روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
ملتقى المقتطفات الشعريه والشعر الفصيح والزواميل واالقصائد المنقولة [قصائد منقولة] +[زواميل]+[فصحى] + [ابيات مختاره] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
02-12-06, 10:57 PM | #1 |
عضو ماسي
|
حياة ابن حمديس
حياة ابن حمديس
في مدينة سرقوسة الواقعة على الساحل الشرقي من جزيرة صقيلية ولد عبد الجبار ابن حمديس سنة 447 هـ = 1055م من أصل عربي أزدي، هكذا تنسبه المصادر إلا أنه لا يفتخر في شعره بهذا النسب مثلما يفتخر بأنه من "بني الثغر" أي يعتزّ أكثر من اعتزازه بالقبيلة. وأبوه هو أبو بكر بن محمد، وقد عاش محمد -الجدّ- ثمانين عاماً، أو حسبما يقول حفيده: "تنسك في بر ثمانين حجة" ومات في سرقوسة، وابن حمديس موجود فيها، وشيعه إلى قبره. وقد عاش والده أبو بكر إلى ما قبل سنة 480 -على وجه التقدير- وربمّا توفي في سرقوسة. وكان فيما يبدو رجلاً تقيّاً محبّاً للخير، مضى حين مضى "سالكاً سبل آبائه". وكانت لمحمد أخت -وهي عمة الشاعر- هاجرت هي وأبناؤها إلى سفاقس، وكان ابنها أبو الحسن متطبّباً مثقفاً يصفه ابن حمديس بأن "بقراط دونه معرفة طيبة وفكرة حسيبة" (ق:78). وأبو الحسن هذا تزوّج أخت الشاعر، ويبدو أنّه كان من لدات ابن حمديس، وكان النشأة وثقت بينهما عقداً من الصداقة أقوى من رابطة القرابة، وقد ظلت المراسلات تدور بينهما مدة طويلة، بعد أن هاجر ابن حمديس من صقيلية (ق:215،282). وقد كان لهذه النشأة أثرها في نفس عبد الجبّار، فهو من عائلة محافظة فيها وتر قويّ من التديّن، ووتر آخر من الثقافة الدينية والحكمية، ونحن لا نملك صورة واضحة عن الحال العلميّة والأدبيّة بسرقوسة، ولكننا نتصور أن عبد الجبّار وجد فيها -من غير ريب- ثقافته الأدبيّة الأولى التي مكنته من قول الشعر في صباه، وأن روح المحافظة غلب عليه كما غلب عليه شيء من الثقافة الحكمية الطيبة، جعله يتحدّث عن الصحة والمرض وطبيعة الهواء والغذاء وعن تصارع العنصرين ويكثر من ذكر الجوهر والعرض، ولا ريب في أن هذه الثقافة زادت مع الأيام وشملت فروعاً أخرى من المعرفة، فيها العَروض والنحو والتأريخ وطبائع الحيوان وزادتها التجربة عمقاً وصقلاً، حتى وجهت اهتمام ابن حمديس في المستقبل إلى شيء من التأليف، فكتب "تاريخ الجزيرة الخضراء". إلاَّ أن عبد الجبار في هذه المرحلة من حياته أخفت صوت التقوى وتسلّل من كهف التدين، وسمح لنفسه بشيء من لهو الشباب، فارتاد الأديرة والحانات لشرب الخمر وعرف الحبّ والفتك، ولعله شارك أيضاً في بعض الغزوات الحربية التي كانت تخرج فيها الجيوش إلى جنوب إيطاليا. وفجأة نراه في افريقية يصحب العرب ويتنقّل في الصحراء وقد أصبح السيف في ثني ساعده "معاوضة من جيد كاعب"، وأغلب الظنّ أنّه كان قد انتوى الرحلة إلى الأندلس وآثر السفر البري على البحري كما آثره زميله الصقلي الشاعر أبو العرب الذي كتب إلى المعتمد حين استدعاه يقول: البحر للروم لا تجري السفين به---إلا على غررٍ والبر للعرب وكانت الأساطيل الروميّة قد استولت على السيادة البحرية في غرب البحر المتوسط، وأصبح كل سفر بحري محفوفاً بالخطر، فرأى ابن حمديس أن يتجه إلى الأندلس. لم اختار الأندلس، وكثير من الصقليين ذهب إلى مصر؟ لعلّ شيئاً من مكانة الأدب في بلاط المعتمد هو الذي اجتذبه، أو لعلّ المعتمد كتب يشجّعه على القدوم إليه كما كتب لأبي العرب، والفرض الثاني مستبعد لأن عبد الجبار لم يكن قد أحرز شهرة أدبيّة. ولم لمْ يذهب إلى القيروان؟ لأن شعراء القيروان قبل سنوات كانوا قد تشتّتوا في البلاد حين خرَّب العرب الهلاليّة تلك المدينة وقضوا على سلطان المعز بن باديس، فهاجر ابن رشيق إلى صقلية، ولجأ ابن شرف إلى بلاط المعتمد بالأندلس. وها هو الخطب يلم بصقلية نفسها، فليس من المعقول أن يجد شاعر طموح مبتغاه في القيروان، وقد تعطلت فيها سوق الأدب، أو في مصر وهي معقل الفاطميّة، وللأندلس سحرها الخاص بها، فلتكن قبلة لهذا الشاعر الشاب. ومرة ثالثة نتساءل: ولماذا هاجر ابن حمديس قبل أن تسقط سرقوسة؟ بل هاجر والأمل قويّ في تلك الحركة القوية التي حمل لواءها قائد جديد يقاوم النورمان -قائد يسميه المؤرخ أماري "ابن عباد". ولا تذكره المصادر العربية، هاجر ابن حمديس وابن عباد هذا يكسب نصراً إثر نصر. ويخيل لمن يتطلع إلى الأحداث أن سرقوسة كانت تستطيع أن تتخذ موقف الهجوم لا موقف الدفاع فحسب،-لماذا؟ أكبر الظنّ أن سقوط بلرم والأجزاء الأهرى من صقلية كان ناقوس الخطر الذي دقّ في نفس ابن حمديس، وأنّه كان يحلم بالمجد الأدبي أكثر من تطلعه إلى الرفعة العسكرية، ورّما حرّضه أهله على الذهاب إلى افريقية مفضلين نجاته على أن يبقى وديعة مؤقتة في يد الحياة القصيرة. وودّع الشاب أهله، وبكى حين عانقه أبوه مودعاً، ولعله لم يكن يتصّور أن تلك هي آخر وقفة له على أرض الوطن، وأيّاً كان الدافع حينئذ فقد أحس من بعد إحساساً خفياً أنّه تخلى عن وطنه، وظلّ هذا الإحساس شوكة في ضميره تخزه على مر الأيام وتمثِّل لخاطره أنه الفتى المذنب "كآدم الذي أهبط من جنته". وكان ابن حمديس يوم فارق سرقوسة في ريعان الشباب، وقد اختزنت ذاكرته ضروباً من الذكريات التي ظلّت زاداً لنفسه الحالمة بالعودة، وظلّ يحنّ إلى ذكرياته في وطنه الجميل ذي المناظر الطبيعية الخلاّبة، وظلّ ينزع إلى ليالي الحبّ والمغامرات والأديرة والحانات، ولما رأى النيلوفر مرة وهو مغترب هتف يقول: هو ابن بلادي كاغترابي اغترابه---كلانا عن الأوطان أزعجه الدهر ولم ينسَ صقلية، ولكن الحياة كانت قد أخذت منه أكثر مما أعطت، ثم أخذ الموت كلّ ما تبقّى في رمضان عام 527=تموز 1133، ودفن ابن حمديس ببجاية -في أصح القولين- لأن دفنه بميورقة أمرٌ مستبعد، وأُلحد الرجل الغريب في أرض غريبة. |
|
|