سمعنا منذو زمن بعيد المقولة التالية
( اصل الكسرة من وادي الفرع ولحنها من قديد)
وكلمة وادي الفرع كمنشأ لبدايات الكسرة لها شواهد كثيرة من أهمها أن الكسرة يطلق علها في العرف القبلي اسم ( الفرعي ) وكلمة فرع تعني الشرق او جهة الشرق , واعتقد والله اعلم ان التسمية مشتقة من هذا الوادي المعروف بوادي الفرع , ولذلك اغلب قبائل حرب القاطنين في جهة الساحل يطلقون على الشرق اسم ( فرع ) ولم نرى ذلك في القبائل الأخرى سواء التي تسكن في وسط الجزيرة العربية أو في شمالها أو في جنوبها فقط الذين يتعاملون بكلمة فرع هم أهل الساحل ما بين جده والرايس وما حولها , ولذلك اجزم أن الكسرة كانت تسمى الفرعي قبل ان يتحول المسمى إلى كسرة وذلك نسبة إلى هذا الوادي , ثم بعد ذلك عندما انحدرت من مكانها الأصلي واتخذت لها لحنا خاصا بها واصبحت شعرا مغنى تترنم به عقيرة الفلاحين اثناء جداد النخيل في وادي قديد ومن هنا جاء لحنها التي تميزت به ولذلك سميت ( الحدري) والمعروف عند اهل الحجاز وخصوصا قبائل حرب التي تقطن المنطقة بين الحرمين الشريفين يطلقون على المنحدر المتجه إلى الغرب بـ ( حدر) ولذلك عندما انحدرت هذه الكسرة من موطنها الأصلي وصارت تغى في جداد النخيل وعلى ظهور المراكب أصبحت تعرف باسم الحدري .وكما إني اختلف مع من قال بان اصل الكسرة مرتبط بلعبة الرديح الينبعاوي فعليه اقول ان الكسرة لم تكن أصلا في الرديح والدليل عندي هذا البيت الذي يقول :
الرديح المسلمين اغدو به = من عشاء لا فاجر الاصباحي
اذ ان الشاعر الذي قال هذا البيت الذي يوضح اسم اللعبة لم يكن يجهل اللعبة ولا طريقة آدائها بل هو احد فرسانها وروادها ولذلك جاء هذا البيت الشارد للتدليل على ان الكسرة لست اصلا في لعبة الرديح عندما كانت اللعبة تعتمد على شعر غير شعر الكسرة .
ولو لاحظنا هذا البيت المشهور في الرديح نجد انه لا يوافق الكسرة في بحرها بل هو اقرب الى شعر النظم الذي تعودنا سماعه , كما أن الرديح لم يكن كما يلعبه الينبعاوية الآن بل انه كان يقارب في الحانه الرجيعي او ما يعرف بالبدواني وهذا البيت القديم الذي اشرنا اليه اكبر شاهد على ذلك وقد تطورت اللعبة واتخذت اسماء جديدة مبتكرة وانفصلت الفروع عن الأصل واتخذ أهل يبنبع لهم أسلوبا معينا في هذه اللعبة المعروفة بالرجيعي وهي لعبة يشتهر بها ساحل البحر الاحمر شرقه وغربه فتنتشر لعبة الجيعي من جده الى تبوك وما بين الحرمين الشريفين كما انها لعبة القبائل التي هاجرت من الحجاز الى شرق البحر الأحمر وتلعب هذه اللعبة وبالخصوص في مدينة كسلا السودانية وبنفس الطريقة التي تؤدى بها في الحجاز وبنفس الكلمات والالحان , كما ان الالعاب في مجملها متأخرة كثيرا عن الشعر فالالعاب مستحدثة بعد الشعر واغلب الالعاب ذوات الدف هي وافدة على الجزيرة العربية من منطقة افريقيا وكان الرسول وصحابته يتعجبون للعب الاحباش عندما قدموا الى المدينة والقصة مبسوطة في كتب السيرة ولذلك نقول ان الدفوف ليست من العاب اهل الجزيرة العربية بل انها ادخلت اليها بفعل الاحتكاك الثقافي بين الحضارات وتلاقحها , والكسرة كانت قبل الرديح بزمن طويل , ولكن الينبعاوية ادخلوا الكسرة الى الرديح وفصلوه عن الاصل الذي هو الرجيعي او البدواني واتخذوا له اسلوبا اخر يختلف عن الاصل في الحانه ومقاماته وايقاعاته وايضا لوازمه والدليل على ذلك انه لا يوجد للعبة الرديح من الالحان سوى ستة فقط اثنان منها منقرضة وهي العناب ولحن اخر لا اتذكره الان ولا يوجد من يؤدي هذين اللحنين الآن واربعة حية يمارسها رواد اللعبة وهي ( سلام , وزمانين , ومالك الروح , وليحاني ) وهذه الالحان هي المشهورة , ولو اخذنا لعبة الزير مثلا وهي تعتمد الكسرة لوجدنا ان فيها الحان كثيرة ولوازم لا يمكن حصرها رغم انها تعتمد على الكسرة ذا البيت الواحد فقط , ولا نختلف في ان الينبعاوية اعطوا الكسرة زخما كبيرا وطوروها بشكل واضح لا جدال فيه ولكنها تبقى عندهم مرتبطة بالرديح ارتباطا وثيقا .والله اعلم .
لماذا سميت الكسرة بهذا الاسم
الكسرة هي انكســار الخواطر وشجن الشكوى
الكسرة أشعار شعبية يغلب عليها طابع التوجد والشجن وربما جاء اسمها من خلال الانكسار الذي يحسه صاحب الكسرة والملاحظ ان اغلب هذه الكسرات يحفها هذا الانكسار ويؤطر جوانبها ولذلك هي حزينة في اغلب تكويناتها حتى في الألعاب الشعبية التي تعتمد الكسرة والتي يعتبر البادي بها مشتكي والشكوى لا تتم إلا من معاناة فلعل التسمية اشتقت من ذلك الانكسار الذي يعانيه قائل الكسرة ويجعله ينزف انينه وتوجده وحنينه شعرا رقيقا مؤثرا .. وهذا الشعر في اغلبه بكائي في تكوينه عاطفي لحد الدهشة حزين جدا بمعنى يهيج سامعه على البكاء والنشيج لأنه بطبعه شعر وجداني عاطفي في المقام الاول وتجسد المعاناة والفرقة واللوعة والألم ايما تجسيد وكثير ما نسمع عند غناءها مصاحبة السمسمية جملة ( وإنوا يا مجاريح ) يعني إنوا وتوجدوا,وكثرا ما نحس بكسرة الخواطر أثناء سماع الكسرة ونسمع آناة الرواة او المغنين,بعد كل شيلة للكسرة (آه) والكسرة تختلف في تنسيقها بالنسبة لعمود الشعر فهي مثنيات تتكون من بيتين اثنين يطلق على الشطر فيها غصن أي إن الكسرة ذات البيتين تتحول إلى أربعة أغصان فالصدر الأول غصن والعجز غصن وكذلك الصدر الثاني والعجز الثاني وهكذا .
كما إنها ليست محصورة في المثنيات وإنما تتكون أحيانا مروبعات يعني أربع أبيات ومثومنات ثمانية أبيات ,, وهي عمودية التنسيق تعتمد على القافية وحروف الروى أي الأحرف الأخيرة في الصدر تتشابه وتختلف عن أحرف الروي في العجز التي أيضا تكون متشابه بمعنى ان الصدر له قافية خاصة به والعجز له قافية مختلفة خاصة به
ورغم إن الكسرة أكثرها في التوجد والشكوى والحنين و تتسم بهذه السمات الصادرة من الغزل العفيف إلا إن بعضها تجاوز ذلك وقيلت بعض الكسرات في الرثاء والمدح والهجاء وغيره من إغراض الشعر المختلفة ولكن تلك ليست هي هدف الكسرة التي تأسست عليه , فكل تلك الأنواع الشعرية هي وافدة على شعر الكسرة ولذلك اتقن شاعر الكسرة هذه الأنواع ..والله اعلم .