روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
20-12-16, 05:40 PM | #111 |
🕋تفسير قوله تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها )
قال الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] هذه واحدة من أربع خصال شرف الله بها آدم، فقد علمه أسماء كل شيء، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وهذه لم تجتمع لأحد. وآدم هو أبو البشر عليه السلام، وهو نبي مكلم كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ [البقرة:31] أي: الأسماء عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ [البقرة:31] قال الشنقيطي رحمه الله في التفسير: المقصود: المسميات. إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ [البقرة:31-32] وهذا من أدب الملائكة عند ربها قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] فالإنسان إذا سئل عما لا يعلم لا يضره أن يقول: لا أعلم، فقد قالت الملائكة بين يدي ربها: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] هذا حوار كان في الملأ الأعلى بين الرب جل جلاله وبين ملائكته، ويظهر فيه علم الله جل وعلا الذي يحيط بكل شيء، وعجز علم المخلوقين ولو كانوا ملائكة مقربين، وهذه أشياء ظاهرة لا تحتاج إلى تعليق أكثر من هذا. |
|
20-12-16, 05:41 PM | #112 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ...)
قال الله جل وعلا: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]. الله جل وعلا يمن على من يشاء بفضله، أمر ملكاً من الملائكة أن يقبض قبضة من الأرض، وهذه القبضة مزجت بطين، ثم خلق منها آدم، ثم نفخ الله جل وعلا في آدم فدبت فيه الروح، ثم أمر الله جل وعلا الملائكة بالسجود له. والأمر بالسجود له أمر رباني، والملائكة كلهم سجدوا طاعة لله وتحية لآدم، وليس السجود لآدم عبادة له، فنحن مثلاً في الصلاة نسجد تجاه القبلة فنحن لا نعبد الكعبة وإنما نتعبد الله بالسجود إلى جهة الكعبة، ونرفع أيدينا إلى السماء ونحن لا نعبد السماء لكن نتعبد الله برفع أيدينا إلى السماء؛ لأن ربنا في السماء، فسجدت الملائكة إجلالاً لله وإكراماً لآدم. وكان إبليس وقتها يغدو ويروح مع الملائكة، هذا الذي يدل عليه ظاهر القرآن ولم يكن من الملائكة، يعني: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين، وقد بينا في سورة الكهف القرائن والأدلة على أنه ليس من الملائكة، فقد عصى والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، وهو مخلوق من نار، والله جل وعلا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مخلوقون من نور، وقد قال الله في القرآن: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف:50]. ولما أمر الله الملائكة بالسجود امتنع إبليس، والسبب في المنع القياس: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، فجعل إبليس المخلوق من عنصر النار أفضل من المخلوق من عنصر الطين، فأدخل القياس مقابل النص، ومن هنا أخذ الأصوليون: أن القياس إذا عارض النص يسمى قياساً فاسد الاعتبار، فلو سلمنا جدلياً أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين فلا سبيل إلى أن نرد نصاً وهو قوله: (اسْجُدُوا) بهذا القياس. والخلف في النص والإجماع دعا فاسد الاعتبار كل من وعى يعني: كل من وعى من العلماء، دعا يعني: سمى مخالفة النص والإجماع قياساً فاسد الاعتبار، وأول من اتخذه طريقاً إبليس. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34] أبى: امتنع، واستكبر: دخله الكبر، والكبر أول ذنب عصي الله جل وعلا به، تلبس به إبليس فاستكبر، كما تلبس آدم بالحرص فأكل من الشجرة، وكما تلبس قابيل بالحسد فقتل أخاه، مع الفوارق في الذنوب، فكل ذنب عصي الله به مرده إلى أحد هذه الثلاث: إما الكبر، وإما الحرص، وإما الحسد، قال ابن القيم رحمه الله: أصول الخطايا ثلاثة: الكبر والحرص والحسد. |
|
20-12-16, 05:42 PM | #113 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ...)
قال الله تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]. بعد أن خلق الله جل وعلا آدم خلق منه زوجه حواء، واختلف العلماء: هل كان خلق حواء بعد دخول آدم الجنة أو قبل دخولها وهذا حررناه في سورة طه. وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا [البقرة:35] بألف التثنية الخطاب للاثنين. مِنْهَا [البقرة:35] أي: من الجنة. رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [البقرة:35] ثم جاء الابتلاء القرآني: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35] والله لم يذكر ما هي الشجرة. فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] لأنفسكما بأكلكما لها. |
|
20-12-16, 05:45 PM | #114 |
🕋تفسير قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها ...)
قال الله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ [البقرة:36] وهذا عام، وبين الله أنه وسوس لهما، وأنه قاسمهما: إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] وهذه كلها مرت معنا. فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ [البقرة:36] أي: من نعيم الجنة. وَقُلْنَا اهْبِطُوا [البقرة:36] بواو الجمع، وحررنا مسألة هل الجنة التي كان فيها آدم هي الجنة التي في السماء السابعة أو جنة في السماء الدنيا أو جنة في الأرض؟ هذا كله مر معنا. وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36] قال بعض العلماء: إن مما أهبط الحية، واحتجوا بأن الله قال: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) بقرينة أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر الحيات قال: (ما سالمناهن منذ حاربناهن) فإبليس عدو بالاتفاق، والحيات دلت السنة على عداوتها، فلا يستبعد أن تكون الحية أهبطت معهم؛ لأن المشهور عند المؤرخين أن إبليس عندما وسوس لآدم دخل الجنة في خياشيم الحية، وهذا من مليح القول لا من متين العلم، ولا يتعلق به أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب، فلا تعنف إذ لم تقبله ولا حرج عليك إن قبلته. وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة:36] أي: ما كتبه الله جل وعلا للناس أن يبقوا. |
|
20-12-16, 05:48 PM | #115 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات ...)
وهذا من أعظم الأدلة على رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة فقال: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] فآدم عليه السلام لما فاء إلى ربه وندم على ما كان منه، فالذي علمه كيف يعود هو الرب المعبود جل جلاله، وهذه الكلمات لم تتضح في سورة البقرة لكنها ظهرت في سورة الأعراف: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]، قال بعض العلماء: إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض فمن حيائه من ربه لم يرفع بصره إلى السماء. فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37] أي: ربه، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37] وقد جعل الله جل وعلا باب التوبة مفتوحاً حتى لا يأخذ أحد صورة كاملة عن نفسه قبل أن يموت، يعني: لا توجد نهاية لك تصل إليها، فالإنسان معرض للطاعة، ومعرض للمعصية (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). |
|
20-12-16, 06:16 PM | #116 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعاً ...)
ثم كرر الله الأمر فقال: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:38-39]. وهذه لها نظائر كثيرة في القرآن، مجملها يدل على أن الله جل وعلا أنزل آدم، فلما اجتالت الناس الشياطين بعد عشرة قرون من نزوله أرسل الله الرسل بدءً بنوح وختاماً بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل مع هؤلاء الرسل الهدى والنور والبيان، ثم أخبر عباده من قبل ولاحقاً أنه من آمن منهم واتبع ذلك الهدى الذي أنزله فلا خوف يعتريه عند الموت، ولا حزن ينتابه بعده، وأما من غلبت عليه شقوته وكذب ما أنزله الله واتبع هواه وأفرط على نفسه فأولئك أصحاب النار، هي مستقرهم وهم فيها خالدون، أما أهل الجنة فلهم فيها: أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25] والله جل وعلا حكم عدل، ورب ذو فضل، وهذه أمور أخبر الله جل وعلا بها لتقوم بها الحجة على عباده. |
|
20-12-16, 06:17 PM | #117 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ...)
قال الله جل وعلا: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:40] الحديث عن بني إسرائيل سيأتي إن شاء الله مستفيضاً في اللقاءات القادمة، لكن أبين هنا أن الله جل وعلا في سورة البقرة لما ذكر الطوائف الثلاث التي حررناها: وهم المؤمنون الخلص، والمنافقون، والكافرون، كان يبين أحوال معاصرة يعيشها المجتمع المدني، وحتى يهتدي الناس كان لا بد أن يتعظوا بمن سبق، فبعد أن بين الله جل وعلا حال المخاطبين ذكر لهم حال السابقين حتى يتعظوا بهم، فما أفلحوا به ونجوا بسببه أخذوا به، وما كان سبباً في هلاكهم وبعدهم عن الله تركوه. والله جل وعلا جعل الراية في قيادة البشرية راية روحية، فكل أمة حملت الدين صدرها الله جل وعلا، فصدر الله بني إسرائيل في حقبة من الدهر: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32] فلما زاغوا، وقتلوا الأنبياء، وانحرفوا عن طريق الله جل وعلا؛ سلب الله منهم هذه الراية وقيادة الناس وزمام البشرية وأعطاه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فحتى تكون هذه الأمة على بينة من أمرها وفي سيرها على طريق الله أكثر الله جل وعلا في القرآن من خبر بني إسرائيل. وقول الله جل وعلا هنا: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:40] هي أول آية وفق ترتيب المصحف الذي بين أيدينا تتحدث عن بني إسرائيل، وستأتي بعد ذلك آيات كثيرة في أحوالهم وأخبارهم مع أنبيائهم على وجه الخصوص حتى تعرف أمة محمد التي أعطاها الله قيادة البشر ما أخطأ فيه السابقون فيجتنبوه، وما ساد به السابقون فيأخذوا بزمامه، وهذا كله من دلائل قول الله في أول السورة ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، فمن هداه ما ضرب الله فيه من أمثال، وما أخبر الله فيه من أخبار، وما قص الله فيه من قصص، وما بين الله فيه من شرائع، حتى يتعظ به الحاضر والباد إلى يوم يقوم فيه الأشهاد ويحشر فيه العباد. جعلنا لله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وجعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بهذا القرآن ويعمل به، وأسأل الله لي ولكم التوفيق. هذا ما تهيأ إيراده، وأعان الله على قوله، وهو وحده الموفق والمسدد، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
20-12-16, 06:19 PM | #118 |
20-12-16, 06:20 PM | #119 |
🕋 تفسير قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ...)
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وتعالى على آلائه ونعمه، وأسأله جل وعلا المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيتجدد في هذا اللقاء التعليق والتأويل لسورة البقرة فسطاط القرآن، وقد ذكرنا: أن هذه السورة المباركة سورة شملت الكثير من الأحكام والمعارف، وشتى ما يمكن أن يتعلق بحياة المسلمين في مجتمعهم المدني؛ ذلك أنها من أوائل السور التي أنزلت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لما خاطب الأنصار يوم حنين أمر منادياً أن ينادي: يا أهل سورة البقرة؛ لأن الأنصار أهل المدينة الأولين كانوا لا يفخرون بشيء بعد إيمانهم أكثر من فخرهم بنزول هذه السورة بين ظهرانيهم في مدينتهم؛ فنسبت إليهم. وانتهينا في اللقاءات الماضية إلى قوله جل وعلا: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37] وفتح باب التوبة من أعظم الدلائل وأجل القرائن على إرادة الله بعباده الرحمة؛ لأن الله لو لم يرد بعباده الرحمة لأقفل عليهم باب التوبة، لكن وقعت المعصية من آدم عندما استزله الشيطان فكان سماع آدم للشيطان وخضوعه لقوله في جزئية الأكل من الشجرة سبباً في خروجه منها، لكن الرحمن الرحيم تداركه برحمته، قال الله جل وعلا: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:37]، وفي هذا إشعار أن الله أراد أن يرحم هذا العبد الصالح، وقد ذكر الله جل وعلا في سورة طه أنه اجتباه وهداه وغفر له؛ ولذلك لا يقال في حق آدم: عاص على إطلاق، وإنما إذا أريد أن يتحدث أحد عن آدم عليه السلام يتحدث عنه باللفظ والمقدار الذي ذكره القرآن، الأدب معه من جهتين: من جهة أنه أب لنا، فقد نسبنا الله إليه: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف:26] . والأعظم من ذلك أنه نبي، بل ونبي مكلم كما صح عن ذلك الخبر عن رسولنا صلى الله عليه وسلم. والله هنا لم يذكر ما هي الكلمات لكن العلماء قالوا: إن الكلمات هن اللواتي ذكرهن الله جل وعلا في سورة الأعراف: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا [الأعراف:23] وقول الله جل وعلا هنا: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:37] ليس فيه ذكر لحواء، لكن هي مندرجة معه، قال أهل العلم ونعم ما قالوا: إن المرأة مستورة لا تذكر إلا لحاجة، وهنا لم يذكر الله جل وعلا توبة حواء؛ لأنها تبع لآدم كما ذكره الله وحده في المعصية، فقال: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] ولم يذكر معصية حواء، وإن كانت القرائن تدل على أن آدم إنما أكل من الشجرة بمشورة من حواء، لكن المقصود أن المرأة حرمة مستورة كما قال القرطبي رحمه الله، فعلى هذا لم يذكرها الله لكن كون عدم ذكرها لفظاً لا يعني أبداً أن الله لم يقبل منها شيء، وهذا ما يدل عليه آية الأعراف: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. |
|
20-12-16, 06:21 PM | #120 |
🕋
تفسير قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعاً ..) قال الله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38] أول ما يشكل على طالب العلم هنا عندما يريد أن يتأمل هذه الآية هو أن الهبوط تكرر مرتين: تكرر قبل قليل: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، وتكرر بعد آية: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] أي: أن آية: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ جاءت فاصلاً بين ذكر الهبوط الأول والهبوط الثاني، وقد اختلف العلماء: هل الهبوط الأول هو عين الهبوط الثاني، وإنما اللفظ تكرر، أو أن الهبوط الأول غير الهبوط الثاني؟ من العلماء من يقول: إن الهبوط الأول هو هبوط من الجنة إلى السماء الدنيا، ثم جاءت آية: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) ثم جاء قول الله جل وعلا: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة:38] فقالوا: هذا الهبوط غير الهبوط الأول، فهو هبوط من السماء الدنيا إلى الأرض. لكنني أقول: إن هذا بعيد؛ لأن اللفظ جاء على هيئة جمع (اهْبِطُوا) أمر واحد، والأمر الثاني: ذكرت الأرض في الأول ولم تذكر في الثاني، ولو ذكرت في الثاني لكان هذا مسوغاً لقولهم، لكن القول الأول بعيد؛ لأن الأرض ذكرت في الهبوط الأول ولم تذكر في الهبوط الثاني، فحسن حمل الثاني على الأول، وصعب حمل الأول على الثاني. فنقول: الذي يظهر -والعلم عند الله- أن المسألة بيان لفظي وبلاغي، والمعنى: لما ذكر الله الهبوط فصل عن ذكر ما حصل لآدم بعد ذلك وكلف الله جل وعلا به نبيه بذكر التوبة على آدم؛ فلما ذكر ربنا التوبة على آدم عاد وكرر الهبوط حتى يبدأ السياق من جديد، ويؤخذ بخطام اللفظ بعد أن ترك، قال الله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى [البقرة:38] فهنا لم يذكر العداوة وذكرها في الأول اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]. وقد قلت فيما سلف: إننا نذكر أحياناً شيئاً من متين العلم يتعلق به جنة ونار، ويتعلق به حكم شرعي، ونذكر أحياناً نتفاً من مليح القول يغلب على الظن أنها مقبولة لكن لا يبنى عليها أمر عملي، لكنها تفتق الذهن وتوسع المدارك وتجعل مجالات المعرفة واسعة بين يديك، فتقيس أنت بعد ذلك الأشباه والنظائر، وسيتكرر هذا كثيراً. |
|
|
|