روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
04-05-17, 12:59 AM | #11 |
إبطال الإسلام لقضية التبني
ثم قال الله جل وعلا: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [الأحزاب:4] الدعي: هو من ينسب إلى غير أبيه، ويجمع على: أدعياء باعتبار أنه دعي على فعيل بمعنى: مفعول، يعني: متبنى، وقد ثبت في الصحيحين وفي غيرهما من حديث ابن عمر : (أنا كنا لا ندعو زيد بن حارثة إلا بـزيد بن محمد صلى الله عليه وسلم، فلما أنزل الله جل وعلا ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أي: قال لـزيد : أنت زيد بن حارثة بن شراحيل) فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وسمى زيداً باسمه الحقيقي، فكان عليه الصلاة والسلام -وهو في كل أمر كذلك- أول من امتثل أمر الله في هذه الآية خاصة، قال الله جل وعلا: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [الأحزاب:4]؛ لأن ما بعدها: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] وسيأتي هذا. وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4] فلا يمكن أن يجتمع العارض مع الأصل، ولا يمكن أن يكون الابن ابناً لاثنين، فهو ابن لرجل واحد، وهذا كان مترسماً في الجاهلية، فـالخطاب أبو عمر بن الخطاب تبنى عامراً بن ربيعة ، وحذيفة تبنى سالماً ، ووقع هذا في كثير من البيوت القرشية وغير القرشية، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة ، لكن التبني في الغالب يكون ردة فعل لإحسان يقوم به الابن، فلا يعقل أن أحداً يأتي لأحدٍ من الناس فيتبناه، لا بد من شيء وجده في هذا الابن، إما فلاح ظاهر فيتبناه ليستفيد منه، وإما محبة قلبية أو جميل صنعه له فيريد أن يكافئه عليه. وزيد هذا رضي الله عنه وأرضاه اشتراه حكيم بن حزام ، ومر معنا أن حكيماً بن حزام هذا ابن أخ خديجة بنت خويلد ، وكانت خديجة قد أوصته أن يشتري لها غلاماً ظريفاً، فاشترى زيداً بن حارثة فكان مملوكاً، وكان في طيء وهم أخواله، فأهدته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما عرف أبوه وعمه أنه في يد محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، والقصة شهيرة، جاءوا إلى مكة فاختار زيد النبي عليه الصلاة والسلام عليهم، ولم يكن يوم ذاك عليه الصلاة والسلام قد بعث ولا نبئ. فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الفتى يختاره على أبيه وعمه وإخوانه أكبره، فقام خطيباً في الناس وقال: أشهدكم أن زيداً ابني يرثني وأرثه؛ حتى تقر أعين من كان معه من عصبته وأبيه وأعمامه وإخوانه. فأصبح من ذلك اليوم لا يعرف إلا بـزيد بن محمد ، وقد عوضه الله عن هذا الشرف الذي نزع منه بأن ذكر اسمه في القرآن كما سيأتي في نفس السورة، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا [الأحزاب:37]، وهذا حررناه مراراً وتكراراً في دروسنا، لكن نعيده؛ لأن المقام يقتضيه. قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [الأحزاب:4]، وقبل أن نتجاوزها فقد جاء التغليظ الشديد في أن ينتسب الإنسان لغير أبيه؛ حتى جاء فيه التكفير، وإن كان ظاهر الأمر أنه كفر لا يخرج من الملة، مما يقال فيه هنا كفر، لكن أحياناً -وهذا استطراد تاريخي- أحياناً تأتي خطوب على أحد من الناس فيغير؛ فهذا عمران بن حطان الخارجي خرج يبحث عن نفسه، يعني: يبحث عن موطن ومأوى في القرى والبوادي، فكان من ذكائه وفطنته أنه كلما دخل بيتاً، أو نزل على وادٍ أو نزل على قوم، أو عشيرة ينتسب لهم انتساباً من كثرة معرفته بأخبار الناس وأنسابهم لا يعادونه ولا يعرفونه، وهذا يحتاج إلى ثقافة كبيرة جداً، فنزل ذات يومٍ على روح بن زنباع ، وكان روح بن زنباع يمنياً، والعرب تنقسم إلى: قحطانيين يمنيين، وعدنانيين من شمال الجزيرة. وكان روح بن زنباع يجلس عند عبد الملك بن مروان ، وكان عمران يجلس معه، فانتسب له أنه من اليمن، فكان عبد الملك يأتي بأخبار وآثار فيقولها لـعمران ، وهو لا يدري أنه عمران ، فـعمران ما أن يبدأ روح بالخبر إلا ويزيده، ويأتيه بأصله، ويفصله له فيتعجب، فيعود إلى عبد الملك ويخبره، فيتعجب عبد الملك ، وعبد الملك ليس قليلاً في ثقافته، فيقول له: إن اللغة عدنانية، يعني: أن الذي يخاطبك عدناني وليس يمنياً، ثم إنهم ذات يومٍ في مجلس عبد الملك تحاوروا حول بيت يقول: يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزاناً وهي لـعمران ، لكن جلساء عبد الملك لم يعرفوا من القائل، فقال عبد الملك لـروح بن زنباع : سل جليسك عن هذه الأبيات؟ فسأله فقال: هي لـعمران بن حطان يهجو علياً بن أبي طالب ، ويمدح قاتله، فذهب وأخبره الخبر، فلما أخبره الخبر قال له: هو عمران بن حطان ، فاطلبه إليّ، فلما عاد إليه قال له: إن أمير المؤمنين يريد أن يراك، فتظاهر بالموافقة وقال: وأنا كذلك أريد أن أراه، لكني كنت أستحي أن أطلب منك هذا الطلب، فاذهب وأنا وراءك، فذهب روح إلى عبد الملك ، فلما وصل إليه وأخبره الخبر، قال له عبد الملك وكان فطناً: والله! لن يأتي، وستعود ولن تجده، فعاد ولم يجده، ووجد رقعة فيها أبيات لا يتسع وقت البرنامج لإلقائها، لكن لعلنا في اللقاء القادم نبدأ بالقصة، ونذكر الأبيات. هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
07-05-17, 04:28 AM | #12 |
تابع تفسير قوله تعالى: (وما جعل أدعيائكم أبنائكم... وهو يهدي السبيل)
ذكر قصة حدثت بين عبد الملك بن مروان وابن حطان الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على خير من بعث الله، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه. وبعد: أيها المباركون! كنا قد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]، وقلنا: إن هذا تمهيد لما سيكون بعده، والمعنى الذي نفهمه من الآية وقد حررناه تفصيلاً ونعيده إجمالاً: أنه لا يمكن أن يجتمع كفر ونفاق في قلب أحد، ثم رتب الله على ذلك هدم بعض المعتقدات والأعراف الجاهلية التي كانت موجودة ذائعة شائعة عندهم ومنها: الظهار، فأخبر الله جل وعلا أن هذا قول باطل، فقال سبحانه: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4]، ثم عرج جل وعلا على مسألة التبني، فأبطلها بقوله: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4]. وانتهينا إلى أنه وردت أحاديث في حرمة أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه، ثم ذكرنا أبياتاً توقفنا عندها، ولامنا اللوام ممن شاهد الحلقة الماضية أننا لم نقل الأبيات. ذكرنا أن الإنسان أحياناً قد يضطر إلى أن يقول أشياء لا تعني التبني، لا يقول: أنا فلان ابن فلان فيدعي لغير أبيه، فهذا لا يجوز، بل سماه النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، وإن كنا قد حررنا أنه كفر دون كفر لا يخرج من الملة، لكنه يستطيع أن يواري إذا كان يملك ثقافة، فـعمران بن حطان خارجي ممن خرج على علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان ممن يرى استباحة قتله؛ لأنهم يرون أن علياً كفر لأنه قبل التحكيم، وهؤلاء ليسوا أفقه من عمر أو علي ، لكن الهوى يغلب أحياناً. المقصود: أنه كان ينزل في بوادي العرب، وكلما نزل عند قوم أظهر لهم أنه قريب منهم بحسب أحوالهم، وكانت العرب جذميين رئيسيين، يمنيون وعدنانيون، معد بن عدنان وقحطان بن يعرب ، الشاهد من ذلك: أنه نزل عند روح بن زنباع ، وكان روح هذا جليساً لـعبد الملك بن مروان ، فانتسب له عمران على أنه يمني، لكن الأخبار التي كان يقولها كانت بلغته العدنانية، فكان عبد الملك يتعجب ويقول: إن اللغة عدنانية، ثم في ذات يوم تحاور الناس في مجلس عبد الملك حول أبيات تنسب لـعمران بن حطان دون أن يعرفها من كان مع عبد الملك وهي قول عمران : وضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزاناً فهو يرى أن قتل علي من أعظم القربات، فلما عجزوا على أن يعرفوا القائل، قال عبد الملك بن مروان لـروح بن زنباع : اسأل عنها جارك -الذي هو في نظره يمني- وعمران بن حطان عدناني، فلما رجع إليه قال له: إننا جلسنا في مجلس أمير المؤمنين ووقع كذا وكذا، ولم نعرف لمن هذه الأبيات، فقال عمران : هي لـعمران بن حطان يمدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ، فذهب روح فبلغ الرسالة لـعبد الملك ، وهنا تبين لـعبد الملك أنه عمران فقال: اذهب إليه فإنه عمران بن حطان وقل له: إن أمير المؤمنين يرغب في رؤياك، وكان عمران فاراً من أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، قال لـروح : إنني كنت أريد أن أطلب منك هذا الأمر، لكنني استحييت فاذهب وأنا في أثرك، فذهب روح وسبق عمران إلى أمير المؤمنين، فقال له عبد الملك : إنه لن يأتي وستعود ولن تجده، فلم يأت فرجع روح ولم يجد عمران بن حطان ، ووجد رقعة فيها قوله: يا روح كم من أخ مثوى نزلت به قد ظن ظنك من لخم وغسان حتى إذا خفته فارقت منزله من بعد ما قيل عمران بن حطان حتى أردت بي العظمى فأدركني ما أدرك الناس من خوف ابن مروان فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له في النائبات خطوب ذات ألوان يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني لو كنت مستغفراً يوماً لطاغية كنت المقدم في سر وإعلان لكن أبت لي آيات مطهرة عند التلاوة في طه وعمران سأكتفي بهذا عن قضية عمران بن حطان ، لكن هناك قضية مهمة تناسب روح العصر، وقد وقع هذا حتى لبعض المفسرين المعاصرين، ولا أريد أن أسمي أحداً، أحياناً الناس إذا جاءوا ينتقدون فإنه يجب عليهم أن ينتقدوا بآلة شرعية، فهدم الباطل يكون بالحق ولا يكون بالباطل، عمران هنا يقول: لو كنت مستغفراً يوماً لطاغية كنت المقدم في سر وإعلان يقول: إن هؤلاء الحكام عبد الملك بن مروان وأمثاله طغاة، فأنا لو كنت أجاملهم في القول وأداهنهم فيما يفعلون: كنت المقدم في سر وإعلان، لكن الذي منعني من أن أستغفر لهم -بمعنى: أن أمدحهم بما ليس فيهم، وأن أتقرب إليهم- أنهم طغاة إلى غير ذلك، لكن كما قال: لكن أبت لي آيات مطهرة عند التلاوة في طه وعمران يقصد: أن آيات القرآن تمنعه من مداهنة هؤلاء الطغاة، ونسي أن آيات القرآن تمنعه من الخروج على الحكام، لكن الذي يمشي في خطى العلم يمشي متجرداً، فيجعل القرآن والسنة مهيمنة عليه، حاكمة له في سائر أمره، لا ينتقي منها ما يناسبه ويقوله، ويأتي إلى ما لا يناسبه فيخفيه، وطبعاً هو لا يستطيع أن يرده؛ لأن رده كفر، لكن هو لا يرده وإنما يسكت عنه، والسكوت هنا شاء أم أبى نوع من الردة، ليس الردة عن الإسلام بل الردة له، بمعنى: أن الإنسان العاقل يجعل القرآن حاكماً مهيمناً عليه، ولهذا فهذه الأبيات التي يقرأها إنسان حدث في العلم؛ لأنه قد يشيب الإنسان وهو على الفسق، ثم يمن الله عليه بالالتزام والإيمان، فيبقى حدثاً في العلم صغيراً، ولو كان فوق الأربعين، فيقول: لو كنت مستغفراً يوماً لطاغية كنت المقدم في سر وإعلان لكن أبت لي آيات مطهرة حين التلاوة في طه وعمران هذه الأبيات تغري قائلها، لكن الإنسان إذا فقه أن قائل هذه الأبيات يقول نثراً: إن قتل علي بن أبي طالب لم يبق لـعبد الرحمن بن ملجم من ذنب، فقد خلص من ذنوبه لقتله علياً ، وهذا ليس رداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم، بل رد للدين كله؛ لأن الله جل وعلا ترضى على علي وإخوانه من الصحابة، قال الله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، والله يقول في الآية هذه: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:18]، ولو لم يقل الله: إنه يعلم ما في قلوبهم لعرف أنه يعلم ما في قلوبهم، لكن الله قال: (فعلم ما في قلوبهم)، وعلي بالإجماع ممن بايع تحت الشجرة، وشهد بدراً، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (علي في الجنة)، فهل يكون قتل رجل مشهود له بالجنة حاتاً الذنوب! هذا لا يمكن أن يقبل ولا يعقل، لكن النظر الجزئي وتغليب الهوى هو الذي أضر بالكثير من المسلمين عبر التاريخ الإسلامي الممتد قديماً وحديثاً. أرجو أن يكون في هذا نفع وإن كنت خرجت عن مضمون الآية. قال تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4]، ثم قال الله: ذَلِكُمْ [الأحزاب:4]، هنا يعود اسم الإشارة على الثلاث وهو قول الجمهور؛ على مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ، والأزواج، والأدعياء، ولا نقول بهذا؛ لأن الأول عندنا لم يقل به أحد، وإنما أراد الله أن يجعله توطئة، لكن مقصود الله: ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [الأحزاب:4]، يعود على من ظاهر، وعلى من تبنى، ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ، والتعبير بالأفواه فيه كناية على أنه لا يلامس الواقع ولا يطابق الحق، ولا يمكن أن يبنى عليه حكم شرعي، قال الله بعدها: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4]، هذه إعادة لنفس الأسلوب، الأسلوب الأول: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ تمهيد لما بعده، ثم يوطن الله القلوب لتسمع كلامه فيقول: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، والآن عندما هدم الله الأعراف القرشية، لابد أن يأتي بالبديل، أما أن تهدم بيتي ثم تقول: لا تسكن هنا، فسيكون السؤال: أين أسكن؟ فالله جل وعلا هدم الأعراف ثم مهد بقوله: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ، وهنا تشرئب أعناق المؤمنين، ما الحق يا ربنا في هذه القضية؟! ما السبيل الواضح في هذه القضية؟ جاءت الآية محكمة بعده: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، وقد نبهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية -كما في الصحيحين- قال: (أنت زيد بن حارثة بن شراحيل)، فسماه ونسبه إلى أبيه، قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ [الأحزاب:5]، وهذا قد يقع؛ فنادوهم بأخوة الدين: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، والأخوة في الدين أعظم من أخوة النسب. |
|
09-05-17, 02:36 AM | #13 |
تفسير قوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به... وكان الله غفوراً رحيماً)
ثم قال الله: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، جعلها بعض أهل العلم عائدة إلى نفس القضية فوقعوا في إشكال لا يمكن الخروج منه؛ لأن الخطأ لا يسمى خطأ إلا إذا كان ورد نهي فيه، ومن قبل لم يكن هناك نهي، فلا يستقيم تخريجهم، ولذلك لم يستطيعوا أن يخرجوا من هذا الأمر الذي أوقعوا أنفسهم فيه، والصواب أن يقال: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ هذا تقرير عام، يخبر الله جل وعلا أن الإنسان إذا أخطأ أو جهل أو نسي: كمن نادى أحداً ونسبه إلى غير أبيه من غير قصد فلا إثم عليه، وليس عليه جناح بتعبير القرآن، لكن إذا تعمد فهذا الذي قال الله فيه: وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ، وهذان الوصفان ينطبقان على كل الأحكام الشرعية: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5] وهذا تمهيد؛ لأنها سياقات تدل على أن الله جل وعلا يأتي أحياناً بالتغليظ، ثم يأتي بهذا الوصف لذاته العلية، حتى يكون هناك فتح لباب التوبة لمن يقرع ويزجر بالقرآن. بقيت مسألة صرفية قبل أن أنهي اللقاء: وهي قول الله جل وعلا: ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ [الأحزاب:4]، فأفواه: جمع بالرفع لفوه، مثل سوق وأسواق، وهي لغة البصريين، ومفردها: فم، يقول أصحاب الصناعة الصرفية -وأنا أقولها لكم غير مقتنع بها، فالصرفيون بالاستقراء من أشد خلق الله من العلماء تكلفاً عفا الله عنا وعنهم- يقولون: إن كلمة فم أصلها: فوه، يقولون: إن الهاء حذفت لخفائها، يعني: أنها لا تظهر في الخطاب بقوة، جاءت في الأخير فحذفت، فبقيت الفاء والواو، فقالوا: إن الواو حذفها العرب لاعتلالها، فبقينا في الفاء لوحدها، قالوا: فعوضوا عن الهاء المحذوفة لخفائها والواو المحذوفة لاعتلالها عوضت عنها العرب بالميم لقربها من مخرج الفاء، وهي حروف شفهية تخرج من الشفه، هم يقولون: إن هذا أصل، ومعنى كلامهم هذا -وهو الذي جعلنا ننقضه- أن هذا الطور حدث واضح، يعني: أنها في لغة العرب حدثت هكذا، فبدءوا يتكلمون (فوه) ثم حذفوا الهاء فقالوا: (فو) ثم حذفوا الواو، فمروا بأطوار، واللغة تنمو ولها أطوار نوافقهم في هذا، لكن هذا التكلف يحتاج إلى إثبات ولا سبيل إلى إثباته، وقد قامت مدارس وخاصة مما يتعلق بمذهب الظاهرية في الأندلس على النحو جملة وعلى الصرف عامة تنفي أن يكون هذه الأطوار قد مرت بها لغة العرب، وليس هذا مقام تفصيل لكنه كلام أكاديمي محض، لكنني أتكلم بالمقدار الذي يتناسب مع ما نحن فيه من قول الله جل وعلا: ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:4-5]، أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ أي: هو العدل الذي يجب أن تمضوا عليه وتسيروا إليه. وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [الأحزاب:5] وجناح: كلمة تعبر في القرآن عن رفع الإثم: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:5]. |
|
09-05-17, 02:37 AM | #14 |
تفسير قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم... كان ذلك في الكتاب مسطوراً)
ثم قال الله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:6]، نأخذ صدر الآية بما يتناسب مع الوقت، يقول أهل التفسير: إن زيداً أصابته وحشة، فأنزل الله: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وهذا ممكن أن ندرج قضية زيد فيه، لكن لا أظنه سبباً في النزول، فـزيد عوض بأن ذكر اسمه صريحاً، لكن الآية في مجملها واضح معناها: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، السؤال الذي يفرض هنا: لماذا النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ لأن نفسك قد تجرك إلى الهلاك وتدعوك إلى ما فيه هلاكك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن له أن يسوقك إلى ما فيه هلاكك، ولأجل هذا قال الله جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، كما أن الآية من غير هذا السياق الإيماني يؤخذ منها سياق فقهي، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على من مات وعليه دين، ويقول: (صلوا على صاحبكم)، وهذا في أول أيام المجتمع المدني، فلما فتح الله جل وعلا على نبيه بعض الغنائم، كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أولى بالميت المسلم، من كان عليه دين فعلي قضاؤه)، فتصبح الآية يفهم منها ضمناً: أنها نسخت حكماً فقهياً كان موجوداً في أول الإسلام وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يصلي على من مات وعليه دين، ثم بعد ذلك في قول الله جل وعلا: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ دينياً ودنيوياً، فدنيوياً يمثله: قضاء ديونهم، ودينياً يمثله: النصح والإرشاد الذي قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالة ربه لأمته قال: (وأنا آخذ بحجزكم عن النار)، فإنه صلى الله عليه وسلم أولى بنا من أنفسنا، ومن كان أولى بنا من أنفسنا لا يقدم على حقه حق إلا حق الله تبارك وتعالى، ولا تعارض بين حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالجملة: فحق النبي صلى الله عليه وسلم مندرج في حق الله. قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثم قال الله: وَأَزْوَاجُهُ أي: أمهات المؤمنين: أُمَّهَاتُهُمْ ، هذه الآية قد تحتاج إلى تفصيل أكثر، لكن نقول من حيث الإجمال: إن أمهات المؤمنين أمهات لنا في مسألة أننا نحترمهن ونجلهن، وأنه لا يجوز لأحد أن يتزوج إحدى أمهات المؤمنين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها في الإرث وفي الحرمة وفي الخلوة كالأجنبيات تماماً، بل إن حقهن أعظم لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الفقهاء اختلفوا فيمن كانت زوجة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها، كالمستعيذة التي قالت: أعوذ بالله منك، فطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لم يدخل بها، فهي زوجته باعتبار أنه عقد عليها ولم يدخل بها، ثم بعد ذلك في أيام عمر تزوجها رجل يقال له الأشعث بن قيس ، فهم عمر -فيما يقولون ويروون- أن يرجمها، فقالت: ولم؟ -تستنكر- فأنا لم يضرب علي حجاب، ولم أسم للمؤمنين أماً، يعني: لم يقل لي: أم المؤمنين، فيقولون -أي: الرواة- إن عمر تركها، وهذا فيما يبدو فقهياً أليق، ولكن الإشكال عند البعض الآخرين: أن قول الله جل وعلا: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ يدخل فيه حتى من طلقها؛ باعتبار العقد، فقد أصبحت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم والعلم عند الله. هذا تحرير المسألة ابتداء، وسنكمل إن شاء الله تعالى في اللقاء القادم ما يمكن أن نتأمله في هذه الآيات المباركات. هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله. |
|
10-05-17, 05:40 AM | #15 |
تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم... وأعد للكافرين عذاباً أليماً)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه أولى الحلقات التي نسجلها في شهر شوال بعد قضاء شهر رمضان بحمد من الله وفضل، وكنا قد تحدثنا في اللقاءات التي سلفت عن سورة الأحزاب، وانتهينا إلى قول ربنا تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الأحزاب:7-8]. الله جل وعلا في هذه الآية عد خمسة من الرسل، رغم أننا نعلم أن الأنبياء والمرسلين جمع غفير، لكن العلماء فهموا من هذه الآية والآية الأخرى التي في سورة الشورى أن هؤلاء الخمسة من الأنبياء الذين نص الله على ذكرهم دون غيرهم جعلوها قرينة على أنهم أولوا العزم من الرسل، فجمهور أهل العلم على أن أولي العزم من الرسل خمسة: نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم حسب ظهورهم الزمني: نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى بن مريم، ثم نبينا صلى الله عليه وسلم. أما ترتيبهم في القرآن فقد جاء على النحو التالي: قال الله جل وعلا في السورة التي بين أيدينا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ -هذا إجمال- ومِنْكَ [الأحزاب:7]، فبدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عددهم فقال: وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى [الأحزاب:7]، حسب ترتيبهم الزمني. لكنه في آية سورة الشورى قال جل جلاله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى:13]، فبدأ بنوح، فلماذا قدم نوحاً في آية الشورى، وقدم محمداً صلى الله عليه وسلم في آية الأحزاب؟ والعلم أن يوجد إشكال ثم نحاول أن نجيب عن هذا الإشكال، فنقول: قدم نوحاً في آية الشورى؛ لأن الحديث كان عن العقيدة والدين، والعقيدة والدين من حيث الجملة أولى من الأشخاص، فقدم أول من بعث بالدين وأرسل به وهو نوح عليه الصلاة والسلام، والمعتقد والدين باقيان بخلاف من يحمل الدين من الأنبياء والمرسلين والصالحين فإنهم غير باقين؛ ولهذا قال الله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]. أما آية الأحزاب التي نحن بصدد الحديث عنها فليس فيها حديث عن المعتقد والدين، وإنما فيها ما أخذ الله من ميثاق على النبيين، فبدأ الله جل وعلا بنبينا صلى الله عليه وسلم فقال: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]. كذلك اختلف العلماء في ماهية الميثاق: فبعض أهل الفضل من العلماء يحصره في آية آل عمران، في قول الله تبارك وتعالى لما ذكر أنه أخذ على الأنبياء والمرسلين: لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران:81]، ونحن نعتقد أن هذا الحصر غير صواب؛ لأنه أخرج منه النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يخاطب بنصرة نفسه، لكن المقصود بالميثاق فيما نحسب وعليه أكثر أهل العلم: كل الدين، وجميع ما بعث الله جل وعلا به أنبيائه ورسله من صحة المعتقد وكمال الشرائع، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، ووصف الله جل وعلا هذا الميثاق بأنه غليظ؛ لأنه محتوٍ على أعظم ما يتعبد الله جل وعلا به وهو توحيده تبارك وتعالى. ثم قال الله: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ [الأحزاب:8]، واللام هنا عند النحاة: لام كي؛ أي: لكي يسأل جل وعلا الصادقين عن صدقهم، والصدق مع الله جل وعلا أعظم طرائق القربى منه، قال الله جل وعلا في سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، وقال الله جل وعلا في خاتمة سورة المائدة: قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119]، والصدق مع الله جل وعلا أعظم وسائل القربى منه تبارك وتعالى، ليسأل الصادقين عن صدقهم، ولما كان أهل الكفر ليس لهم مع ربهم إلا التكذيب فليس لهم عنده إلا العذاب الأليم، قال الله جل وعلا: وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الأحزاب:8]، هذا كله يخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين له المواثيق التي أخذها الله جل وعلا عليه. |
|
11-05-17, 03:09 AM | #16 |
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم... وتظنون بالله الظنونا)
ثم انتقلت الآيات إلى الحديث عن معركة الأحزاب، وكنا قد بينا في أول دروسنا حول سورة الأحزاب إجمالاً وتاريخياً هذه الغزوة، والآن نذكر التفاصيل: قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [الأحزاب:9]، مهما بلغ تدبرنا للقرآن ويقيننا به وإيماننا به فلن يبلغ مرحلة ما كان عليه الصحابة من استشعار تلك النعمة؛ لأنهم خاضوها عياناً، ورأوا هول الأمر وشدته وكربته وعظيم الخطب، فعندما ينزل القرآن بعد أن كفى الله المؤمنين القتال، وأجلي الكفار إلى ديارهم، قال الله: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا [الأحزاب:25] كما سيأتي، يجد المؤمنون الفرحة والغبطة والنعمة، فعندما تأتي الآية تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا -وهذا نداء كرامة- اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [الأحزاب:9]، يكون تذكيرهم بنعمة الله واقعاً في محله؛ لأنهم عاشوا هذا الكرب، وعاشوا كيف أجلاه الله تبارك وتعالى عنهم. قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ [الأحزاب:9]، هذه ظرفية لا تحدد بزمن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ [الأحزاب:9]، وهم الأحزاب، قريش ومن وافقها في حرب النبي صلى الله عليه وسلم من الأحابيش ومن غطفان ومن بعض أهل نجد وغيرهم من قبائل العرب مع تآمر اليهود، كل أولئك أرادوا محاربة النبي صلى الله عليه وسلم واستئصال الإسلام في المدينة، فقال الله عز وجل للصالحين من عباده، والصحابة في المقام الأول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا [الأحزاب:9]، والجنود الثانية -أيها المبارك- غير الجنود الأولى، فالجنود الأولى: جنود الأحزاب، أما الجنود التي لم تر فهي منصرفة إلى الملائكة في أكثر أقوال أهل العلم، قال الله تبارك وتعالى: إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا [الأحزاب:9]. وقد ذهب مجاهد وهو أحد المفسرين: إلى أن الريح هنا: ريح الصبا، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)، ومن حيث الصناعة اللغوية -أيها المبارك- فالصبا ريح تقابلها الدبور، لكن الصبا بالكسر مرحلة من مراحل وأطوار العمر، أما الصبا فهي ريح نصر بها النبي صلى الله عليه وسلم. وأنت لو تصورت الحال آنذاك لوجدت أن الخندق هو الذي كان يفصل بين النبي صلى الله عليه وسلم والأحزاب، ومع ذلك فهذه الريح التي هي الصبا من كونها معجزة له صلى الله عليه وسلم كانت تضر خصومه ولا تضر أصحابه، رغم أنه وأصحابه قريبون منها عليه الصلاة والسلام، فليس بينهم وبين قريش ومن معها إلا عرض الخندق، ومع ذلك كانت تلك الريح فيها من الإفساد لأهل الإشراك وليس فيها من الضرر لأهل الإيمان، فإن قلبت الطرف أو الفكر في سبب هذا فتذكر قول الله جل وعلا: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ [الكهف:17]، فالله جل وعلا على كل شيء قدير. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [الأحزاب:9] قلنا: أجلاء أهل التفسير على أنهم: الملائكة، وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9]، ثم قال الله: إِذْ جَاءُوكُمْ [الأحزاب:10]، (إن) هذه بدل من إذ الأولى، أو تخصيص لها، إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ -أي من فوق الوادي- وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب:10] أي: من أسفل الوادي، نجد المدينة من جهة الشرق، ومكة ومن حولها بالنسبة للمدينة يأتونها من الجنوب، لكن يأتونها من جهة الغرب، ففريق الهجرة الآن يتجه غرباً، والذي يعنينا أن قريشاً والأحادبيش ومن معهم كان لهم طريق يأتون منه إلى المدينة، ونجد وعيينة بن حصن وغطفان وغيرهما كان لهم طريق آخر، فاجتمعوا جميعاً في الشمال الغربي للمدينة، لكن قبل ذلك كانت قريش أقرب إلى غرب الوادي، وعيينة بن حصن ومن معه كانوا إلى شمال شرق الوادي أقرب، فلهذا قال الله: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب:10]، وهذا كله حول جبل سلع إن كنت قد قدمت المدينة، فالخندق مكانه إلى الشمال الغربي من جبل سلع، والمدينة غنية بالجبال، فجبل سلع لم يرد فيه أثر يحمد فيه أو يذم. وأما أحد فجبل ورد المدح فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (أحد جبل يحبنا ونحبه)وارتقاه صلى الله عليه وسلم، وجبل عير في جنوب المدينة، حد له واشتهر بين العامة أنه جبل من جبال النار، لكن لم يثبت في هذا حديث، والذي يحفظ المدينة بحفظ الله من الشرق والغرب الحرتان المعروفة: باللابتين، وقد ورد معكم في الحديث: (والله ما بين لابتيها) أي: حرتيها، الشرقية والغربية. والحرة الشرقية إذا استقبلتها وجعلت الغرب وراءك تستقبل طلوع الشمس، هنا أستطرد قليلاً، موقعة الحرة التي وقعت في زمن يزيد بن معاوية كانت المدينة محصنة، وكان سكان آل المدينة آنذاك تحصنوا حتى لا يقتحم جيش مسلم المري عليهم، فبقيت ثغرة جهة الشرق، فجاء رجل مسلط غير موفق فسلط جيش يزيد جيش مسلم بن عقبة المري على هذه الثغرة من جهة الشرق، وقال له: ائت أهل المدينة مع طلوع الشمس، فإذا بالجيش جاء أهل المدينة من جهة الشرق، فسيصبح على أهل المدينة حتى يواجهوه أن يستقبلوا الشمس، فإذا استقبلوا الشمس حال طلوعها أثرت في أعينهم، فلا يستطيعون أن يروا العدو، وإنما يرون الرماح والسيوف تتلألأ في أيديهم، فيزدادون رعباً وخوفاً؛ لأن الشمس تظهر السيف أشد مما هو فيه، وتظهر الرمح أشد حداً مما هو عليه، وفي نفس الوقت لا يبصرون العدو ولا يميزونه؛ لأن الشمس في أعينهم، كحالك الآن لو جلست في مكاني ونظرت في هذا المصباح، ولو تأملت النظر فيه وأدمنت النظر فيه لتعطلت منافعك بعينيك، فكذلك أهل المدينة في موقعة الحرة كانوا يستقبلون الشمس، في حين أن خصومهم كانت الشمس وراء ظهرهم لا تبغيهم؛ لأنهم ما داموا قد أتوا من جهة المشرق فسيستقبلون المغرب، ومعلوم أنه تكون في المغرب شمس؛ لأنها خلف أظهرهم، هذا المقصود من المكر والخديعة في الحروب. أما هنا في موقعة الأحزاب فلم يكن للقرشيين ولا من معهم أن يأتوا من جهة اللابتين، فقد كانت محصنة، فما بقيت إلا ثغرة في جهة الشمال الغربي وهي التي حفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها الخندق، قال الله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10]، فالله جل وعلا هنا يصور هول الأمر، في أن الأبصار أصبحت لا ترى إلا العدو، فقد مالت عن كل شيء إلا عدوها، ومعلوم أن القلب لا يمكن أن يتحرك من مكانه ويصل إلى الحلق، فطبياً هو مكانه جسدياً، لكنها كناية عن شدة الهلع والخوف. ثم قال الله جل وعلا: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10]، ويتساءل المرء ما هي الظنون التي ظنت؟ الناس -يا بني- حسب إيمانهم يكون ظنهم، فأهل النفاق وضعفاء الإيمان كان ظنهم بالله ظن السوء، وأما أهل الإيمان والتقوى فكان ظنهم بالله ظناً حسناً، لكن لا يمنع أن يأتي إنسان من أهل الإيمان فيخاف على نفسه من معصية كانت فيه أن يخذله الله بتلك المعصية؛ لأن الله لا ملزم عليه، يعني: لا يمانع أن يكون هناك مؤمن ويخشى من معصية أن يخذله الله جل وعلا ويحاسبه بتلك المعصية، هذا ظن زيادة على ظن أهل النفاق بالسوء وظن أهل الإيمان القوي بالتقوى، بنصرة الله لهم، وقد يأتي ظن الرابع: وهو أن المؤمنين الذين على يقين وإيمان ربما ظنوا أن الله جل وعلا أجل نصرهم، وابتلاهم بأن يقتلوا، وليس هذا ببعيد، فإنه ليس لزاماً أن ينصر نفس الجيل، فهذه كلها ظنون مجتمعة، أحياناً بحسب التقسيم العام، وأحياناً بحسب تقسيم الأفراد، فكلها كانت موجودة حال غزوة الأحزاب وتآمرهم على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
|
13-05-17, 12:10 AM | #17 |
تفسير قوله تعالى: (هنالك ابتلي المؤمنون... ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)
قال الله جل وعلا بعد ذلك: هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11]، وحسبك بزلزال يقول عنه رب العالمين أنه ابتلاء وأنه زلزال شديد، حتى تعلم أن الأصحاب رضي الله عنهم وأرضاهم وجدوا عظيم المشقة في تبليغ دين الله، وصبروا على ما لم يصبر عليه إلا ما لا يصبر عليه إلا أمثالهم من أقوياء الإيمان، وأنهم نقلوا الدين بعد أن فدوا الإيمان بالمهج وبالمال، ونصروا الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم أيما نصر. ثم قال الله جل وعلا يبين أحوال الناس في تلك الحالة التي أحاطت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، الواو في قوله جل وعلا: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا [الأحزاب:12]، واو عطف، ومن قواعد اللغة: أن العطف يقتضي المغايرة، بمعنى: أن المعطوف غير المعطوف عليه، فعندما نقول: العطف يقتضي المغايرة بمعنى أن الأصل أن المعطوف غير المعطوف عليه. الله يقول: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الأحزاب:12]، السؤال هنا: هل المغايرة هنا في الذوات أم في الصفة؟ إذا قلنا: إن الواو هنا تقتضي المغايرة في الذوات يصبح معنا فريقان: منافقون وفي قلوبهم مرض، فالمنافقون هم من أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، ومن في قلوبهم مرض: هم من في قلوبهم شك وريب وحسد، وغيرها من أمراض القلوب، لكن لم يصلوا إلى مرحلة النفاق، لكنهم مهيئون لأن يصلوا إليه، هذا التغاير تغاير في في الذوات. الحالة الثانية: أن يكون التغاير في الصفات، فيصبح الله جل وعلا يتكلم عن طائفة واحدة، في هذه الطائفة اجتمعت صفتان، صفة النفاق، وصفة مرض القلوب، فتصبح الواو واو عطف بالاتفاق، والعطف للمغايرة، لكن المقصود هنا: التغاير بالصفات لا التغاير في الذوات، وبكل قال العلماء، والآيات تحتمل الوجهين. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ -ماذا قولوا:- مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، يقال: إن الذي قال هذا رجل يقال له: أوس بن قيضي ، ومن العجب أن هذا الرجل أنجب ابناً حتى تعلم أن الله يقول: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95]، أنجب ابناً بعد ذلك اسمه عرابة ، وعرابة هذا بلغ شأواً بعيداً في المجد والكرم والفضل ونفع الناس، بخلاف أبيه، حتى قال فيه الشاعر: رأيت عرابة الأوسي يسعى إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين المقصود: أن هذا الرجل الذي قال: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، أنجب ابناً بلغ في المجد شأواً بعيداً، ومن هنا يعلم أنه أحياناً يجتهد الأب والوالد في تربية ابنه فيكون الابن بخلاف ما يريده أبوه، وقد يكون أب لا يعطي ابنه من الرعاية والعناية والتأديب شيئاً فيأتي الولد بخلاف ما ظن أبوه، فيصبح من المسابقين في الخيرات، المنافسين في الطاعات، وقد -وهو الغالب- يحرص الأب على تربية ابنه وتعهده ورعايته فيقر الله عيني الأب بصلاح الابن، وقد يقع أن أباً يهمل ابنه ولا يرعاه ولا يتعهده فيقع الابن ضائعاً؛ لأنه لم يجد أحداً يتعهده، وقد قيل: وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبت ينبت في ثلاث وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات الآن النبت الذي في الشوارع، أو في الصحاري الذي لا يتعاهده أحد لا يمكن أن يكون كالنبت الذي يعنى به ويهذب ويشذب ويسقى حيناً بعد حين، هذا معنى قول الشاعر : وليس النبت ينبت في جنان ( أي في حدائق) كمثل النبت ينبت في ثلاث وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات نقول: نعم يرجى؛ لأن الله جل وعلا أخرج من ظهر آزر وهو من أكفر الكفرة إبراهيم، وأخرج من ظهر نوح وهو شيخ المرسلين ابنه كنعان وهو من أكفر الكافرين، لكن التوفيق بيد الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، الغرور: إظهار المكروه بصورة الشيء المحبوب، والذي دفعهم إلى هذه المقولة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يداهم الكفار المدينة أخذ صخرة فكان صلى الله عليه وسلم بعد أن يضربها ثلاث ضربات يكبر، ويقول: (الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، وأعطيت مفاتيح أبواب صنعاء، وقصور الشام)، فأخبر بها صلى الله عليه وسلم كلها. فهذا الوعد منه صلى الله عليه وسلم زرع التفاؤل في قلوب أصحابه، فلما داهمهم الأحزاب وضاق عليهم الأمر، ولم يستطع أحدهم أن يذهب ليقضي حاجته قال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]. |
|
13-05-17, 12:11 AM | #18 |
معجزة شاهدة على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم تكتشف في عصرنا الحاضر
فإذا ذكرنا استطراداً قضية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر قصور صنعاء من مكاني هذا). فإن مما أثبته العلم الحديث حالياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في كثير من الآثار بعث رجلاً إلى اليمن وقال له: (اذهب إلى أصل حديقة غمدان) وأخبره عن القبلة فقال صلى الله عليه وسلم: (فاستقبل بها جبل ضين) سمى له جبلاً، وضع كذا عن يسارك صخرة وصخرة كذا عن يمينك، فذهب الرجل -وهذا في زمن النبوة- ووصل إلى صنعاء وأتى إلى الحديقة التي في أصل جبل غمدان، وجاء إلى الجبل الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم واستقبله وأتى للصخرات من جهة يمينه وشماله وهو واقف يستقبل القبلة وحددها وبنى المسجد، فإلى الآن والأمر لا جديد فيه، في هذا العصر الحديث، في عصر الإعجاز العلمي ظهر ما يعرف بالأقمار الاصطناعية التي تصور، وظهرت شبكات الإنترنت، وظهرت المواقع التي تصور الحدود والأماكن، ومعلوم أن هذه الآلة ليس لها علاقة بالمعتقد، وإنما مبرمج فيها حسب الأقمار الصناعية، وحسب تحريك الأصابع، فلو حركها مؤمن أو حركها ملحد فالنتيجة واحدة؛ لأنه لا علاقة لها بالمعتقد، وجيء إلى هذا المسجد -وهذا صنعه الشيخ عبد المجيد الزنداني - وأخرج سهماً من قبلته ثم حسب البرمجة العالمية وفق خطوط الطول والعرض، ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحد يعرف خطوط الطول والعرض، أخرج هذا السهم ليبرر علمياً أين ينتهي السهم؟ فخرج السهم مستقيماً من ذلك المسجد الذي بني في عهد النبوة حتى اخترق الجبل هذا الذي استقبله الصحابي بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: مر من بينه حتى وصل إلى مكة، ثم مضى بالسهم والناس تنظر في حفل أقيم في الكويت، والسهم هذا تلقائي، ثم أتى المسجد الحرام فاخترقه، ثم أتى الكعبة وانتهى السهم إلى ما بين الركنين، ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، وهذه معجزة نصر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان، ونحن نعلم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، لكن بلا شك أن مثل هذا وظهوره في هذا الزمن يزيدنا إيماناً ويقيناً على الإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم، فنقول: كما قال الله كما سيأتي: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22]، فنحن لو كنا نتأمل حق اليقين فيما حولنا كل يوم ازددنا إيماناً، وكل ما حولنا يزيدنا قناعة وإيماناً، سواء كانت أحداثاً تجري، أو معالم ورواسي ثابتة أو قرآناً نتلوه، أو سنة نقرؤها، كل ذلك يدل على أن لا رب غير الله، ولا إله سواه، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، مصدوق فيما يقال له صلوات الله وسلامه عليه، هؤلاء المنافقون الذين ذكرهم الله جل وعلا هنا وقعوا في أول ابتلاء وامتحان فارتدوا عن دينهم؛ لأن الإيمان أصلاً لم يدخل قلوبهم، قال الله جل وعلا: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، وقلنا: إن الذي دفعهم إلى هذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم مناهم بفتح فارس أو الشام واليمن، ثم عجز أحدهم أن يذهب ليقضي حاجته؛ لأنهم كانوا ينظرون إلى أن المسألة مسألة وقتية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: إني في معركتي هذه، أو في أيامي هذه ستفتح لكم الشام وفارس وصنعاء، بل هو أمر تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحدده، ثم ما لبث الله جل وعلا أن أفاء عليهم في خلافة الصديق وخلافة الفاروق بأن دخلوا أكثر مدن فارس وأكثر مدن الروم، بل صارت اليمن كلها في حوزة المسلمين وفي خلافتهم، كما وعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله. وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
16-05-17, 10:50 AM | #19 |
24-05-17, 06:02 PM | #20 |
|
|