روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-09-09, 11:57 PM | #11 |
ليلة القدر : الوظائف والفضل د. مهران ماهر عثمان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ؛ فليلة القدر منة ومنحة لهذه الأمة التي يريد الله بها خيراً بتكرار مواسم الخير لها ، ومن هذه المواسم ليلة القدر ، وأريد هنا أن أكتب في نقطتين اثنتين: الأولى : فضل ليلة القدر . اشتملت سورة القدر على ست فضائل لهذه الليلة : الفضيلة الأولى : أن الله أنزل القرآن فيها . قال تعالى :{ إنا أنزلناه في ليلة القدر} . وهذه الآية دليل على أربع فوائد : 1/ فضل ليلة القدر . 2/ فضل القرآن الكريم . وذلك من وجهين : الأول : أنه أسند إنزاله إليه سبحانه . الثاني : أنه جاء بضميره دون اسمه لاشتهاره . 3/ أنّ ليلة القدر في رمضان خلافا لمن زعم غير ذلك ، قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة :185] . 4/ علوُّ الله تعالى ، فنزول الأشياء منه وصعودها إليه دليل على علوه على خلقه . فإن قيل : لماذا سُميت بليلة القدر ؟ فالجواب : لما يكون فيها من التقدير ، قال تعالى :{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] . قال ابن كثير رحمه الله :" وقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر، وأبي مالك، ومجاهد، والضحاك، وغير واحد من السلف" [تفسير القرآن العظيم (7/246)] . ويقول ابن عثيمين رحمه الله :" وقوله تعالى: {في لوح محفوظ} يعني بذلك اللوح المحفوظ عند الله عز وجل الذي هو أم الكتاب كما قال الله تبارك وتعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39]. وهذا اللوح كتب الله به مقادير كل شيء، ومن جملة ما كتب به أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلّم فهو في لوح محفوظ، قال العلماء {محفوظ} لا يناله أحد، محفوظ عن التغيير والتبديل، والتبديل والتغيير إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأن الكتابة من الله عز وجل أنواع: النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ وهذه الكتابة لا تبدل ولا تغير، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يبدل أو يغير ما فيه. الثاني: الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم، لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نفخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. النوع الثالث: كتابة حولية كل سنة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة، قال الله تبارك وتعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4]. فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة . النوع الرابع: كتابة الصحف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يكتب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه، فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم أي بحفظ أعمالهم يكتبون قال الله تعالى: {كلا بل تكذبون بالدين. وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 9 ـ 12]. فإذا كان يوم القيامة فإنه يعطى هذا الكتاب كما قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيب} " ا.هـ من تفسيره لسورة البروج. وقيل في سبب تسميتها بما يلي : 2/ لأنها ذات قدْر وشرف . 3/ من عبد الله فيها كان ذا قدر ، ومن لم يكن ذا قدر صار بقيامها ذا قدر. 4/ القدر الضيق ؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة . 5/ نزل فيها كتاب ذو قد على أمة ذات قدر بواسطة ملك ذي قدر . الفضيلة الثانية في قوله : {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} قال الرازي رحمه الله :" يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها، ومنتهى علو قدرها" . الفضيلة الثالثة : {ليلة القدر خير من ألف شهر} في المرسل عن مجاهد رحمه الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك ، فأنزل الله عز وجل :{إنا أنزلناه في ليلة القدر *وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} . وفي بلاغات مالك رحمه الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر. انظر تفسير ابن كثير (4/533) . والصواب في تأويل الآية : أن العمل فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، والله ذو الفضل العظيم. الفضيلة الرابعة : { تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } قال ابن كثير رحمه الله : " أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحلق الذكر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق؛ تعظيما له ، وأما الروح فقيل المراد به ها هنا جبريل عليه السلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام " [تفسير ابن كثير (4/532)] . وتعجبني كلمةٌ للعلامة ابن عثيمين رحمه الله قالها عند تفسير هذه السورة :" وقوله: {من كل أمر} قيل إن {من} بمعنى الباء ، أي بكل أمر مما يأمرهم الله به، وهو مبهم لا نعلم ما هو، لكننا نقول : إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة". الفضيلة الخامسة : { سلام هي حتى مطلع الفجر } أي سالمة من الشرور ، فلا يكون فيها شيء من ذلك كما قال قتادة وغيره من السلف . وقبل أن أنتقل إلى وظائف هذه الليلة أرى أنّ من المتعين هنا أن أسترسل في ذكر ثلاثة أمور : الأول : وقت هذه الليلة . ثبت في السنة ما يدل على أنها ليلة إحدى وعشرين ، وأنها ليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان . وثبت في الصحيح قول نبينا صلى الله عليه وسلم:«تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . وهذا يدل على أنها متنقلة في العشر الأخيرة من رمضان كما يقول المحققون من أهل العلم . فعلى المسلم أن يجتهد في العشر كلها أكثر من غيرها كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني : في صحيح البخاري قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ :«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» . وتلاحى : تخاصم ، وفيه شؤم الخصومات، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على الخير لأمته، وعدم علمه الغيب، وعدم الكفر بالمعصية، وأنّ الخير فيما يختاره الله . قال الرازي رحمه الله في تفسيره :" المسألة الخامسة : أنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه أحدها : أنه تعالى أخفاها ، كما أخفى سائر الأشياء ، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغبوا في الكل ، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات ، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء ، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة ، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف ، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان . وثانيها : كأنه تعالى يقول : لو عينت ليلة القدر ، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية ، فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية ، فوقعت في الذنب ، فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك ، فلهذا السبب أخفيتها عليك" . الأمر الثالث : علاماتها . ثبت في معجم الطبراني الكبير عَنْ وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:«لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَلْجَةٌ، لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، ، وَلا يُرْمَى فِيهَا بنجْمٍ، وَمِنْ عَلامَةِ يَوْمَهَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ لا شُعَاعَ لَهَا». وزيادة :« لا سحاب فيها ، و لا مطر ، و لا ريح» لا تثبت . المسألة الثانية : وظائف هذه الليلة ست وظائف ينبغي أن يشغل المسلم بها ليالي العشر الأخيرة كلها ؛ طلباً لليلة القدر ، وهي : 1/ القيام . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [أخرجه البخاري] . 2/ الدعاء : لقول عائشة رضي الله عنها : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : «قُولِي : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» [الترمذي] . 3/ المحافظة على الفرائض . والمحافظة على الفرائض مطلوب في كل وقت، ولما كانت الفرائض أحب الأعمال إلى الله كانت المحافظة عليها في ليلة القدر من آكد الأعمال ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) [البخاري] . وأحب هنا يجوز فيها الرفع والنصب . 4/ المحافظة على المغرب والعشاء في جماعة . لحديث مسلم الذي حدث به عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» . 5/ الاجتهاد في العبادة . فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" [البخاري ومسلم] ، وفي رواية لمسلم : "وجدَّ". قولها : "شد مئزره" فيه تفسيران : الأول : قيل : اعتزل نساءه . قال الأول : قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار الثاني : اجتهد في عبادته فوق عادته . وهو الصحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان في العشر الأخيرة، ومعلوم أنّ المعتكف لا يقرب نساءه، قال تعالى :{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، فما فائدة الإخبار بذلك؟ فيكون المراد الثاني ، والعلم عند الله تعالى. وأحيا ليله : استغرقه في السهر للعبادة . وعنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ [مسلم] . قال العلماء : كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ؛ طلباً لليلة القدر . 6/ الاعتكاف . وبه يتمكن الإنسان من التشمير عن ساعد الجد في طاعة الله ، ولذا "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ" كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري . اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |
|
10-09-09, 11:58 PM | #12 |
أعـظـم لـيـلــة..! يسري صابر فنجر ليلة مباركة فيها أنزلت المعجزة الخالدة التي لا ريب فيها ولا شك؛ مهما تعاقبت السنون والأجيال، ففيها الهدى والنور للمتقين، فهم المتقدمون لإمامة المسلمين أجمعين، فلهم قدم السبق عمن سواهم، وهم في الأمة باقون كثّر الله سوادهم، فيحمل هذا القرآن الكريم من كل خلف عدوله. فالمتقون هم الذين فازوا بالهدى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] وقد نزل الكتاب في ليلة من وتر العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وقد قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فالصيام غايته ومآله وأثره التقوى، وأُنزل القرآن الكريم هدى للصائمين المتقين لأنهم بصيامهم وتقواهم هيؤوا أنفسهم لفهم القرآن وتدبر معانيه والالتزام به قولاً وعملاً. ليلة القدر نزل فيها كتاب ذو قدر، على رسول ذي قدر، في أمة ذات قدر. ليلة ليست كالأيام ولا الشهور ولا سنة أو سنتين ولا ألف شهر؛ بل هي خير من ألف شهر، خير من غالب أعمار بني الإنسان، خير من ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، مَن حرم خيرها فقد حرم، ومن أدركها أدرك الخير كله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ" (رواه النسائي 2106 وغيره). ليلة ساكنة هادئة شمس صبيحتها بيضاء نقية، فيها قلوب خاشعة، ووجوه لربها ساجدة، ما سألت شيئاً إلا أعطيت، تشهدها الملائكة {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4] أي: يكثر تنـزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة ينـزلون مع تنـزل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق، تعظيماً له. ليلة أوصى فيها النبي صلى الله عليه وسلم من أدركها بطلب العفو، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ قُولِي "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (رواه الترمذي وغيره). ليلة ينزل فيها العفو والمغفرة الذي به تتنزل بركات السماء وتفتح به كنوز الأرض، ليلة تهفو إليها كل نفس مؤمنة وتتمنى إدراكها، فتخلص لربها وتحتسب، وتتخلص من شواغل الدنيا وتجتهد في الدعاء وتتبع هدي نبيها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه ُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانً وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَام َرَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ْذَنْبِهِ" (رواه البخاري ومسلم). وقفة: أليس مغبوناً من أضاع هذه الليالي وخيرها وبركاتها في الأسواق والمحلات التجارية؟! أليس محروما من قضاها في القيل والقال والسهر مع الأصحاب؟! أليس محروماً من قضاها أمام الشاشات والقنوات؟! إن المساجد في الجزء الأخير من الليل تناديك فأقبل عليها لتعمُرها مع إخوانك بالصلاة والتسبيح والدعاء والتهليل.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
|
11-09-09, 12:00 AM | #13 |
كيف تكسب ليلة القدر؟ د. لطيفة بنت عبد الله الجلعود الحمد لله الذي فرض صيام هذا الشهر وسنَّ لنا قيامه، والصلاة على خيرة خلقه محمد صلى الله عليه وسلم والذي لم يترك خيراً إلا ودل أمته عليه، فروى عنه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"(1)وروي عنه أيضاً أنه قال:"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"(2)وإن من الحرمان أن نرى كثيراً من المسلمين يقضون هذه اللحظات والفرص النادرة فيما لا ينفعهم، فإذا جاء وقت القيام كانت أحوالهم ما بين: (أ) نائمون. (ب) يتسامرون ويقعون في غيبة إخوانهم المسلمين. (ج) يقضون أوقاتهم في المعاصي من مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الرمضانية – كما يسمونها- وحاشا رمضان أن يكون له أفلام، أو مسلسلات مع ما فيها من اختلاط النساء بالرجال، والموسيقى، وما هو أشنع من ذلك. لذلك لا بد من تجديد التوبة في هذا الشهر، فهذه فرصتنا للأسباب التالية: أ. لأن مردة الشياطين تصفد، كما روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم"(3). ب. الإقبال النفسي على فعل الخيرات في هذا الشهر ما لا تستطيعه في الأشهر الأخرى. ج. أن الصوم في نهار رمضان يمنع من القيام بكثير من المعاصي. ولو كان أمام أعيننا أنه قد يكون آخر رمضان نصومه لسهلت علينا التوبة، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، أما نحن فقد بلغناه الله عز وجل فلندعوه أن يعيننا على صيامه وقيامه. مقارنة بين أعمارنا وأعمار الأمم السابقة: قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:"أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك"(4). كان أعمار السابقين مئات السنين، فهذا نوح -عليه السلام- لبث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة". فكيف يكون لنا السبق، ونحن أقل أعماراً؟! يكون ذلك باستغلال الفرص والتسابق عليها كما يتسابق الناس على الوظائف، والتسجيل في الجامعات، وعلى التخفيضات أيضاً. ومن أعظم هذه الفرص، الحرص على ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن لم يكن، فعلى الأقل ليلة 21، 23، 25، 27، 29 لأن ليلة القدر لن تتعدى إحدى هذه الليالي كما قال صلى الله عليه وسلم:"تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". إلا إذا كان هناك اختلاف بين دول العالم الإسلامي في دخول رمضان، فإن الأحوط العمل كل ليالي العشر. قال سبحانه وتعالى:"ليلة القدر خير من ألف شهر". منذ أن يؤذن المغرب إلى أن يؤذن الفجر في الغالب لا يتجاوز 12 ساعة. فكم سنة تعدل ليلة القدر؟ أكثر من ثلاث وثمانين سنة!! فلو حرصت كل الحرص على هذه الليلة فلا تفوتك، وذلك بقيام كل ليالي العشر الأخيرة، واستغلال كل ليلة منها كأحسن ما يكون الاستغلال كقدوتنا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما روت عنه عائشة رضي الله عنها:"أنه إذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله". ولنحسب عمر واحد منا حرص على القيام في ليالي الوتر لمدة عشر سنوات، إن هذا يساوي أكثر من 830 سنة بإذن الله، ولو عشت عشرين سنة بعد بلوغك، وكنت ممن يستغل كل ليالي العشر بالعبادة، لكان خير من 1660 سنة بإذن الله، وبهذا نحقق السبق يوم القيامة، وذلك باستغلال فرص لم تكن للأمم السابقة من اليهود والنصارى. لذلك منذ أن يدخل شهر رمضان ادع الله أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول. ماذا تفعل في هذه الليلة؟ - الاستعداد لها منذ الفجر، فبعد صلاة الفجر تحرص على أذكار الصباح كلها، ومن بينها احرص على قول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة، لماذا؟ لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كان له عدل عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"(5). الشاهد: "كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي" حتى لا يدخل عليك الشيطان فيصرفك عن الطاعة. - احرص على أن تفطر صائماً، إما بدعوته، أو بإرسال إفطاره، أو بدفع مال لتفطيره، وأنت بهذا العمل تكون حصلت على أجر صيام شهر رمضان مرتين لو فطرت كل يوم منذ أن يدخل الشهر إلى آخره صائماً لما رواه زيد بن خالد الجهني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من فطر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء"(6). - عند غروب الشمس ادع أيضاً أن يعينك ويوفقك لقيام ليلة القدر. - جهز صدقتك لهذه الليلة من ليالي العشر، وليكن لك ادخار طوال السنة لتخريجه في هذه الليالي الفاضلة فلا تفوتك ليلة من ليالي الوتر إلا وتخرج صدقتها، فالريال إذا تقبله الله في ليلة القدر قد يساوي أكثر من ثلاثين ألف ريال، و 100 ريال تساوي أكثر من 300 ألف ريال وهكذا، وقد روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه(7)، حتى تكون مثل الجبل"(8) وروى أبو هريرة أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال:" أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان"(9). فإن أخفيتها كان أعظم لأجرك فتدخل بإذن الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (10). - منذ أن تغرب الشمس احرص على القيام بالفرائض والسنن، فمثلاً منذ أن يؤذن ردد مع المؤذن ثم قل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، فمن قال ذلك غُفر له ذنبه كما روي عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً(11) ثم قل: اللهم رب هذه الدعوة التامة... إلخ، لما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة"(12). - ثم بكر بالفطور احتساباً، وعند تقريبك لفطورك ليكن رطباً محتسباً أيضاً، ولا تنس الدعاء في هذه اللحظات، وليكن من ضمن دعائك: اللهم أعني ووفقني لقيام ليلة القدر، ثم توضأ وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بادر بالنافلة بين الأذان والإقامة؛ لما رواه أنس -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء"(13). ثم صل صلاة مودع(14)كلها خشوع واطمئنان، ثم اذكر أذكار الصلاة، ثم صل السنة الراتبة، ثم اذكر أذكار المساء -إن لم تكن قلتها عصراً- ومنها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ لتكون في حرز من الشيطان ليلتك هذه حتى تصبح، كما سبق أن ذكرنا، ثم نوِّع في العبادة: - لا يفتر لسانك من دعائك بـ "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". - إن كان لك والدان فبرهما وتقرب منهما، واقض حوائجهما وافطر معهما. - ثم بادر بالذهاب إلى المسجد قبل الأذان، لتصلي سنة دخول المسجد، ولتتهيأ بانقطاعك عن الدنيا ومشاغلها علك تخشع في صلاتك، ثم إذا أذن ردد معه وقل أذكار الأذان ثم صل النافلة، ثم اذكر الله حتى تقام الصلاة، أو اقرأ في المصحف، واعلم أنك ما دمت في انتظار الصلاة فأنت في صلاة كما روى ذلك أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول اللهم اغفر له وارحمه، ما لم يقم من صلاته أو يحدث"(15). - ثم إذا أقيمت الصلاة صل بخشوع، فكلما قرأ الإمام آية استشعر قراءته، وكن مع كلام ربك حتى ينصرف الإمام. - ثم عد إلى بيتك، ولا يكن هذا هو آخر العهد بالعبادة حتى صلاة القيام، بل ليكن في بيتك أوفر الحظ والنصيب من العبادة سواء بالصلاة أو بغيرها. - ولا تنس -قبل خروجك من المسجد- أن تضع صدقة هذه الليلة، وإذا كان يصعب عليك إخراج صدقة كل ليلة من هذه الليالي فمن الممكن أن تعطي كل صدقتك قبل رمضان أو قبل العشر الأواخر جهة خيرية توكلها بإخراج جزء منها كل ليلة من ليالي العشر. - ولا تنس وأنت في طريقك من وإلى المسجد أن يكون لسانك رطباً من ذكر الله، ولا تنس سيد الاستغفار هذه الليلة:"اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال صلى الله عليه وسلم:"من قاله فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة"(16)، وما بين تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وحوقلة؛ لما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل وما هن يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله"(17)وما بين صلاة على رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فإذا دخلت بيتك تلمَّس حاجة من هم في البيت، سواء والداك أو زوجتك أو إخوانك أو أطفالك، فقم بخدمة الجميع بانشراح الصدر واحتساب واستغل القيام بحوائجهم بقراءة القرآن عن ظهر قلب، فقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في الأجر، كما روى أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قال:"وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله أحد ثلث القرآن"(18). فإذا قرأتها ثلاث مرات حصلت على أجر قراءة القرآن كاملاً، ولكن ليس معنى هذا هجر القرآن، ولكن هذا له أوقات وهذا له أوقات، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن في الأجر(19)، وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كما قاله عبد الله موقوفاً، ثم قل:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مئة مرة؛ ليكون لك عدل عشر رقاب، ولتكتب لك مئة حسنة، وتمحى عنك مئة سيئة، ولتكن حرزاً لك من الشيطان حتى تصبح ولم يأت بأفضل مما جئت به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، واحرص على كل ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار ذات الأجور العظيمة، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمه:"ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات والأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله ملء ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء وتسبح مثلهن، ثم قال: تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك"(20) وقال صلى الله عليه وسلم:"من قال سبحان الله وبحمده مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(21)وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"(22)وفي بعض الروايات "سبحان الله العظيم وبحمده مئة مرة" (23)وكلما ذُكرت الكفارة أو الغفران – غفران الذنوب- وحط الخطايا، فالمقصود بها الصغائر، أما الكبائر فلا بد من التوبة، أما إن كانت هذه الكبيرة متعلقة بحقوق الآدميين فلا بد من الاستحلال مع التوبة أو المقاصة يوم القيامة؛ لما رواه أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-:"من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"(24)ولا يغرك في الغيبة ما يردده البعض أن كفارة من اغتبته أن تستغفر له، فهذا حديث أقل أحواله أنه شديد الضعف، وهو يعارض الحديث السابق الصحيح، ومن أعظم حقوق الآدميين: الغيبة والنميمة والسخرية، والاستهزاء والسب، والشتم وشهادة الزور، قال صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (25). فإذا فرغت من خدمة الجميع والأعمال البدنية، ليكن لك جلسة مع كتاب ربك فتقرأه، وليكن لك قراءتان في شهر رمضان إحداهما سريعة "الحدر" والأخرى بتأمل مع التفسير إذا أشكل عليك آية، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه:"لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله. فإذا أنهك جسدك فألقه على السرير وأنت تذكر ربك بالتهليل والتسبيح والتحميد والحوقلة والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. - فإن نمت فأنت مأجور -بإذن الله- ثم استيقظ لصلاة قيام الليل في المسجد، وليكن لك ساعة خلوة مع ربك ساعة السحر فتفكر في عظمة خالقك، ونعمه التي لا تحصى عليك مهما كنت فيه من حال أو شدة فأنت أحسن حالاً ممن هو أشد منك كما قال صلى الله عليه وسلم:"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلا من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله"(26). - وتذكر هادم اللذات علها تدمع عينك فتكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما قال صلى الله عليه وسلم:"ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.." (27). - وتذكر ما رواه جابر بن سمرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"أتاني جبريل، فقال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل آمين. فقلت: آمين..." (28) الحديث. فهذه العشر هي والله الغنيمة الباردة، وفي هذا الشهر فرص ومواسم من لم يستغلها تذهب ولا ترجع.. - أخيراً وقبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة؛ لما رواه أنس رضي الله تعالى عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم:"تسحروا فإن في السحور بركة"(29) ثم تسوك وتوضأ واستعد لصلاة الفجر وأنت إما في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن. - ولا بد من التنبيه على بعض الأخطاء، ومنها: 1- أن البعض قد يشيع في ليلة 23 أو 25 أن فلاناً رأى رؤياً، وأن تعبيرها أن ليلة القدر مثلاً ليلة 21 أو 23. فماذا يفعل البطالون؟ يتوقفون عن العمل باقي ليالي العشر، حتى أن البعض قد يكون في مكة فيعود، لماذا؟ انقضت ليلة القدر في نظره. وفي هذا من الأخطاء ما فيها، ومنها: أن هذا قد يكون حلماً وليس رؤياً. أن المعبر حتى وإن عبرها بأنها ليلة 21 أو 23 أو غيرها ليس بشرط أن يكون أصاب، فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- عبر رؤيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً"(30) فإذا كان أبو بكر وهو خير الخلق بعد الأنبياء يصيب ويخطئ، فما بالك بغيره. والذي يظهر لي أن هذا من تلبيس إبليس، ليصد المؤمنين عن العمل باقي ليالي العشر. والله أعلم. وأخيراً.. الأيام معدودة، والعمر قصير، ولا تعلم متى يأتيك الأجل، ولا تدري لعلك لا تبلغ رمضان، وإن بلغته لعلك لا تكمله، وإن أكملته لعله يكون آخر رمضان في حياتنا. فهذا يخرج من بيته سليماً معافى فينعى إلى أهله، وهذا يلبس ملابسه ولا يدري هل سينزعها أم ستنزع منه؟ لذلك كله علينا أن نستحضر هذه النعمة العظيمة أن بلغنا رمضان ووفقنا لصيامه وقيامه وصالح الأعمال، فكم من شخص مات قبل أن يبلغه، وكم من مريض مر عليه رمضان كغيره من الشهور، وكم من عاص لله ضال عن الطريق المستقيم ما ازداد في رمضان إلا بعداً وخساراً، وأنت يوفقك الله للصيام والقيام، فاحمد الله على هذه النعمة الجليلة، واستغلها أيما استغلال. ----------------------- (1) أخرجه البخاري في صحيحه (ك صلاة التراويح ب 1 فضل ليلة القدر 2/709 ح (1910). (2) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الإيمان ب 6 تطوع قيام رمضان من الإيمان 2/22 ح (37). (3) أخرجه النسائي في سننه الصغرى (ك الصيام ب فضل شهر رمضان ص 336 ح (2106). (4) أخرجه ابن حبان في صحيحه (ك الجنائز، فصل في أعمار هذه الأمة 7/246 ح (2980). (5) أخرجه البخاري في صحيحه (ك بدء الخلق ب 11 صفة إبليس وجنوده ص 266 ح (3293). (6) أخرجه ابن حبان في صحيحه (ك الصوم ب فضل الصوم، ذكر تفضيل الله جل وعلا بإعطاء المفطر المسلم مثل أجره 8/216 ح (3429). (7) فرسه. (8) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب الصدقة من كسب طيب ص 111 ح (1410). (9) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب 11 فضل صدقة الشحيح الصحيح ص 111 ح (1419). (10) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الزكاة ب 16 الصدقة باليمين ص 112 ح (1423). (11) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (ك الصلاة ب 62 فضيلة الشهادة لله عز وجل بوحدانيته 1/220 ح (421). (12) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الآذان ب الدعاء عند النداء 1/222 ح (589). (13) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الأذان ب 14 كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر إقامة الصلاة ص 50 ح (625). (14) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/244 ح (3670) وعزاه لأبي محمد الإبراهيمي في كتاب الصلاة، ولابن النجار من رواية ابن عمر وحكم عليه بأنه حسن. (15) أخرجه البخاري في صحيحه (ك بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه 3/1180 ح (3057). (16) أخرجه البخاري في صحيحه (ك الدعوات ب أفضل الاستغفار 5/2323 ح (5947). (17) أخرجه ابن حبان في صحيحه باب الأذكار، ذكر البيان بأن الكلمات التي ذكرناها مع البشرى من الحول والقوة إلا بالله مع الباقيات الصالحات 3/121 ح 840 . (18) أخرجه مسلم في صحيحه. (19) أخرجه الترمذي. (20) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (2612). (21) أخرجه مسلم في صحيحه ح (2691). (22) أخرجه مسلم في صحيحه ح (2692). (23) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (6301). (24) أخرجه البخاري في صحيحه ح (2449). (25) أخرجه مسلم في صحيحه ح (552). (26) أخرجه مسلم في صحيحه (7430). (27) أخرجه البخاري في صحيحه ح (660) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (28) ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (75). (29) أخرجه البخاري في صحيحه ح (1923). (30) أخرجه البخاري في صحيحه ح (7046). |
|
11-09-09, 04:01 AM | #14 |
11-09-09, 04:13 AM | #15 | |
عضو نشط
|
الشاعر سعد بن نفاع الجابري
جزاك الله خير وبارفيك وغفر الله ذنبك |
|
12-09-09, 01:57 PM | #16 |
12-09-09, 02:00 PM | #17 |
12-09-09, 02:15 PM | #18 |
13-09-09, 10:03 PM | #19 | |||||||||||||||||||||
الحميدي المخلفي شاكر ومقدر لك مرور على موضوعي أسأل الله أن يجعل لك من دعاءك أوفر الحض والنصيب |
||||||||||||||||||||||
|
|