روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-10-06, 02:35 AM | #1 |
إداري سابق
|
خصائص التشريع الإسلامي في الصوم وفضله وأحكامه
خصائص التشريع الإسلامي في الصوم وفضله وأحكامه
للأستاذ أبو الحسن الندوي قال الأستاذ : جاء التشريع الإسلام للصوم أكمل تشريع وأوفاه بالمقصود ، وأضمنه بالفائدة ، وقد تجلت فيه حكمة العزيز العليم الحكيم الخبير ، الذي خلق الإنسان {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } . فخصّ شهراً كاملاً - وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن – بصيام أيام متتابعات متواليات ، يصام نهارها ويفطر ليلها ، وهو العرف عند العرب في الصوم ، وهو الميزان في التشريع العالمي الإسلامي ، يقول شيخ الإسلام أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي : " ويضبط اليوم بطلوع الفجر إلى غروب الشمس ، لأنه هو حساب العرب ومقدار يومهم ، والمشهور عندهم في صوم عاشوراء ، والشهر برؤية الهلال إلى رؤية الهلال ، لأنه هو شهر العرب ، ليس حسابهم على الشهور الشمسية " . لماذا خص رمضان بالصوم ؟ وجعل الله الصوم في رمضان ، فجعل أحدهما مقروناً بالآخر ، مرتبطاً به ، فذلك قران السعدين ، والتقاء السعادتين في حكمة التشريع ، وذلك لأن رمضان قد أنزل فيه القرآن ، فكان مطلع الصبح الصادق في ليل الإنسانية الغاسق ، فحسُن أن يُقرن هذا الشهر بالصوم ، كما يقترن طلوع الصبح الصادق بالصوم كل يوم ، وكان أحق شهور الله - بما خصه الله من يمن وسعادة وبركة ورحمة ، وبما بينه وبين القلوب الإنسانية السليمة من صلة خفية روحية - بأن يصام نهاره ، ويقام ليله. وبين الصوم والقرآن صلة متينة عميقة ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من القرآن في رمضان ، يقول ابن عباس رضي الله عنه : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل ، أجود بالخير من الريح المرسلة ). يقول العارف بالله ، العالم الرباني الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي ((1034هـ)) في بعض رسائله : " إن لهذه الشهر مناسبة تامة بالقرآن ، وبهذه المناسبة كان نزوله فيه ، وكان هذا الشهر جامعاً لجميع الخيرات والبركات ، وكل خير وبركة تصل إلى الناس في طول العام قطرة من هذا البحر ، وإن جمعية هذا الشهر سبب لجمعية العام كله ، وتشتت الباب فيه سبب للتشتت في بقية الأيام وفي طول العام ، فطوبى لمن مضى عليه هذا الشهر المبارك ، روضي عنه ، وويل لمن سخط عليه ، فمنع من البركات ، وحرم من الخيرات " . ويقول في رسالة أخرى : " إذا وفق الإنسان للخيرات والأعمال الصالحة في هذا الشهر ، حالفه التوفيق في طول السنة ، وإذا مضى هذا الشهر في توزع بال وتشتت حال ، مضى العام كل في تشتت وتشويش " . وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وأغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين) والأحاديث في الباب كثيرة. موسم عالمي ، ومهرجان عام ، للعبادات ، والخيرات : وهكذا أصبح رمضان موسماً عالمياً للعبادة والذكر والتلاوة والورع والزهادة ، يلتقي على صعيده المسلم الشرقي مع الغربي ، والجاهل مع العالم ، والفقير مع الغني ، والمقصر مع المجاهد ، ففي كل بلد رمضان ، وفي كل قرية وبادية رمضان ، وفي كل قصر وكوخ رمضان ، فلا افتيات في الرأي ، ولا فوضى في اختيار أيام الصوم ، فكل ذي عينين يستشعر جلاله وجماله أينما حل ورحل في العالم الإسلامي المترامي الأطراف ، تغشى سحابته النورانية المجتمع الإسلامي كله ، فيحجم المفطر المتهاون بالصوم عن الانشقاق عن جماعة المسلمين ، فلا يأكل إلا متوارياً أو خجلاً ، إلا إذا كان وقحاً مستهتراً من الملاحدة ، أو الماجنين ، أو كان من المرضى والمسافرين ، الذين أذن الله لهم في الإفطار ، فهو صوم اجتماعي عالمي ، له جو خاص ، يسهل فيه الصوم ، وترق فيه القلوب ، وتخشع فيه النفوس ، وتميل فيه إلى أنواع العبادات والطاعات ، والبر والمواساة. الجو العالمي ، وما له من تأثير في النفوس والمجتمع : وقد لا حظ ذلك شيخ الإسلام أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي بنظره الدقيق العميق ، فقال وهو يشرح حديث : (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة) إلخ : " إذا التزمته أمة من الأمم ، سلسلت شياطينها ، وفتحت أبواب جنانها ، وغلقت أبواب النيران عنها ". ويقول في موضع آخر : " وأيضاً فإن اجتماع طوائف عظيمة من المسلمين على شيء واحد ، في زمان واحد ، يرى بعضهم بعضاً معونة لهم على الفعل ، ميسر عليهم ومشجع إياهم". " وأيضاً فإن اجتماعهم هذا لنزول البركات الملكية على خاصتهم وعامتهم ، وأدنى أن ينعكس أنوار كملهم على من دونهم ، وتحيط دعوتهم من وراءهم". الفضائل : وما لها من تأثير وقوة : إن الحياة في صراع دائم بين الشهوات الحبيبية إلى النفس ، والمنافع المقررة عند العقل ، وليست الشهوات هي التي تنتصر دائماً في هذه المعركة - كما يعتقد بعض الناس - فذلك سوء ظن بالطبيعة البشرية ، وإنكار للواقع. إن القوة التي تدير عجلة الحياة بسرعة ، وتفيض على هذا العالم الحياة والنشاط هي الإيمان بالنفع ، ذلك الإيمان هو الذي يوقظ الفلاح في يوم شاتٍ شديد البرد فيحرم عليه الدفء ، ويبكر به إلى الحقل ، وفي يوم صائفٍ شديد الحر يهون عليه وهج الشمس ولفح السموم ، ويفصل بين التاجر وأهله ، ويتوجه به إلى متجره ، ذلك الإيمان هو الذي يزين للجندي الموت في ساحة القتال ، وفراق الأحبة والعيال ، فلا يعدل به راحة ولا ثروة ولا نعيماً ، إن كل ذلك أيمان بالمنافع وحرص على الخير ، وهو القطب الذي تدور حوله الحياة. وهنالك إيمان أعظم سلطاناً على النفوس ، وأعمق أثراً من الإيمان الذي ضربنا له بعض الأمثال ، ذلك الإيمان بمنافع أخبر بها الأنبياء والرسل ، ونزل به الوحي ، ونطقت به الصحف ، وهي تنحصر في رضا الله وثوابه ، وجزائه في الدنيا والآخرة. لقد علم الجميع أن الإمساك عن الطعام في بعض الأيام مفيد للصحة ، وخير للمرء أن يصوم مراراً في كل عام ، وقد أسرف الناس في الأكل والشرب ، واتخموا بأنواع من الطعام والشراب فأصيبوا بأمراض جسدية وخلقية ، كل ذلك معروف ومشاهد ، وآمن الناس بفوائد الصوم الطيبة ، وآمنوا بأنه ضرورة صحية ، وآمنوا كذلك بفوائد الصوم الاقتصادية. ولكن إذا سأل سائل : ما عدد الصائمين في هذه السنة لفوائد طبية ، ومصالح اقتصادية ؟ وما عدد الأيام التي صاموها طمعاً في الاعتدال في الصحة أو الاقتصاد في المعيشة ؟ كان الجواب المقرر إنه عدد ضئيل جداً ، ضئيل حتى في الشتاء مع أن الصوم فيه سهل هين ، ورغم أن الصوم الطبي أو الاقتصادي أسهل بكثير من الصوم الشرعي. ثم ننظر في عدد الصائمين الذين يصومون ، لأنهم يعتقدون أن الصوم فريضة دينية ، قد وعد الله عليه بثوابه ورضاه ، وتكفل بجزائه ، فنرى أن هذا العدد - مهما طغت المادية ، وضعف الدافع الديني - عدد ضخم لا يقل عن ملايين ، وأن هؤلاء الملايين من النفوس لا يمنعهم الحر الشديد في الأقاليم الحارة من أن يصوموا في النهار ، ويقوموا في الليل ؛ لأن الإيمان بالمنافع الدينية التي أخبر بها الأنبياء عند أهل الإيمان أقوى من الإيمان بالمنافع الطبية التي أخبر بها الأطباء ، ومن الإيمان بالمنافع الاقتصادية التي لهج بها الاقتصاديون. ذلك لأن المؤمنين سمعوا في الصوم ما هون عليهم متابع الصوم ، وشجعهم على احتمال الحر والجوع والعطش ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل عمل ابن آدم يضاعف ، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله تعالى : إلا الصوم ، فإنه لي ، وأنا اجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي ، للصائم فرحتان عند فطوره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائف أطيب عن الله من ريح المسك) وروى سهل بن سعد عن البني صلى الله عليه وسلم قال : ( في الجنة باب يدعى الريان ، يدعى له الصائمون ، فمن كان من الصائمين دخله ، ومن دخله لم يظمأ أبداً ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه ). العناية بروح الصوم ، وحقيقته ، ومقاصده ، والجمع بين (السلب) و (الإيجاب) : إن صوم رمضان لهيئته الاجتماعية وشيوعه في المجتمع الإسلامي عرضة لأن يتغلب عليه التقليد واتباع العادة ، وأن لا يصومه كثير من الناس ، إلا مسايرة للمجتمع والبيئة ، وتفادياً من الطعن والملام ، وأن يشار إليهم بالبنان ، ولا يرافقه الإيمان والقصد ، والتفكير في عظم شأنه وموقعه من الله وأجره وثوابه ، أو يصومه بعض الناس لغايات مادية ، أو مقاصد صحية واقتصادية ، فكان من حكمة البنوة الباهرة ، وفقه الرسالة العميق أن اشترط النبي صلى الله عليه وسلم للصوم المقبول عند الله الإيمان والاحتساب ، فقال : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وقد يتساءل الرجل الذي لم يعرف دخائل النفس الإنسانية والأنماط البشرية المختلفة : إن رمضان لا يصومه إلا المسلمون ، ولا يدعوهم إلى ذلك إلا الإيمان والاحتساب ، فلماذا قيده لسان النبوة بصفة الإيمان والاحتساب ، فهو من قبيل تحصيل الحاصل ؟ ولكن الذي توسعت دراسته للحياة ، وتعمقت معرفته للدوافع النفسية ، والعوامل الخلفية والاجتماعية ، وقف خاشعاً أمام هذه الحكمة ، والعلم الدقيق العميق ، وشهد بأنه { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى }. وقد جاء تفسير الإيمان والاحتساب في حديث آخر ، بأن يكون الإنسان راجياً للثواب ، مصدقاً لما وعد الله على هذا العمل بالمغفرة والرضا ... ثم إن التشريع الإسلامي لم يكتف بصورة الصوم ، بل اعتنى بحقيقته وروحه كذلك ، فلم يحرم الأكل والشرب والصلات الجنسية في الصوم فحسب ، بل حرم كل ما ينافي مقاصد الصوم وغاياته ، وكل ما يضيع حكمته وفوائده الروحية والخلقية ، فأحاط الصوم بسياج من التقوى والأدب وعفة اللسان والنفس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، وإن سابه أحد ، أو قاتله ، فليقل إني صائم) وقال : (من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وذكر أن الصوم الذي يخلو من روح التقوى والعفاف وصورة مجردة من الحقيقة ، وجسم بلا روح ، فقال : (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامة إلا السهر) وعن أبي عبيدة رفعه ، قال : (الصوم جنة ما لم يخرقها). وليس الصوم الإسلامي مجموعة من أمور سلبية فقط ، فلا أكل ولا شرب ، ولا غيبة ولا نميمة ، ولا رفث ولا فسوق ولا جدال ، بل هو مجموع أمور إيجابية كذلك ، فهو زمن العبادة والتلاوة والذكر والتسبيح ، والبر والمواساة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من تقرب فيه بخصلة من الخير ، كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه ، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة). وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من فطّر صائماً كان له مثل أجره ، غير أن لا ينقص من أجر الصائم شيء). وألهم الله الأمة للمحافظة على صلاة التراويح ، التي ثبت أصلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تركها بعد ثلاثة أيام ، لئلا تفرض على أمته فرضاً فتشق عليها ، روى ابن شهاب قال : أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد ، وصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا ، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة ، عجز المسجد عن أهله ، حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى الفجر أقيل على الناس فتشهد ، ثم قال : (أما بعد ، فإنه لم يخف علي مكانكم ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأمر على ذلك. وقد قام بها الصحابة - رضي الله عنهم - وعضت عليها الأمة بالنواجذ في أعصارها وأمصارها ، حتى أصبحت شعاراً لأهل السنة ، والصالحين من الأمة ، وكان للتراويح فضل كبير في شيوع حفظ القرآن في الأمة ، ومحافظتها عليه ، وبقائه في الصدور ، وفضل كبير في توفيق العامة والجماهير لقيام الليل والعبادة. وبذلك كله أصبح شهر رمضان مهرجاناً للعبادة ، وموسماً للتلاوة ، وربيع الأبرار والمتقين ، وعيد العباد والصالحين ، تتجلى فيه عناية هذه الأمة بإقامة أحكام دينها وغرامها بالعبادة ، وإخباتها إلى الله ، ورقة القلوب ، والتنافس في البر والمواساة في أروع مظاهره ، لا تبلغه ، ولا تبلغ عشر معشاره أمة من الأمم ، أو طائفة من طوائف بني آدم ، { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } . تفريط المسلمين في مقاصد الصوم ، وجناية العادات على العبادات : ولكن المسلمين قد جنوا في كثير من الأحيان على أنفسهم وعلى مقاصد الصوم وفوائده بالعادات التي يبتدعونها ، وبجهلهم وإسرافهم في الإفطار والطعام ، الإسراف الذي يفقد الصوم الشيء الكثير من فائدته وقوته الإصلاحية والتربوية. الصيانة من التحريف والغلو : كان رمضان مظنة للغلو والتعمق في الدين ، فقد يفهم كثير من الناس أن موضوعه وغايته قهر النفس ، وترويضها على ترك الشهوات والرغبات ، وإجهادها إلى أقصى حد ممكن ، فكلما أمعن الإنسان في إجهادها وقهرها ، وكلما طالت الفترة في الأكل والشرب والتمتع ، وطالت مدة الجو والظمأ ، وكلما أظهر الصبر والاحتمال ، كان أقرب إلى الله وأحب إليه ، وأبعد عن المترفهين المترفين والمتنعمين المتمتعين ، وأدخل في غمار المتقين الصابرين. وهذا الفهم الخاطئ السطحي هو الذي زين لكثير من المتدينين والمتقشفين في الأمم السابقة ، والديانات القديمة الغلو في العبادات عامة ، وفي الصوم خاصة ، فأطالوا مدة الإمساك عن الطعام والشراب ، وأخروا الفطور ، وعجلوا السحور ، أو تحرجوا عن التسحر مطلقاً ، ورأوه عجزاً في الدين ، وضعفاً في الصائمين ، أو وصلوا الصوم بالصوم ، والليل بالنهار ، وقلدهم في ذلك غلاة المسلمين ، والطوائف المبتدعة المتشددة ، فكان كل ذلك تحريفاً في الدين ، وجهاداً في غير جهاد ، ورهبانية ابتدعوها ، وباباً واسعاً لفساد شامل ، وتحدياً لقول الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الدين يسر ، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا). لذلك كله سدت الشريعة الإلهية الأخيرة الخالدة هذا الباب ، فحثت على السحور أولاً ، ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحبه ، وجعله سنة للمسلمين ، فقد روى أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم : (تسحروا فإن في السحور بركة) وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) وحذر عن تأخير الفطر ، وجعل التأخير فيه آية للفساد ، والوقوع في الفتن ، وشعاراً لغلاة أهل الكتاب ، فعن سهل بن سعد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) وعن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه ، قال : (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، لأن اليهود والنصارى يؤخرون). وكذلك كان من سنته وسنة أصحابه تأخير السحور ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، قال : (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إلى الصلاة ، قيل : كم كان بنيهما ؟ قال : خمسون آية) وعن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا) وقد بسط شيخ الإسلام أحمد بن عبدالرحيم الدهلوي الكلام ، في هذا الموضوع فذكر عناية الشريعة الإسلامية ، والسنة النبوية ، بهذا الجانب الإصلاحي في علم جم وفقه دقيق ، قال : " إن من المقاصد المهمة في باب الصوم سد ذرائع التعمق ، ورد ما أحدثه فيه المتعمقون ، فإن هذه الطاعة كان شائعة في اليهود والنصارى ومتحنثي العرب ، ولما رأوا أن أصل الصوم هو قهر النفس تعمقوا وابتدعوا أشياء فيها زيادة القهر ، وفي ذلك تحريق دين الله. وهو إما بزيادة الكم أو الكيف ، فمن الكم قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجل كان يصوم يوماً ، فليصم ذلك اليوم) ، ونهيه عن صوم يوم الفطر ويوم الشك ، وذلك لأنه ليس بين هذه وبين رمضان فصل ، فلعله إن أخذ ذلك المتعمقون سنة ، فيدركه منهم الطبقة الأخرى ، وهلم جرا ، يكون تحريفاً ، وأصل التعمق أن يؤخذ موضع الاحتياط لازماً ، ومنه يوم الشك. ومن الكيف ، النهي عن الوصال ، والترغيب في السحور ، والأمر بتأخيره وتقديم الفطر ، فكل ذلك تشدد وتعمق من صنع الجاهلية". والصوم كله خضوع للأمر والإلهي ، فلا أكل ولا شرب ، ولا متعة بما حظر على الصائم بعد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى غروب الشمس مهما جمحت النفس ، وطغت شهوة الطعام والشراب ، ولا إمساك عن الطعام والشراب وما حظر في النهار، عبد غروب الشمس ، مهما جمحت طبيعة الزهد والنسك ، فليس الحكم للنفس والشهوة والعادة ، إنما الحكم لله ، ولا تجلد مع الله، ولا مصارعة مع الدين ، وكلما كان الصائم متجرداً عن هواه ، منقاداً للحكم ، متسلماً لقضاء الله تعالى وشريعته ، كان أصدق في العبودية ، وأبعد من الأنانية ، وقد أحسن العارف الكبير ، والمصلح العظيم ، الإمام أحمد بن عبدالأحد السرهندي ، في الإشارة إلى هذه النكتة ، إذ قال في إحدى رسائله : " يتجلى في تأخير التسحر وتعجيل الإفطار ، عجز الصائم وحاجته ، وهو ملائم للعبودية محقق لغرضها ". الاعتكاف : والاعتكاف في رمضان متمم لفوائده ومقاصده ، متدارك لما فات الصائم من جمعية القلب ، وهدوء النفس ، واجتماع الهم ، والانقطاع إلى الله تعالى بالقلب والقالب ، وحقيقته الفرار إلى الله ، والاطراح على عتبة عبوديته ، والارتماء في أحضان رحمته. يقول شيخ الإسلام الدهلوي رحمه الله عليه : " ولما كان الاعتكاف في المسجد سبباً لجمع الخاطر ، وصفاء القلب ، والتفرغ للطاعة ، والتشبه بالملائكة ، والتعرض لوجدان ليلة القدر اختاره النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ، وسنه للمحسنين من أمته". لذلك داوم عليه صلى الله عليه وسلم ، وحافظ عليه المسلمون في كل جيل ، وفي كل عصر ومصر وأصبح من السنن المأثورة ومن شعائر رمضان ، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكف أزواجه ، من بعده). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً). دور الإسلام الإصلاحي في تشريع الصوم : قام الإسلامي بنفس الدور الإصلاحي الذي قام به في جميع العبادات والفرائض والمناسك ، وكان إصلاحاً جذرياً ، في مفهوم الصوم وآدابه وأحكامه ووضعه ، جعله أعظم يسراً وسهولة وقرباً إلى الفطرة السليمة ، وأضمن بالفوائد الروحية والاجتماعية ، وأعمق تأثيراً في النفس والمجتمع. فمن إصلاحاته الكثيرة المتنوعة هو التحويل في مفهوم الصوم ، فقد كان رمزاً للحداد والحزن ، وتذكاراً للكوارث والمآسي في الديانة اليهودية - كما أسلفنا - فحوله الإسلام من هذا المفهوم القاتم الذي يغلب عليه التشاؤم ، إلى مفهوم منشط مشرق تغلب عليه روح التفاؤل ، وجعله عبادة عامة ، يتمتع فيها الصائم بالنشاط والفرح ، ويستبشر بما وعده الله تعالى وثوابه الجزيل ، ورضاه ، ووردت الآيات ، والأحاديث المبشرة بالثواب ، المتضمنة بالفرح الطبعي تثير في الصائم هذا الشعور وهذه الثقة ، فقد جاء في حديث قدسي : (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وورد في هذا الحديث : (للصائم فرحتان : فرحة عند فطوره ، وفرحة عند لقاء ربه) وقد أحط الصائم بجو من السمو ، والخطوة ، والمكانة عند الله تعالى ، فقال : (لخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك) وذلك جو يخالف جو الحداد والمآتم والحزن والتشاؤم. وقد كان الصوم عند اليهود مرادفاً لتذليل النفس والعقوبة ، وقد شاع هذا التعبير في أسفارهم وصحفهم ، فقد جاء في اللوايين أو سفر الأحبار : " ويكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر ، تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون ، الوطني والغريب النازل في وسطكم ، لأنه في هذا اليوم يكفر عنكم لتطهيركم من جميع خطاياكم ، أمام الرب تطهرون " . وجاء في موضع آخر. " وكلم الرب موسى قائلاً ، أما العاشر من هذا الشهر السابع ، فهو يوم الكفارة ، محفلاً مقدساً ، يكون لكم ، تذللون نفوسكم وتقربون وقوداً للرب ، عملاً ما لا تعلمون في هذا اليوم عينه ، لأنه يوم كفارة للتكفير عنكم أما الرب إلهكم " . وجاء في سفر العدد : " وفي عاشر هذا الشهر السابع ، يكون لكم محفل مقدس ، وتذللون أنفسكم ، عملاً ما لا تعلمون" . أما الشريعة الإسلامية فلم تعتبر الصوم إيلاماً للنفس ، ولا عقوبة من الله ، ولم ترد في القرآن ولا في السنة كلمة تدل على ذلك ، بل اعتبرته عبارة ، يتقرب بها العبد إلى الله ، ولم تشرع من الأحكام الغليظة المجحفة ، ومن القيود القاسية العنيفة ما تجعله مرادفاً لتعذيب النفس وإرهاقها ، وحملها على ما لا طاقة له به ، بل سنت التسحر ، واستحبت تأخيره إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، وسنت تعجيل الفطور ، وأباحت النوم والراحة من الليل والنهار ، والاشتغال بالصناعة والتجارة ، والأعمال المفيدة المباحة ، خلافاً لليهودية التي فرضت الإضراب عن العمل ، والانقطاع إلى العبادة. وكان الصوم في كثير من الديانات القديمة - ولا يزال - مختصاً بطبقة دون طبقة ، فكان في الديانة البرهمية فريضة على البراهمة في أكثر الأحيان ، وعند المجوس على العلماء والكهنوت (دستور) وعند اليونان بالإناث دون الذكور. أما الإسلام فقد عمم وأطلق ، فنزل : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وبجانب هذا التخصيص - الذي عرفت به الديانات القديمة - لم يستثن المعذورين ، أما الإسلام فقد استثنى أصحاب العذر ، وقال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } وقال : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. وقد كان في بعض الديانات جوع أربعين يوماً ، لا يتناول فيها الصائم غذاءاً ، وبالعكس من ذلك توسعت بعض الديانات توسعاً زائداً ، فاقتصرت على تحريم تناول اللحوم ، وأباحت الفواكه والمشروبات ، أما الإسلام فقد جاء تشريعه وسطاً بين الشدة والرقابة ، وبين الإرهاق والإطلاق ، فجاء صومه صوماً متزناً عادلاً ، ليس فيه تعذيب أبدان ، ولا إزهاق أرواح ، وليس فيه كذلك إرخاء عنان ، ولا تسريح في روح وريحان. وكان اليهود يقتصرون على ما يأكلونه عند الفطر ، ثم لا يعودون إلى أكل أو تمتع ، أما العرب فكانوا لا يأكلون ولا يتمتعون بالمباحات إذا ناموا ، أما الإسلام فقد ألغي هذه القيود كلها ، ونزل القرآن : { وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } وكذلك عفي عن الخطأ والنسيان ، وكذلك لا يفسد الصوم أفعال اضطرارية : كالقيء والرعاف ، والاحتلام خلافاً لبعض الديانات. وكان الصوم في أكثر الديانات القديمة مضبوطاً بالشهور الشمسية ، وكان ذلك يحتاج إلى العلوم الرياضية والفلكية ، وإلى وضع التقاويم ، ثم كانت تلك الأيام مستقرة دائمة في فصول خاصة ، لا تجور ولا تنتقل. أما الصوم الإسلامي فهو مضبوط بالشهور القمرية ، ومربوط بالهلال فقد جاء في القرآن : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } ، وقال النبي (لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دون غيابة ، فأكملوا ثلاثين يوماً) ، وجاء في حديث آخر : (لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له) فاستطاع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ، وفي البوادي وقلل الجبال وفي الدور الممعن في البداوة والأمية ، وفي أمكنة منقطعة موغلة في الغابات والآجام أن يبدأوا الصوم ويختموه من غير مشقة وتكلف وبحث علمي عميق ، وكانت فائدته كذلك أن رمضان يدور في فصول مختلفة ، من شتاء وصيف ، فلا يكلف المسلمون بالصوم في حر لافح ، وفي قيظ شديد ، ولا في برد قارس وشتاء كالح ، دائماً وفي كل سنة ، فيتمتعون بتغير الفصول واختلاف الطقوس ، ويتعودون كل ذلك ، وهم في كل ذلك صابرون محتسبون ، أو شاكرون حامدون". ومن عرف أوضاع الصوم ومناهجه في الأمم القديمة ، والديانات المعاصرة درس تاريخها وفلسفتها ، وشاهد أحوال الصائمين فيها على قلتهم وتشتت أحوالهم وقارن ذلك بالصوم الإسلامي ووضعه ومنهجه ، وفقهه وآدابه ، وأكرمه الله بالدخول في هذه الأمة المسلمة ، والعمل بالشريعة الإسلامية السمحة نطق لسانه بالحمد والثناء ، والشكر على نعمة الإسلام ، وكان حقيقاً بأن يقول وهو صائم. { وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ }. أرسل المقال لصديق إطبع المقال |
18-10-06, 03:12 AM | #2 |
18-10-06, 03:18 AM | #3 |
22-10-06, 02:25 PM | #4 |
26-01-07, 07:01 AM | #5 |
02-10-07, 01:04 AM | #6 |
02-10-07, 01:33 AM | #7 |
03-10-07, 03:38 AM | #8 |
05-10-07, 09:56 PM | #9 | |
عضو فعال
|
|
|
06-10-07, 02:22 AM | #10 |
|
|