عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-17, 03:33 AM   #5
عضو فضي
 
الصورة الرمزية طلق المحيا

 











 

طلق المحيا غير متواجد حالياً

طلق المحيا تم تعطيل التقييم

افتراضي

الشعر السياسي وأثره في الواقع
انتهينا بذلك إلى قضية الشعر السياسي، وقبل أن أدخل في قول الله جل وعلا: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145] أقول والله المعين:

للكميت الأسدي شعر يسمى بالهاشميات، وهي قصائد قالها في بني هاشم جملة قبل أن ينقسم الناس إلى آل علي وآل العباس؛ لأنه متقدم، حيث عاش في دولة بني أمية، يقول الجاحظ الأديب المعروف، يقول: إن الكميت فتح للشيعة باب الاحتجاج بالشعر، يقول:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب

ولكن إلى أهل الفضائل والتقى وخير بني حواء والخير يطلب

بني هاشم رهط النبي فإنهم بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب

ثم أتى إلى قضايا الجدل فقال:

يقولون لم يورث ولولا تراثه لقد طمعت فيه بكيل وأرحب

إلى أن قال في عجز بيت:

فإن ذوي القربى أحق وأقرب

وهذا هو شطر البيت الذي تمسك به الشيعة في أحقية علي رضي الله تعالى عنه بالخلافة، وصدره:

فإن هي لم تصلح لحي سواهم فإن ذوي القربى أحق وأقرب

يقول لبني أمية: أنتم تقولون: إن الإمامة في قريش، وأخذتم الحكم من هذا الباب، فإن كانت الإمامة في قريش لأن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، فيجب أن يكون الحكم والإمامة في بني هاشم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش عامة ومن بني هاشم خاصة.

فسميت هذه القصائد بالهاشميات، وهذه الثغرة فتحها الكميت على مصراعيها شعراً للشيعة ليحتجوا على غيرهم بأحقية بني هاشم بالخلافة.

ومن احتج عليك بدليل عقلي فرده أولاً إلى النقل؛ لأنه لا مقام للعقل مع النقل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأئمة من قريش)، وقد استدل الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم بالقرآن والسنة من حيث الإجمال لا من حيث النص على أحقية الصديق رضي الله تعالى عنه بالخلافة، فهذا أشبه بالنقل؛ لأن الله قال: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] والنبوة انتهت بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فنعدل في الإمامة إلى الصديقين، وقد اتفقت الأمة على أن صديقها الأكبر أبو بكر ، فتقديم أبو بكر هنا بموجب القرآن، ونحن نقرأ الفاتحة ونطلب من الله أن يدخلنا في صراط الذين أنعم عليهم، والله يقول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، ونحن لا ندري من هم الذين أنعم عليهم، ولكن ربنا قال: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، فجعل الصديقين بعد الأنبياء، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه سماه النبي صلى الله عليه وسلم صديقاً، وولاه الصلاة أيام حياته، فصلى أبو بكر بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم حي، فلم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم ينزل من القرآن شيء ينكر، فما أقره الله أقره رسوله، ولما أقره الرسول أقره الصحابة وقبلوا، فكان بدهياً بعد ذلك أن يسند الأمر إليه رضي الله عنه وأرضاه، فبطلت حجة الكميت هنا على الناس، ولكن حجته على بني أمية صحيحة، وهذا من باب الإنصاف.

فـالكميت جمع هذه القصائد التي تسمى بالهاشميات، وعلى منوالها في عهد بني العباس ظهرت الكافوريات، وهي قصائد قالها المتنبي في مدح كافور الأخشيدي .

والمتنبي ظهر شأوه وعلا كعبه في بلاط سيف الدولة ، ولكن كثرة الحساد أخرجته من ذلك المكان، وهذه سنة الله في خلقه، فلا يظهر أحد إلا ويكثر حساده، فيلزمه الخروج، كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، فخرج المتنبي من بلاط سيف الدولة بعد أن قال:

وا حر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم

ما لي أكتم حباً قد برى جسدي وتدعي حب سيف الدولة الأمم

إن كان يجمعنا حب لغرته فليت أنا بقدر الحب نقتسم

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي أنا الثريا وذان الشيب والهرم

الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

يقولون: إن المتنبي حكيم، وأنا أقول: والله ما عنده من الحكمة مثقال ذرة، فهو حكيم في أقواله وليس حكيماً في أفعاله، وهو حيكم في نفعه للناس، ولكن لم ينفع نفسه، فأي ملك وأي والي وأي أمير يقبل أن يأتي شاعر فيجلس على الكرسي ويقول أمامه:

الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

ما أبعد العيب والنقصان من شرفي أنا الثريا وذان الشيب والهرم

صحبت في الفلوات الوحش منفرداً حتى تعجب مني القور والأكم

ثم يريد منه أن يبقيه ويعطيه ولاية؟! لقد قال هذا جالساً واستكبر أن يقف وهو شاعر، فكيف لو أصبح أميراً؟! فلا يعقل أن ذا سلطان يقبل أن ينازعه أحد، فلم يكن سيف الدولة يتحسر على فراق المتنبي له؛ لأن المتنبي أضر بنفسه عندما أعلى نفسه أمام سيف الدولة ، فوجد الحساد مدخلاً على شخصيته.

فخرج إلى مصر فمدح كافور الأخشيدي ، ولم يكن كافور إلا مثل سيف الدولة في الذكاء، فمدحه ينتظر منه ولاية فقال:

أبا المسك

وهذه كنية كافور ، يقول:

أبا المسك هل في الكأس فضل أناله فإني أغني منذ حين وتشرب

يعني: ما استفدت شيئاً، فأنا أمدحك ولم تعطني ولاية، فبقي على هذا حتى ترك كافوراً .

والذي يعنينا هنا تشبيه الكافوريات بالهاشميات، وهنالك الروميات لـأبي فراس الحمداني ، قالها حين أسرته الروم، ومنها قوله:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك ولا أمر

وقال أصيحاب الفرار أو الردى فقلت هما أمران أحلاهما مر

إلى أن قال:

سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر




التوقيع :
إذا أدمت قوارصكم فؤادي ***** صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئـت إليكـــم طلق المحيا ***** كأني ما سمعـتُ ولا رأيـــتُ

http://www.youtube.com/watch?v=3JqNh-btjvw


    رد مع اقتباس