قالوا: إن بملصطلق من خزاعة، هم من حلفاء بني مدلج وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها المريسيع، بينها وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابوه وتهيؤوا للمسير معه إليه، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأبره خبرهم فندب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيول وهي ثلاثون فرساً في المهاجرين منها عشرة، وفي الأنصار عشرون، وخرج معه بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه فرسان لزاز والظرب. وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان. وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسيء بذلك الحارث ومن معه وخافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المريسيع وهو الماء فاضطرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيؤوا للقتال وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فرموا بالنبل ساعةً ثم أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، وكان ابن عمر يحدث أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أغار عليهم وهم غارون ونعمهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، والأول أثبت، وأمر بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقران مولاه، وجمع الذرية ناحيةً واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء، واقتسم السبي وفرق وصار في أيدي الرجال، وقسم النعم والشاء فعدلت الجزور بعشر من الغنم وبيعت الرثة في من يزيد، وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم، وكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف شاة، وكان السبي مائتي أهل بيت وصارت جويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فكاتباها على تسع أواقي ذهب فسألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في كتابتها وأداها عنها وتزوجها، وكانت جارية حلوة، ويقال: جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وكان السبي منهم من من عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بغير فداء، ومنهم من افتدي فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، وهو الثبت عندنا، وتنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سناناً بيده فنادى سنان: يا للأنصار ! ونادى جهجاه: يا لقريش ! يا لكنانة ! فأقبلت قريش سراعاً وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح، فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا، فقال عبد الله ابن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؛ ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم؛ وسمع ذلك زيد بن أرقم فأبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، قوله فأمر بالرحيل وخرج من ساعته وتبعه الناس، فقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس حتى وقف لأبيه على الطريق، فلما رآه أناخ به وقال: لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز، فمر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ! وفي هذه الغزاة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. وفي هذه الغزاة كان حديث عائشة وقول أهل الإفك فيها. قال: وأنزل الله، تبارك وتعالى، براءتها. وغاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزاته