انتظرت لحظةً، ثمّ التمعتْ عيناي بفرح ، كأنّما كنت أنتظر أن يسألني هذا السؤال.. قلت:
- اتمنّى يا جدّي أن أنال شهادة علمية عالية . وأن أسافر ، رفع جدي حاجبيه، وفتح عينيه، من دهشة، ثمّ أحاطني كعادته بذراعيه، واستفسر:
- تسافر.. أنت تتمنّى أن تسافر.. إلى أين؟!
قلت. وقد شعرت بالسعادة، لأنني أحظى باهتمام جدّي، ,أرغب في الإفصاح أمامه عن أحلامي:
- أحبّ أن اسافر إلى كلّ مكان.. أحب أن اسافر لأرى المدن والبلدان، واعرف الدنيا، وأطوف شرقاً وغرباً.. ما أجمل أن أمتطي حصاناً قويّاً، أو أركب سيارة! ما أجمل أن استقلّ قطاراً، أو أنتقل على متن طائرة! ما أجمل أن ابحر على ظهر سفينة، أو أنطلق في مركبة فضائية أتجوّل بين الكواكب والنجوم! أنا أحبّ السفر كثيراً، ياجدّي
.................
ابتسم جدّي، ثمّ قال بهدوء:
- حقاً. السفر مفيد، وفيه متعة، ولكنْ .. هل تعرف ما أفضل شيء تفعله إذا سافرت؟!
أجبت دون تردّد:
- أفضل شيء هو أن أحمل قناعاً خفيفاً وأنطلق، وأن أدوّن في مفكّرتي أسماء المدن التي أزورها، والأماكن التي أشاهدها!..
- أفضل ما تفعله في سفرك هو أن تغرس شجرة في كلّ مكان تذهب إليه!..
- شجرة!..
ردّدت كلمة شجرة.. وأنا اشعر بالدهشة ..
ماذا يقول جدّي؟.. إنّه يريد ممازحتي كعادته..
هل من المعقول أن أسافر، وأن أحمل معي غراساً، أنقلها إلى كل مكان لأزرعها.. أليس ذلك غريباً!..
قلت بلطفٍ:
- ولكنْ.. ما تطلبه صعب ياجدّي، أنا لا استطيع أن اقوم بهذا العمل، ربّما أضيّع على نفسي متعة السفر، ربّما أنشغل عن مشاهدة البلدان، والطّواف هنا وهناك، أأنا غارس أشجار أم رحّالة، مسافر!!
أجاب- هذا المرة- بإصرار:
- ومع ذلك، ياصغيري، لابدّ أن تغرس شجرة في كل مكان تسافر إليه!!
ازدادت دهشتي، واتسعت حيرتي.. كنت أتخيّل أنني أسير؛ وعلى كتفي غراس من كل نوع غراس، كثيرة أنقلها بصعوبة. آه.. ما أتعب السفر وأنت تحمل هذه الأحمال، ما أشقّ التنقّل والتّجوال! ثمّ .. عليّ أن أجد لغراسي مكاناً، عليّ أن أبحث عن تربة تلائمها لأزرعها!... لا.. هذا مستحيل.. مستحيل.
وضع جدّي كفّه الحانية على رأسي، وهمس:
- أنت ذكيّ.. لم تعرف- بعد - ما قصدت إليه!.إنني أريد منك أن تتخذ- في كل مكان - تسافر إليه صديقاً، الصديق كالشجرة، ,اصدقائي كلّهم كالأشجار، أغصانها الأولاد، وثمارها الأحفاد، اتّخذ اصدقاء جدداً.. منهم الأشجار التي تغرسها في كل ناحية!..
عانقت جدّي. لقد تعلّمت شيئاً جديداً، أحنيت رأسي أمام كلماته العذبة.. كنت أردّد هامساً: