روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
29-05-11, 04:04 PM | #1 |
رحلة 0000000التين 00000000000والتمر 1
من الأمور التي استفدتها من التجارب بالنسبة للمراكز الحدودية، هي أني لا أتودّد مع موظفين الحدود أكثر من اللازم، ففي التودّد مدعاة إلى التُّهم، كما أنَّني لا أُفرط في الحذر فإنَّ شدته متهمة أيضاً، فلا تودد زائد ولا حذر مفرط . المهم أنني عندما وقفت في المركز السوري رأيت كثيراً من الشُرط وموظفي المركز، ولمحت إخوة لجوزيف جاؤوا ليستسقوا جيب عبدالله الضعيف، فعلمت أنّ في كل وادٍ بنو سعد، وبعد التدقيق والتلكؤ ببعض الإجراءات والتمحيص الممل وجني ضرائب السيارة والمرور وغيره وفحص وختم الأوراق، دخلت البلاد متذكراً قول الجن : { إنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشُهبا } وتأملت كيف تختلف وتتغاير أمزجة بني آدم رغم أنّ المسافة قصيرة، وتذكرت قول جرير عندما أبطل عمر ابن عبدالعزيز المكوس أي ضرائب في عهده: ولقد نَفَعْتَ بما مَنَعْتَ تحرُّجاً .. مكس العُشورِ على جسورِ الساحلِ كان الطريق أنيقاً جميلا، تحفهُ الأشجار من كل جانب، يرتفع بي حيناً فأكبر ثم يهبط فأسبح، وبعد نصف الساعة من المسير تجلى أمام ناظري قاسيون الحضارة ببهائه وكبريائه وشموخه، فذكرت مرثية الشهرورزي المؤثرة في كمال الدين قاضي الشام الذي توفي سنة 572 هـ ، ومطلعها: ألمّوا بسفحيْ قاسيون وسلموا .. على جدثٍ بادي السّنا وترحموا وأدوا إليهِ عن كئيبٍ تحيةً .. يكلفكم إهداءها القلبُ لا الفمُ ثم بدت فاتنتهُ الجميلة مُستلقية عنده، أجل هذه دمشق، دمشق الصالحية والأموي وبردى والحنابلة والغوطة، فانبعث غبار ذاكرتي لِيُمرر أمام عيني صوراً بانورامية سريعة متلاصقة لأحقاب متطاولة من ذلك التاريخ البعيد، ويُكررعلى سمعي أصوات شعراء وأدباء وبلغاء تغنوا بمجدها التليد، وينثر في قلبي رذاذ أسرارٍ سماوية غذَّت هذه المدينة بماء عراقتها ونسيم أصالتها وأصائلها ورحم الله شوقي حين قال : سلامٌ من صبا بَرَدى أرقُّ .. ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشقُ دخلتُكِ والأصيلُ له ائتلاقٌ .. ووجهكِ ضاحك القَسمات طَلْقُعندها طفق شريط التاريخ يتحرك أمامي ابتداء من الآشوريين ثم البابليين ثم الفرس ثم الأرمن ثم اليونان، مروراً بالإسكندر المقدوني الذي كانت دمشق في أيام خلفائه هلينية يونانية، كما كانت في عصور كثيرة سريانية آرامية، الى أنْ سقطت بأيدي النبطيين العرب سنة 85 قبل الميلاد، عندما فتحها الحارث النبطي، وهذا ما يؤكد انتشار اللغة العربية في دمشق قبل الفتح الإسلامي بزمن سحيق. عشتُ غيبوبة تاريخية مؤنسة، وأنا أتابع تجلي مدينة السحر والشعر أمامي، وأتطلع لرؤية محاسن أشجارها وأزهارها وغوطتها ومنازلها. وإذا مررتَ على المنازل مُعرضاَ .. عنها قضى لك حُسنها أنْ تُقبلا إنْ كنتَ لا تسطيع أن تتمثل الـــ .. ـــفردوسَ فانظرها تكن مُتمثلا وإذا عنانُ اللحظ أطلقهُ الفتى .. لم يلقَ إلا جـــنــــةً أو جـــــــدولا أو روضةً أو غيْضةً أو قُــبـةً .. أو بركةً أو ربوةً أو هـيْــكــــــلا ثم تتابعت الصور أمام عيني، فرأيتُ فتحها في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه، ثم قيام دولة بني أمية فيها حتى سنة 132 هـ، ومن قد تولاها من خلفاء بني العباس قبل أن يليَ الخلافة كهارون الرشيد وابنه المأمون، فقد كانا يختلفان على أهلها ويعدلان فيهم، ثم قيام الدول التي اقتطعت من جسد الخلافة العباسية عند ضعفها، وما كان من الوثوب الفاطمي عليها، إلى أن ردها السلاجقة رداً جميلا، ثم قيام الدولة النورية والصلاحية في وجه الصليبيين وما تخلله من تواطؤ بعض الأمراء، ثم جاءت دولة المماليك فالدولة العثمانية، وما أعقبها من نكباتٍ ودولٍ لا تخفى. يا شامُ إنَّ جراحي لا ضفافَ لها .. فمسِّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا يا شامُ أين هما عينيْ معاويةٍ .. وأين مَن زحموا بالمنكبِ الـشُهُـبــا ؟أجل تلك هي الشام العظيمة الكريمة، وما ذاك إلا طرفاً من تاريخها ونقطةٍ من بحرها، فكم مادَ فيها من غصنٍ رطيب، وكم من منبر أُقيمَ فيها لخطيب، وكم من شاةٍ ذُبحت فيها لغريب، وكم حيكت بها من مؤامرة، وكم طابت بها من مسامرة، وكم ضرب عليها من حصار، وكم لمعت في ليْلها من نار، وكم وفد عليها من مُحدثٍ وشاعرٍ ونديم، وكم ولدت في حياتها من عظيم، فما أقصر تاريخك يا ابن عساكر، وما أقل ما جمعته يا ابن شاكر. يفنى الكلامُ ولا يُحيطُ بفضلها .. أيُحيطُ ما يفنى بما لا ينْفدُ ؟ |
|
|
|