في خضم الحياة تعرض أمور للمرء فيقبل عليها بكليته ويسعى حثيثا لتحقيقها ويتعاطف معها ويرى أن الخير والصلاح في حصولها ويخالفه العقل وينهاه الحكيم عنها وتكون عاقبتها الخسارة منطقيا ولكن في هذه الساعة تنعدم الروية ويغيب صوت العقل وتنغلق البصيرة وتغلب العاطفة والمؤثرات الوقتية وينساق عليها بطريقة عجيبة حتى يقع الفأس في الرأس ويفشل المشروع. وفي هذا المشهد يتجلى القدر وحكمة الله والمؤمن يوقن بذلك ولا يندم على ما فات من تعذر مرغوب ووقوع مكروه ولا تنفع الملامة حينئذ. ويتكرر هذا المشهد في أمر الدنيا من نكاح وتجارة وسفر ووظيفة وصحبة وفي أمر الدين كذلك. والخسارة في أمور الدين أعظم. ومن أدمن الذكر وأصلح سريرته بالسنة والطاعة قويت بصيرته وصدقت فراسته وأوجد الله في قلبه فرقانا يفرق به بين الخطأ والصواب والناس يتفاوتون في هذا المقام تفاوتا عظيما. ومن لازم الفشل وفارق الحكمة وأخطأ الوجهة في سائر أمره كان من أهل الغفلة والتهاون في تعاطي الأسباب النافعة. والتأني والتروي والنظر في العواقب والاستخارة ومشاورة الحكماء يقي الإنسان من العثرات والزلات والموفق من وفقه الله. وإذا أراد الله بعبد نزول رحمة وعموم بركة تم ولو كان بسبب ناقص وهمة نازلة وإذا أراد بعبد منع رحمة وإغلاق باب رزق تم ولو كان من أذكى الناس له آلة تامة وهمة عالية ولله في خلقه شؤون.