روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
05-09-06, 12:20 PM | #1 |
عضو ماسي
|
جنيّة القصيبي: ابتكار سرديّ أم محاولة متعثرة لذلك؟
قراءة: سعد محارب المحارب - 12/08/1427هـ
في عودة إلى النشر الأدبي أصدر غازي القصيبي "الجنية"، والتي قرر أن يصنفها في خانة الحكاية، بدلاً من الرواية، تفادياً لما وصفه المؤلف بنقد المتقعّرين، وتقعّر النقّاد، ومن جهتي أشك أن هذه المحاولة يمكن أن تفيده، خصوصاً وقد احتفظ الناشر بتصنيف العمل ضمن الرواية. والحكاية تقع في اثنين وعشرين فصلاً، يتصدر كل منها بيت أو أكثر من شعر إبراهيم ناجي –وليس المتنبي-، ويتصدرها إهداء إلى من أخفى المؤلف اسمها مكتفياً بقدرتها على القراءة، ثم سؤال شعري نصه "أيتها الجنيّة! هل أنت الحرية؟ أيتها الحرية! هل أنت جنيّة؟ قبل أن يوجّه المؤلف شكره إلى مجموعة من الأصدقاء على تزويده بمجموعة من المراجع "حول الجن والإنس"، تلاه المدخل الشعري لإبراهيم ناجي، وقد حرصتُ على تبيان هذا ليكون واضحاً أننا لسنا إزاء عمل روائي بقدر ما أننا أمام حكاية تقرب حيناً، وتبعد أحياناً، من المحكي حول الجن وعالمهم وتقاطعه مع عالم الإنسان، مما هو مودع في كتب التراث، ودارج في حكايات محلية لا تصدّق -ولا تكذّب-، وهي حكاية ترحل إلى غير المرئي ولا الخاضع لمفاهيم العلم وتفاسير النظريات وأدوات التجربة واختبارات النفي والإثبات. استشهادات علمية ومراجع إذن وعلى مستوى وضع النص ضمن سياق الإنتاج السرديّ لغازي القصيبي أرى أن مظهراً مختلفاً وحيداً هو ما جاد به المؤلف في عمله السردي الجديد ليميزه عما سبق، حيث أضاف القصيبي ثبتاً في نهاية الكتاب بما يفوق خمسين مرجعاً ما بين "مؤلفات أنثربيولوجية"، و"مؤلفات أدبية"، و"مؤلفات شرعية وفقهية"، و"مؤلفات دجل وشعوذة" –هكذا سمّاها، فضلاً عن وضع الهوامش أسفل الصفحات، ووضع مسافة بيضاء إلى الداخل في إشارة إلى الاقتباسات النصية عن الباحثين، وجميعها إجراءات تلتزم بالطرق المتبعّة في البحوث العلمية. وقد تصورتُ أن بعض العناوين المشار إليها بصفتها مراجع هي من ابتكار المؤلف، غير إني تحققت أن بعضها –على الأقل- متوفر وموجود مثل (الجنّ في أدب الجاحظ)، و(الجنّ والشياطين مع الناس)، و(الجنّ: صفاتهم وسبل الوقاية من شرهم)، و(حقيقة الجنّ والشياطين: من الكتاب والسنّة)، و(الكبريت الأحمر والسرّ الأفخر والدرّ الجوهر) –والأخير تعرض إلى تحريف ربما كان مقصوداً في عنوانه-. إلا أن السؤال هنا، وبقطع النظر عن توفر هذه المراجع أو ابتكارها –أو الخلط بين الأمرين-، هو لماذا يلجأ المؤلف وهو يكتب عملاً أدبياً إلى إجراء علمي مثل هذا بما أثقل النص وعاب مرونته وأضعف انتماءه الأدبي ونقله إلى المقالة، وربما صار من الأجدى النقاش في كون العمل مقالةً أدبية لطابعها القصصيّ أو مقالةً علمية لطابعها المعرفي، بدلاً من الجدل حول إمكان انعتاق الحكاية من الشروط الفنية للعمل الروائي. من جهتي أرى أن المخرج الوحيد هو افتراض أن هذا الإجراء ليس من عمل المؤلف، وإنما يُنسب إلى البطل، الذي هو كاتب الحكاية وباعثها إلى القرّاء، وهو كما مرّ معنا أستاذ أكاديمي متخصص في علم الإنسان، والمفترض –فنياً- أن الحكاية هي كتاب أراد نشره الدكتور "ضاري ضرغام الضبيّع"، بما يلقي عليه –وحده- مسؤولية هذا الشكل العلمي لحكايته، كما يتحمل مسؤولية مصداقية مراجعه، وبذا فإنما هذا الثقل العلمي حاصل إخلاص المؤلف في رسم شخصيته على نحو دقيق، فمن الطبيعي أن يعتمد الأستاذ الأكاديمي في كتابه على استشهادات علمية ويحيل القارئ إلى مصادرها، ولكن ماذا إذا لم يصح هذا الافتراض؟! القصيبي: هل من جديد؟! -1- ما عدا ذلك لا أرى أننا أمام أي قدر من المفاجآت، فباستثناء "شقة الحرية" الحظ أن شخصيات الأبطال في الأعمال السردية لغازي القصيبي –ما لم نقل عموم الشخصيات- تتسم بأنها نمطية أحادية البعد، تخلو من التحولات، فأنت تجد قدراً كبيراً منها –أي التحولات- في الأحداث والأزمنة والأمكنة حد التداخل، على نحو يحترّفه القصيبي، وهو الأمر الذي أراه مسؤولاً عن حالة التشويق التي تجلل أعماله السردية، غير أن هذه التحولات لا تنعكس بأي درجة على شخصيات الأبطال، فقناعاتهم وأفكارهم ناجزة قبل الصفحة الأولى، وثابتة إلى الصفحة الأخيرة، فليس هناك شخصية تفاجئ قارئ القصيبي بتحول أو تطور، وإنما تفاجئه الأحداث، وهو أمر يتكرر في "الجنية". ومرد ذلك –في تقديري- إلى ثلاثة أسباب، أولها اتخاذ القصيبي نمط استعادة الأحداث "فلاش باك" في أغلب أعماله السردية، و"الجنية" أحدها حيث يخبرنا البطل وهو في الخامسة والستين من عمره قصته التي تبدأ عندما كان في الحادية والعشرين من عمره. وثانيها أن القصيبي بدأ أعماله السردية في سن متأخرة نسبياً، ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى تصريحه بأنه كتب جزءاً من "شقة الحرية" قبل عشرين عاماً من نشرها ولذا صح استثنائها واتضح –لي على الأقل- مبرر هذا الاستثناء، والخلاصة هنا أن القصيبي وصل إلى السرد بعد أن تكونت قناعاته وصارت تامةً ومستقرّةً بما انعكس على أبطال رواياته. والسبب الثالث أن غازي القصيبي قبل ولوج أرض السرد هو شاعر وأستاذ جامعي وكاتب صحافي، وهو ما حسم لديه من وقت مبكّر تفوق أهمية التعبير عن الذات على أهمية صناعة العالم الأدبي الفني الدرامي المحيط بالذوات، على نسق ما يجري في المسرح والقصة والرواية، وهو ما قاده إلى ما يكاد يغدو تخصصاً في إبداع رواية "الترجمة الذاتية" –على حد التعبير المتخصص- وهي التي تتولى فيها شخصية رئيسة، أو ثانوية، راوية أحداث القصة للقراء مستخدمةً ضمير المتكلم، ومسقطّةً بالتالي خيارات القراءة المتعددة لما يقع من أحداث. -2- ومن السمات "القصيبية" –إذا جاز التعبير- المتكررة في "الجنية" هي الإفراط في الحوار، وهذه سمة ثانية لا يكاد يخلو منها عمل سرديّ للقصيبي، وأوشك أن أقول لا يخلو منها أي كتاب للمؤلف -غير دواوين شعره-، وفضلاً عن أن النقّاد المتخصصين في شأن الرواية والقصة –وأرى الحكاية لا تبرحهما إلى بعيد- يرون الإفراط في الحوار عيباً ظاهراً في التجربة الروائية، إلا إنني أضيف أن أزمة حوارات القصيبي عادةً أنها أسلوب بديل لكتابة البطل مقالاً مثيراً ومزدحماً بالمعلومات، ويجيء الحوار على هيئة لقاء بين البطل المدهش ومستمع مهتم ومندهش كما بين البروفيسور والدكتور سمير ثابت في "العصفورية" أو بين يعقوب المفصّخ والصحافي توفيق خليل في "أبو شلاّخ البرمائي"، وكذا يتكرر هنا في "الجنيّة" بين الدكتور ضاري والجنيّ "قنديش بن قنديشة". ولعل تساؤلاً يطوف ببال كثيرين –غيري- لماذا لا يلجأ القصيبي إلى كتابة المسرحية كما فعل في مسرحية "هما" وصنع حواراً مقتسم الدهشة والاهتمام بين "عزيز" و"عزيزة" بدل الإصرار على حشر الحوارات المطولة ضمن الرواية –أو الحكاية-، أما تساؤلي أنا فهو لماذا لا تتباين شخصيات القصيبي بدرجة أعمق في حوارها، على الرغم من أنه يبتكر شخصيات متباينة، أو على الأقل تبدو كذلك. -3- وسمة ثالثة متكررة تتمثل في كون البطل محبا رومانسيا، وقوي الحجة، وغزير الثقافة، ميّالا لاستعراض معلوماته المتنوعة، والتي ترد عادةً في صيغ علمية ونتائج إحصائية رقمية وتحليلات سطحية على نحو ما تقدّمه الأبحاث "الإمبريقية" في دراستها للظواهر الإنسانية، بما يترك القارئ أمام محاضرات متتالية لا تخلو من المتعة، وكما يحدث هذا مع ضاري في "الجنيّة" حدث من قبله مع عزيز المخرج والممثل في "هما" ومع البروفيسور في "العصفورية" وغيرهم، غير أن السؤال الوجيه هنا سيكون عن علاقة تلك المعلومات المكثّفة بالعمل الأدبي، أو بصيغة أقلّ حيادية، ما حاجة العمل الأدبي إلى هذا الاستعراض المعلوماتي؟! -4- كما يكرر المؤلف، في سمة رابعة، احتكاكه بعوالم "الميتافيزيقيا" –ما وراء الطبيعة- من خلال السحر والجنّ والشعوذة، وإن كانت المساحة اتسعت في "الجنيّة" بحكم أن البطلة من الجنّ، مع حرصه المتواصل –في هذا العمل وغيره- على تأكيد موقف البطل المؤمن حيال هذه المسألة، حيث يحرص القصيبي على الإشارة إلى معتقدّ بطله –المسلم دائماً- حيال هذه العوالم، ما لم أقل يحرص على تفصيله، لدرجة أنه ينهي أزمة ضاري الذي لبسته الجنيّة من خلال تلاوة شيخ جليل لآيات من القرآن الكريم عليهما. -5- إلى ذلك، في سمة خامسة متكررة، يروي المؤلف حكاية الحب الحالم -بين ضاري وفاطمة- التي تولد بنظرة وابتسامة وتغدو أيامها الأولى ملونة وساعاتها موسيقية وتستعين بالشعر تلويناً وعزفاً، وهو الأمر الذي يحدث في "حكاية حب"، مثلما يحدث في "مع ناجي ومعها"، ويحدث في الأيام الملونة ضمن "مائة ورقة ياسمين"، كما يحكي المؤلف عن المغامرة العاطفيّة الشيّقة مع "عائشة" التي تظهر بصيغ مختلفة لجميلات ذوات شهرة عالمية في شهر العسل الأخير، كما حكاه من قبل من مغامرات عاطفية جمعت أبطاله بذات الجميلات في أعمال سابقة. -6- والسمة السادسة، أن القصيبي يواصل التحليق بعيداً في "الجنيّة" عن أرض الواقع الاجتماعي بما يقرّبه إلى المدرسة الرومانسية فيما عرف ب"طيف القصة"، وهو ما جرى من قبل في "حكاية حب" و"رجل جاء وذهب" و"سبعة" وغيرها. وأوشك أن أقول إن تكرار أسماء "هنري كيسنجر" و"صوفيا لورين" و"مارلين مونرو" وغيرها من الأسماء بات سمةً أخرى لا تكاد تفارق سرديات القصيبي –ومازحاً أقول إني افتقدت أي إشارة في هذا العمل للصحافي محمد حسنين هيكل-، وأود أن أختم هذه الفقرة بالتأكيد على أن عرض هذه السمات وإثارة الأفكار والأسئلة حولها لا يأتي بهدف الثناء على المؤلف بها، أو توجيه الانتقادات إليه من خلالها، بقدر ما يأتي في محاولة وصفية تتوخى الموضوعية، تاركةً الحكم للقارئ. الجنيّة: ماذا تعني؟ السؤال المكرر مع كل عمل إبداعي حول هدفه، أو ماذا أراد المبدع أن يقول من خلال عمله، سؤال أظن أن أصحابه سيجدون مشقّة في الإجابة عنه عندما يطرحونه على "الجنيّة"، فهي حكاية استدعت رمزاً قابعاً في ذاكرة المغرب الشعبية "عائشة قنديشة"، وتقاطعت مع جزء من الواقع السعودي لا يكاد يروى –قصص عشق سعودية في المغرب-، وجزء من المخيال الشعبي المحلي حول الجنّ –السعلو وأم السعف والليف، وسبعة-، واستحضرت جدلاً أكاديمياً حول جدوى المنهج العلمي –بمدرسته الإمبريقية، ونموذجه الوضعي-، واستعانت بما أمكن من تأكيدات حول هذا الكائن غير المرئي من تراث الفقه والأدب والشعوذة، وكانت الحكاية في كل ذلك تقريرية ومباشرة لا إيحائية. وخلافاً لمعظم النتاج الروائي السعودي في السنوات الأخيرة ابتعد النص عن ارتكاب محاولة المواجهة مع الواقع المحلي على أي من مستوياته، فهل كان ذلك قصداً من المؤلف إلى خيار مناقض للمدرسة الواقعية، بما يلزم من أراد تقييم "الجنيّة" أن يستنير بقول الفيلسوف الألماني "كانط" بأن الجمال مقصود لذاته، لا لغيره، الأمر الذي معه تندرج "الجنية" في سياق الفن للفن، تصديقاً للطبيعة المطلقة للفني، والإخلاص التام للإبداعي، بما ينتهي إلى الحكم بأن العمل جاء بمثابة محاولة للإمتاع والتسلية ليس إلا، وهو –في رأيي- حكم مثير للمهتمين بمتابعة القصيبي الذي اقتطع من وقته ليكتب للقرّاء بهدف تسليتهم، أو حتى مواصلة استعراض مهاراته الإبداعية. أم إننا إزاء عمل أدبي حاول من خلاله المؤلف تقديم أكثر من التشويق، بحيث قصد إعطاء صورة واضحة عن عالم الجنّ، وكان معنياً بهذه المسألة حد إيراد المراجع التي وفرّها له الأصدقاء، الذين حازوا شكره في مقدمة الكتاب، بل إنه لم يكتفِ بالصورة الواضحة، وإنما انطلق من محاكاة المخيلة الشعبية حول الجنّ، ومرّ بالتراث المتنوع حول المسألة، وخلص إلى ما يشبه الفتوى بأن تقاطع الجنيّ مع الإنسيّ تغيير لخلق الله، وشذوذ لا يؤدي بالمتسائل حوله إلا لفقد عقله. وبإيجاز أتساءل هل كانت "الجنيّة" حكاية مسلية احتوت معلومات كثيرة عارضة، أم إنها حكاية توجيهية استخدمت التشويق؟! الجنية، غازي عبد الرحمن القصيبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت، الطبعة الأولى، 2006م، تقع في 239 صفحة من القطع العادي. |
05-09-06, 06:56 PM | #2 |
05-09-06, 07:25 PM | #3 |
06-09-06, 05:36 AM | #4 |
08-09-06, 12:52 AM | #5 |
17-11-06, 11:18 AM | #6 |
03-02-07, 02:44 PM | #7 | |
إداري سابق
|
بارك الله فيك اخي على النقل
|
|
|
|