فتـح مكـة
"رمضان سنة 8هـ"
أسبـاب الفتـح:
نقضت قريش عهدها مع المسلمين حينما أعانت حلفاءها بني بكر على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين فأمدتها بالخيل والسلاح والرجال، وقاتلوا خزاعة على ماء لهم يسمى "الوتير".
وقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر واستنصره فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش يخيرهم بين: دفع دية قتلى خزاعة، أو البراءة من حلف بني بكـر، أو القتال. فاختارت قريش القتال ، لكنها ندمت وخاف زعـماؤهم من نتيجـة نقض العهد، فأوفدوا أبا سفيان إلى المدينة يطلب تجديد المعاهدة لكنه فشل في ذلك.
سير الجيش إلى مكـة:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاستعداد للخروج، واستنفر القبائل التي حول المدينة، وبلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل وخرجوا في رمضان سنة ثمان من الهجرة، وكانوا صياماً حتى بلغوا "كديد" فأفطروا، وقدم العباس بن عبد المطلب مهاجراً، والتقى بالرسول صلى الله عليه وسلم (بالجحفة)، ثم سار المسلمون حتى نزلوا في (مر الظهران) قبل دخولهم مكة.
إسـلام أبِي سفيـان:
خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون أخبار المسلمين حتى أتوا مر الظهران فرآهم ناس من حرس المسلمين فأدركوهم فأخذوهم فاستنقذ العباس أبا سفيان، وانطلق به إلى معسكر المسلمين فقابل به الرسول صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فتردد وفي اليوم التالي أعلن إسلامه وسأل الأمان لقريش، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن" . ثم اطَّلع أبو سفيان على قوة المسلمين فأدرك أنه لا قبل لقريش بهم، ومضى إلى مكة فأخبر قريشاً، ونهاهم عن المقاومة.
تقسيم الجيش لدخول مكـة:
قبل دخـول مكـة قسم النبي صلى الله عليه وسلم الجيش إلى ميمنة وميسرة وقلب فكان خالـد بن الوليد- رضي اللّه عنه- على المجنبة اليمنى وأمره بالدخول من أسفل مكـة، والزبير بن العوام- رضي اللّه عنه- على المجنبة اليسرى من شمال مكة، وأبو عبيدة- رضي اللّه عنـه- على الرجّالة، وأمرهم جميعاً أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأهدر دماء بعض المشركين الذين ألحقوا الأذى الشديد بالمسلمين. ودخلت جيوش المسلمين إلى مكة ولم تجد مقاومة ماعدا جيش خالد- رضي اللّه عنه-، فقد جمعت قريش جموعاً لقتال المسلمين فتصدى لهم وفرقهم وشتتهم. ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة، وكان خاشعاً يردد سورة الفتح، شاكراً لأنعم اللّه بعد أن عاد عزيزاً منتصراً إلى البلد الذي أخرج منه وضربت له قبة في الحجون .
خريطة رقم (7)
منقولة من كتاب الرسول القائد "محمود شيت خطاب"
انتصار الحـق:
قصـد النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وطاف بها، وأخذ يحطم الأصنام المصفوفة حولها ويقول: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" ثم دخل الكعبة بعد أن أزيل ما فيها من الصور، وصلى فيها ركعتين، وصعد بلال فوقها فأذن للصـلاة أنصت أهـل مكـة للنداء الجديد. وهكذا نصر اللّه الحق وفتح مكة للمسلمين، وعلت كلمة التوحيد في جنباتها.
العفـو عن قريـش:
اجتمعت قريش حول الكعبة وهم ينتظرون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فـماذا عساه أن يقول لهم؟ وهم الذين آذوه وطردوه وقاتلوه في بدر وأحد والخندق ووقفوا في طريق دعوته! وفي هذا الموقف كان الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً حياً كاملا للعفو والرحمة فقد عفا عنهم، وترك عقوبتهم تفضلا منه واحتساباً بعد أن مكنه اللّه منهم، فضرب بذلك للعالمِ مثلاً في حسن الخلق وكرم الصفح مما ترتب على هذا العفو دخول أهل مكة رجالا ونساءً في الإِسلام.
توطيد الإِسلام بمكة وما حولها:
مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً أرسل خلالها السرايا حول مكة لتحطيم الأصنام وإزالة مظاهر الشرك . ومن تلك الأصنام "العزى- مناة- سواع". ثم أعلن للناس تحريم مكة وتحريم صيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، وتحريم القتال فيها، وأن اللّه أحلها له ساعة من نهار، ثم بين أن من قتل له قتيل يخير بين أخـذ الدية، أو القصاص وأبطل مآثر وأخلاق الجاهلية، واستثنى سقاية الحاج، وسدانة البيت وما كان من المعاقدة على الخير ونصرة الحق وصلة الأرحام، وبهذا انتشر الإسلام وارتفع منار التوحيد بمكة.