روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
14-11-09, 09:36 PM | #1 |
كـــاتــب
|
دور المسجد فى تحقيق مفهوم الامن الاجتماعي
دور المسجد في تحقيق مفهوم الأمن الاجتماعي ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425هـ : أ.د/ عبد الكريم بن صنيتان البيضاني أستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الجلسة الثانية/ الاثنين 22/2/1425هـ الساعة 10.45 صباحا الدور الأمني للمسجد رئيـــس الجلســــــة معالي الدكتور/ أحمد بن علي المباركي عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الورقة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن الأمنَ ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها حياةُ البشرية، ودعامة كبرى يرتكز عليها إبداع وعطاء الإنسانية، ومقصِدٌ سام، يتطلع لتحقيقه الأفراد والجماعات، وتسعى لتوفيره الدول والحكومات، ويرتبط ما يطمحُ إليه المجتمع من رقي وازدهار، بقدر ما يتحقق في أرجائه من أمنٍ واستقرار، ويتعطشُ المجتمع للأمن كلما حَلَّت المآسي والنكبات، ولامست أرجاءه القلاقل والاضطرابات. والمجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات بتشريعاته الفريدة، ونُظُمِه الخاصة، التي يستقيها من عقيدته الصافية، ويستمدها من جوهر شريعته الغراء السامية، فوحدته قوية، ورابطته وثيقة، عَمَّت أفراده على اختلاف ألوانهم، وتعدد أجناسهم، وتفاوت مستوياتهم، وضَمَّتهم جميعاً وشيجة الإيمان، ورابطة العقيدة الإسلامية التي هي أشرف الروابط وأوثقها، وأفضل الوشائج وأكرمها، فطرهم الخالق عليها، فتغذت نفوسُهم بمحاسنها، وأتْرِعَت أفئدتهم بفضائلها، رسّخَ الإسلام أسس حياتهم الاجتماعية، وأرسى دعائمها ثابتةً قوية، فألَّفت بين قلوبهم، ووحدت صفوفهم، ويزداد تماسكهم يوماً بعد آخر، حين يلتقون في المكان الذي شرع الإسلام أن يلتقوا فيه، وتجتمع أعدادهم في رحابه في جنباته تتوثق صِلاتهم، وتترسّخ علاقاتهم، ويتلقون جرعاتٍ إيمانية تهذب نفوسهم، وتقوم سلوكهم، وتحفظ وحدتَهم، تدوى كلمات الأذان لتنشر الأمن في ربوع المجتمع، ومن على منبره تنطلق التوجيهات المباركة داعية إلى التآلف والانسجام، والتماسك والالتئام، وفي صحنه تتغذى النفوس بثمرات الإيمان، خاضعة للواحد الديان. إن المساجدَ منابع ثَرَّةٌ تفيض بالأمان، ومراكز إشعاعٍ تضيء الطرق لهداية الإنسان، وترسِّخ في نفسه الشعورَ بالارتياح والاطمئنان، ليصبح المجتمع آمناً مستقراً، وتقوى الصلة بين أفراده، وتتوطد العلاقة بين أبنائه، ويعيش الجميع حياةً سعيدة في ظلاله الوارفة. ولإبراز الأدوار الريادية السامية، التي يضطلع بها المسجد في توطيد دعائم أمن المجتمع، وتوضيح المجالات الفاعلة التي يقوم بها في تثبيت قواعد أمنه وسلامته، كان هذا البحث الذي أحببت أن أسهم فيه لإثراء هذا الموضوع المهم، الذي انبثقت فكرة الكتابة فيه من مركز البحوث والدراسات بكلية الملك فهد الأمنية، فتلقيت دعوة كريمة للمشاركة من القائمين عليها، الذين أشكرهم لإتاحة الفرصة للإسهام بالكتابة في هذا الموضوع، والالتقاء بالأخوة الباحثين والمحاضرين، على مائدة (المجتمع والأمن)، فلهم جزيل الشكر ووافر الامتنان. وقد جعلت البحث في تمهيد وفصلين وخاتمة، جاءت على النحو الآتي: التمهيد : . في بيان مكانة المسجد في الإسلام. الفصل الأول : . الوظائف الأمنية للمسجد. الفصل الثاني : . دور الإمام والخطيب في تفعيل الوظائف الأمنية للمسجد. الخاتمة: . نتائج البحث والتوصيات. والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، ويهدينا سواء السبيل ويحفظ علينا ديننا، ويحرس بلادنا من كيد الكائدين، ومكر الحاقدين، وأن يعم الأمن سائر أرجائها، وينعم الجميع بالاستقرار في ظلالها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه عبد الكريم بن صنيتان العمري غرة محرم 1425هـ تمهيد مكانة المسجد في الإسلام ينظرُ الإسلام إلى الحياة نظرةً عامة وشاملة، من حيث اعتبارها ميداناً واسعاً، ومكاناً رحباً، يُعْبَدُ اللَّهُ تعالى في أرجائه، ويطاع في سائر نواحيه وأجزائه، إلا أنه بَوَّأ المسجدَ مكانة خاصة، ومنحه فضائل فريدة، وميَّزَه بخصائص عديدة، باعتباره منطلق الدعوة إلى الخالق جل وعز، ومركز الإشعاع الأول، الذي انطلقت من جنباته أحكام التشريع، وانبعثت من ردهاته أشعة الإيمان. لقد عَظَّم الإسلامُ المسجد وأعلى مكانتَه، ورسَّخَ في النفوس قدسيتَه، فأضافه اللَّهُ تعالى إليه، إضافةَ تشريفٍ وتكريم. فكان أن احتل المسجد مرتبةً مميزة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم، وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان. إن في بدئه –عليه الصَّلاة والسَّلام- ببناء المسجد لحظة وصوله المدينة، وشروعه في إقامة مسجده في قلبها، ليعطي دلالة كبرى على الدور البارز الذي يقوم به المسجد، ويضطلع به في المجتمع المسلم، وفي حياة المسلمين العامة والخاصة، إذ هو بداية الانطلاق في تكوين لمجتمع الإسلامي، ومركز الإشعاع الفكري والحضاري الأول، الذي انبثقت منه أنوار الهداية والإرشاد، وشَعَّ من قلبه ضياءُ التوفيق والرشاد. فالمسجد منبع الحضارة الإسلامية الشاملة والضافية، ومصدرُ الضياءِ الفكري والأخلاقي، ومَبْعَثُ الخلق الأدبي والتربوي والاجتماعي، الذي رسم للبشرية طريق السعادة والفلاح، وسبيل التفوق والنجاح،وصاغ حياة الناس على أساسٍ من التوجيه الديني القويم. إن المسجد لم يكن مكاناً للطاعة والتعبد، ومقراً للصلاة والتهجد، بل هو – بالإضافة إلى ذلك - تاريخ حافل بالإنجاز والمكرمات، وموئل يلتقي فيه المسلمون لتلقي المواعظ والإرشادات، والاستماع إلى النصائح والتوجيهات، وينصتون إلى ما يُلقى فيه من الوصايا والعظات، ويعرضون فيه ما يحدث بينهم من عوائق ومتغيرات، ويتناولون فيه ما يطرأ في مجتمعهم من تغيّر واختلافات، ويتشاورون في جنباته لحل مختلف القضايا والمشكلات. فرسالة المسجد شاملة ومتنوعة، وضافية ومتعددة، تنتظم مجالاتٍ مختلفة لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته، وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة، من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية، التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبحُ فيهم جموح الغرائز وشهواتها، وترسّخ أواصر المحبة، وروابط الألفة بين الأفراد، وبسط الأمن الوارف في ربوع المجتمع، ونشر الاستقرار والاطمئنان في أرجائه، وتوطيد قواعده، وتثبيت دعائمه. أثر المسجد في تحقيق الأمن الاجتماعي الفصل الأول : ؟ لوظائف ؟ لأمنية للمسجد وتحته ستة مباحث: * المبحث الأول : المسجد مصدر الأمان. * المبحث الثاني : صلاة الجماعة. * المبحث الثالث : القرآن وحلقات التحفيظ. * المبحث الرابع : الخطب والمحاضرات. * المبحث الخامس : التعارف والتآلف. * المبحث السادس : المساواة وترسيخ الأمن. إن الصورة المشرقة للمسجد في الفكر الإسلامي، والمكانة الخاصة له في نفوس المسلمين، تجعل منه ذا أثرٍ فاعل ومهم في حياة الناس، حيث يهرع المصلون إلى المسجد لأداء العبادة، ويترددون عليه للقيام بما افترض عليهم، ومن خلال ذلك استقرت في أذهانهم الثقةُ بالمسجد، وتأصلت في نفوسهم قناعة تامة بما يسمعون فيه، وأصبح ذلك مترسخاً في قلوبهم، فما يصدر منه، وما يُلقى فيه محلَّ ثقةِ الجميع واطمئنانهم. وعند التأمل في الأدوار التي يقوم بها المسجد، والعوامل المرسخّة للأمن، المنبثقة من بين أرجائه وجنباته، يمكن أن نخلُص إلى العديد من المجالات المحققةِ للأمن الاجتماعي من خلال المسجد، ومن أهمّها: المبحث الأول المسجد مصدر الأمن والأمان للمسجد قدسية خاصة، ومكانة فريدة في قلب كل مسلم، فهو المكان الذي تطمئن فيه النفوس، وتهنأ في رحابه القلوب، وتجد فيه الخلاص مما يساورها من قلق، والنجاة مما تشعر به من خوف، والراحة مما تحس به من اضطراب، إذ تتردد في جنباته أسبابُ الاطمئنان، وبواعث الاستقرار والأمان، ومنها ذكر الله تعالى، وتتلى فيه آياتُ القرآن الكريم، ويسمع في أنحائه كلُّ ما يطهر القلوب، ويصفي النفوس، وينقي الأفكار والأذهان، ويزكي الأرواح ويهذبها، ويغذيها ويشحنها بروح اليقظة الإيمانية، والاستقامة السلوكية. فكلما ازداد تردد المسلم على المسجد، كلما ازداد تعلقاً به، والتصاقاً بخالقه، وقرباً من مولاه وسيده، فارتقى بروحه نحو مرضاة الرب، ومحاسبة النفس، ومراتب الفضيلة، وابتعد عن النوازع العدوانية، والدوافع الإجرامية. إن الفرد حين يلتصق بالمسجد التصاقاً وثيقاً، ينعكس أثر ذلك إيجاباً على المجتمع بأسره، حين يتلقى في المسجد معاني الفضيلة، وقيم الإسلام السامية، التي تشيع في النفوس الاطمئنان، فتستقيم على المنهج الحق، وتنحسر فيها دواعي الشرور والإفساد. والمسجدُ موئل يتسابق إليه المسلمون إذا نزلت بهم كارثة، أو حَلَّت بأوطانهم مصيبة، أو داهم ديارهم خطب، أو هددهم خطر، فيلجؤون فيه إلى ربهم، وتخضع نفوسهم لعظمته، ويلحون عليه بالدعاء، ويظهرون له الذل والخضوع والاستكانة، ليفرج كرباتهم، ويزيح أحزانهم، ويكشف بلواءهم، ويدفع عنهم الشرور والأدواء، ويرفع عنهم المصيبة والبلاء، ويفيض عليهم من خيراته، ويعمهم بفضله ورحماته. فحين تصاب البلاد بالقحط، ويعمها الجدب، وينقطع عنها الغيث، أو يتأخر نزوله، فتغور المياه من الآبار، وتموت الزروع والأشجار، يفزع الجميع إلى المساجد ليصلوا صلاة الاستسقاء، وترتفع أيديهم إلى مجيب الدعوات، ويتضرعون إلى فارج الكربات، ويريقون ماء الأسف على أوراق الذنوب والخطيئات، حتى يفتح عليهم من الفضائل والبركات، ويفيض عليهم من النعم والخيرات، ويغير حالهم من شدة إلى رخاء، ومن عسر إلى يسرٍ وطمأنينةٍ وصفاء. ويهرع المصلون إلى المساجد، حين يخوفهم ربُّهم بالآيات، وتحل بهم المصائب والنكبات، والتي تهتز من هولها المشاعر، وتقشعر من عِظَمِها الأبدان، كالزلازل والصواعق والفيضان، وكسوف الشمس وخسوف القمر وانفجار البركان، بسبب التمادي في الغي والعصيان، فينطرح الجميع بين يديه، بدعوات خاشعة، وقلوب خاضعة، وعيون دامعة، حتى يكشف ما حل بهم من البلاء، ويرفع ما نزل ببلدانهم من الأضرار وعضال الداء. ولتكون هذه الآيات موعظة وذكرى، ليأخذوا حذرهم، ويستدركوا ما فات في بقية عمرهم، ويستعدوا لما هو آت، ويَجِدُّوا في إصلاح أنفسهم وتزكيتها، ويجتهدوا في تقويم اعوجاجها وتربيتها، حتى يتحقق لهم موعود ربّهم، فيزول عنهم الحزن، ويذهب عنهم الخوف، وينحسر عنهم القلق، وينعموا بالأمان، ويعمهم الاستقرار والاطمئنان. ** ** ** المبحث الثاني صلاة الجماعة المسجد أعظمُ مكان يُقَوّى صلةَ العبد بخالقه، إذ فيه تحقيقٌ للراحة النفسية، والاطمئنان القلبي، والسلامة من الهموم والمنغصات، والخلاص من الغموم والمكدرات، بأداء العبادة، والمواظبة على الطاعة. إن دوام ارتباط المسلم بهذه البقعة الطاهرة، وتعلقه بها، لا ينفك عنها طوال حياته من شأنه أن يعمق إيمانه، ويُرسّخَ صلته بربه، فهو يؤدي الصلاة المفروضة خمس مرات في اليوم، ويتردد على المسجد ليصلي مع إخوانه، فتتلقى النفس جرعات إيمانية متوالية، تجعلها بعيدة عن الغفلة، منقادة للحق، ساعية في مرضاة الرب، حتى أصبح صلاحها واستقامتها مرتبطاً بالصلاة، وبها انشراحها وسعادتها، وأمنها وأنسها، وفرحها وسرورها، وسكونها وطمأنينتها، كما أن فقدانها سبب في شقائها وتعاستها، وخوفها واضطرابها، وحزنها وقلقها. فالصلاة مصدر الأمن والاستقرار، وينبوع السعادة والاطمئنان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ~( ): ((القلب فقير بالذات إلى الله تعالى من جهتين: من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل. فالقلب لا يصلح ولا يفلح، ولا ينعم ولا يسر، ولا يلتذ ولا يطيب، ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده، وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات، لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه بالفطرة، من حيث هو معبوده ومحبوبه، ومرغوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور، واللذة والنعمة، والسكون والطمأنينة، وهذا لا يحصل إلا بإعانة الله له، فإنه لا يقدر على تحصيـل ذلك له إلا الله، فهو دائماً مفتقرٌ إليه حقيقـة انتهى كلامه ~. فالصلاة تنظم سلوك الفرد، وتجعله يسير وفق منهج الخالق وتشريعاته، وتصقله على الالتزام بهدي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وتربيه على مقاومة كل ما في نفسه من ضعف، والتغلب على ما يتجاذبها من شهوات، وما ينازعها من الشرور والمفسدات، وما تفكر به من عدوان، فالعبادة تأطرها على أن تكون منبع خير وأمان، ومصدر ضبط واعتدال واتزان. فإذا اصطبغت بذلك نفوس المصلين، وأصبح سلوكها تبعاً للوحي الإلهي، والنهج القرآني، سار المجتمع بأفراده على الصراط السوي، وسلم –بإذن الله تعالى- من كل ما يعكر صفوه، أو يثير في أوساطه ما يزعزع أمنه. وبذلك يظهر الأثر القوي، والدور الحيوي للمسجد في ترسيخ دعائم الأمن، وتوطيد قواعد الاستقرار في ربوع المجتمع، فالصلاة ذات أثر مباشر في تقويم سلوك الأفراد، وهي وسيلة فاعلة للوقاية من الانحراف، وعامل قوي للحماية من الجريمة، المبحث الثالث القرآن الكريم وحلقات التحفيظ القرآن الكريم كلام الخالق جل وعز، فيه من الهدى والرشاد، والحكمة والسَّداد، والعبر والمواعظ، ما تلين له الصخور الصماء، وتتيقظ من سباتها القلوب العمياء، وفيه ترغيب في الفضائل، وترهيب من الرذائل، بما يرتقي بالإنسان إلى أعلى الدرجات والمنازل. وفي بيوت الله، تتلى آيات القرآن الكريم، ويتردد صداها في جنباته، ينطلق من أفواه القراء هذا الذكر الحكيم، أو من المدارسة لآياته، إما في حلقة لتعليم التلاوة والتجويد، أو درس لتفسير آيات الكتاب العزيز، أو تلاوة مع التدبر والتفكر في مواعظ القرآن الكريم وهداياته، أو قراءته من إمام المسجد في صلاة الجماعة. ولا يخفى على أحدٍ مكانة القرآن في نفوس المسلمين، وأهميته في تحقيق الراحة النفسية، والاطمئنان القلبي، والسلامة من القلق والهموم، والخلاص من الأفكار الذميمة والغموم، وحين تجتمع القلوب على تلاوة آيات القرآن الكريم وتتحلق على مأدبته الفاضلة، في أشرف البقاع، بيوت الله، فإن ذلك يضفي عليها أجواء من السكينة والارتياح، ويكسوها برحمة الخالق فتطمئن بها الأرواح، روى أبو هريرة أن رسول الله ‘ قال: >ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده<( ). ومن هذا يتضح فضل قراءة القرآن في المساجد، وأهمية إقامة الحلقات القرآنية فيها، لما لها من أثر فعال في غرس الأمن النفسي في نفوس القراء والمستمعين، وحلول السكينة والطمأنينة، وانعدام القلق والاضطراب، والجنوح إلى الرفق والإحسان، وبعث الارتياح والأمن والاطمئنان وبالتالي فإنَّ المواظبة على قراءة القرآن وسماعه – وبالأخص في المساجد - مدعاة لاطمئنان القلوب، وأمن النفوس، ووسيلة فاعلة لتحقيق الحياة الطيبة لأفراد المجتمع، وبث الأمن النفسي في أوساطه، وإزالة الخوف والعنف من نفوس أبنائه، وغرس معاني التوكل على الله تعالى، والرضا بقضائه وقدره،والتحلي بالصبر في معالجة المصائب، وصيانة النفوس من الانحراف السلوكي والخروج بها من المصاعب. إنَّ آيات القرآن الكريم، والتي تتردد على مسامع المصلين في المساجد تمثل دستوراً تربوياً يقي المسلمين وأبناءَهم والأجيال الصاعدة، والنشء اللاحق شرور المخاطر، والانزلاقات الفكرية، والانحرافات العقدية، ومخاطر العادات المقيتة، ويحفظ الجميع من الانسياق وراء الإغراءات الوافدة، والنزعات الفكرية المضللة، ويحميها من الشكوك الزائفة، والشبهات البغيضة، المحركة للفتن المضللة، والصادة عن سبيل اله القويم، والصارفة عن صراطه المستقيم، ولقد عجزت المجتمعات غير المسلمة أن تحقق الأمن في نفوس أفرادها، وفشلت جهودها لترسيخه في مجتمعاتها رغم أجهزتها المتقدمة ونظمها المتطورة، وإمكانياتها الهائلة، لأن الأمن الحقيقي ينبع من داخل النفوس، وينبعث من سويداء القلوب، فيفيض على المجتمع راحة وسلاماً، وسعادة وأمناً واطمئناناً ** ** ** المبحث الرابع الخطب والمحاضرات يقوم المسجد بدورٍ مهمٍ في التربية والدعوة، وإرشاد الناس وتوجيههم، وتقوية الوازع الديني، والحفاظ على الوحدة الإسلامية حقيقة ومظهراً. ولقد كان المصطفى عليه الصلاة والسلام، يجلس بالمسجد النبوي، يعلم الصحابة أحكام دينهم، ويبصرهم بعاقبة أمرهم، حتى كان التنافس بينهم في التسابق إلى حضور مجلسه، والتقدم للظفر بالإنصات إليه، لينهلوا من مناهله الثرة العذبة، فلم يكن المسجد مخصصاً للعبادة فقط، بل كان جامعة علمية للتربية الإسلامية، والعلوم المفيدة، ومنبعاً للثقافة، وتعلم القرآن وفهم آياته وأحكامه التشريعية، ودراسة الأحاديث النبوية الشريفة، والتفقه بنصوصها ومضامينها. ولا زال المسجد يواصل دوره، ويؤدي رسالته في تعليم أفراد المجتمع وتوجيههم، من خلال النشاط العلمي المقام في جنباته، والذي يتنوع بين الحلقات العلمية والمحاضرات، وخطب الجمعة والندوات، والكلمات المرتجلة التي يلقيها إمام المسجد وخطيبه، أو يستضاف فيها علماء بارزون لهم أسلوبهم المميز في التعليم والإرشاد، فتنظم لقاءات متعددة على مدار الأسبوع، يتناول فيها المتحدثون ما تمس الحاجة إلى معرفته، وما يتصل اتصالاً وثيقاً بأحوال الناس، ومعالجة مشكلاتهم الاجتماعية، وإيضاح العلاج الناجع لها. فللمسجد روحانية خاصة، وتميز فريد، حيث تتقبل النفوس ما تسمع فيه من كلمات، وتصغي القلوب إلى ما يلقى في رحابه من توجيهات، وتنصت إلى ما ينفعها ويرشدها إلى طريق الهداية والفلاح، ويقوم سلوكها نحو أداء الطاعات، وفعل الخيرات. فالعلوم المتنوعة، والمعارف المتعددة، الموجهة من صحن المسجد ومنبره، تؤدي أهدافها الشرعية، وأغراضها التربوية في بناء المجتمع الآمن، واستقامة أفراده، وتقويم سلوكهم، وإقامة العدل، وأداء الحقوق، وترابط المجتمع، وتآلف أفراده، وإذابة الفوارق المصطنعة المؤدية إلى إيغار الصدور، وإيجاد النـزاع والشقاق في أوساطه. فالتعليم في المسجد له سمة فريدة، وخاصية مميزة، عن التعليم المتلقى في أي مكان آخر، فالفرق بين التعلم في المسجد، والتعلم في غيره من وجوه، منها( ): 1- أن التعليم في المسجد يكتنفه جو عبادي، يشعر المعلم فيه والمتعلم والسامع أنهم في بيت من بيوت الله، فيكونون أقرب إلى الإخلاص والتجرد والنية الحسنة، لا يقصدون - في الغالب - من التعلم والتعليم إلا وجه الله تعالى. 2- أن التعليم في المساجد أشمل، حيث يدخل المسجد من شاء من العلماء المؤهلين، ليعلم الناس، كما أنه يدخل من شاء من المتعلمين أو المستمعين، فيستفيد في المسجد جمع غفير، العالم والمتعلم والمستمع. 3- أن علماء المسجد وطلابه أقرب إلى عامة الشعوب من طلاب المدارس والجامعات، حيث تجد عامة الناس يقبلون إلى عالم المسجد وطلابه، ويستفيدون منهم، كما تجد عالم المسجد وطلابه يهتمون بعامة الناس في التعليم والدعوة أكثر من غيرهم. المبحث الخامس التعارف والتآلف يتميز المجتمع الإسلامي بسيادة شعور المحبة والتآخي بين أفراده، وشيوع روح الترابط والتماسك في أوساطه، وقد استمد تلك القيم من مشكاة الوحي وهدي النبوة، فأصبح نسيجاً فريداً في صفاء العلاقات البشرية، وشفافية الروابط الاجتماعية. وحين نتأملُ انبثاق رابطة التآلف والتآخي السائدة بين المسلمين، والمصدر الذي شعت منه، لوجدنا أن للمسجد أثراً قوياً، ودوراً رئيساً في تكوين تلك الرابطة، فأهل الحي يجتمعون في المسجد كل يوم خمس مرات، يؤدون الصلاة جماعة،ويركعون لربهم ويسجدون، ويخضعون لجلاله ويذلون، وتسود بينهم روح الود والمحبة، والتقارب والألفة، إذ تتكرر رؤية بعضهم لبعض، والتقاؤهم في مكان واحد، وتراهم جميعاً غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، مأمورهم وأميرهم، يقومون جنباً إلى جنب في صف واحد. إن التقاء المصلين في المسجد يعمق الاتحاد والإخاء بينهم، ويجعل منهم قوة متماسكة، ووحدة متآلفة، فالمسلم يقابل أخاه في المسجد، فيسلم عليه، ويبادله تحية الإسلام، إحدى شعائر الإسلام الفاضلة، وقيمه السامية، وآدابه السلوكية الرفيعة، التي تتضمن معاني التكريم الصادقة والمودة والألفة، وتعمق روح التضامن بين المسلمين، روى أبو هريرة أن رسول الله ‘ قال: >أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم<( ). إن الإسلام ينشد السلام، لأنه الأمن والأمان، ويسعى إلى تعميقه في النفوس، وترسيخه في القلوب، وإشاعته بين الناس، حتى يشعر الجميع بالارتياح والأمان، والاستقرار والاطمئنان، ويسود بينهم الشعور الصادق، والعواطف النبيلة، حيث حَضَّ الإسلام على توطيد تلك الأخوة، وبيَّن مقتضياتها ومستلزماتها في كثير من النصوص، وقال ‘: صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه<( ). لقد أوضح المصطفى عليه الصلاة والسلام بثاقب نظرته التربوية، التي استقاها من تأديب ربّه له، أنه لا يستل سخائم الحقد من الصدور، ولا ينتزع أدران التنافس والحسد من النفوس، إلا أخوة صادقة تسود حياة المسلمين، وتعم المجتمع المسلم على أساس من المحبة والتواد، والتناصح والألفة والبِشر( )، وينتفي عنها الكيد والغل، ويزول الحسد والتباغض. إن المسجد أهم وسيلة تعمق الصلات بين المسلمين، وتفتح قلوبهم للمحبة والتلاقي على الخير، وتغرس بذور المحبة في النفوس، وتتعاهدها بالرعاية على مدار اليوم والليلة، فإذا صفت النفوس، وتآلفت القلوب، عاش الجميع في أمن وسلام، ومحبة ووئام. ** ** ** المبحث السادس المساواة وترسيخ الأمن في النفوس يؤدي المسجد درواً مهماً في تهذيب النفوس، وتنقيتها من شوائب الحقد والضغينة، المؤدية إلى التشتت والافتراق، والمثيرة للنـزاع والانقسام والشقاق، إذ يغرس في نفوس الأفراد السلوك الصحيح لتنمية الشعور بأن الجميع أسرة واحدة، تجمعهم رابطة الإسلام، وتضمهم وشيجة الإيمان، وذلك من خلال المساواة التي هي من أبرز القيم التي أصّلها الإسلام في النفوس، والمنبثقة من وحدة الأصل الإنساني. فقد أعطى الإسلام اهتماماً خاصاً لقيمة المساواة، وجلاَّها في أروع صورِها بين أفراده وهم يمارسون عباداتهم، وظهرت واضحة جلية مطبقة بين المصلين في المساجد. فالإسلام منذ بزوغ فجره قضى على جميع الفوارق المصطنعة، وأزاح نظرة الاستعلاء التي كانت سائدةً في الحياة الاجتماعية الجاهلية. فحين تنطلق من مآذن المسجد كلمة التوحيد مدوية في كل اتجاه، يستجيب المؤمنون لنـداء الحـق، ويلبون دعـوة خالق الخلق فإذا تكاملت أعدادهم، والتأمت جموعهم، أعلن المؤذن إقامة الصلاة، فانتظمت جموع المصلين صفوفاً متراصة خلف إمامهم، لا يمتاز شخص على آخر، بل تذوب كل الفوارق، وتزول جميع الحواجز، يضمهم الصف متجاورين، مهما تباينت أحوالهم المادية، ومستوياتهم الثقافية، وحالاتهم الاجتماعية، لا يجد أحدهم غضاضةً أن يقف بجانب أخيه، المأمور بجانب الأمير، والغني إلى جوار الفقير، والأبيض ملاصق للأسود، والتاجر مجاور للعامل، والمثقف مساوٍ للأمي، جميعهم في صفٍ واحد، لا تفاضل في مواقفهم، ولا تمايز في أفعالهم، لا يتقدم واحد بالركوع قبل إمامه حتى يركع، ولا يسجد حتى يسجد، ولا يزيد فعلاً، ولا ينصرف من صلاته قبل انصراف إمامه. عبادة تتجلى فيها المساواة، وتبرز الوحدة بأسمى صورها، وأجل معانيها، فتعمق في نفوس المصلين انتماءهم إلى أصل واحد، وأنهم أمة نبعت من منبع واحد. إن هذا المنظر البديع للمصلين، وتلك الصورة الفريدة، لا تتكرر عند غير المسلمين، ولذلك أبهرت المساواة الباحثين من المنصفين الغربيين، الذين عَبَّروا عن إعجابهم بالمعاني الفاضلة، والقيم السامية التي تظهر من خلال أداء الصلاة، والدور الفاعل لها في جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم. تقول الكاتبة الإنجليزية ساروجيني ناديو في كتاب (محاضرات ومقالات): إن الدين الإسلامي كان الدين الأول الذي دعا إلى الديمقراطية، وعمل بمبادئها، فلا يرتفع صوت الأذان من منارة مسجد، إلا ويأتي من يريد أن يعبد الله، فيجتمعون في صف واحد خمس مرات في اليوم، ويركعون لله على صوت التكبير، وتتجلى المساواة الإسلامية في أروع أشكالها، إنني شعرت مرة بعد مرة، بأن الإسلام بقوة الوحدة العملية يجمع أفراداً مختلفين من بني آدم، في سلك واحد من الأخوة( ). ويعترف أحدهم بعظمة الإسلام في إقرار مبدأ المساواة، وتطبيقها عملياً في المجتمع، وأنها ذات أثر كبير في انحسار العدوان، وإزالة الشقاق، وإزاحة الخصام. يقول المستشرق الإنجليزي روسكين جب، في كتابه (تجاه الإسلام): لم يحرز مجتمع من المجتمعات البشرية نجاحاً مثل ما أحرزه الإسلام في إقرار المساواة بين الأجيال المختلفة، بصرف النظر عن الطبقات البشرية، وتنوع الفرص وإمكانية العمل، لقد تجلَّت من أوضاع الجالية الإسلامية في عدد من البلدان قدرة الإسلام على إذابة الاختلافات في الأجيال والتقاليد، التي لا تزول على مر القرون، وعلى مدار التاريخ، فإذا كانلا بد من إحلال عاطفة التعاون مكان الصراع والخصومة بين مجتمعي الشرق والغرب الكبيرين، فلا بد في ذلك من الاستعانة بالإسلام والاعتماد عليه في تحقيق هذا المطلوب( ). إذاً فالمسجد يؤكد المبدأ القويم الذي قرره الإسلام من المساواة بين جميع أفراده، ويؤكد الحقيقة الناصعة من تساوي الناس كلهم أمام خالقٍ واحد، فالكل له عبيد، لا تفاضل بينهم إلا بتقواه، وشدة الخوف منه ورجواه، وهي دعوة إلى نبذ الاستعلاء، وتنقية الصدور من الكبرياء، وتصفيتها من الحنق والشحناء، فجميع الفوارق تتهاوى، وسائر الفواصل تتساقط، وتبقى التقوى الميزة الفريدة التي تسمو بها النفوس وتتسامى. ووقف رسول الله ‘ أمام الجموع الغفيرة في حجة الوداع ليعلن المساواة ويؤكد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: >إنَّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى<( ). إن المساواة تتكرر في المسجد كل يوم خمس مرات، حتى تترسَّخَ في نفوس المصلين ولا تُنسى، ولتتضاءل في أحاسيسهم كل الفوارق الزائفة، المؤدية إلى تفتيت المجتمع، والنخر في جسد الأمة، وإيغار النفوس، وتمزيق الصفوف، وليزول من المجتمع كل ما يؤدي إلى الضعف والوهن، وتبطل كل نعرة مقيتة تتسلل وتندس بين صفوفه، ويحل محلها المحبة والوئام، والتآلف والانسجام، حتى يبقى المجتمع قوياً آمناً، رصيناً متماسكاً، بعيداً عن كل ما يثير العداوة والشحناء، أو يسبب القطيعة والبغضاء. الفصل الثاني دور الإمام و؟لخطيب في تفعيل ؟لوظائف ؟لأمنية للمسجد وتحته تمهيد وسبعة مباحث: * المبحث الأول : تقوية الوازع الديني. * المبحث الثاني : الالتفاف حول ولاة الأمر. * المبحث الثالث : وحدة المجتمع وتماسكه. * المبحث الرابع : الاعتدال والوسطية. * المبحث الخامس : الحماية من الانحراف والجريمة. * المبحث السادس : التكافل الاجتماعي. * المبحث السابع : العلاقة مع غير المسلمين. |
|
|