هو شهاب الدين  أحمد بنُ محمد بنِ عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم القرطبي ، مولى الإمام هشام بن عبد الرحمن بن معاوية   بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي  ، ويكنى أبا عمر  . 
تكاد كتب الأدب كلها تجمع على أن سنة ولادته هي 246 هـ   ، في العاشر من شهر رمضان (29 ـ تشرين الثاني ـ 860 م) . 
نشأته : 
نشأ ابن عبد ربه في تلك المدينة الزاهية نهاراً والمضيئة ليلاً ، والتي تعدُّ عاصمة الأندلس ، وعروس مغرب الإمبراطورية العربية . نشأ في أحضانها ، وترعرع في أزقتها النظيفة ، ورضع من لبان ثقافتها وبهجتها ، وشاهد بأمِّ عينيه أنسها وسرورها . فطبع ذلك كله في نفس ابن عبد ربه ، وفي عقده ، وفي شعره . 
فنراه تطيبُ نفسه إلى مغانيها ، وتُرهف سمعه أحلى أغانيها ، وتسعده جلساتُها ، وتقرِّبه من خيرة أمرائها وأدبائها ، فيتذوق اللهو ، ويلوذ بالغناء وما يجلبه مجلسه ، ويطرب إلى الجواري الحسان ، ليعزف على قيثارة الحب والغزل ومجالس الأنس أصفى الأشعار وأرقَّ الألحان . ولم يكن ابنُ عبد ربه ذلك الفتى المدلَّل المتهور ، بحيث يُضيع أيامه بالسكر والسماع . بل أخذ كذلك من قرطبة العلوم المعاصرة ، وثقَّف نفسه بما هو معروف في بلدته من فقه ودين وأدب ونحو وتاريخ . 
أما علمه فلم يبلغنا عنه شيء ، ولعله لم يحتجْ إليه لكثرة المال لديه ، أو أن بعض الأمراء كان يقدم له جُعلاً ثابتاً ، أو أنه شَغل بعض المناصب غير ذات أهمية ، ولكننا ـ من حياته هذه ـ ومن مطالعتنا لعقده نكتشف أنه لم يكن سيء الأحوال كثيراً ، على الأقل في بعض أيامه . ذلك أن الحميدي كان الوحيد الذي لمَّح إلى فقره في أول أمره ، ثم إثرائه بسبب علمه . فقال : « كان لأبي عمر بالعلم جلالة .. وأثرى بعد فقر » .  
ولا يعني ما ذكرناه ، أن حياته كانت سعادة كلَّها ، أو أنه لم يتألم أو يتأثر يوماً ، بل إنه مرَّ بأحداث جسام ـ شأنه شأن أي إنسان ـ وهي مما وصل إلينا فقط ـ ولكنها لم تؤثر كلها في اتجاه حياته . وقد استطعنا أن نكشف بعض هذه الأحداث من شعره نفسه . فَقَدْ فَقَدَ ولدين في حياته ، وكانا أثيرين لديه ، أحدهما يحيى الذي رثاه بعدة قصائد تعبّر عن جرحةٍ في الفؤاد أليمة . وأصيب كذلك بفالج أقعده في بيته عدة سنين . وشكا من جور الزمان ، دون أن يلمّح إلى نوعية الشِّدة التي أقضَّتْ مضجعه . ولقد سكب تذمره هذا في قطعة هجائية ، منها 
رجاءٌ دونَ أقربه السحاب           ***          ووعدٌ مثلُ ما لمعَ السَّرابُ 
ودهرٌ سادتِ العبدانُ فيهِ            ***         وعاثَتْ في جوانبِهِ الذئابُ 
وتسويفٌ يكلُّ الصَّبرُ عنه            ***         ومطْلٌ ما يقومُ له حسابُ 
وأيامٌ خلَتْ من كلِّ خيرٍ                               ودُنيا قد توزَّعها الكلابُ 
وفي أثناء حديثه عن الشيب نراه يعرِّض ـ ثانية ـ بالحكام الجائرين : 
جارَ المشيبُ على رأسي فغيَّره           ***          لما رأى عندنا الحكامَ قد جاروا 
ولكنه لم يبين : من هم الحكام ؟ ولا نوع جورهم ؟ معه فقط ، أم مع الجميع ؟ ولماذا لم يصرِّح ؟ ولماذا لم يعاتبوه على تعريضه ؟ 
وإذا تناسينا هذه الإشارات ، أو ضربنا صفحاً عنها . رأينا حياته الأولى كلها طرباً ولهواً ، ولكنه في أخريات أيامه أحسَّ بالجرم الذي ارتكبه فراح يُعلن توبته ، ويتمسك بالدين . 
موته 
توفي ابن عبد ربه يومَ الأحد ثامن عشر جُمادى الأولى سنة 328 هـ ، ودُفن يوم الاثنين في مقبرة بني العباس بقرطبة بعد أن استوفى إحدى و ثمانين سنة قمرية و ثمانية أيام . و قد أصيب بالفالج قبل وفاته ، تماماً كما حصل للجاحظ قبله و لأبي الفرج الأصفهاني بعده