روائع شعريه |
روائع الكسرات |
|
||||||||||
الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام [للنقاش الهادف والبناء والمواضيع الاسلامية والعامه] |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
02-05-17, 12:43 AM | #1 |
02-05-17, 12:43 AM | #2 |
02-05-17, 12:44 AM | #3 |
بين يدي سورة الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة المباركون! هذا اللقاء التاسع عشر الذي كان من المفترض أن نتكلم فيه عن سورة الأنعام، لكن تبين من الدروس التي خلت، واللقاءات التي سلفت أن الحديث عن سورة الأنعام تقريباً استوفيناه؛ لأن القضايا التي بحثتها سورة الأنعام تكلمنا عنها إجمالاً وتفصيلاً، ولله الحمد والفضل والمنة. فكان حرياً بنا أن ننظر في سورة أخرى تبحث في قضايا أخرى، والقرآن كما تعلمون منه مكي ومنه مدني، وسورة الأنعام سورة مكية بكاملها، والآن من المناسب أن نشرع في سورة مدنية، وما لم نتعرض له في سورة الأنعام فستأتي إن شاء الله له عودة في وقت آخر. نقول: سورة الأحزاب سورة مدنية باتفاق، وهي السورة التي اخترناها لنتمم بها اللقاءات، وهي غنية جداً بالمواضيع المتنوعة مما تتعلق به حياة المسلمين العامة والخاصة؛ الخاصة: كتنظيم الأسرة، ومسائل الحجاب وأمثالها، وحياة المسلمين العامة: كحديثها عن غزوة الأحزاب، وغزوة بني قريظة، أما آياتها فعددها 73 آية، وهذه السورة المباركة تحدثت عن قضايا عديدة؛ لكنها سميت بسورة الأحزاب؛ لأن الله جل وعلا ذكر فيها لفظ الأحزاب: يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ [الأحزاب:20]، لكن ينبغي أن يعلم: أن لفظ الأحزاب ورد في سور أخرى: كسورة ص، وسورة غافر، وغيرهما من سور القرآن، فقد ورد تقريباً سبع مرات في سور أخرى، لكن الذي يعنينا هنا: أن الله جل وعلا سمى هذه السورة باسم سورة الأحزاب، وهي تحكي قصة أولئك القوم الذين اجتمعوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الإنسان الذي كان يحاول نفع الناس؛ فإنه لا تحكمه طريقة تقليدية في كيفية تقديم ما يريد أن ينفع الناس به. |
|
02-05-17, 12:48 AM | #4 |
ذكر بعض من أحداث غزوة الأحزاب إجمالاً
وأعتقد أنه من المناسب أن نتحدث في اللقاء الأول عن غزوة الأحزاب عموماً؛ لأن السورة سميت بها، ولأنها الموضوع الرئيس للسورة، ثم في اللقاءات القادمة إن شاء الله تعالى نشرع كالعادة في تفسير الآيات كلمة كلمة على منهجنا المعتاد، لكن اليوم سنخصص الحديث عن غزوة الخندق أو الأحزاب؛ لأن الحديث عنها في اعتقادي يسهم كثيراً بعد ذلك في تفسير سورة الأحزاب. فنقول: اليهود سبب لكل شر في غالب أمرهم، فقد ذهبوا إلى القرشيين وهم يعلمون أن القرشيين متوترون بسبب من قتل منهم يوم بدر، أما يوم أحد فلم يشف غليلهم، رغم أنهم أصابوا من المسلمين مقتلاً، لكنهم لم يسيطروا على هذا الدين، ولم يحتلوا أرضاً من المدينة، فلما ذهبوا إليهم سأل القرشيون اليهود عن دين محمد؟ فتظاهر اليهود بأنهم لا يعلمون شيئاً وقالوا: صفوا لنا دينكم، وصفوا لنا دين محمد، وهم أهل كتاب، وهذه القضية بالنسبة لهم غير خافية، فلما أخبروهم بالخبر والوهم، قال الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:51-52]. ألبت اليهود قريشاً وغطفان وغيرهما من قبائل العرب على أن يأتوا المدينة، وهذا أصل تسميتهم بالأحزاب، فقدموا إلى المدينة لكل قوم زعيمهم، ولم يكن لهم زعيم واحد يمكن أن يصدروا عنه، وهذا أمر تفرضه الحضارة العربية آنذاك، فالعرب لم تكن تعرف حضارة الاجتماع على ملك، ولم يكن هناك أحد في العرب يمكن أن يسمع ويطاع دون غيره، إنما كانت الثقافة ثقافة قبلية، فشيخ القبيلة هو المصدر الذي يصدر الناس عن أمره ويردون إليه، فلا يقبل أحد منهم أن يستمع إلى رجل من قبيلة أخرى، فقريش بقيادة أبي سفيان ، وغطفان بقيادة عيينة بن حصين وقيل غيره، وهكذا سائر القبائل، فقدموا إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع كل حدث بما يمليه عليه ذلك الحدث. ولهذا: فمن الخطأ أن يستبق الإنسان الأحداث، أو أن يقعد قواعد لا يريد أن يخرج منها ويزعم أنها مبادئ، هو عليه الصلاة والسلام حارب في بدر على مسافة 140 كم عن المدينة، ثم في أحد أقرب، ثم في الخندق أقرب وأقرب، فاختلاف الطرائق يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتزم طريقة واحدة في حرب عدوه، بل استشار الناس فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل في أمور معينة أحداً أن يملي عليه فيها رأيه، وهي ما يتعلق بشئون الدين، أما ما يتعلق بالحضارة المحضة الدنيوية فإن الدين شرع لنا التشاور وأخذ الرأي من الغير، وقد كان الفرس خلاف العرب، فقد سبقوا العرب كثيراً في قضايا الحضارات، ولذلك عرفوا الملك وتوارثوه، وهو أمر لم يكن عند العرب، فأشار سلمان بما تمليه عليه حضارته الفارسية لا لما يملي عليه دينه وإيمانه؛ لأن النبي أعظم منه ديناً وإيماناً، والصحابة كـأبي بكر وعمر ، فأشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم لسببين: أما السبب الأول: فلكي يحقق المقصود في منع قريش وحلفائها من أن يدخلوا المدينة. والأمر الثاني: أن أي عدو إذا واجهته بشيء غير متوقع كان أنكأ فيه. فلما جاءت الأحزاب فوجئوا بشيء لم يعرفوه ولم يعهدوه، فقال بعضهم لبعض: إن هذا شيء لم تألفه العرب، ولا تعرفه في حروبها، لكنها فكرة نقلت من حضارة إلى حضارة، والحضارات ليست وقفاً على أحد، تبقى حقاً مشاعاً يستفيد منها كل أحد، فالحكمة ضالة المؤمن، والعاقل لا يمنعه شيء من الاستفادة من غيره، إذا لم يكن هذا الشيء ماساً بثوابته وطبائعه وقيمه، فهذا لا يقبل أن نختار بينه وبين غيره؛ لأن هذا خلاف الدين، لكن الدين أذن لنا بمثل هذا، وهو أن نأخذ بما نستفيده من الحضارات الأخرى، قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم في الصحيح: (كنت أريد أن أنهى أمتي عن الغيلة فرأيت أن فارس والروم تصنعانها فلا تضرها شيئاً)، فالمرأة وهي حامل لها أن ترضع، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع من قومه من العرب أن هذا يضر بالجنين أو بالرضيع فأراد أن ينهى الأمة عن ذلك شفقة بهم، فلما تبين له بغير الوحي من الاحتكاك والالتماس الحضاري من فارس والروم أنهم يفعلون ذلك لأن هذه أشياء لا تتعلق بمسألة أن الكافر يتضرر والمسلم لا يتضرر، بل هو أمر مفتوح، فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم. موضع الشاهد: أنه عليه الصلاة والسلام حفر الخندق فأضحى الأحزاب في شق والمؤمنون في مأمن وفي شق آخر، لكنها كانت أياماً عصيبة وافقت برداً، ولم تكن الدنيا قد فتحت آنذاك للنبي صلى الله عليه وسلم، بل وافقت تلك الأيام فقراً، وأمما تتكالب، واليهود في جنوب المدينة يخشى منهم، وهم من بيتوا هذا الأمر للمؤمنين، ولم يسبق أن اجتمع الناس على أحد ورموه عن قوس واحدة كما فعل الأحزاب مع النبي صلى الله عليه وسلم، مكث الأمر أياماً وليالي زلزل فيها المسلمون زلزالاً شديداً، وسيأتي تفصيلاً. |
|
03-05-17, 04:44 AM | #5 |
أنفس واثقة بنصر الله
ثم حدثت أمور منها: ما يتعلق بالحياة الاجتماعية، ومنها: ما يتعلق بمعجزاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن خطباً كهذا يكون مليئاً بالأحداث، والعاقل يستفيد من جميع الأحداث، وقد كان هناك صحابي اسمه جعير بن سراقة أظهر نشاطاً يوم الخندق، وقد غير اسمه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أنت عمرو )، هذا حدث يسير جداً، الصحابة الآن يريدون أي شيء يعينهم على ما هم فيه، وهم ينقلون التراب وجدوا في هذا الحدث اليسير ما يعينهم على العمل والجد والنشاط، فأخذوا يرتجزون ويقولون: أسماه بعد جعير عمراً .. وكان للبائس يوماً ظهراً فالبيت لا يحمل معاني كثيرة، إنما يحمل حدثاً يسيراً، لكنهم آنذاك كانوا يتلذذون ويتفكهون به، ويعينهم على ما هم فيه وهم يحملون التراب رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يأبى إلا أن يشاركهم ويقول: عمراً ، ظهراً، يردد آخر الصدر والعجز، ولا يردد البيت كاملاً حتى يكون في منأى عن قول الشعر، ويصدق عليه لفظاً ومعنى ومبنى قول الله جل وعلا: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي [يس:69]، ثم يأتي جابر بالشاة فتكفي الشاة القوم كلهم. وشاة جابر يوم الحرب معجزة .. نعم النبي ونعم الجيش والشاة إني أتيتك بالمدح معتذراً .. ومدحك الوحي والسبع القراءات ثم بعد ذلك: تعترضهم صخرة يضربها صلى الله عليه وسلم، وسيأتي أثر هذا الضرب في قول الله تعالى: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]، (فيضربها صلى الله عليه وسلم ويكبر ويقول: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء من مكاني هذا، ثم يضرب ثانية ويقول: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا، ثم يضرب الثالثة ويقول: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا)، وهذه الأسماء: المدائن، صنعاء، قصور الشام الحمراء، كانت آنذاك مراكز قرارات وحضارات، والمسلمون آنذاك محاصرون في المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم عندهم وهو عند الله من قبلهم لا ينطق عن الهوى، فيبشرهم بمثل هذه البشارات، وأنت عندما تحمس الجيش فأقل القليل الذي تبثه فيهم: أنهم لن يستأصلوا؛ لأنهم لو استؤصلوا فلن تفتح لهم الشام ولا المدائن ولا أبواب صنعاء، فأقل القليل أنهم يعلمون أن هذه ليست نهاية المطاف، وأن الأحزاب سيكون أمرهم إلى زوال، كيف لا يعلمون ذلك وهو وعد من الله جل علا؛ لأن الصخرة وهذا نوع من البشارة تفتتت واضمحلت لما ضربها النبي صلى الله عليه وسلم، فيقع في أنفسهم أن الصخرة تمثل هؤلاء القوم الذين يحاصروننا، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بتلاشيها، ثم لا يقف الأمر في أنهم سيذهبون وينصرفون، لكنهم سيفتحون الحضارات وسيملكونها، كأبواب صنعاء، وقد كان لها في ذلك الزمن شيء من الحضارات الممتدة؛ لأنها كانت آنذاك موئلاً كبيراً للحضارة وبقيت موروثاً، يقول جرير : أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا إلى أن قال: دخلن قصور يثرب معلمات ولم يتركن من صنعاء باباً قصر المدائن الأبيض فتحه المسلمون في عهد عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفتحت الشام في عهد الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم توالت الفتوحات. |
|
03-05-17, 04:45 AM | #6 |
مواقف حدثت أثناء حصار المسلمين في غزوة الخندق
والمقصود: أن كل هذا وقع في أيام الخندق، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم أيامها يأتيه أحد أصحابه وكان شاباً، فيأبى إلا أن يشارك النبي عليه الصلاة والسلام ما هو فيه، رغم أنه حديث عهد بعرس، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (خذ سلاحك، فإني أخشى عليك بني قريظة، فيأخذ سلاحه، فيعود الشاب إلى داره فيجد زوجته خارج الدار، فيصيبه الحنق على ما رأى، فيسل سيفه، فتشير له إلى داخل الدار، لم أخرج متبرجة ولا سافرة لكن شيئاً ما اضطرني، هي لم تقلها قولاً، بل قالتها حالاً بالإشارة، فدخل الشاب فوجد حية ملتوية على فراشه فضربها فمات). قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه راوي الحديث كما عند مالك في الموطأ: قال: (فلا يدرى أيهما أسرع موتاً، الشاب أم الحية، فأخبر صلى الله عليه وسلم بهذا فقال: إن في المدينة إخواناً لكم من الجن، فإذا رأيتم مثل هذا فحرجوا عليه ثلاثاً)، هذه كلها أحداث مرت والمسلمون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم في الخندق، ثم لم يلبث أن صرف الله جل وعلا عنهم الكيد، فدخل نعيم بن مسعود بمكيدة ما بين قريش واليهود فأوهم اليهود أن قريشاً ستخذلهم وتعود فينفرد بكم محمد -أي: أبو القاسم- ولم يكن يوم ذاك يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه حتى لا يشعرهم بإسلامه، وكان قد أسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: (خذل عنا)، وكلمة نحوها، ثم ذهب إلى أبي سفيان وقال: إن يهود تفكر في أن تأخذ منكم رهائن حتى تقدمهم قرابين لمحمد فإنهم يخشون أن تذهبوا -والحرب خدعة- فدب الخلاف وكله بتقدير من الله جل وعلا وتدبير، ومن ينصره الله فلا غالب له، فانصرفت قريش بعد ذلك وتركت النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة، وحكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وقال له بعد أن حكم: (لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة)، أي: من فوق سبع سماوات، ثم يموت سعد بعد أن أصيب بسهم في أكحله فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يدفنه: (إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ -وفي رواية- لنجا منها هذا العبد الصالح). هذه كلها -أيها المبارك- أحداث مرت ووقعت خلال أيام قلائل أظهر فيها علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه شجاعة نادرة وقتل عمراً بن ود ، مع أن علياً يومها لم يكن طاعناً في السن، وقد كان لـابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه مواقف مشهودة في بدر وأحد، وتممها في يوم الخندق، وهو أحد شجعان المسلمين المعروفين عبر التاريخ كله. المقصود: أن هذا يظهر الله على يديه معجزة، وهذا يموت من قتله لحية، وهذا يغير اسمه، وهذا ينتصر ويقتل خصماً عنيداً، كلها أحداث تقع ويراد منها بقدر الله تربية مجتمع مسلم، الأمة وأي مجتمع لا تربيه مثل هذه الأحداث وتواليها، يقول الله: وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11]، مثل هذه الأحداث ينجم عنها بعد ذلك مجتمع وأمة قادرة على أن تتحمل ما هو أعظم. والله جل وعلا قادر على أن ينصر رسوله بأقل من ذلك، لكنها أمور تحدث كما قلنا حتى تربى الجماعة المسلمة أو الأمة المسلمة على أعظم الخطب، فالإنسان إذا كان قوياً في ذاته يستطيع أن يسوس الناس وينفعهم، أما إذا كان الإنسان ينطلق من ضعف ووهن فحتى لو صدر ومكن بأي طريقة فإنه لن يستطيع أن ينفع غيره؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا المجتمع المدني الذي يمثل أمثل رعيل وأكمل جيل في المقام الأول أراد الله جل وعلا منهم أن ينقلهم من رعي الشاة إلى رعي الأمم، فكان بعد ذلك منهم وممن نشأ تحت رعايتهم وعهدهم من أبناء الصحابة من ساس الدنيا وحكمها وأثراها بالأخلاق وبالعقيدة في المقام الأول. هذا كله نجعله مقدمة في هذا اللقاء المبارك بين يدي سورة الأحزاب التي سميت باسم المعركة، وإلا فالسورة المباركة حوت كثيراً من القضايا سيأتي إن شاء الله تفصيلها في اللقاء القادم بعد أن وطدنا وهيأنا الأمر للتلقي قدر الإمكان؛ لأنه لا يمكن أن نغفل الحديث عن معركة الأحزاب أو غزوة الخندق وهي الموضوع الرئيس لهذه السورة المباركة. في اللقاء القادم نستفتح بقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:1-3]. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا وإياكم على طاعته، هذا ما تيسير إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
04-05-17, 12:54 AM | #7 |
يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات البينات بلزوم تقوى الله، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، ويأمره كذلك بالتوكل عليه وحده سبحانه، ثم ينزل عليه تشريعاً يقضي بإبطال قضية التبني الموجودة في زمن الجاهلية الأولى، مع لزوم الأخوة في الدين، الرابطة الأقوى، والعروة الوثقى، والقاعدة العظمى في المجتمع الإسلامي.
|
|
04-05-17, 12:56 AM | #8 |
تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله... وكفى بالله وكيلاً)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ما زلنا نتفيأ ظلال سورة الأحزاب، وكنا في اللقاء الماضي قد وطدنا وهيأنا ما نحن فيه الآن بالحديث عن وقفات مع معركة الأحزاب، وتكلمنا عن قضايا عديدة حوتها تلك الأيام والليالي التي أحاط بها الأحزاب في المدينة. نعود الآن إلى منهجنا المعتاد في تفسير السورة، وهي قراءة الآيات ثم التأمل فيها، قال ربنا وهو أصدق القائلين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:1-3]. أهل العلم من الأكابر قبلنا يذهبون إلى أن هناك سبباً اقتضاه هذا الخطاب الإلهي لنبينا عليه الصلاة والسلام في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، فيذهب بعضهم: إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كلمه اليهود، أو كلمه وفد ثقيف، أو كلمه أهل الإشراك في قضايا تنازل عقدية، فيرون أن هذا مقتضى نزول هذه الآيات، وأنا أذهب -والعلم عند الله- إلى أن هذا بعيد جداً، ولا يمكن أن ينزل القرآن بشأنه؛ لأن الخطاب هنا لا يناسب ما صوروه، وقد يقول قائل: قال الله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2]، لكن ليس فيها: اتق الله! وإنما فيها إخبار بمنهجه. أما تقوى الله جل وعلا فهي أعظم ما أفادته فواتح سورة الأحزاب، وهذا هو المهم، وأعتقد أنه هو المراد من نزول الآية، فإنه لا يمكن لأحدٍ كائناً من كان أن يترفع عن تقوى الله، أحسب أن هذا هو المقصود من إنزال الآية، وأنا أكاد أجزم أن ليس لنزول الآية سبب، وإنما هي استفتاحية على أصلها، وأن المقصود منها: تحصيل الثواب، والأمن من العقاب، وهو معنى التقوى الحقيقي؛ خلافاً لمن قال بغير هذا الرأي، فهو الذي ينبغي أن يصرف إليه الشأن. والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبه ربه بقوله: (أيها النبي) أي: المأمون على وحينا، المبلغ عنا، الحبيب إلينا، ولهذا قال: (يا أيها النبي)، ولم يقل: يا محمد! وقد مرت معنا كثيراً قضية أن الله جل وعلا لم يناد، ولم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد كما قال الله: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود:48].. يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35].. يا إبراهيم! قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:105].. يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران:55].. يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ [الأعراف:144]، بل قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1] والنبوة أعظم الدرجات على الإطلاق، وأرفع المقامات، قال الله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] فقدم الأنبياء، وهذا لا يحتاج إلى استدلال. لكني أقول: إن الآية في أصل قصدها تريد أن توضح، أو أن تخاطب المؤمنين عموماً: أنه لا يمكن أن يترفع أحد، أو أن يرى في نفسه أنه غير أهلٍ لأن يقال له: اتق الله! ومتى ما ظن الإنسان أحياناً أن خطاباً ما لا ينبغي أن يقال له، فقد ظن بنفسه ما ليس فيه، وهذا أول طرائق الكبر. وقد مر معكم أن الحجاج بن يوسف ذكر في قضية أنه أدرك أربعة أفراد، أو سمع بأربعة أفراد فيهم كبر، وسنأخذ واحداً منهم؛ لأنه المناسب لقضيتنا: وهي أن امرأة قالت له في أحد المتكبرين، وهو على أبواب الطرائق: يا عبد الله! أين طريق كذا وكذا، فقال الرجل: ألمثلي يقال: يا عبد الله! لأن الأصل المعتاد: أن عبد الله تقال للشخص الذي لا تعرف اسمه، باعتبار أننا جميعاً عباد لله، فهذا الرجل أصابه الكبر فقال: ألمثلي يقال: يا عبد الله! والله يقول: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء:172]. فالمراد من هذه الآية فيما أفهم: أنه ينبغي أن يعلم كل أحد أن تحصيل الثواب، والأمن من العقاب مطلب عظيم لكل أحد حتى لأنبياء الله ورسله، وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم وأشرفهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ومعلوم أنه لا يقال للجالس: اجلس، لكن معناه: استدم على جلوسك. كذلك: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد المتقين، ويقال له: اتق الله. أي: ابق على ما أنت عليه من التقوى، وقد يكون المخاطب: أمته عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1]، أي: أن هناك من يحاول أن يزعزع شأنك، ويقلل من أمرك، لكن ابق على ما أنت عليه، ثم يطمنه ربه أن النصرة تكون من الله، ومن طرائق نصر الله: اتباع وحيه: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ [الأحزاب:2] فمن هنا: فهم العلماء أنه لا اجتهاد مع النص؛ لأن الله قال لنبيه: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأحزاب:2]، فإذا كان النبي مأموراً باتباع الوحي فغيره أولى، وإذا كان اجتهاد النبي ينحى في حالة وجود الوحي، فما بالك باجتهاد غيره؟ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:2-3] هذا ينزل السكينة والطمأنينة على قلبه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه محفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى له. نبقى في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1] أكثر من يعبر عن معنى التقوى يأخذ أحد جوانبها، وهي قضية الأمن من العقاب، وهذا لا يكفي، فمن تقوى الله أيضاً: تحصيل الثواب، فإن المؤمن يريد أن ينأى بنفسه عن الشر، وفي ذات الوقت يريد أن يحصل كل خير، ثم إن الإنسان يحصل الثواب بتقوى الله، وباجتناب نواهيه يأمن الإنسان من العقاب. ولا ينبغي هنا أن يستخدم الإنسان عقله، وإنما اتباع وحي الله كفيل بأن يوصلك إلى ما تطلب، وكذلك في الصوم؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول عنه: جنة. أي: وقاية من النار، فالنار هي القاصم الأكبر والخزي الأعظم. مع أن الصوم لو تأملته حقاً لوجدت أنه كلما توالت ساعاته، ودنوت من المغرب زمناً، تكون قواك أضعف وأوهن، فجعل الله من هذا الضعف الذي يصيبك قوة لك في الخروج من النار، فانظر كيف أن الإنسان يتقي الشيء بشيء يغلب على الظن أنه لا يقي، لكن الله جل وعلا جعل من هذا الصوم الذي تضعف به قوانا سبباً في أن تكفر الخطايا، وأن تكون في المقام الأول، فلما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يصف الصوم بصفة قال: (الصوم جنة). أي: وقاية من النار. هذا مجمل ما يمكن أن نقوله حول الآيات الثلاث الأول التي استفتح الله جل وعلا بها سورة الأحزاب. |
|
04-05-17, 12:57 AM | #9 |
تفسير قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه... وهو يهدي السبيل)
ثم قال ربنا وهو أصدق القائلين: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:4]. قوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4] أهل التفسير -عفا الله عنا وعنهم- أغرقوا هنا في محاولة معرفة هذا الرجل، وأنا أقول: محال أن تنزل آية بسبب رجل ما نكرة، بدليل أنهم لم يعرفوه، وكل يقول: هذا فلان الأسدي، وهذا يقول: من بني جمح، وهي حدث لا يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم. وكون قريش تزعم فيما نقلوا إلينا: أن فلاناً من الناس يحفظ ويعقل، وكأن له قلبين لما يمكن أن ينزل القرآن من أجل هذا؛ لأن هذا لا يمكن أن يترتب عليه شيء مهم، لكن المعنى الذي نفهمه والعلم عند الله، وقد قال به بعض العلماء قبلنا: أن هذه الآية توطئة لما سيأتي بعدها، فمعنى مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]: أنه لا يمكن أن يجتمع كفر وإيمان في قلب أحد، فلا يمكن أن يجتمع في قضية واحدة تصديقك وتكذيبك في آن واحد، ولا يمكن أن تقبل الإسلام وترفضه في آن واحد، هذا المعنى الحقيقي لقول الله جل وعلا: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]. فالآية تمهد بعد ذلك لما فعله أهل الإشراك، وما سيقوله أهل النفاق في غزوة الأحزاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتقي الله ولا يطيع الكافرين ولا المنافقين، ثم أراد الله بعد ذلك أن يهدم بكتابه المبين، وبما يمليه على نبيه صلى الله عليه سلم عادات وأعراضاً شاعت وذاعت في المجتمع القرشي لا أصل لها ولا يمكن أن تجتمع، فمهد جل وعلا بالشيء الذي يتفق العقلاء على أنه لا يجتمع، ولا يقول به عاقل، وهو أنه لا يمكن أن يجتمع تصديق وتكذيب لخبر واحد في آن واحد، ولا يجتمع في قلب أحد كائناً من كان كفر مع إيمان في وقت واحد؛ فهذان الضدان هما اللذان لا يمكن اجتماعهما في وقت واحد، فإذا ارتفع أحدهما بقي الآخر، فعلى هذا يكون قول الله جل وعلا: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4] كأنه يبدأ مع المجتمع المسلم بالاتفاق على شيء متفق عليه. فالعقلاء كلهم يتفقون على أنه لا يمكن أن يجتمع كفر وإيمان في قلب رجل واحد، فإذا سلم الناس بهذا ويجب أن يسلموا؛ لأن هذا مما تقبله النفوس، بعد ذلك يأتي الإملاء الشرعي في تهذيب المجتمع، فهناك عادات وتقاليد راسخة من أيام الجاهلية، بقيت حتى في بيت النبوة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم تبنى زيداً بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فقال الله جل وعلا بعد ذلك: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4] الله لم يذكر هنا لفظ الظهار، مما يدل على أن هذا اللفظ شائع ذائع لا يحتاج إلى بيان، لكنه يحتاج إلى بيان حكمه فقط؛ فلهذا لم يفصل الله في حقيقة الظهار؛ لأنه كان أمراً مألوفاً، كما تقول في زمانك: هذا رجل لبى، فمعنى لبى أي: قال: لبيك اللهم لبيك، سمعت رجلاً يسبح، أي: يقول: سبحان الله، هذا رجل يكبر، أي: يقول: الله أكبر، فهذه ألفاظ لا تحتاج إلى بيان، فلهذا قال ربنا: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4]. |
|
04-05-17, 12:58 AM | #10 |
معنى الظهار في الشريعة وبيان حكمه
والظهار: أن يقول الرجل لزوجته التي أباحها الله له فراشاً: أنت عليّ كظهر أمي، فبدأ بأعظم المحرمات؛ لأن الله لما ذكر في آية التحريم في سورة النساء فقال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، فبدأ جل وعلا بالأمهات، فالرجل في هذه الحالة يجعل من الزوجة أماً، ويقول: أنت عليّ كظهر أمي، هذا القول لا يترتب عليه شرعاً أي حكم، يعني: لا يلزم منه أن يقع هذا الأمر، ولا يلزم منه أن يترتب عليه أحكام، إنما هو قول تقوله العرب على جهالة منها، وقد سماه الله في سورة المجادلة: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2]. هذا الظهار أبطله الله جل وعلا أن يقع؛ لأن العرب في ديدن حياتها، وفي سننها الاجتماعية كانت ترى الظهار طلاقاً، فتحرم عليه زوجته على التأبيد، فأراد الله أن يبطله، لكن الله لما أراد أن يبطله جعل هناك كفارة مترتبة عليه تأديباً للمجتمع المسلم، لكن هذه الكفارة تخص المظاهر تأديباً له؛ حتى لا يعود إلى مثل هذه الألفاظ، لكنه لا يترتب على الظهار أي هدم لبيت الزوجية، فالزوجة تبقى زوجة؛ لأن دعواك وقولك: أنت عليّ كظهر أمي، قول سماه الله: منكراً من القول وزوراً، وما سماه الله منكراً وزوراً لا يمكن أن يترتب عليه بناء، ولا يمكن أن يقوم عليه شيء؛ لأن الله سماه منكراً من القول وزوراً. هذا الظهار جعل الله جل وعلا له كفارة، بدأها جل وعلا بتحرير رقبة، لكن الإشكال هنا أن الرقبة لم تقيد، بل جاءت مطلقة، بينما قيدها الله جل وعلا في القتل الخطأ في سورة النساء، قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] فكلمة (مؤمنة) في سورة النساء صفة لرقبة، نكرة بنكرة، مؤنث بمؤنث، وهذا يجري مجرى القيد، لكن في آية المجادلة جاءت مطلقة، فهل يحمل المطلق الذي في سورة المجادلة على المقيد؟ بمعنى: أن التقييد ينصرف كذلك، هذه مسألة فيها نزاع بين العلماء في قضية: تعارض المطلق والمقيد، وقد فصلناها فيما سلف، وقلنا: إن لها أربع صور، لكن نأخذ الآن الصورة التي تعنينا، وهي قضية اختلاف السبب واتحاد الحكم. الحكم: تحرير رقبة، أما السبب في سورة النساء فهو: القتل الخطأ، وفي سورة المجادلة: الظهار، فالسببان اختلفا، والحكم واحد، فمذهب الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية حمل المطلق هنا على المقيد، فيصبح حتى عند الظهار لا بد من تحرير رقبة مؤمنة، ولا يجزئ عند هؤلاء تحرير رقبة غير مؤمنة، كرقبة ذمي مثلاً. هذا أحد الأحوال التي تعنينا في هذا المقام، وهي: أن العلماء بناءً على قول الله جل وعلا في النساء، وفي سورة المجادلة جعلوا التقييد الموجود في سورة النساء، كذلك يحمل على الإطلاق الموجود في سورة المجادلة، هذا ما يتعلق بأحكام الظهار، وأنا لا أريد أن نخوض في قضايا فقهية، وسيأتي إن شاء الله تفسير سورة المجادلة، إن أبقى الله في أعمارنا وأعماركم برحمته. فالمقصود: نحن نأخذ بعض الصناعات في كل قضية، قال الله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ [الأحزاب:4]، لماذا لم يجعل الله الأزواج أمهات؟ لأن الأم الحق لا تكون زوجة، بمعنى: أنه لا يمكن أن يعقل أن يجتمع في امرأة أن تكون أماً وزوجاً في آن واحد؛ لتعارض الحقين، فلا يمكن أن يجتمع في امرأة أن تكون أماً وزوجة في آنٍ واحد؛ لتعارض الحقين؛ لأن حق الأم يختلف اختلافاً كثيراً عن حق الزوج. فالزوجة لك عليها حق القوامة، وهذا لا يصح مع الأم، والأم لها خفض الجناح، وقد لا يكون هذا مستساغاً مع الزوجة؛ لأنك تريد أن تهذبها، تريد أن تكو مسئولاً عنها، وهذا لا يمكن أن يقع مع الأم. فتعارض الحقين هنا يمنع منعاً باتاً أن تكون المرأة في آنٍ واحد زوجةً وأماً، هذا يذكرنا بالتوطئة، وهي قول الله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4]، وهذا الأسلوب أصلاً يعلمك وأنت تحاور وتجادل: أن تبدأ مع من تحاوره وتجادله، إذا كنت على يقين ممن تدعو إليه، أن تبدأ بأمور مسلمة متفق عليها، وتؤصل قبل أن تصل أنت وهو إلى مسألة الخلاف والنزاع، لكنك ينبغي وأنت تحاور أن تشترط على من تحاوره ألا تعود إلى ما اتفقتم عليه؛ لأن نقض البناء الأول ينقض الأمر كله، فينبغي أن تذكره كل ما حاورته أن هذا لا يمكن نقضه حتى تبني عليه. |
|
|
|