نموذج من الحكايات
• الهدايا الثلاث
كان يا ما كان، أيام زمان، كان هناك أب له ثلاثة أبناء، وكان من أغني أغنياء القرية. كان عنده أموال وأملاك كثيرة، وكان رجلًا حكيمًا وكريمًا. فإذا أتي إليه طالب حاجة، قضي إليه حاجته؛ فلم يبخل على أحد بأي مال أو نصيحة. وفي يوم من الأيام عندما أدرك أنه على وشك أن يفارق الحياة، وأنه ليس أمامه إلا وقت محدود في هذه الدنيا. أرسل في طلب أولاده الثلاثة ليلقي عليهم وصيته الأخيرة، وعندما حضروا قال لهم: "كما تعرفون يا أبنائي أني ابن عائلتين من أغني العائلات في القرية، وأن عندنا مالا كثيرا يكفينا ويزيد. آخر ما أريد منكم قبل أن أموت هو أن تقسموا المال والأملاك والثروة بينكم أنتم الثلاثة بالتساوي، وأن تسعوا في الدنيا لبناء حياتكم، وثروتكم بالعمل والكفاح، ولا تضيّعوا هذه الثروة هباء، وألا تتحاربوا أو تتشاجروا من أجل المال والثروة بعد وفاتي".
وبعد أن مات الأب وانتهت مراسم الجنازة. اجتمع الأخوان الكبيران واتفقا على أن يتقاسما الجزء الأكبر من الثروة بينهم ويعطوا الجزء الأصغر لأخيهم الصغير. وعندما أتى الولد الأصغر قالوا له إننا أكبر منك وقريبا يجب علينا أن نتزوّج ونبني بيوتا وأسرًا جديدة لأنفسنا، ولهذا فنحن نحتاج للمال أكثر منك. فأنت ما زلت صغيرا وأمامك العمر طويل يمكنك أن تبني ثروة لنفسك قبل أن تكبر وتتزوج مثلنا، وهذا ما أراد أبونا أن نفعل عندما قال إنه علينا أن نبني ثروتنا بالعمل والكفاح، وأن نعيش حياة منفصلة عن بعضنا بعضا.
أطاعهم الابن الصغير، وأخذ الجزء الأصغر من المال، ومضي في طريقه. وقد كان كريمًا، رقيق القلب، عطوفًا على الفقراء مثل أبيه، فأخذ يصرف كلّ ماله في مساعدة الفقراء والمحتاجين، ولم يبخل عليهم بأيّ شيء حتى نفدت ثروته كلّها على عكس أخويه فقد نمت ثروتهم، وأصبحوا أكثر ثراء ممّا تركهم عليه أبوهم. ولكنهم لم يساعدوا الفقير أو يصرفوا أي شيء في مساعدة المحتاجين.
وعندما علموا أن أخاهم الصغير فقد كلّ ماله وهو الآن يعيش عيشة الفقراء، وليس لديه مال أو بيت أو حتى ملابس جديدة، أرسلوا إليه وعندما أتي إلى قصرهم الكبير منعوه من الدخول وقالوا له إنه مصدر عار بالنسبة إليهم وإنهم يريدونه أن يترك القرية، ويبحث عن مكان آخر بعيد عنها؛ لأنهم لا يريدون أن يعلم أهل القرية أن أخاهم فقير يتسول قوته، ويعمل في الحقول مثل باقي الفقراء.
أطاعهم ومضى في طريقه يمشي بين الجبال، يبحث عن مكان جديد يعيش فيه إلى أن وصل إلى مجري ماء رطب وهادئ فجلس بجانبه وشرب وغسل وجهه وقدميه وبعد مرور فترة من الوقت، وهو جالس يتأمّل الماء والجبل بجانبه، ويتفكّر في أمر نفسه: «ماذا أفعل وأين أذهب؟ لا أستطيع أن أعود إلى القرية بعد أن أخرجني منها إخوتي وتبرؤوا من نسبي لأنّي فقير وهم أغنياء.
وبينما هو جالس غارق في أفكاره إذ برجل عجوز بوذيّ من كهنة المعبد يحمل جوالا ثقيلا على ظهره ويحاول أن يعبر المجري المائي الذي لا يوجد عليه معبر خشبي أو حتى حجارة يستطيع أن يمشي عليها، فأسرع إليه الولد وعرض مساعدته في حمل الجوال والعبور في المجري المائي. ليس هذا فقط بل حمل الجوال حتى وصل به إلى باب المعبد الذي لا يوجد به أحد إلا الكاهن العجوز الذي لا يستطيع أن يرعى نفسه.
عرض الكاهن علي الولد أن يعيش معه في المعبد ويساعده في خدمة المعبد والعبادة هناك. ومرت عدة أشهر على هذا الحال إلى أن جاء يوم شعر فيه الولد بالشوق لقريته وأخويه وبيته. فأخبر الكاهن العجوز بقراره بالرجوع إلى بلدته ليرى أهله؛ فوافق الكاهن وأعطاه ثلاثة هدايا بسيطة وهي عبارة عن حصيرة مصنوعة من القش وملعقة كبيرة مصنوعة من قشرة جوز الهند وعصاتين للأكل. ثم قال له هذه ليست هدية كبيرة ولكن أتمنى أن تنفعك في سفرك.
مضى الولد في طريق العودة حتى أتى عليه الليل وأقبل الظلام فقرر أن يبسط الحصير وينام على الأرض بجانب الجبل. وعندما استيقظ في الصباح بعد نوم عميق أصابته دهشة عارمة إذ وجد نفسه ينام على ريش من النعام في قصر عظيم ومدّ يده يتحسس الملعقة فوجد أشهى الأطعمة التي يحلم بها تنزل من الملعقة فكلما فكر في أي نوع وجده يأتي من الملعقة! فأكل وشرب وأمسك بالعصاتين يدقّ بهما على المائدة فظهر له الخدم والراقصون والراقصات يخدمونه ويطيعون كل أوامره.
وبعد ذلك قرر أن يكمل رحلته إلى بيت أخويه فغيّر ملابسه ولبس الملابس البالية القديمة وعندما وصل إلى البيت ودقّ على بابه، رآه أخواه ورفضوا أن يدخلوه بهذه الملابس القديمة حتى لا يراه الخدم ويعلموا أنه أخ لسادتهم. ثم طلبوا منه أن يرحل ويرجع من حيث جاء فهم لا يريدون رؤيته مرة ثانية. فرجع إلى قصره وعاش في ترف، وانتشر القول بين الناس عن القصر الجديد، وكيف ظهر، وانتشر الحديث عن صاحب القصر الغني وقصة حصوله على المال والقصر.
سمع الأخوان بهذه القصة فقرروا أن يفعلوا مثلما فعل أخيهم الصغير ويتبرعوا بكل ثرواتهم للفقراء حتى آخر شيء فيها. ثم ذهبوا إلى مكان المعبد في محاولة منهم لمقابلة الكاهن الذي كافأ أخاهم الصغير وجعله أغنى منهم. لكنّهم لم يجدوا إلا معبدا مهجورا لا يعيش فيه أي أحد. وأخذوا ينادون على الكاهن ولكن لم يرد عليهم أحد. فرجعوا إلى القرية وقد أصبحوا فقراء يتسولون قوت يومهم، ويعملون في الحقول، وبلت ملابسهم، لكنّ أخاهم الصغير سمع بما حدث لهم فأرسل إليهم وأحضرهم إلى قصره وأعطاهم مالا وطعاما كثيرا وسامحهم على ما فعلوا به وعاشوا مع بعضهم البعض دون تشاجر أو تناحر بسبب المال، وهذا ما تمناه أبوهم قبل أن يموت.