|
طرفاً من ترجمة الإمام المجاهد عبدالله بن المبارك
|
|
|
|
طرفاً من ترجمة الإمام المجاهد عبدالله بن المبارك
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
العالم الرباني المجاهد : عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن
التركي الأب ، الخوارزمي الأم ، ولد سنة ثماني عشرة بعد المائة
وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة
قال الإمام الذهبي : ( ... الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته ،
طلب العلم وهو ابن عشرين سنة ، سمع من هشام بن عروة ، وإسماعيل بن أبي خالد
وسليمان الأعمش ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ،
وموسى بن عقبة ، ومعمر بن راشد ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وشعبة ،
وخلق كثير .
قال الخطيب البغدادي : كان ابن المبارك من الربانيين في العلم الموصوفين بالحفظ
ومن المذكورين بالزهد .
قال عبد الرحمن بن المهدي : ما رأيت أعلم بالحديث من سفيان الثوري ، ولا أحسن
عقلاً من مالك ، ولا أقشف من شعبة ، ولا أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك .
قال الأسود بن سالم : كان ابن المبارك إماماً يقتدي به ، وكان من أثبت الناس في
السنة إذا رأيت رجلا يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام .
قال أحد أصحابه : كانت دار ابن المبارك بمرو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعا في خمسين ،
فكنت لا تحب ان ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلا له مروءة وقدر إلا
رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم خلقا يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا
اليه. فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج الى الصلاة ثم يرجع
الى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد. فقلت له يا أبا عبدالرحمن، ألا تستوحش
هاهنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه وأحيت ما ها
هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون قوم إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا:
اسألوا ابن المبارك، وأنا هاهنا في عافية من ذلك.
قال أحد أصحابه : وكنت مع ابن المبارك يوما فأتينا على
سقاية والناس يشربون منها، فدنا ليشرب ولم يعرفه الناس
فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا،
يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.
قال عطاء بن مسلم: يا عبيد رأيت عبدالله ابن المبارك؟
قلت: نعم، قال: ما رأيت مثله ولا يرى مثله.
قال شقيق بن إبراهيم : قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لم تجلس معنا؟
قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين. قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟
قال: أذهب أنظر في عملي فأدرك آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون
الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبعد من كثير من الناس أقرب الى الله،
وفر من الناس كفرارك من أسد، وتمسك بدينك يسلم لك.
قال أشعث بن شعبة المصيصى : قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف
عبدالله بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من
برج من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم
الرقة يقال له عبدالله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع
الناس إلا بشرط وأعوان.
قال سويد بن سعيد : رأيت عبدالله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منها ثم
استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي المولى حدثنا عن محمد بن المنكدر،
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ماء زمزم لما شرب له"
وهذا أشربه لعطش يوم القيامة. ثم شربه.
قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك إذا قرا كتاب الرقاق فكأنه بقرة منحورة من البكاء
لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء.
قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبدالله بن المبارك
فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلا
إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه.
قال حبان بن موسى : عوتب ابن المبارك فيما يقرى من المال في البلدان
ولا يفعل في أهل بلده كذلك، فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل، وصدق
طلبوا الحديث وأحسنوا الطلب، فاحتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم،
وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم،
ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
قال عبدالله بن ضريس : قيل لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن، الى متى تكتب
هذا الحديث؟ فقال: لعل الكلمة التي انتفع بها ما كتبتها بعد.
قال الحسين بن الحسن المروزي : سمعت ابن المبارك يقول: أهل الدنيا خرجوا من
الدنيا قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها. قيل له: وما أطيب ما فيها؟
قال: المعرفة بالله عز وجل.
قال علي بن الحسن بن شقيق : سمعت ابن المبارك يقول: لأن أرد درهما من شبهة
أحب الى من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف.
قال سليمان بن داود : سألت ابن المبارك من الناس؟ قال: العلماء، قلت فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قلت: فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم.
قال أحمد بن جميل المروزي : قيل لعبدالله بن المبارك: إن إسماعيل ابن علية قد ولى الصدقات. فكتب اليه ابن المبارك:
يا جاعل العلم له بازيا يصطاط أموال المساكين
أحتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعد ما كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها عن ابن عون وابن سيرين؟
أين رواياتك والقول في لزوم أبواب السلاطين؟
إن قلت أكرهت فماذا كذا زل حمار العلم في الطين
فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى.
قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك إذا
كان وقت الحج اجتمع اليه اخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحك يا أبا عبدالرحمن، فيقول
لهم: هاتوا نفقاتكم فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم
ويخرجهم من مرو الى بغداد، بأحسن زي وأكل مرؤة، حتى يصلوا الى مدينة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا الى المدينة قال لكل رجل منهم، ما أمرك عيالك أن
تشتري لهم من المدينة، من طرفها؟ فيقول: كذا، ثم يخرجهم الى مكة فإذا وصلو الى
مكة فقضوا حوائجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟
فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم ويخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا
الى مرو فإذا وصلوا الى مرو جصص أبوابهم ودورهم. فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم
وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع الى الى كل رجل صرته
بعد أن كتب عليها اسمه.
قال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبدالله بن المبارك، ولا أعلم أن الله
خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبدالله ابن المبارك، ولقد حدثني
أصحابي أنهم صحبوه من مصر الى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم.
قال عبدالله بن خبيق : قال رجل لابن المبارك: أوصني. فقال: اعرف قدرك.
وكان رحمه الله كثير الغزو و الجهاد
قال رحمه الله يذم الناسك الذي سكن ببغداد و ترك الجهاد
أيها القارئ الذي لبس الصو ف وأضحى يعدّ في العبّاد
الزم الثغر والتعبّد فيه ليس بغداد موضع الزهّاد
إن بغداد للملوك محل ومناخ للقارئ الصياد
الثغر: الموضع يخاف منه هجوم العدو
كيف القرار وكيف يهدي مسلم والمسلمات مع العدو المعتدى
الضاربات خدودهن برنة الداعيات نبيّهن محمد
القائلات إذا خشين فضيحة جهة المقالة ليتنا لم نولد
ما تستطيع وما لها من حيلة إلا التستر من أخيها باليد
قال عبده بن سليمان : كنا في سريّة مع عبدالله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا
العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا الى الراز، فخرج اليه رجل فطارده
ساعة فطعنه فقتله، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه
بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبدالله ابن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن
يشنّع علينا.
قال أبو وهب : مر ابن المبارك برجل أعمى فقال: أسالك أن تدعو الله أن يرد بصري.
قال: فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر.
قال الحسن بن عرفة : قال لي ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام فذهب على
أن أرده الى صاحبه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي؛ فرجعت ،
يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته الى صاحبه.
قال شريح بن مسلمة : سمعت عبدالله بن المبارك يقول: كاد الأدب يكون ثلثي الدين.
قال أبو بكر عبدالله بن حسن: قال ابن المبارك: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.
قال أحمد بن الزبرقان: سمعت عبدالله بن المبارك يقول: إن الصالحين فيما مضى
كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي
علينا أن نكرهها.
قال القاسم بن محمد : كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيرا ما كان يخطر ببالي فأقول
في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟
إن كان يصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو،
وإن كلن يحج إنا نحج.
قال: فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام نتعشى في بيت إذا طفئ السراج فقام
بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت الى وجه ابن
المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل
علينا، ولعله حين فقد السراج فصار الى الظلمة ذكر القيامة.
أدرك ابن المبارك جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة، وإسماعيل ابن أبي خالد،
والأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبدالله بن عون، وخالد الحذاء،
ويحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة، في آخرين.
وروى كبار الأئمة: كالثوري وشعبة والأوزاعي والحمادين في نظرائهم،
وتوفى بهيت منصرفا من الغزو لثلاث عشرة سنة خلت من رمضان سنة أحدى وثمانين
ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال محمد بن فضيل بن عياض : رأيت عبدالله بن المبارك في المنام فقلت: أي
الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم.
قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة،
ولكمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العينى.
صفوة الصفوة لإبن الجوزى رحمه الله بتصرف |
|
|
|
|
|