روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
17-07-09, 04:07 PM | #1 |
عضو ماسي
|
لا شئ يساوى الحرية
'
السلام عليكم ورحمة الله , أسعد الله أوقاتكم بكل خير , بينما أنا أطالع بعض الكتب للمفكر مصطفي محمود , قرأت هذه المقاله والتي أعجبتني كثيراً , هذه المقاله من كتاب بعنوان " أناشيد الإثم والبراءه " , تحمل العنوان : " لا شئ يساوى الحرية " , صـ 83 . كتبتها وعرضتها لكم هنا , لأرى إذا كان أحدكم يوافقني الرأى . تطرق الكاتب فى المقال لكثير من المبادئ والأصول والأساسيات وتناول الأخلاق والشهوات والقصص والعبر أسأل الله قراءة مفيده وذكاءاً بليغاً وفهما صافياً , أترككم مع المقال , [ المقال طويل بعض الشئ , ولكن سيفوتك الكثير لو لم تقرأه , بارك الله في وقتكم] حينما رفع النبى يوسف عليه السلام أكفَّ الدعاء لربّه مستنجداً من غواية النسوة قائلاً : {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}(يوسف: 33) كان يطلب حريِّة ولم يكن يطلب سجناً . والمسألة نسبية .. فما يحصل عليه من حرية فى زنزانة وهو مقيّد اليدين والقدمين أكثر بكثير مما يتبقى له من حرية ساعة شهوة . فحينما تجمح الشهوة لا تبقى لصاحبها حرية فهو لا يرى إلّا على مرمى ساقين ولا يسمع إلّا على مرمى شفتين ولا يعى حكمة ولا يبصر عاقبة ولا يحفظ عهداً ولا يرعى واجباً .. وهو أعمى أصم مقيّد الذراعين والساقين إلى حركة آلية وفعل لا معقول كل هرموناته ودمه وفكره وحسّه ومواهبه فى خدمة هذه اللحظة اللامعقولة من الإشباع والفناء الذى يشبه السقوط فى هوّة اللاشئ .. وذلك هو منتهى السجن ومنتهى استنفاد الطاقة واستفراغ القوة وإنهاك العزم وتبديد الهمّة .. ثم لا يكون بعد ذلك إلّا الخمول والبلادة والاسترخاء والرغبة فى النوم والرغبة فى عدم التفكير فى شئ . تلك الزوبعة التى تعصف بالدم وتطيش بالعقل وتذيب المفاصل وتأسر الجسد هى ذروة العبودية. ولهذا قال النبى يوسف صارخاً . ربّ السجن أحبّ إلى من هذا الخضوع لهؤلاء النسوة .. فالزنزانة ولا شك أرحب وأوسع من قبضة شهوة امرأه حينما تتسلل إلى النخاع وتعتصر المخّ وتحجب العينين وتسدّ الأذنين وتغلق منافذ القلب فلا يعود شئ فى الكون يسمع إلّا لهاث أنفاسها .. فكأنما أصبحت هى المحراب والصنم والقبلة .. ومائدة القرابين . والسجن هنا منتهى الحرية لهذا القيد الشامل المطلق .. وهو أحب ألف مرة لأىّ رجل فى كمال وعقل النبى يوسف يريد أن يصعد ويحلق إلى السموات فلا شئ يساوى الحرية أبداً . وأىّ لذة وأىّ مقابل فورىّ مادى أو حسّى لا يساوى عقلاً طليقاً وخيالاً محلقاً وفؤاداً مرفرفاً ووجداناً طائراً وفكراً مهاجراً وقلباً مسافراً وأقداماً ساعية لا تحدّ حركتها حدود . نعم .. لا شئ يساوى الحرية . وأحسن استثمار للحرية أن تبذلها لوجه الله فتجعلها فى خدمة الحق والعدل والخير .. فالعبودية للخالق تحررك من العبودية للخلق وتخلع الحاكمية عن كل الذين حكموك فلا يعود يحكمك أحد ولا يعود يحكمك شئ .. بل تصبح أنت بحكم الخلافة عن الله حاكماً على الكل .. وتصبح لكلماتك ربانية على الجميع .. ويعطيك البر والبحر والريح وتنقاد لك الشعوب ويستمع إليك التاريخ. كيف تبلغ هذه الدرجه من الحرية ؟ يقول سادتنا الأكابر : منذ أن تفتح عينيك لتصحو حتي تغلقهما لتنام لا تعلّق همّتك بأمر من الأمور الدون . لا تنم على غلٍّ ولا تَصْحُ على شهوةٍ ولا تسع إلى طمع ولا تسابق إلى سلطة وإنما إجعل همّك واهتمامك فى الخير والبر والحق والصدق , والمروءة والمعونة قاصداً وجه ربك على الدوام . حاول أن يكون فعلك مطابقاً لقولك وسلوكك مطابقاً لدوعتك .. فإذا غلبتك بشريتك وهزمك هواك فى لحظة .. لا تيأس وإنما استنجد واستصرخ ربّك .. وقل : الغوث يارب .. يقل لك لبيك عبدى ويخرجم بيده من ظلمة نفسك إلى نور حضرته . فإنك إن كنت أحد عمّال الله فى الأرض وأحد سفراءه إلى قلوب الناس .. فإنه سوف يرحمك إذا أخطأت ويغفر لك إذا أسأت ويعيدك إلى الطريق إذا انحرفت .. وسوف يرعاك ويتولّاك لأنك من جنده وحاشيته وخاصته . ولا تيأس مهما بلغت أوزارك ولا تقنط من رحمة الله مهما بلغت خطاياك .. فما جعل الله التوبة إلّا للخطاة وما أرسل الأنبياء إلّا للضالين وما جعل المغفرة إلّا للمذنبين وما سمَّى نفسه الغفار التّواب العفُوّ الكريم إلّا من أجل أنك تخطئ فيغفر . جدّد استغفارك كل لحظة تجدّد معرفتك وتجدّد العهد بينك وبين ربك وتصل ما انقطع بغفلتك . واعلم أن الله لا يملّ دعاء الداعين .. وأنه يحب السائلين الطالبين الضارعين الرافعى الأكفّ على بابه .. وإنما يمقت الله المتكبر المستغنى المختال المعجب بنفسه الذى يظن أنه استوْفى الطاعة وبلغ غاية التقوى وقارب الكمال .. ذلك الذى يكلم الناس من علٍ ويصافحهم بأطراف الأنامل . ثم بعد التوبة والاستغفار والتخلّى عن الذنوب والتبرؤ من الحول والطول .. يأتى التحبّب والتقرّب والتخلّق والتحقّق . حاول ان تتحلى بأخلاق سيدك .. فإذا كان هو الكريم الحليم الصبور الشكور العفو الغفور .. فحاول أن يكون لك من هذه الصفات نصيب . فإذا غالبتك نفسك الأمارة .. اسجد وابك وتضرّع وتوسّل .. وقل بين دموعك : يا من عطفت على الطين فنخفت فيه من جمالك وكمالك . يا من أخرجت النور من الظلمة . يا من تكرّمت على العدم . أخرجني من كثافتى وحرّرني من طينتي وخلصني من ظلمتي وقوِّنى على ضعفي وأعنّى على نفسى .. فلا أحد سواك يستطيع أن يفعل هذا .. أنت يا خالقى بيديك . ثم يقول سادتنا الأكابر : إن الجهاد يطول فلا تتعجل الثمر .. فكلما عظمت الأهداف طال الطريق .. فلا تبرح الباب .. وأطل السجود .. وأدم البكاء ..فإنك لا تطلب نيشاناً أو جائزة وإنما تطلب وجْه صاحب العرش العظيم, تطلب ربّ السموات. تطلب العزيز الذى لا يرام. وذلك مطلب لا يبلغه طالبٌّ إلّا بعد أن يبتلى ويمتحن ويتحقق إخلاصه .. ويشهد الملائكة منزلته ويرى الملأ الأعلى بينته . فكيف يصحب الملائكة المقربين إلّا النفر الكرام الذين تخلّقوا بأخلاقهم . وكيف تصعد إلى السماوات إلّا بعد أن تلقى بمتاعك الأرضى وأثقالك .. ثم تلقى بنفسك الحيوانية من حالق .. ثم تلقى بغرورك وأنانيتك وشهواتك وأطماعك .. وتتجرّد من دواعى بشريتك .. وتعود كما خلقك الله نوراً من نوره . حينئذ تبلغ الحرية حقاً .. وتشاكل الأبرار والشهداء والقديسين والملائكة .. فتسمعهم ويسمعونك وتكلّمهم ويكلّمونك . وذلك معراج يحتاج إلى عمر بطوله وإلى زادٍ من التقوى والمحبّة والطاعة وصبر على البلاء ولا يقدر على هذه إلّا آحاد . ولهاذا خلقت الجنة . ولهذا كانت الأكثرية ترتع فى النار من الآن . . . . المؤمن كيّس فطن..وليس كيس قطن...اتقوا الله في عقولكم ولاتكونوا كالإسفنجة تمتص كل ما تقع عليه. اقرأوا أحسن ما يرسل إليكم وأرسلوا أحسن ما تقرأون. ثامر الحربي |
|
|