قد قال الله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
فإن الله ما فترض رمضان ولا أوجبه على الناس إلا لغاية سامية، وهدف نبيل ألا وهو تقوى الله عز وجل ،كما بينه تعالى بقوله: { لعلكم تتقون } ففي تقوى الله تُزكى الأعمال وتصلح القلوب وتتهذب النفوس ويتحصل المؤمن على رضى الرب سبحانه وتعالى من الانقياد والمحبة والخشية والإخلاص والطاعة لله جل شأنه ، وهذا شأن رمضان،
فإن الصوم عبادة خفيَّة، ينطوي عليها صاحبها ولا يعلمها إلا الله، ولأن الصوم في الشريعة ليس بالإمساك عن الطعام والشراب فاحسب ، وكل ممسك عن الطعام والشراب إذا لم ينو بذلك وجه الله ، فليس بصائم في الشريعة ، والأعمال التي يراد بها وجه الله كلها له وهو يجزي بها ،
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : (قال الله تبارك وتعالى : كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ؛ يترك الطعام لشهوته من أجلي ، هو لي وأنا أجزي به ، ويترك الشراب لشهوته من أجلي ، وهو لي وأنا أجزي به ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال .انظر فتح الباري (4/ 131)
ويجب على المسلم أن يجتنب جميع ما يكدر عليه صيامه من اللغو والرفث و الفسوق والعصيان فقد قال صلى الله عليه وسلم:(قال ربُّنا عز وجل : الصيام جنة يستجير بها العبد من النار وهو لي ، وأنا أجزي به ) أخرجه أحمد (3/ 341) من حديث جابر بن عبد الله.
وقال صلى الله عليه وسلم : (الصيام جُنَّةٌ ،فلا يَرفُثْ ولا يجهل ، وإن امرُؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم –مرتين – والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ،الصيام لي وأنا أجزي به و الحسنة بعشر أمثالها ) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
@ . . وهذه جزئية من موضوع للأخ بندر الحربي ......
 |
|
 |
|
إن رمضان فرصة للإنابة ومحاسبة النفس ، والدنيا دار بلاء مشحونة بالمتاعب ، مملوءة بالمصائب ، طافحة بالأحزان ، يزول نعيمها ، ويذل عزيزها ، ويشقى سعيدها ، ويموت حيها ، مزجت أفراحها بأتراح ، وحلاوتها بمرارة ، فلا تدوم على حال ، ولا يطمئن لها بال ، والموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ولا يستأذن أحداً ولباسه لا يستثني جسداً ، فأدعوا نفسي وكل من يقرأ ما تخطه بناني إلى التوبة ، اتركوا القدة والمنام ، واهجروا المعاصي والإجرام قبل تصرم الآجال ، وليردد الإنسان في هذا المقام :
يا رب إن عظمت ذنوبــي كثرة ***** فلقد علمت بأن عفوك أعظــــم
إن كان لا يرجــوك إلا مــــحسن ***** فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ***** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحـــم
مــالي إليك وســيلة إلا الدعــــــا ***** وجميل عفوك ثم أني مسلـــم
يا رمضان سأنتقل فيك من طاعة إلى طاعة ، يعصرني الألم على ما مضى من التفريط ، ويدوني الأمل في مواصلة الصالحات ، وتجديد العهد ورجاء الفبول من الله ، وأتمنى أن تطول أيامك يا رمضان ، فلقد أبهجت قلبي ، وأنقذت حياتي بروحانيتك وأجوائك وحلاوة أوقاتك وخصوبة أرضك .
فلا تلمني إذا ذرفت عيني لفراقك ، ولا تؤاخذني إذا تحشرج صوتي متقطعاً في لظات وداعك .
يا راحلاً وجميل الصب يتبعه *** هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك دموعي وهي دامية *** ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
عذراً يا رمضان .... إن البكاء ليس كله للفراق ، فهناك شيء أكبر بكثير !! إنه القبول ، فهو الذي يقض مضجعي ، وينغص حياتي ، فلا أدري أغفر لي ربي أم تركني غارقاً في لجة ذنوبي ؟ فإن كان الأول فيا فوزي وسعادتي ، وإن كان الثاني فيا خسارتي وبؤسي . |
|
 |
|
 |