سلسلة رسائل عبر الايميل
فتاة أمريكية تُدرّس طالبًا سعوديًا بالساعات
والنتيجة تصادم حضارات
من الحكايات التي يتداولها السعوديون الذين درسوا في أمريكا حكاية أحد الطلاب السعوديين مع فتاة أمريكية تعرّف عليها في الجامعة ورغب أن تعلّمه اللغة الإنجليزية وتساعده في نطق بعض الكلمات وكتابتها. واتفقا على أن تكون الأجرة بالساعات كما هو متبع في النظام الأمريكي، على أن يدفع لها اثني عشر دولاراً عن كل ساعة.
وكان هذا الطالب سعيدًا بحضور الطالبة إلى شقته والجلوس عنده لمدة من الزمن تعلمه فيها بعض الكلمات والجمل، وكان باستمرار يعرض عليها أن يعلّمها العربية وكانت تُقدر له ذلك العرض ولكنها تعتذر بأنها لا تهتم بتعلّم اللغات الأخرى. ويبدو أن هذا الطالب كان مغمورًا بالفرح والتألق الذي لا يخلو من الارتباك بسبب حضور هذه الفتاة الجميلة إلى جواره؛ ذلك أن حضورها - بوصفها أنثى - بحد ذاته يجعله يفقد الاتزان قليلا وتختلط عنده الأمور إلى حد ما. ولهذا فقد حرص على أن تبقى عنده أطول وقت ممكن، ليس لكي يتعلم منها الإنجليزية فحسب ولكن لكي يطيل أمد النشوة التي يشعر بها كلما حضرت عنده.
جدير بالذكر أن حضور تلك الفتاة هو من أجل العمل فحسب، ولهذا فإن عملها في تدريس هذا الشاب إنما هو عمل يمكن فهمه بهذه الحدود، ويتعارف عليه الناس في المجتمع بهذه الصورة؛ وعليه فإن الثقافة الأمريكية لا ترى بأسًا في مثل هذا السلوك ولا تعطيه أي اهتمام خارج عن إطاره. في حين يرى هذا الشاب السعودي أن مجرد موافقة تلك الفتاة على الحضور عنده إنما يتضمن إشارة واضحة على إقبالها على الرجال وربما رغبتها في التعامل معهم. وعليه فقد توقع أن حضورها إلى شقته يعني إعجابها به؛ زد على ذلك أنها حينما تحضر عنده فإنها تكون مرتاحة وليست على عجلة من أمرها، بل تبادله الابتسامة والضحك. وهذا ماجعله يتمادى في الخيال ويظل طوال يومه وليلته يفكر بها حينما تأتيه في الغد، ويبنى من تلك الخيالات قصصًا وأحداثًا مختلفة تجعله يستمتع بكل ماله صلة باللغة الإنجليزية ويراها لغة جديرة بالحب وأن أهلها يستحقون العشق ومن بينهم تلك الفتاة التي تعلمه بعض الكلمات. ولم يعد مستغربًا عنده أن يتلهف لرؤية شفتيء معلمته وهي تنطق الكلمات أو يتابع أنامها وهي تخط بعض الكلمات؛ لقد كانت الأفكار والمشاعر تمور في كيانه وتضغط على ذهنه فيتحول تركيزه إلى مجموعة مترابطة من الأفكار التي تدور في بؤرة واحدة هي التعلّق بهذه المعلمة الجميلة.
لقد كان كل سلوك تفعله يؤكد ما في ذهنه عن شخصيتها تجاهه؛ فهي لا تكف عن الابتسام له حين قدومها وعند مغادرتها؛ وهي لطيفة ومرحة معه تحاول بكل جهدها أن تُفهّمه وتشرح له ببساطة وتكرر عليه حتى تطمئن أنه أدرك المراد. وكانت تتوقف عن الكلام لكي تعطيه فرصة للسؤال أو للتعقيب؛ وكلما شعرت بهمهمة أو تأتأة منه ابتسمت له ابتسامة المشفق وطلبت منه أن يتفضل بالكلام ظنًا منها أنه يريد أن يسأل أو أنه يريدها أن تتوقف لكي يتابع ما فاته.
هذا الطالب السعودي يعي جيدًا أن سلوك هذه الفتاة ليس سلوك معلم أو معلمة أبدًا؛ ذلك أنه قد تعوّد طوال حياته الدراسية في السعودية على صراخ بعض المعلمين عليه وتكشيرهم في وجهه وممارستهم للشتم والتحقير لمن يسألهم أو لا يفهم منهم ما يقولون بسرعة. وهكذا انطبعت لديه صورة المعلم من خلال تجربته الطويلة في التعليم لدرجة أنه يعتقد أن المعلم الذي يبتسم للطالب إنما يفعل ذلك لغرض استغلالي معين وإلا فإن المعلم المثالي -في نظره- هو الشخص القاسي والعنيف الذي لا يتنزّل لأحد ولا يلين بالقول ولا يتهاون مع الطلاب عند وقوع خطأ أو زلة أو تقصير منهم.
ومن الطبيعي أن يرى هذا الطالب السعودي في هذه المعلمة فتاة أحلامه أكثر من كونها معلمة تقوم بواجبها المهني. ولأن ذلك الطالب جديد على الثقافة الأمريكية ولا يعرف نظامها التعليمي جيدًا بعد، فإنه يفسّر كل مايراه من سلوك وفقًا لثقافته السعودية. ولن يعرف الواقع إلا بعد حين، حينما يعلم أن المعلم أو المعلمة في أمريكا يعمل وفق عقود سنوية في الغالب مرتبطة بترخيص للتعليم قد يجدد أو لايجدد له؛ ويكون ذلك مرتبطًا بمدى إنتاجيته مع طلابه بل إن الطالب يسهم في تقييم معلمه ومعلمته في نهاية الفصل، وهو تقويم يؤخذ بعين الاعتبار بما يتضمنه من ملاحظات يسجلها الطلاب على معلميهم ومعلماتهم. ولهذا فمن غير المستغرب أن تقوم تلك الفتاة الأمريكية بدور تعوّدت هي الأخرى عليه في منظومتها الثقافية؛ ذلك أنها ترى أن التعليم ينبغي أن يؤدي هدفه في جعل المتعلم يدرك المطلوب مهما كلفها ذلك من عناء وجهد. وترى أن اللطف مع المتعلم فضلا عن كونه لباقة وحسن تعامل فهو كذلك ضرورة مهنية لتشجيع المتعلم على التعلم دون إكراه أو قسر؛ علاوة على كونها تتقاضى أجرًا فمن واجبها أن تخلص في العمل.
ولأن الطالب السعودي وجد في هذه الفتاة ضالته العاطفية ويريدها أن تطيل البقاء معه إلى أبعد أمد ممكن، فكان بعد أن ينتهي من الدرس معها يطلب لهما بيتزا بالهاتف. ويفرح كلما تأخر مُوصّل البيتزا لأن ذلك يعطيه فسحة من الوقت للبقاء في دائرة التأثير الجمالي لتلك الفتاة. ولم تكن الفتاة ترفض البقاء بل تشكره وتنتظر البيتزا؛ ومن يدري فربما وجدت تلك الفتاة نفسها مستمتعة بهذه الحظوة والاهتمام.
وفي نهاية الشهر، وكما هي العادة في التعاملات التجارية، قدّمت له تلك الفتاة فاتورة تبين قيمة التدريس وتطلب منه سدادها. وصعق هذا الطالب حينما وجد الفاتورة مرتفعة جدًا وتزيد على مقدار ما يملكه في حسابه كله. وظل يتأمل الفاتورة فوجد أن الفتاة تسجل عليه الساعات من حضورها حتى مغادرتها شقته. ولما رأت الفتاة استغرابه شرحت له أن الوقت الذي أمضته معه محسوب عليه وأنها كانت تلبي رغبة الزبون في البقاء دون أن تفرض عليه رسومًا إضافية. وغصّ فمه وهو يريد أن يقول: طيب والبيتزا اللي أطلبها كل يوم، لكنه عرف أنها لم تطلب منه أي طعام لكي يحاسبها عليه!
تعليقي
ما يجب عليك فهمه من هذه القصة
أن تنظر للمجتمعات الأخرى بنظرة المجتمع نفسه ليس بنظرة مجتمعك الذي عشت فيه
وبما أننا مقبلين على الصيف والسفر للخارج يزيد عليك الاستفادة من هذه القصة
وليس كل من يبتسم لك يحبك واستثني من هذا المقال أناس كثر ذهبوا وعادوا ورفعوا رؤوس بلدانهم وهم لم يتأثروا بتلك المظاهر والله أعلم
وتقبلوا تحيات أخوكم وافي الزغيبي