روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
19-01-17, 04:50 AM | #31 |
لنظرة الشرعية إلى ولد الزنا
وهنا مسألة أخرى، وهي الوليد الذي ينشأ من الزنا، وهذه مسألة تكثر في كل زمان ومكان، وقد ساد أقوام من هذا الصنف، ومن أشهرهم تاريخياً زياد بن أبيه أحد أمراء العرب في عصر بني أمية، وقد استعمله علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان جباراً فتاكاً، فلما آل الأمر إلى معاوية طلبه وألحقه بهم وقال: إن أبا سفيان هو الذي كان سبباً في ولادته من امرأة كان يأتيها في الطائف، فكان يعرف بـزياد بن أبيه؛ لأنه لا يعرف له أب، ثم عرف بـزياد بن أبي سفيان . وقد ولي زياد العراق في أيام بني أمية، وهو صحاب الخطبة المشهورة بالبتراء، والبتراء هي المقطوعة، حيث صعد المنبر وقال دون أن يحمد الله أو أن يثني عليه أو أن يصلي على رسوله: أما بعد: فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء ما عليه سفهاؤكم، واشتمل عليه علماؤكم .. وأخذ يهدد ويوعد. وتسمى هذه الخطبة عند اللغويين بالموقف اللغوي الكامل، وذلك أن المواقف اللغوية تتكون من ثلاثة عناصر مرسل ورسالة ومستقبل، فإذا استطاع المرسل أن يتقن الرسالة وصلت الرسالة إلى المرسل إليه. فالرجل صعد على المنبر في قوم ذوي ثورة وتمرد على ولاتهم، فلا يحسن معهم الشفقة، فالموقف القوي يطلب منه أن يقدم رسالة يظهر فيها حزمه، فلهذا بدأها بغير حمد الله والثناء عليه. وإنما فعل ذلك لمناسبة الموقف، وهذا مثل ذبح الأضحية يوم العيد، فإنه لا يقال معه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأننا لو قلنا: (الرحمن الرحيم) لما نحرنا ما بين أيدينا من الضأن. و لكن نقول: (باسم الله، الله أكبر) لمناسبة الموقف. وقد زعموا أن أبا عمرو بن العلاء كان راكباً على دابته، فمر بسوق النخاسين، وجملة من في السوق قوم لا يفقهون من اللغة إلا اليسير، وكان قد اختلط العرب بالعجم، وهو ضليع في النحو مغرق في مسائل الألفاظ العويصة، فسقط من فوق دابته فاجتمع الناس عليه خوفاً من أن يكون قد أصابه مكروه، فقال لهم: ما لكم تكأكأتم كتكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا. فلم يقم أحد؛ لأن الموقف اللغوي هنا ناقص؛ إذ النحاة العالمين بـ (عسى) ولـ (عل) يفهمون مراده، فكيف يفهمه العامة؟! وقد أراد أن يقول: ما لكم تجمعتم علي كتجمعكم على رجل مجنون، انصرفوا. ولكن الناس لم ينصرفوا، ولم يتحركوا عنه؛ لأنهم لم يفقهوا شيئاً مما يقول. وغاية ما أردت بيانه هو شأن أمثال زياد ، فهذا الصبي الذي حصلت فيه الملاعنة جاء في المسند بسند فيه ضعف ولكنه يقبل في مسائل الأخبار أنه رؤي أميراً على إحدى الولايات في مصر. وبعض العلماء وهو يفسر القرآن نجده يلحظ هذه القضية، وذلك في قول الله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71]، والمراد: بكتابهم؛ لأن الإمام ورد في اللغة بمعنى: الكتاب، وفي القرآن وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12]. فقال بعض المفسرين -وأظنه محمد بن كعب القرظي -: (بإمامهم) يعني: بأمهاتهم. فقيل له: لماذا لا يدعون بآبائهم؟! فقال: ستراً على أبناء الزنا؛ لأنه لا يعرف لهم آباء، وإظهاراً لشرف الحسن والحسين في نسبتهما إلى فاطمة ؛ لأن فاطمة بنت نبينا صلى الله عليه وسلم. والمقصود أن هذه الاستحضارات يستحضرها الناس أحياناً في الكلام عن القضايا، والتفسير علم مفتوح تلتقط أوراقه من هنا وهناك، وهذا كله يدخل في باب المعرفة. |
|
19-01-17, 04:51 AM | #32 |
فضيلة الكف عن معايب الناس
وبقي الآن ذكر ما أراده الله من تحريك القلوب بذكر القذف وإيجاب الحد فيه، وذكر الملاعنة، فنقول: إن الإنسان كلما من الله جل وعلا عليه بحفظ لسانه من الخوض في أعراض الناس كان أقرب إلى ربه وأدنى إلى شرف المعالي. ولا يليق برجل يأمل يوماً أن يكون ذا شأن أن يشغل نفسه بالآخرين، وليس زعيم القوم من يحمل الحقد، والذين يحملون الحقد والحسد هم أكثر الناس حديثاً عن غيرهم؛ لأنه يضيرهم ما يرون من نعم الله جل وعلا على غيرهم، فيدفعهم ذلك الحسد الذي في قلوبهم إلى أن يلفقوا الأخبار ويصطنعوا الأحاديث على سواهم، فينجم عن ذلك انتقاص الناس، فيسلط الله جل وعلا عليهم من يكشف عيوبهم. ولكن العظيم الشأن الذي أرجو الله أن نكون مثله يترفع عن مثل هذه الأمور ولا يعبأ بها ولا ينظر إليها، وإنك لن تغيظ عدوك بأكثر من أن تظهر عدم مبالاتك به، يقول المتنبي : أفي كل يوم تحت إبطي شويعر ضعيف يقاويني قصير يطاول لساني بنطقي صامت عنه عادل وقلبي بصمتي ضاحك منه هازل وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل فالإنسان إذا أراد أن يقهر عدوه فلن يجد شيئاً يقهره به مثل ترفعه عن مجاراته، وقد قال أبو تمام : إذا جاريت في خلق دنيئة فأنت ومن تجاريه سواء رأيت الحر يجتنب المخازي ويحميه عن الغدر الوفاء فهذه جملة من الآداب واللافتات المعرفية والعلمية حول هاتين الآيتين المباركتين من سورة النور يسر الله جل وعلا أن نقوله ونمليها، والله المستعان وعليه البلاغ. وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
20-01-17, 08:29 AM | #33 |
حفلت سورة النور بذكر حادثة الأفك المفترى على الطاهرة المطهرة الصديقة بنت الصديق الأكبر عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد تضمنت آياتها براءة عائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهما، وذكر من تولى كبر الحادثة، وهتك أستار المنافقين، وبيان الواجب على المؤمنين في هذه القضية ونحوها، وبيان جوانب الخير في الحادثة، كما تضمنت الدعوة إلى الصفح والعفو عن المسيء، وبيان جرم قاذف المؤمنات المحصنات، وغير ذلك من الأمور العظيمة.
|
|
20-01-17, 08:30 AM | #34 |
ذكر حادثة الإفك
الحمد لله وحده حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا الدرس تابع لما كنا قد تكلمنا فيه من سورة النور، وقد ذكرنا في درسين سابقين ما كان فيهما من أحكام في صدر السورة. والآن ننتقل إلى الآيات المعنية بقصة الإفك: وهي آيات تنتهي عند الآية السادسة والعشرين من هذه السورة المباركة، وقصة الإفك تناولها أصحاب السيرة كما تناولها المفسرون، لعلاقتهما بالأمرين في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن القرآن هو الذي نزل ببراءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. وقبل أن أشرع في التفسير، وبيان ما ذكره العلي الكبير في كلامه أقول: إن النبي عليه الصلاة السلام جاء بدين جديد على خلاف ما كان عليه قومه، فواجهه قومه بأن اتهموه بالسحر والكهانة والجنون وغير ذلك، ومثل هذه الاتهامات قد وطن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على مقابلتها، فهي من جنس ما كان يتوقعه من أذى وصدود ورد لدعوته ممن لم يؤمن بها، ولكن حديث الإفك كان ابتلاء من نوع آخر، ولا يوجد ابتلاء في السيرة العطرة والأيام النضرة في حياته صلى الله عليه وسلم مثيل له، ولهذا قال الله: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا [النور:17]. فهو حدث لم يتكرر، ونوع من البلاء لم يقع إلا مرة واحدة في غزوة المريسيع، واستصحاب هذا عند تفسير القرآن أو تفسير هذه الآيات المعنية بحديث الإفك أمر مهم جداً لطالب العلم في التأمل في كلام الله جل وعلا، فبعض الآيات والأحداث تتكرر؛ لأن الابتلاء فيها ينضوي تحت خيمة واحدة، أما هذا الابتلاء فلا ينضوي تحت أي خيمة، وإنما هو مستقل لوحده، لم يعهده النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ولم يعهده في المدينة، إلا ذلك الحين، ثم انجلى بعد شهر من الأسى بإنزال الله جل وعلا قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، وهو أول ما سنفسره، إلى قوله سبحانه وتعالى: أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور:26]. هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: أن الناظر في القرآن لا ينبغي له أن يحكمه شيء واحد، وإنما هي معانٍ تقرب للناس، بحسب فهمنا لكلام الله، وإلا فلن يصل تعبيرنا عن مراد الله إلى المعنى المقصود الأسمى؛ لأن تعبيرنا وفهمنا لكلام الله لن يصل أبداً إلى نص القرآن نفسه، فنص القرآن مقدس، ومقاربة العلماء لذلك النص غير مقدسة. |
|
20-01-17, 08:32 AM | #35 |
الشخصيات المذكورة في قصة الإفك
سنتكلم ابتداءً عن الشخصيات التي تتعلق بقصة الإفك، حتى إذا شرعنا بعد ذلك في تفسير الآيات كانت الصورة واضحة جلية. فأول تلك الشخصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غني عن التعريف، ثم الصديق لكونه والداً لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ثم أم رومان أم عائشة رضي الله عنها، وزوجة أبي بكر ، وهؤلاء الثلاثة قد لا يكونون مقصودين بالأمر، وإنما ينصرف الأمر أول ما ينصرف إلى عائشة وإلى صفوان بن المعطل . فأما عائشة فهي الصديقة بنت الصديق ، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أشهر من أن تعرف بها، ولكن نعرف بالشيء الذي تعلق بالقضية، فقد رزق النبي صلى الله عليه وسلم حبها، وأتاه جبريل بصورتها سرقة من حرير، وفي رواية: في كفه، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون زوجته، وقال: (إن يرد الله خيراً يمضه)، أو: (أن يرد الله شيئاً يمضه)، ثم كانت زوجته رضي الله تعالى عنها وأرضها، فبعد الهجرة بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال. وهذه المباركة أنزل الله جل وعلا فيها هذه الآيات بياناً لبراءتها، وتوفي النبي عليه الصلاة السلام بين سحرها ونحرها، ودفن في حجرتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. وأما من رميت به فهو صفوان بن المعطل السلمي ، أحد خيار الصحابة، ومما يدل على أن الله جل وعلا أراد به خيراً أنه مات شهيداً، والظفر بالموت شهادة ليس بالأمر الهين، فقل ما يعطاه أحد، والله تعالى يقول: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140]، وليس كل أحد يتخذ شهيدا. فـصفوان بن المعطل لما رآها قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فكان ذلك سبباً في نجاته كما سيأتي. ومن الشخصيات شخصيات خاضت في الأمر بشدة، وبعضها تولى كبر الأمر، وهو عبد الله بن أبي المنافق الخزرجي النسب، قدم النبي عليه الصلاة السلام المدينة وكان القوم من الأوس والخزرج قد أجمعوا أمرهم على أن يولوه ملكاً عليهم، ولهذا اغتاظ من قدوم النبي عليه الصلاة السلام إلى المدينة. ومن تلك الشخصيات حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشهور عند العلماء أنه وقع في الأمر، وشارك في نشره، وحمنة بن جحش أخت زينب بنت جحش زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، المنافسة لـعائشة في الخطوة عند رسول الله عليه الصلاة السلام، فلو قدر أن زينب هي التي شاركت لكان الأمر فيه بعض العذر، لا بعض الجواز؛ لكونها منافسة لـعائشة ، ولكن الورع عصمها، ولم تقل كلمة واحدة في عائشة . لكن حمنة أختها انتصرت لها، والإنسان قد تغلب عليه العاطفة، فيريد أن ينفع غيره فيضر نفسه ويضر غيره، وربما لا يصل إلى ضرر غيره، كما فعلت حمنة ، فـحمنة لا علاقة لها بـعائشة ؛ إذ هي زوجة لـطلحة ، ولكنها أرادت أن تنصر أختها، فشاركت في النقل لعلها تصيب من ذلك نقصاً في عائشة ، ولا تعتقد صحة ذلك؛ لأن الله قال: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ [النور:15] فلا يوجد من ذلك شيء مستقر في القلب، ولكنها أرادت نصرة أختها، فنصرتها لأختها أعمت بصيرتها عما تنظر إليه. ومن تلك الشخصيات مسطح بن أثاثة أبن خالة لـأبي بكر ، كان فقيراً مستضعفاً، وكان أبو بكر ينفق عليه، فشارك في قضية إشاعة الأمر، وهو بدري، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (... لعل الله أطلع على أ هل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وليس المعنى: إنني قد أذنت لكم بالمعاصي. إذ لو كان المقصود هذا لما عوتب مسطح هنا، ولما أقيم عليه الحد. وأبو أيوب الأنصاري كان أحد الذين عصمهم الله هو وزوجته، فقالا خيراً، وقالا عن ذلك الإفك: هو الكذب بعينة. ومنهم الجارية التي سألها النبي عليه الصلاة السلام، فبعض أهل العلم يقول: إنها بريرة ، وبعضهم يقول: إن بريرة لم تكن بعد في عهدة عائشة ، وكيفما كانت تلك الجارية فإنها امرأة عصمها الله، فقالت: يا رسول الله! أهلك ولا أعلم إلا خيراً . وذكرت عن عائشة أنها امرأة تغفل عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. ومنهم أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان من الشخصيات الحاضرة في القصة، استشاره النبي عليه الصلاة السلام فقال: يا رسول الله! أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وعبارة (ولا نعلم إلا خيرا) تدل على كمال عقل، فهي ليست مفرطة في المدح، ولا تقارب الذم أبداً، ولكنها في نفس الوقت فيها شيء من التزكية، وهي عبارة لو استخدمها المزكون اليوم لكان ذلك جيداً. ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، خاتم الخلفاء الأربعة، ورابع الحنفاء رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال: يا رسول الله! النساء غيرها كثير. وليس المقصود اتهام عائشة ، ولكن علياً ليس كـأسامة ، فـأسامة مولى لا يلحقه عيب لو وقع الأمر حقاً، أما علي فهو ابن عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما ينتسب إلى بني هاشم، فهو عصبة لرسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم عصبة له، فهو ينظر من باب أن الأمر يتعلق ببني هاشم وزوجاتهم، فأراد أن يغلق الباب، ويسد على الناس طرائق أقوالهم، ولم يرد أن يتهم عائشة ، ولكنه ملف أراد أن يغلقه، وقضية لا يريد لها أن تثار، هذا هو المقصود من قول علي رضي الله تعالى عنه: (النساء غيرها كثير) يعني إن تعلق قلبك بها حباً، فتزوج غيرها ينسيك إياها، وانفك من مسألة أن يقدح الناس فيها، هذا هو مقصود قول علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد قالت الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها بعد سنين من هذه الحادثة: إن علياً لم يكن بيني وبينه إلا ما يكون ما بين المرأة وأحمائها، أي: قرابة زوجها. فهذه هي الشخصيات التي يأتي خبرها في قصة الإفك، وهناك شخصيات غير مسماة، وهم عامة المؤمنين، وعامة المنافقين، ولكن هؤلاء أفراد مميزون جاء ذكرهم في القصة. وقد وقعت الحادثة في غزوة المريسيع -غزوة بني المصطلق- في السنة الخامسة تقريباً، قبل دخول المدينة في منطقة تسمى العشيرة إلى الآن، تبعد عن المدينة قرابة عشرين أو ثلاثين كيلو متر، بعد الخروج من المدينة بطريق الهجرة الجديد، فهذا هو المكان، وهذا هو الزمان، وأولئك هم أفراد القصة. أما القصة إجمالاً فحاصلها أن النبي عليه الصلاة السلام كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ابتغاءً للعدل، وفي هذه الغزوة جاءت القرعة لـعائشة بقدر الله، فخرج عليه الصلاة والسلام بـعائشة وأتى المريسيع، فحصل ما حصل من سبي وبعض قتال، واقتتال على الماء ومناوشة بين المهاجرين والأنصار أراد أن يثيرها عبد الله بن أبي ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي القضية، فأمر الركب بالرحيل في غير ساعة يرحلون فيها، ففقدت أم المؤمنين عقداً كان عليها، والعقد هو ما يحيط بالعنق، يراد به الزينة، فإذا أحاط بالمعصم سمي سواراً، فإذا أحاط بالإصبع يسمي خاتماً. فلما فقدت أم المؤمنين عقدها ذهبت إلى ذلك المكان الذي يرجى أن يكون فيه، وفي تلك اللحظات رحل الجيش، وكان هناك أناس مسئولون عن هودج أم المؤمنين، وكانت امرأة نحيلة؛ إذ كانت في قرابة الرابعة عشرة من عمرها، وقليلاً ما تأكل اللحم، ولم يمض على زواجها إلا ثلاث سنين أو أربع على الأكثر، فالهودج التي هي فيه، لا يكاد يختلف على أشداء الرجال، وإنما يختلف عندما يكون الذي يحمله ضعيفاً، ولكن أشداء الرجال الذين يحملون امرأة في الرابعة عشرة لم يظهر لهم فرق، فحملوا الهودج وهم لا يشكون في أن أم المؤمنين فيه، فعادت فلم تجد نبي الله عليه الصلاة السلام، ولم تجد القوم جميعاً، ولا يمكن لها أن تنطلق، فذهبت إلى شجرة في نفس المكان، فوضعت عليها لثامها وجلست، فغلبها النوم بقدر الله، وكان صفوان بن المعطل قد كلف بساقة القوم، فتأخر عن الجيش ليمضي قدر الله، فلما أتى إلى المكان الذي كان فيه الجيش وجد الجيش قد ذهب، وهو يعلم ذلك، ولكنه وجد خيالاً، فاقترب منه فإذا هو أم المؤمنين، وكان يرها قبل الحجاب، فعرفها، ولن تخفى عليه، إذ كان مجتمع المدينة صغيراً، وقد لا يعرف كل صغيرة وكبيرة، ولكن الإنسان لا يجهل أن تكون هذه امرأة فلان إذا رآها مرة أو مرتين، فاقترب منها، وألهمه الله تعالى أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا أراد الله شيئاً هيأ له أسبابه، ومن أراد الله أن يرحمه فتح له طرائق الرحمة، وألهمه ما يقول، وأعانه على ما يفعل، وينبغي أن تعلم أنه ما يرفع شيء من الأرض إلى السماء أعظم من الإخلاص، ولا ينزل شيء من السماء إلى الأرض أعظم من التوفيق. فلما سمعت عائشة استرجاع صفوان أفاقت على استرجاعه، فلم تتكلم، فأناخ الناقة، وركبت أم المؤمنين، ولم يكلمها ولم تكلمه، وهو يعلم قطعاً أنه سيتعرض للبلاء، أما هي فكانت صغيره في الرابعة عشرة، فربما لم يدر بخلدها أن يتكلم فيها. وقبل أن يصل الجيش إلى المدينة أناخوا المطايا في عز الظهيرة في منطقة تسمى العشيرة الآن, وكانوا في منطقة مكشوفة، فإذا بـصفوان يقبل وأم المؤمنين على ناقته، وهو يقود الناقة، فرآهما عبد الله بن أبي ، فطار فرحا، فقال بصوت يسمع ولا يسمع -أي: يسمعه الضعفاء الذين لا يمكن أن يشهدوا به، وهم قادرون على أن ينقلوه، ولا يسمعه من يستطيع أن يأتي شاهداً عليه- قال: امرأة نبيكم مع رجل! والله ما نجت منه ولا نجا منها! كلمة تكاد تسقط لها بعض الجبال، ولا أقول: الجبال كلها؛ لأن هذا يقال في حق الله فقط. فلما قال ذلك انتشرت الكلمة، وأم المؤمنين لا تدري، فلما رجعت أصابتها وعكة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل ذلك كونها عائدة من سفر، ولكن الأمر أذيع وأشيع، وبلغ النبي عليه الصلاة السلام، فرأت في النبي عليه السلام تغيراً في معاملته، وذلك اللطف الذي كانت تعهده منه قل أو تلاشى قليلاً، ولم يدر بخلدها أن يكون ذلك بسبب شيء سمعه عنها. ثم قدر لها أن تتعافى تدريجاً، فخرجت مع أم مسطح -أحد الذين ساهموا في نشر الأمر- إلى الصحراء، لقضاء الحاجة، ولم يكن للعرب يوم ذاك عهد بتلك الأمور، فلما خرجتا كانت هذه المرأة تريد أن تدخل عائشة في القضية، فقد علمت أن عائشة لا تعلم، بدليل أنها لو كانت تعلم لسألتها عن خوض ابنها في ذلك، ولكنها لم تسألها، فأرادت أن تشركها في القضية، فبدأت تتعمد التعثر، وإذا تعثر الإنسان فجأة فإنه تصدر منه كلمات من باب ردة الفعل، فلما عثرت قالت: تعس مسطح . ولا يوجد ارتباط بين مسطح وبين سقوطها في البرية، فـعائشة أنكرت ذلك، ولو قالت كلمة مألوفة لما أنكرت عائشة ، وهي لا تريد أن تقول كلمة مألوفة، بل تريد أن تقحم عائشة في القضية، وتريد أن تفتح باباً للحديث، فرددتها مرتين، فتعجبت أم المؤمنين، فقالت: سبحان الله! رجل شهد بدراً تدعين عليه! أو كلمة نحوها، فقالت: يا هنتاه -وكانت عائشة بجوارها- و(هنتاه) كلمة تقال للبعيد، ولكنها تريد أن تبين لها أنها امرأة تعيش في عالم آخر، ولا تدري بما يحصل في الساحة، وإلا لقالت: يا هذه، فقالت: يا هنتاه! أما علمت؟! ثم أخبرتها، فقالت: سبحان الله، وتحدث الناس بهذا؟! قالت: نعم، فرجعت وازداد مرضها، حيث أصبح ذلك هماً وغماً، ومرضاً قلبياً، ثم سألت أمها، فقالت لها أمها تريد أن تخفف وطأة الأمر عليها: يا بنية! إنه قل أن تكون امرأة وضيئة -أي: مثلك- لها حظوه عند زوجها، ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها. فازدادت حزناً على حزن رضي الله عنها وأرضاها، وكل هذا يحصل والوحي لا ينزل بشيء، ولا ينزل قرآن من السماء، ونبي الأمة ورأس الملة يتهم في زوجته، ولكن الله جل وعلا أراد أن يمحص بشريته عليه السلام من نبوته. فأي شيء عظيم تريد أن تكشفه إذا كان مختلطاً بغيره، وتريد لمعانه أخرجه عن غيره، حتى يظهر جلياً بيناً؛ لأنه حين يكون وسط الأشياء التي تشوبه وتختلط به لا يظهر. فالله جل وعلا أراد هنا أن يميز نعمة النبوة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون منفكة عن بشريته، فبشريته ذهب يستشير، ودعا الجارية، ودعا أسامة ودعا علياً ، وصعد المنبر وقال: من يعذرني في رجل بلغ أذاه أهلي. ويختصم الحيان الأوس والخزرج، فما يزال بهما حتى يسكتهما، ويذكر عن صفوان أنه ما علم فيه إلا خيراً، فقال: لقد ذكروا لي رجلاً -يقصد صفوان - لا أعلم عنه إلا خيراً، ولا يدخل على أهلي إلا معي. أي: هم لا يتحدثون عن رجل وجدته مرة مع أهلي، أو رأيته يطلع على أهلي، وإنما يتكلمون عن رجل لا أعلم عنه إلا خيراً، ولا يدخل على أهلي إلا معي، فيتجنب أن يأتي البيت وأنا غير موجود، فبعيد جداً أن يتهم، وهذا كله كلام بشر يحصل في أي مجتمع، ويقوله أي فرد؛ فالوحي منفك في هذه القضية، وليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نبياً في تلك الفترة، فهذا محال، بل هو نبي في كل حال، ولكننا نتكلم عن تصرفه مع هذه الحدث، فهنا يتصرف ببشريته عليه الصلاة والسلام، فلما استغرق الجهد البشري جاء الوحي الرباني والتنزيل الإلهي ليفصل في القضية. ثم دخل عليه الصلاة والسلام على عائشة وقد استأذنته من قبل أن تمرض عند أبويها، ولك أن تتصور موقف خير الأصحاب، فقد كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن كان عمره ثمانية عشر عاماً، وكان صديقاً له مدة تزيد على عشرين عاماً، إذ لما جاء الإسلام كان عمر الصديق ثمانية وثلاثين عاماً، ثم بعد ذلك صار صاحباً له بتعبير القرآن، وعاش معه كل سنين العذاب في مكة في المرحلة السرية والجهرية، ثم كان معه في المدينة، وفي بدر وأحد والخندق، ثم تعود ابنته زوجة ذلك الصاحب إليه متهمة بأنها خانته في عرضه، فهذا شيء مذهل بالنسبة للصديق ، ولكنه الأدب؛ إذ لما سكت الله فما أنزل شيئاً سكت رسول الله فما حكم بشيء، فلما سكت رسول الله سكت أبو بكر، فما استطاع أن يدافع عن ابنته ولن يتهمها، ولكنه سكت لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعود إليه ابنته متهمة فيظل يبكي رضي الله عنه وأرضاه، حتى ورد في بعض الروايات أنه كان يقرأ القرآن على سطح المنزل، فيسمع ابنته تبكي فيبكي، ولكن الأدب منعه أن يتكلم بكلمة واحدة. ثم دخل نبينا صلى الله عليه وسلم يعرض الأمر مكشوفاً على عائشة فقال: إن كنت أذنبت فاستغفري، وإن كنت بريئة فسيبرئك الله، فقالت كلاماً، ثم قالت: ما أقول لكم إلا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:18]. تقول: (كما قال أبو يوسف) فنسيت اسم يعقوب، وفي هذه اللحظات انقطعت كل الطرائق الدنيوية، فمن كان حول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال مشورته، وأبو بكر سكت، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدر كيف يفصل في القضية، والمرأة تبكي، فأنزل الله جل وعلا قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، وما زال الوحي يتنزل عليه حتى انفصم عنه صلوات الله وسلامه عليه وأن جبينه ليتفصد عرقاً. فكانت هذه هي براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ونهاية شهر الأسى في حياة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فقال لها: احمدي الله. ففرح الأبوان أبو بكر وأم رومان ، فقالا لها: قومي إلى رسول الله. فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله. وليس المقصود أنها غضبت على نبي الله صلى الله عليه وسلم، حاشاها، فهذا لا يقع في قلب أي أحد من المسلمين الصادقين، ولكنها أرادت أن تبين جلالها وفضلها وحقها على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. والمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا القرآن وأظهر بما تلاه من كلام الله براءة أم المؤمنين وصفوان بن المعطل رضوان الله تعالى عليهما، فهذا هو مجمل حديث الإفك كما وقع في صحيح الأخبار وصريح الآثار. |
|
20-01-17, 08:33 AM | #36 |
تفسير قوله تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ..)
قال الحق تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]. قوله: (جاءوا بالإفك) أي: ابتدعوه؛ لأنه ليس له أصل، والإفك: الكذب، وهو أقبح الكذب؛ لأن الإفك هو القلب، كما قال الله جل وعلا: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [النجم:53]، والمؤتفكة: قوم لوط، وسموا مؤتفكة لأن الله قلب عليهم بلدتهم فجعل عاليها سافلها، فـالصديقة رضي الله عنها وأرضاها أهل لكل فضيلة، فكيف ينسب إليها أعظم شيء في الرذيلة؟! فهذا قلب للحقائق، ولهذا سماه الله جل وعلا إفكا فقال: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، والعصبة: الجماعة دون الأربعين. |
|
20-01-17, 08:34 AM | #37 |
بيان معنى قوله تعالى (لا تحسبوه شراً لكم ...)
قال تعالى: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور:11]. كما قال تعالى في سورة القمر: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ [القمر:3] فالعبرة بالنهايات، فالنقص في البدايات لا يدوم، بل العبرة بما استقر عليه الأمر، وهو المطلوب والمقصود، وقد استقر الأمر على براءة عائشة وصفوان قال الله تعالى: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ [النور:11]. وبعض العلماء رحمهم الله يقول: إن المقصود صفوان وعائشة ، ولكن الله جمع من باب ما هو كائن في أساليب لغة العرب، وهذا بعيد، وإن كان هذا الأسلوب موجوداً في لغة العرب، ولكن لا يمكن حمل المعنى هنا عليه، بل المعنى أن الأمة كلها تستفيد من هذا الحديث، فأما الذين ظُلِموا في الإفك فهو رفع لدرجاتهم، وشرف لهم أن يذكروا في القرآن، وأن تنزل براءتهم في القرآن. وأما الذين لم يذكروا من المؤمنين المعاصرين للحدث، أو المؤمنين الآتين بعد نزول الآيات، فإن في ذلك موعظة وأدباً لهم لاختيار هدي الله جل وعلا في تربية المجتمع، على أنه ينبغي أن يعلم أنه لا يوجد خير محض ولا شر محض، بل الأمور بالغالب، وأما الخير المحض ففي الجنة، والشر المحض في النار. قال تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ [النور:11] أي: من الذين خاضوا في الإفك مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ [النور:11]. و(اكتسب) توافق (كسب) إلا أن العرب في فصيح كلامها تستعمل (كسب) في الخيرات، و(اكتسب) في الآثام. قال تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ منهم [النور:11] أي: تولى أصل القضية وحرص على إذاعتها وتبنى إشاعتها لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11] والمقصود به عبد الله بن أبي بن سلول . |
|
20-01-17, 08:35 AM | #38 |
تفسير قوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ...)
وأما الآداب الناجمة عن الحدث فقد جاء تفصيلها بعد أن ذكر الله الحدث جملة وبين أن الأصل فيه أنه خير للناس، فقال جل ذكره: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12]. وكلمة (أنفس) هنا دلالة على أن المجتمع المسلم مجتمع واحد، وهذه طريقة القرآن كما قال تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]، اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:66]. وقوله تعالى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] هذا الذي وقع من أبي أيوب الأنصاري . وإذا كان الإنسان أصلاً يظن بنفسه الخير، فكيف الظن بأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها؟! قال تعالى: وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور:12]. أي: كان الواجب أن يقال: إن هذا إفك واضح ظاهر بين، لا أن يخاض فيه. |
|
20-01-17, 08:35 AM | #39 |
تفسير قوله تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ...)
وبعد أن خاطب الله جل وعلا المؤمنين بما ينبغي عليهم أن يفعلوه خاطب جل وعلا أولئك الذين تولوا الأمر، فقال الله تبارك وتعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13]. وقد بينا أن هذا مرتبط بأول القصة، لأن الله ذكر في أول السورة قضايا القذف، وأن القذف يشترط فيه أربعة من الشهود، وإنما استثنى الله جل وعلا من هذا الإجمال الزوج إذا رمى زوجته، وليس هنا زوج يرمي زوجته، وإنما هم أناس يرمون زوجة نبيهم. فالاعتبارات والمعايير الشرعية المطلوبة هنا هي أربعة شهداء، حيث قال الله: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13]، والكذب على الله أعظم الذنوب، ثم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الكذب على الناس. |
|
20-01-17, 08:37 AM | #40 |
تفسير قوله تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ...)
قال الله جل وعلى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14]. (لولا) حرف امتناع لوجود، ويليها عند سيبويه المبتدأ، ويحذف خبرها غالباً، كما حرره ابن مالك بقوله: وبعد لولا غالباً حذف الخبر حتم وفي نص يميز ذا استقر وذلك كقولك: لولا زيد في هجر، أي: لولا زيد موجود في هجر. فـ (فضل) هي المبتدأ، وجواب لولا هو قول الله تعالى: لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14]. أي أن الله جل وعلا رحمكم، وأعطاكم مهلة للتوبة، وعفا عنكم في كونكم لم تنكروا إنكاراً جلياً واضحاً على من خاض في الإفك، وإلا فإن ما وقعتم فيه أمر يستوجب أشد العذاب، ولكن رفع عنكم بسبب فضل الله جل وعلا ورحمته لكم. |
|
|
|