روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
14-03-17, 09:28 PM | #1 |
أبو جهل الشخصية والنموذج
مثَّلت شخصية عمرو بن هشام، أبي جهل، وما انتهت إليه حياته، انكسارَ أعنف النماذج الجاهلية أمام الإسلام، فقد عاش الرجل مع الإسلام نوعا غريبا من التكذيب، فكان يعرف صدق ما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) ولكنه استكثر على نفسه أن يتبعه، ساقه إلى ذلك كِبر الجاهلية المتجذر في نفسه، ووضْعُه نفسَه في مقام مَن لا يجوز أن يكون تابعا لأحد، ويبقى متبوعًا سيدًا على الدوام. وقد سمى القرآن هذا الكبر «جحودًا»، وهو أن يعرف الإنسان الحق، ويأبى الاعتراف به واتباعه، فقد روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام: 33). وفي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟! وتلا أبو زيد (الراوي) الآية السابقة.
وشبيه بهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! لقد كان أبو جهل معجبا بالقرآن، ويراه من طبقة أرفع -بصورة مدهشة- من أفصح كلامهم، على الرغم من أنه بلُغَتهم ولسانهم، ويستعمل ألفاظهم نفسها، لكنَّ أبا جهل أبى أن يصرح برأيه في القرآن لأحد جهرًا، فكشفته أعماله وكلماته الخافتة، إذ خرج ليلة مستخفيا من قريش ليستمع إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) في داره وهو يقرأ القرآن، فجلس يستمع من الليل حتى أدركه الصبح، وتسلل عائدا إلى داره، فجمعته الطريق برجلين من قريش (أبو سفيان، والأخنس بن شريق) فعلا مثلما فعل من الاستماع للقرآن سرًا، فتعاهد الثلاثة على ألا يعودوا إلى الاستماع إلى القرآن، لكنهم رجعوا في الليلة الثانية، وجمعتهم الطريق، فتعاهدوا ثانية، وفعلوا مثل ذلك في الثالثة، وتلاوموا من جديد، وعزموا على عدم العودة، وراح الأخنس يسأل أبا جهل عن رأيه فيما سمع، فقال أبو جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه! لقد كان سؤال الأخنس بن شريق عن القرآن، فغيّر أبو جهل الحديث إلى التنافس المحتدم منذ الجاهلية بين بني مخزوم وبني عبد مناف، فالقضية التي كانت تشغله هي قضية الشرف والمكانة، وأما القرآن فلا يستطيع أن يقول فيه شيئا يتنقصه به. والذي لقَّب عمرو بن هشام بـ «أبي جهل» هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما يروي ابن حجر، ويرجع ذلك أساسا -فيما يبدو- إلى مواقفه الغريبة في مواجهة الإسلام، واتباعه أعنفَ سبل الجاهلية في تلك المواجهة، وليس إلى ضربه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- بعنف شديد يوم الهجرة كما هو شائع؛ فهذا الحادث متأخر جدًا. ومن صفات أبي جهل الجسدية القليلة التي عثرنا عليها، أنه كان خفيف الجسم، سريع الحركة، حاد الصوت، واضح الكلمات، قوي النظر، قويَّ ملامح الوجه، شديدَها. يقول عنه العباس بن عبدالمطلب (رضي الله عنه): «كان رجلا خفيفا، حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر». وقد كان أبو جهل مقاربا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في السن والميلاد، فيروي ابن هشام في السيرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر أصحابه بالتماس أبي جهل في القتلى يوم بدر، وعرّفه لهم بأثر جرح في ركبته، أصابه عندما دفعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهما غلامان، فوقع على ركبتيه، وأصيب بجرح ترك أثرا. إن المحرك الأساسي لعداوة أبي جهل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ودعوتِه هو ميراث التنافس الجاهلي المقيت، والكِبر المستكنُّ في نفس هذه الشخصية الغريبة، وقد كان يرى حوله كثيرًا من رجال قريش يطيلون قاماتهم بأعمال مجيدة يقومون بها، فكان ينافسهم ويجري معهم في هذا المضمار، حتى ذُكر كأحد رجال قريش المعروفين بإطعام الطعام وإكرام الحجيج، وبرز كواحد من شجعان قومه، حتى بلغت به شجاعته درجة التهور الذي أهلكه يوم بدر. وحين بُعث النبي (صلى الله عليه وسلم) كانت المفاجأة، فهذا الرجل (الصادق الأمين) لم يكن ينافس قومه في هذا النوع من الشرف الذي يتصارعون عليه، فإذا به يخرج عليهم اليوم بما يجعل الكل-إن أطاعوه- أتباعًا له، ويبرز في مجالٍ لا سبيل لأحد منهم إليه، و هذه النبوة نفسها قلبت حب أبي لهب لابن أخيه محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى عداوة شديدة. إن مشكلة أبي جهل، هي أنه كان باحثًا باستمرار عن مجد شخصي، وكان يرى نفسه مؤهَّلا لنيل هذا المجد بمواهبه وشرف آبائه، ويسيل لعابه دائما عند الحديث عن هذا الهدف، فحين اجتمع وفد من سادة قريش، وقدّمهم أبو طالب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) قائلا: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا ليعطوك وليأخذوا منك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يا عمُّ، كلمة واحدة يعطونيها، تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم»، فقال أبو جهل: نعم، وأبيك، وعشر كلمات، قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه». فصفقوا بأيديهم اندهاشا وإنكارًا. العداوة الأقسى أبو جهل من بين زعماء المشركين في مكة، لم يلن في مواجهة الإسلام إطلاقًا، واختار دائما أقسى الآراء والمواقف لمواجهة الدين الجديد، وهذه بعض الشواهد: - أبو جهل هو الوحيد الذي قام بمحاولة فردية وبدون تحريض من أحد لقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) في فترة الدعوة المكية، فاحتمل بيديه حجرًا ثقيلاً، وواعد الملأ من قريش أن يخلصهم من الرسول، وأقبل على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو ساجد بين الركن اليماني والحجر الأسود، والكعبةُ بينه وبين الشام، ليحطم رأسه، وملأُ قريش يراقبون الموقف، وينتظرون النتيجة، ففوجئوا بأبي جهل يرجع إليهم متغير اللون، يملأ الرعبُ قلبَه، قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجرَ من يده، وقامت إليه رجال قريش، فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه، عرض لي دونه فحل من الإبل، لا، والله ما رأيت مثل هامته، ولا مثل قَصَرته (أصل العنق)، ولا أنيابه لفحل قط، فهمَّ بي أن يأكلني. - تزعّم حصار المسلمين القاسي في شِعب أبي طالب، وحين رق قلب أناس من قريش وسعَوا لرفع الحصار، وقف هو في وجوههم، ولم تأخذه بالمسلمين -وفيهم النساء والأطفال- رحمةٌ ولا شفقة، لولا أن الرأي الآخر انتصر، ورُفع الحصار. - أبو جهل صاحب أسوأ رأي للقضاء على دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) عند الهجرة، حيث قال «أرى أن نأخذ من كل قبيلة شابا فتى جليدًا نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارمًا، ثم يعمِدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد ...» وهو الرأي الذي حاول المشركون تنفيذه، لكن الله حال بينهم وبين ذلك. - ضحّى بمروءة الرجل التي كان الجاهليون يحرصون عليها، غيظا من الإسلام ورسوله، فضرب أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- بعنف وقسوة، حين أتى دار أبي بكر يوم الهجرة، فوجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه قد خرجا مهاجرين، بل إنه نال خزيًا أكبر حين تعدى على سمية بنت خياط -رضي الله عنها- في أول الإسلام، فجعل «يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها». - لم تتوقف حربه للإسلام على إيذاء من أسلم، بل تعدته إلى صد من يريد الإيمان عن دين الله تعالى، ففي صحيح البخاري أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي طالب: «يا عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. - وأما إيذاء أبي جهل لمن آمن فحدِّث ولا حرج، ويكفي أنه خدع أخاه لأمه عياش بن أبي ربيعة حين هاجر إلى المدينة مسلما، حتى رده إلى مكة زاعما أن أمه قد هجرت الدنيا لأجل هجرته، ولما رجع عياش معه فتنه عن دينه، حتى أدركته رحمة الله وهاجر. لم يكن سقوط أبي جهل سقوطًا لشخص بقدر ما كان سقوطا لنموذج، فكثيرون استعملوا ويستعملون مثل منطقه في معاداة الإسلام، والسعي نحو تدميره، فالحق الذي يبدو في نظرهم أنه سيضعهم في رتبة متأخرة لابد من إنكاره، بل محاربته، لأن تركه حرًا يحمل خطرًا شديدا عليهم .. هكذا تصوروا. إننا نجد في كل زمن «آباء جهل» كثيرين، منبثين في مشرق ومغرب، يتوارثون المهمة بعضهم من بعض، وخطرهم يأتي من أنهم لا يعادون الإسلام بأشخاصهم وحدهم، بل يتجاوزون ذلك إلى نشر ثقافة العداوة للإسلام، بتزوير حقائق الإسلام، وإثارة النعرات الجاهلية، وحشد القوى المادية والمعنوية في مواجهة الإسلام، وتشجيع من فتر عن عداوته للإسلام كي يستمر في عداوته.. وهكذا. وهكذا يبدو المعادون للإسلام من نوعية أبي جهل حوائط صد للخير عن قومهم وأهلهم، ولكن الإسلام، إن أحسن أهله فهمه وتمثُّله في حياتهم، لم تضره عداوة أبي جهل ولا آباء جهل الكثيرين، مهما بلغ مكرهم. المراجع - البداية والنهاية لابن كثير. - تاريخ الطبري. - تفسيرa القرطبي. - سير أعلام النبلاء للذهبي. - سيرة ابن هشام. - معجم البلدان لياقوت الحموي. |
|
28-03-17, 07:17 AM | #2 |
04-04-17, 06:43 AM | #3 |
|
|