودي مع الأردن، فتوقفت وصليْت المغرب والعشاء جمع تقديم وقصرت العشاء، ثم وصلت إلى المركز الأردني المسمى بجابر ، فرأيت لوحة كبيرة كتب عليها أهلا وسهلا بكم في الأردن أو ما يشبه هذه العبارة، فشعرت بأنني أفِدُ على أهلي حيث أنّ ليَ في الأردن ملاعب فتوة ومعاهد صبا لم أزل أتذكرها جيداً. |
|
|
|