ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   إهداء لأعضاء وزوار الملتقى الإسلامي بملتقى حرب (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=154149)

طلق المحيا 04-01-17 08:58 AM

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا...)
ثم قال الله تعالى بعدها: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].

(من الناس) من هذه بعضية، (من) موصوله، (يعجبك قوله في الحياة الدنيا) أي: يعطى بلاغة ويؤتى بياناً، ومع جرأته على الله يكذب ويقول: إنني أقصد كذا ويشهد الله على ما في قلبه.

ثم قال الله: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204] فالتجاوز دائماً غير محمود في الشرع حتى في الفصاحة، فإذا كان الإنسان يتفيقه في كلامه ويلوي لسانه حتى يظن أنه بليغ وفصيح فهذا أمر مذموم، فالتكلف مذموم شرعاً، و(ألد الخصام) أي: شدة الخصومة، وقد بينا هذا في دروس لغوية مضت وقلنا: إن الحزن هو شدة التضجر، وبينا أن البث هو شدة الحزن، وذكرنا أن ابن خالويه قاله في كتابه (فقه اللغة وسر العربية).

ثم قال الله: وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205] أي: لم يَحُل بينه وبين أغراضه ومكامن قلبه شيء.

وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ، قال بعدها: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]؛ لأن الذي يصلح الأرض هو الله، فالإفساد في الأرض مصادمة لله الذي أصلح الأرض، فالإفساد في الأرض مصادمة لمراد الله؛ ولهذا قال الله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56]، وأعظم إفساد في الأرض هو الشرك، كما في الحديث: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك).

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 04-01-17 09:01 AM

لقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات مجيئه يوم القيامة والملائكة في ظلل من الغمام، وذلك لفصل القضاء بين الناس في ذلك الموقف بين العباد. والمجيء من الصفات الثابتة لله تعالى، فيؤمن بها من غير تحريف ولا تأويل ولا تشبيه، ثم ذكر الله تعالى أن الكفار زينت لهم الحياة الدنيا، وأنهم اغتروا بها فصاروا يضحكون من المؤمنين، مع أن المؤمنين فوقهم يوم القيامة، وذكر أن الناس كانوا أمة واحدة، وكان ذلك من لدن آدم وإلى عهد نوح، ثم اختلفوا فأرسل الله الرسل والأنبياء وأولهم نوح.

طلق المحيا 04-01-17 09:02 AM

تفسير قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ...)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد.

فكنا أيها المباركون قد انتهينا إلى قول الله جل وعلا في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208]، وبينا ما يتعلق بها، ونبين أمراً قد ذكرناه من قبل في لقاءات مضت ودروس سلفت أن الشيطان أخفى عداوته، لكن الله جل وعلا أظهرها، وهنا كان قول الله جل وعلا: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208] وصف ظاهر لا التباس فيه، وإلا فالأصل أن الشيطان أخفى عداوته، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]، وليس هذا صنع من يريد أن يظهر عداوته، لكن الله جل وعلا كشفه وفضحه؛ فلهذا قال الله جل وعلا: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208]، ثم قال الله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209]، والأصل أن الزلل هو في الأقدام، ثم استعير فأصبح يوصف به كل زلل في المعتقدات والآراء وغير ذلك.

فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:209] أي: بعد الحجج الظاهرة والبراهين القاهرة.

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:209] أي: لا يمنعه شيء من أن يعذبكم، (حكيم) أي: لا يعذب إلا من يستحق العذاب، وهذه ظاهرة، وقد مرت معنا كثيراً.

طلق المحيا 04-01-17 09:04 AM

منهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات
ثم قال الله جل وعلا: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210]، وهنا ننيخ المطايا؛ لأننا نخاطب طلبة علم في المقام الأول، فهذه الآية هي إحدى الآيات التي تتكلم عن آيات الصفات، وهي آيات كما تعلم زلت فيها أقدام، وحارت فيها أفهام، ولا نجاة في مثل هذا التفسير وهذا المنحى إلا باتباع منهج السلف الصالح رحمهم الله في التعامل مع آيات الصفات، ومنهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات يقوم على أسس ثلاثة:

الأساس الأول: تنزيه صفات الله أن يشبه شيء منها صفات المخلوقين، ودليله قول الله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].

وقوله جل ثناؤه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فهذا أول الأسس في منهج السلف في التعامل مع آيات الصفات.

الأساس الثاني: الإيمان التام بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، ودليله: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140].

ويتبع هذا الأساس-يعني: ما زلنا في الأساس الثاني- الإيمان بما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم، ودليله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

الأساس الثالث -وهذا مهم جداً-: قطع الطمع في إدراك الكيفية، والمعنى: أي: لا سبيل أبداً إلى معرفة كيفية هذه الصفات، ودليله قول الله جل وعلا: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110].

هذه الأسس الثلاث حررها شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في كتابه القيم (أضواء البيان).

وهنا يأتي إشكال، فلو أخذنا مثال آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وهي غير موجودة معنا هنا -يعني: ليست في سورة البقرة- لكني أريد أن أخاطب الناس كيف يتعلمون ما ينجم عن هذه القضية من أمور.

فقد ذهب القاضي عبد الجبار أحد رءوس المعتزلة إلى أن (استوى) هنا بمعنى استولى، وقال: كما تقول: استوى الأمير على العراق، وأتى ببيت شعر لو صح فليس له علاقة بالدليل:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق

فمفهوم كلامه: أن العرش ما ضرب إلا كمثل، والمقصود: استيلاء الله على كل شيء، فترك النقل وقدم العقل، هذا أمر.

والأمر الثاني: ترك ما وصف الله به نفسه وأتى هو بوصف من عنده، وكأن اللفظ القرآني قاصر عن أن يوصل المعنى إليك، ثم إن هذا -شاء أم أبى- يدل على كيفية ذلك الاستواء؛ لأنه حصره بمعنى الاستيلاء.

طلق المحيا 04-01-17 09:06 AM

النصح لدين الله تعالى
فنحن الآن لسنا بصدد نقض كلامه؛ لأن كلامه منقوض، وليس الإشكال بيني وبينكم في أن كلامه منقوض، لكن جمعاً من المفسرين من علماء الأمة ممن شهد لأكثرهم بالصلاح تبعوه على هذا القول كـالزمخشري في الكشاف، وابن عطية في (المحرر الوجيز)، والبيضاوي في تفسيره، والثعالبي في تفسيره، وأبي السعود في تفسيره، والألوسي في (روح المعاني)، والمراغي في تفسيره، وسيد قطب رحمة الله عليه في (ظلال القرآن)، فهؤلاء الجمع كثر، وقد قالوا بمثل ما قال به القاضي عبد الجبار -عفا الله عنا وعنهم، وغفر الله لنا ولهم-، لكن ما الذي ينتابك علمياً هنا؟ ينتابك أمران، أو يتنازعك أمران، وهذا كلام مهم جداً علمياً، وأرجو الله أن ينفع به الخلق.

يتنازع في المسألة أمران:

الأمر الأول: النصح لدين الله.

والأمر الثاني: معرفة حقوق علماء الإسلام.

أولاً: النصح لدين الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم)، فهذا يجعلك لا يمكن أن تقبل أو تقر قولاً خطأ في دين الله خاصة في الاعتقاد، فلا يمكن أن تقول للناس: هذه مقبولة، ويسع الناس فيها الخلاف، فهذا محال؛ لأن هذا ليس نصحاً لدين الله، وأنت مأمور بأن تنصح لدين الله، ومن النصح لدين الله: أن تبين القول الخطأ، وتبرئ ساحة الدين من الأفكار الدخيلة.

طلق المحيا 04-01-17 09:07 AM

العدل في رد الأخطاء مع من ظهر صلاحه
والأمر الثاني: معرفة حقوق أهل الإسلام، فلا يمكن أن تأتي لمسلم فسر القرآن، وظهر عليه الصلاح، وصلى وصام وقام وعبد واتقى، وبذل جهده وعمره في تفسير كلام الله، فمن أجل خطأ تشنع عليه شناعة تذهب كل محاسنه، فهذا حتى لا يتفق مع العدل الذي أمر الله به، فماذا نصنع؟ نتكلم عن الخطأ ونحرره، ونبين للناس الصواب، وأن هؤلاء أخطئوا وسلكوا مسلكاً هم في غنىً عنه، وواجهتهم عقبة كئود، فلا هم بالذين استطاعوا أن يرجعوا، ولا هم بالذين استطاعوا أن يتجاوزوها، فلا هم تجاوزوها ووصلوا إلى المقصود، ولا هم الذين رجعوا فسلموا، وإنما أوقعوا أنفسهم بخروجهم عن منهج سلف الأمة في التعامل مع آيات الصفات.

فتحرير هذا يدفعنا إليه النصح لدين الله، ونحن إذ بينا هذا الخطأ ونهينا الناس عن اتباعهم فيه نتوقف على أن نزيد فيه وندخل في أعراضهم ونقول فيهم ما لا يحل، فإن أعراض المسلمين ودماءهم وأموالهم حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا).

يتفرع على هذا مسألة أخرى، وهي أنك أحياناً -وقد لا يكثر هذا، لكن قد يوجد- قد يأتي أحد من مشايخك فيتحدث عن أحد الناس قدحاً فيه، فمثلاً لو قدر -عافنا الله وإياكم، وعصمنا الله من كل سوء- لو أنني على مقعدي هذا ذممت أحد علماء المسلمين الصالحين، فأنت أيها الطالب! في هذه الحلقة المباركة، أو من يأخذ العلم عنا خلف التلفاز أمام ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: أن يقبل قدحي في غيري موالاة لي، وهذا باطل.

الحالة الثانية: أن يقول لا يؤخذ منه علم؛ لأنه قدح في قرينه -والقدح غالباً يكون في القرين-، فتنفض يدك وتحرم نفسك من العلم الذي آتاه الله إياه، وهذا خطأ آخر.

والصواب: ألا تقبل القول الخطأ في أي أحد، ولا القدح في الناس، ولو كان هذا شيخك أو رجلاً له فضل عليك، فالباطل يرد على كل أحد، لكن كن لبيباً فلا تحرم نفسك من شيء من علمه أن تحصله بسبب هذا.

فالإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه سئل: أين نذهب بعدك؟ فدلهم على رجل، فقيل له: إن يتكلم فيك، فقال: رجل صالح ابتلاه الله بي. فكونه مبتلىً بي ويحسدني على منزلتي شيء، وكونه عالم شيء آخر، فلا تقبل قدحه فيّ ولا حسده إياي، وخذ من علمه؛ حتى تستفيد.

تطبيق علمي على أصلنا: (الجامع لأحكام القرآن) كتاب تفسير للقرطبي ، وقد وقع فيه القرطبي رحمه الله في مسائل مشابهة لهذه وهنات كبرى، كقوله عند تفسير الله جل وعلا: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، قال: أمره أو ملائكته أو جنده، فأول الآية، لكن لا يمنع هذا أن تفسير القرطبي من أمتع كتب التفسير، وليس هناك حرج أن تقول بملء فيك -وليس هذا قدحاً في القرطبي -: إن القرطبي في تلك المسائل أخطأ؛ لأن هذا يفرضه النصح لدين الله، فإذا ضبطت -في ظني المسألة- وفق هذا التصور سلم الناس كثيراً من التخبطات، وأما أن يأتي إنسان فيجامل ويترك النصح للدين فهذا لا يجوز، وأن يأتي إنسان فيضع أئمة المسلمين في الحضيض بحجة النصح للدين فهذا لا يجوز.

طلق المحيا 04-01-17 09:08 AM

حكم الاختلاف في المسائل الفقهية الفروعية
ثمت مسائل أيها المبارك لا ترقى إلى هذا وهو الاختلاف في الفروع الفقهية، فإن الاختلاف في الفروع الفقهية عادة يصعب الترجيح فيه؛ لأن السلف أنفسهم اختلفوا فيه، بخلاف الأول وهو المسائل العقيدة فإنه يوجد منهج للسلف قد أجمعوا عليه، فلا يحق لنا وقد جئنا بعدهم ونحن نقتات على بقايا موائدهم في العلم أن ننبذ قولهم، لكن في أفرع الفقه هم أنفسهم قد اختلفوا، فلا نطبق القاعدة الأولى، وإنما نقول: يقبل هذا ويقبل هذا، وهذا هو المعني بقوله:

وواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم

أرجو أن تكون هذه المسألة قد حررت تحريراً جيداً.

يقول ربنا وهو أصدق القائلين: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة:210] فعلينا إمرارها كما جاءت، فتفسيرها إمرارها.

فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ظلل نكرت للمهابة والتهويل.

وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة:210] أي: انتهى الأمر.

وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [البقرة:210] فالله قد ملك الناس شيئاً من أمورهم، ثم في الآخرة ينتهي الملك الصوري كما حررناه كثيراً ويبقى الملك الحقيقي.

طلق المحيا 04-01-17 09:09 AM

تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ...)

قال الله جل وعلا بعدها: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211] السؤال هنا ليس المقصود منه الاستفهام، وإنما الإقرار، وبنو إسرائيل هم ذرية يعقوب، فإسرائيل هو يعقوب، وهو ابن لإسحاق، وإسحاق ابن لإبراهيم، ويعقوب وأبوه إسحاق وجده إبراهيم دل القرآن على التلازم فيما بينهم قال الله: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ [ص:45] ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الكريم ابن الكريم قال: (يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)، وهذا نسب تليد في المجد، نبي ابن نبي ابن نبي ابن خليل الله، وهذا لم يعطاه أحد فيما نعلم.

سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ [البقرة:211] (كم) خبرية وليست استفهامية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما هي الآيات التي جاءت بني إسرائيل، وهو لا يريد منهم أن يجيبوه، بل يريد أن يقررهم على ما وقعوا فيه.

كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة:211] وتنقسم إلى قسمين: آيات قدرية كونية، وآيات شرعية، فالآيات الشرعية في المقام الأول: التوراة، وفي الآيات القدرية الكونية انفلاق البحر؛ لأنه أمر قدري.

والله جل وعلا أخبر أن آتى موسى تسع آيات؛ ليقيم بها الحجة على فرعون وآله، فتكون تأييد له وللمؤمنين الذين معه، وحجة على من معه، وهذه التسع من باب الاستطراد هي حسب ترتيب ظهورها: العصا، واليد، والسني، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، هذه أربع.

ثم قال جل وعلا: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:133] وهذه خمس ومضت أربع فأصبحت كلها تسع.

وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ [البقرة:211] أظهر ما قيل: المقصود بها الإسلام.

طلق المحيا 04-01-17 09:10 AM

إشكال وجوابه
وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] وهنا إشكال: فقد يأتي إنسان ويقول: قوله: (من بعد ما جاءته) زائدة، فلو قلنا له: لماذا زائدة؟ لحاجك وقال لك: لا يمكن أن يكون هناك تبديل حتى تأتي أول الآية، فإذ لم تأت الآية فكيف أبدلها؟ إذا لم تأت النعمة فكيف أبدلها؟ فلماذا قال الله: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ[البقرة:211] ولا يمكن تبديلها أصلاً حتى تجيء؟ والسبب أو التعليل لذكر: (من بعد ما جاءته) أمران:

الأول: التشنيع والتقريع.

والثاني: حتى لا يتوهم أن تبديله كان عن جهل بها، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة:211].

طلق المحيا 04-01-17 09:11 AM

تفسير قوله تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا ...)
ثم قال ربنا: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:212] من نقمة الله جل وعلا بأهل الكفر أن الدنيا تزين لهم، فيظنون أنهم خالدون، وتكثر سخريتهم بأهل الإيمان، ومن يمشون في تفسيرهم -كما هو صنيع الشنقيطي في (أضواء البيان)- على تفسير القرآن بالقرآن يقولون: إن قول الله جل وعلا: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] لم يحدد الله كيفية السخرية، وحددها في سورة المطففين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30] فقد كانت السخرية بالغمز والضحك على أهل الإيمان.

ثم قال الله جل وعلا: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ [البقرة:212] وعيَّن فقال: يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]؛ لأن الدنيا ليست دار انتصار ولا فوز، وإنما الحياة الأبدية إنما تبدأ يوم القيامة.

وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، ثم قال الله جل وعلا: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:212] أي: أن هؤلاء أهل الطاعات أعد الله لهم من الرزق يوم القيامة ما لا يمكن أن يقدر بقدر.

طلق المحيا 04-01-17 09:13 AM

تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله ...)
ثم قال ربنا تبارك وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] إلى آخر الآية.

قوله: (كَانَ النَّاسُ) هذا عام أريد به الخاص؛ لأن كلمة الناس عامة، لكنه يقال: عام أريد به الخاص، والسؤال: من الخاص؟ لأنه لو قلنا عام فالناس واضحة، لكن لما خصصناه قلنا: عام أريد به الخاص، فينصرف إلى القرون التي كانت من آدم إلى نوح، فالناس لفظ عام أريد به الخاص هنا، أي أريد به أناس خاصون وهم القرون التي عاشت من لدن آدم إلى نوح، وكانت عشرة قرون، فهؤلاء كانوا على الفطرة لا يشركون مع الله غيره، وهذا معنى قول الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: على دين واحد.

ومن معاني (أمة) الدين والملة، وقد مر معنا كثيراً تحرير كلمة أمة.

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فهناك إيجاز حذف وهو أنهم اختلفوا وحادوا عن الفطرة، وغيروا الدين، قال الله بعدها: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213]، وأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 05-01-17 06:59 AM

يخبر الله تعالى أن الناس كانوا أمة واحدة على التوحيد والخير، ثم اختلفوا واجتالتهم الشياطين إلى الشرك والفرقة، فأرسل الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين. وذكر الله تعالى أيضاً أن دخول الجنة ليس بالأمر الهين، فهو أمر يحتاج إلى عمل وتضحية، وقد تصيب الإنسان في سبيل ذلك الفتن والابتلاءات. ثم ذكر الله تعالى حرمة الأشهر الحرم، وأنه لا يجوز فيها الاقتتال، وأعظم من ذلك الصد عن دين الله، والكفر به.

طلق المحيا 05-01-17 06:59 AM

تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة...)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المباركون! كنا قد انتهينا إلى قول ربنا جل جلاله وتباركت أسماؤه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213].

وقلنا في صدر هذه الآية: إن (الناس) هنا لفظ عام أريد به الخاص، والخاص المراد به هنا هم تلك القرون التي عاشت من لدن آدم إلى نوح عليه الصلاة والسلام، فهذه الحقبة من آدم وإن كان آدم نبياً إلا أنها كانت على الفطرة، وكانت على دين واحد على ملة الإسلام، وهذا من أعظم الدلائل وأجل القرائن على أن الإسلام دين الفطرة، ثم لما دب فيهم الاختلاف، وعظموا الصالحين، ونشأ الشرك في الأمم كان من رحمة الله جل وعلا بعباده أن بعث الأنبياء، وأنزل الكتب؛ حتى تقوم الحجة، وتتضح المحجة، ولهذا قال الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]، وهذا يسمى عند البلاغيين إيجاز حذف، واختلفوا فبعث الله النبيين، إذ لا مصوغ لبعث النبيين إلا اختلاف الناس، فبعث الله الرسل وأولهم -كما قلنا- نوح وآخرهم وخاتمهم نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وقدمت البشارة على النذارة؛ لأنه أليق وأقرب بالقبول، والتقديم والتأخير في النذارة والبشارة في القرآن يحكمه السياق العام الذي يأتي للآية، والإنذار من باب الزيادة في الفهم والعلم، وهو الإعلام لكنه يكون مصحوباً بوعيد، وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3].

فالإعلام إذا كان مصحوباً بوعيد فهو الإنذار، وأما إن لم يكن مصحوباً بوعيد مثل الإعلام بدخول الوقت في الصلاة فهذا يسمى إذاناً، إذاً يتحرر من هذا أن كل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً.

طلق المحيا 05-01-17 07:01 AM

كل أمة كان لها كتاب

وقوله جل وعلا: وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] قلنا: مأخوذة من النذارة، وَأَنزَلَ مَعَهُمُ [البقرة:213] عائد على النبيين، (الكتاب بالحق)، فما دام أنه من عند الله فلا بد أن يكون ملتبساً بالحق ومتضمناً له، ولهذا قال الله جل وعلا: وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:105]، والكتب التي أنزلت على الأنبياء والمرسلين الأظهر أن كل أمة كان لها كتاب؛ لأن الله جل وعلا قال: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213]، وقد تكون صحفاً، ولا يمنع هذا من تسميتها كتاباً، لكن تعبدنا الله بالإيمان بها جملة والإيمان ببعضها تفصيلاً، ومما سماه الله جل وعلا صحف إبراهيم، والتوراة، والإنجيل، والزبور، فهذه مما أمرنا أن نؤمن بها تفصيلاً، وقد أخبرنا الله جل وعلا ببعض ما كان فيها، يقول الله جل وعلا: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:36-38].

إذاً: فقوله جل وعلا: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38] كما هو الآن في القرآن كان موجوداً في صحف إبراهيم وصحف موسى، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213]، والبغي هنا يشمل ثلاثة أضرب: الحسد، والظلم، والتكذيب، وهي متلازمة فيما بينها، وهذا ينشأ غالباً عياذاً بالله بين الأقران، فيبغي بعضهم على بعض.

طلق المحيا 05-01-17 07:03 AM

هداية الله هذه الأمة إلى يوم الجمعة دون اليهود والنصارى


قال الله جل وعلا: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، وليعلم الإنسان أنه لا سبيل إلى وصول المقصود ومعرفة الحقائق إلا بالله، فالمؤمن يستعين بالله، ويتضرع إليه، ويسأله أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (نحن الآخرون) أي: أمماً، (السابقون يوم القيامة).

ثم يتكلم عن يوم الجمعة، وأن الله أضل اليهود والنصارى عنه فقال: (فهو لنا)، ومعلوم أن النصارى تعظم يوم الأحد، واليهود تعظم يوم السبت، فقال عليه الصلاة والسلام: (والناس لنا في ذلك تبع) أي: بعد، فاليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد.

فكل تلك الأمم كانت تعلم أن هناك يوماً عظمه الله، فلم يهد له اليهود ولم يهد له النصارى، وهديت له هذه الأمة.

طلق المحيا 05-01-17 07:04 AM

تعدّي الفعل (هدى) بحرف وبغير حرف
فقول الله جل وعلا: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] يشمل كل مؤمنين خاصين بكل أمة، ويشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم في سائر الأمم، ثم قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].

و(يهدي) قد مر معنا ذكرها من قبل، فقلنا: تعدى بحرف الجر (إلى) كقوله تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213]، وقوله جل وعلا: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، وتأتي غير متعدية، كما في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فهي غير متعدي بحرف جر، والفرق بينهما أنه إذا كان الحديث عن نقل الناس من الظلمات إلى النور، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن حالة سيئة إلى حالة حسنة فإن الفعل (يهدي) يتعدى بحرف الجر (إلى)، وأما إذا كان المقصود من إمرار الفعل وذكره الزيادة في الطاعة والزيادة في الهداية فلا يتعدى بحرف جر إنما يتعدى بنفسه، ومنه قول الله جل وعلا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فلا يوجد حرف الجر (إلى)؛ لأن الذي يقرؤها ويتلوها مؤمن، وإنما يريد زيادة الهداية، فقول الله جل وعلا مثلاً في أول فاتحة إبراهيم: الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1] كان يتكلم عن الانتقال من مرحلة الكفر إلى مرحلة الإيمان، لكن في قوله جل وعلا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فإنه يتكلم عن فئة تتلو القرآن، وتقيم الصلاة، وتريد الزيادة من الهداية.

طلق المحيا 05-01-17 07:05 AM

تفسير قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم...)
قال الله جل وعلا بعد ذلك: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214]، فـ(أم) هنا بمعنى بل، والمقصود منها الإضراب، أي: الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ [البقرة:214].

و(لما) أخت للم، إلا أن الفرق بينهما أن (لم) نفي للشيء الذي لا يترقب وقوعه، في حين أن (لما) نفي لحصول الشيء الذي يترقب وقوعه، فكون هذه الأمة ستبتلى بالبأساء والضراء هذا مما يترقب وقوعه، قال الله جل وعلا: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214].

ما الذي أتاهم؟ قال الله: مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ [البقرة:214]، والفرق بين البأساء والضراء أن البأساء: هي ما يصيب الإنسان في غير ذاته، مثل: التهديد الأمني، الإخراج من الديار، نهب ماله، فهذا كله يسمى بأساء.

والضراء: هي ما يصيب المرء في نفسه، مثل: الأمراض والجراح والقتل، وَزُلْزِلُوا [البقرة:214]، وأصل الزلزلة التحريك، والمقصود أنهم ابتلوا بأنواع البلايا، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]، ليس المقصود من ( متى ) هنا الاستفهام المجرد، وإنما المقصود استجداء نصر الله، ثم قال الله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، وليس بعد العسر إلا اليسر:

وراء مضيق الخوف متسع الأمنِ وأول مفروح به غاية الحزنِ

ألم تر أن الله ملّك يوسفَ خزائنه بعد الخلاص من السجنِ

طلق المحيا 05-01-17 07:06 AM

تفسير قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم...)
ثم قال الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215].

الآن جاء ضرب آخر من الحديث يتعلق بالتشريعات، وسورة البقرة مر معنا في فاتحتها أنها سورة مدنية، وهي من أوائل ما أنزل في المدينة، ولهذا كان أهل المدينة يفتخرون بها افتخاراً عظيماً، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضيق عليه في يوم حنين أمر العباس أن يدعو الناس، فأخذ العباس يقول: يا أصحاب سورة البقرة! يقصد الأنصار، فيذكرهم بالجهاد الذي فرض في سورة البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216].

فسورة البقرة سورة مدنية، وهي أطول سورة في القرآن، ومن أوائل ما نزل في المدينة، وكان الأنصار يفتخرون بها افتخاراً عظيماً، وهنا يأتي الحديث عن قضايا تشريعية، فيقول جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، يقول المفسرون: إن السائل عمرو بن الجموح رضي الله عنه وأرضاه، وهو الذي مات شهيداً في أحد، وأُحد جبل يقع شمال المدينة، وسمي أحداً لتفرده عن الجبال، وقد جاء في حقه: (أحد جبل يحبنا ونحبه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، فـعمرو هذا أحد أعظم الشهداء في أحد، والشهداء في أحد كانوا سبعين شهيداً، والله يقول: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا [آل عمران:165]، فالمصيبة التي أصابتهم ما كان من قتلهم يوم أحد، وقد قتل منهم سبعون، وأصابوا مثليها في بدر، فقد قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين، وهذا خروج عن الآية لكن هذا بسبب ذكرنا عمرو بن الجموح ، يقولون إنه سأل: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، والأظهر من أقوال العلماء أن المسئول عنه صدقة التطوع؛ بقرينة أن الله قال: قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:215]، ومعلوم أن الوالدين لا يعطيان من الزكاة الشرعية، ولكن الكلام هنا على صدقة التطوع، فقال الله جل وعلا: قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215] قلَّ أو كثر، فَلِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:215]؛ لأنهما أعظم حقاً، وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:215]، والأقرب هو الأدنى، أي: الأدنى إلى المنفق، وَالْيَتَامَى [البقرة:215]، يتامى جمع لكل يتيم ويتيمة، فإذا قلنا: يتامى فالمراد جمع من الذكور والإناث ممن يتم، وإذا قلنا: أيتام فنتكلم عن ذكور لم يبلغوا الحلم ومات والدهم، والقرآن هنا يتكلم عن كونهم ذكراناً أو إناثا فجعلها يتامى.

قال الله تعالى: وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [البقرة:215] أي: الفقراء، وسموا مساكين؛ لأن الفقر أسكنهم، فلا ريب أن قلة المال في الغالب تضفي على صاحبها شيئاً من السكون، والعرب تقول:

حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة حنت إليه وحركت أذيالها

وإذا رأت يوماً فقيراً معدماً هشت إليه وكشرت أنيابها

لكن العبرة بما عند الله، وابن السبيل هو المسافر المنقطع، ولا بد من تقييده بالمنقطع؛ لأنه إذا كان غنياً فليس بحاجة إلى أن يأخذ من أحد.

ثم بعد أن بين الله جل وعلا كيف تنفق الأموال، بين الله تبارك وتعالى أن كل خير يصنعه العبد فإن الله مطلع عليه، فقول ربنا: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، فهذا إجمال بعد تفصيل، وعام بعد خاص.

طلق المحيا 05-01-17 07:07 AM

تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم...)
قال الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216] أي: فرض، والقتال هنا بمعنى الجهاد، وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] أي: شاق عليكم، وليس المعنى أن الصحابة يكرهون أوامر الله؛ لأن هذا ما ينسب إلى أمثل رعيل وأجل جيل، وإنما فيه من المشاق ما الله به عليم مما لا تطيقه النفوس إلا النفوس الصادقة؛ لما فيه من بذل المهج والأموال والمرابطة، وما لا يخفى عليكم من قضايا الجهاد، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216].

ولم يكن القتال قد فرض عليهم في مكة، وإنما فرض عليهم في المدينة، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] باعتبار المآل؛ لأنه ينجم عن الجهال إما الظفر والغنيمة، وإما الشهادة والجنة، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].

ومما ينبغي التنبيه عليه أن الجهاد في سبيل الله من أعظم وأجل القربات، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، فقال الصحابة: ولا الجهاد في سبيل الله؟) فلم يذكروا إلا الجهاد؛ لما استقر في أذهانهم وقلوبهم رضوان الله عليهم أن الجهاد من أعظم القربات، فالله يقول: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]، فالله أعلم بما يصلح العبد وما فيه فلاحه، فيجب الإذعان لأمره، والتوكل عليه.

وأنا عجلت في ذكر التفسير؛ لأن المعاني ظاهرة.

طلق المحيا 05-01-17 07:08 AM

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...)
ثم قال الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] والمعنى: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، ويسمى عند أهل الصناعة النحوية بدل اشتمال، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] والمعنى: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، وقبل أن نعرج على الآية نقول: إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية في أخريات جمادى، فأهلّ رجب وهو شهر حرام دون أن يعلموا، فأصابوا طائفة من أهل الإشراك، فقتل من القرشيين رجل يقال له: ابن الحضرمي ، فتبين لهم بعد قتله أنهم قتلوه في أول رجب في شهر حرام، وكانت العرب على شركها تعظم الشهر الحرام ولا تتقاتل فيه، والأشهر الحرم واحد فرد وأربعة سرد، فالفرد رجب والثلاثة السرد ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وكانت العرب تعظمه، فلما قتل ابن الحضرمي عيرت قريش المسلمين بأنهم يسفكون الدم في الشهر الحرام، وشق ذلك على عبد الله بن جحش ومن معه في السرية، فأنزل الله جل وعلا وهو أحكم الحاكمين قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] أي: عن القتال في الشهر الحرام، قُلْ [البقرة:217] أي: يا محمد ! قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] أي: القتال في الشهر الحرام إثم كبير، ثم قال الله وهذا كلام مستأنف: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:217] أي: ولكن الصد عن سبيل الله والكفر به -أي: الكفر بالله-: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:217].

جاءت مجرورة؛ لأنها معطوفة على سبيل، فيصبح المعنى الصد عن سبيل الله، والكفر بالله، والصد عن المسجد الحرام، فيصبح المسجد الحرام معطوف على سبيل عند جماهير أهل البصرة من النحاة، وذهب الفراء أحد أئمة أهل الكوفة في النحو إلى أنه معطوف على الضمير في (به)، فيصبح المعنى على قول الفراء : كفر به وكفر بالمسجد الحرام، لكن قواعد البصريين تقول: إن المعطوف على المجرور لا بد أن يعاد العامل معه، أي: يعاد حرف الجر، وهنا لم يعاد حرف الجر، فذهبوا إلى أنه معطوف على كلمة (سبيل)، فيصبح المعنى: وصد عن سبيل الله وصد عن المسجد الحرام، وبينهما: كفر بالله.

وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة:217]، وهذه مسألة أخرى لذلك جاءت مرفوعة: وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ [البقرة:217] أي: أهل المسجد الحرام، والمقصود به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة:217] أي: من المسجد الحرام من مكة، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217] أي: أكبر من القتل في الشهر الحرام، وأكبر من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، أي: ما صنعه عبد الله بن جحش -مع أنهم في غالب الظن لم يكونوا يعتقدون أنهم في شهر حرام- من قتل ابن الحضرمي فأن الصد عن المسجد الحرام أكبر عند الله من هذا القتل القائم على غلبة الظن في الشهر الحرام، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217].

ثم قال جل وعلا: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217]، الفتنة معناها: اضطهاد الناس في دينهم، وحملهم على ترك الدين وتعذيبهم، وقد وقع هذا من قريش، فهذا أكبر من القتل، أي: الذي وقع من عبد الله بن جحش وأصحابه.

ثم قال الله: وَلا يَزَالُونَ [البقرة:217] والفعل زال غالباً إذا سبقته (ما) ما زال يتحدث به عن الخير، وإذا سبقته (لا) يكون في الأمور غير المحمودة.

قال الله: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] يخبر الله نبيه عن أهل الإشراك: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، لكن السؤال: هل استطاعوا أو لم يستطيعوا؟ فالجواب: لم يستطيعوا، وهل دب إليهم اليأس أو لم يدب؟ إلى وقت هذه السورة لم يدب، لكنه دب بعد ذلك في قوله جل وعلا: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة:3] أي: يئسوا أن يردوكم عن دينكم، وهؤلاء هم كفار قريش.

طلق المحيا 05-01-17 07:08 AM

من ارتد ثم آمن فما حكم عمله في حال الإسلام الأول؟
ثم قال جل وعلا: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، والكلام عن الردة قد لا يتسع له الوقت لكن نتكلم عنه إجمالاً؛ حتى يستفيد الناس، فإذا كان هناك مؤمن قد ارتد فإن بقي على ردته حتى لاقى الله فلا خلاف أنه في النار خالد مخلد فيها، لكن الإشكال لو أنه ارتد ثم آمن فهل عمله الأول يحبط أو لا يحبط؟ فمن قال: إنه يحبط استدل بقول الله جل وعلا: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

ومن قال: إنه لا يحبط احتج بقول الله جل وعلا بالقيد: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، قالوا: فهذا عائد للإيمان، وأثر الخلاف في المسألة لو أن رجلاً آمن وحج، ثم ارتد، ثم آمن فهل يطالب بالحج أو لا يطالب؟ فمن قال: إن المطلق يحمل على المقيد قال: إن حجه الأول لا يحبط؛ لأنه لم يمت على الكفر، ومن قال: لم يحمل المطلق على المقيد جعله كأنه لم يحج، وألزمه بالحج بناء على أن الله قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5].

والذي أختاره -والعلم عند الله- أنه لا يطالب بالإعادة، لكن لا أجر له على ما قد مضى؛ جمعاً بين الأدلة؛ لأنه أحبط أجره بالكفر، لكنه لا يطالب بالإعادة؛ لأنه عاد إلى الإيمان ولم يمت على الكفر، لخصتها إجمالاً مراعاة للوقت.

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، شكر الله لكم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 07-01-17 10:43 AM

ذكر الله تعالى في هذه الآيات أن القتال في الأشهر الحرم منكر كبير، وأن أكبر من ذلك هو الصد عن سبيل الله تعالى، والكفر به سبحانه. وذكر أيضاً أن من كان مسلماً ثم ارتد على عقبيه إلى الفكر فإن أعماله تحبط في الدنيا والآخرة. وذكر سبحانه أن الذين آمنوا وجاهدوا في سبيله وهاجروا يرجون رحمته ورضوانه، وأنهم يتاجرون تجارة لن تبور. ثم ذكر الله تعالى الخمر والميسر وذكر ما فيهما من الإثم والفساد. وقد فُسرت الآيات بأسلوب سهل شيق رائع يشد القلوب، ويأسر الألباب.

طلق المحيا 07-01-17 10:44 AM

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ...)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا لقاء متجدد من برنامجنا محاسن التأويل، وكنا قد انتهينا في اللقاء الأول إلى قول الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:217]، إلى آخر الآيات، فنجمل الآن ما حررناه في ذلك الوقت، ثم نزدلف إلى قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218]، وهي الآية التي سنبدأ بها تفسير حلقة هذا اليوم، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد وهن: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد فرد وهو رجب، والآية جاءت في أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية بإمرة عبد الله بن جحش ولم يأمرهم بقتال، ثم تعرض لهذه السرية قوم من قريش فأقدمت السرية على قتلهم دون أن يدروا أو يعلموا أنهم دخلوا في الشهر الحرام، وكان ذلك في آخر جمادى الذي هو قبل رجب، ورجب شهر حرام، فلما تبين بعد ذلك أن القتال كان في الشهر الحرام جعلت قريش ذلك سبة وعاراً على المؤمنين, وقالوا: كيف يدعو محمد إلى مكارم الأخلاق وقد نقض شيئاً العرب كانت متفقة عليه من قبل وهو عدم الاقتتال في الشهر الحرام!! فهذا هو مجمل سبب النزول، فأنزل الله جل وعلا قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:217]، الذي نريد أن نصل إليه هنا هذا كله تم تفسيره، لكن ما سيأتيك بعد ذلك مصدر بقوله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:217]، أو: وَيَسْأَلُونَكَ [البقرة:219].

فحتى يتمكن طالب العلم من فهم كلام الله لا بد -كما قلت قديماً- من الإجمال، ثم من الإجمال ندرج إلى التفصيل، والسؤال في القرآن يأتي دائماً بحسب سائله، ولما كان السائلون يختلفون كان لا بد أن يكون الغرض من السؤال يختلف، فلما سألت اليهود عن الروح فهذا سؤال للتعنت، وهذا أول مقاصد السؤال، وهناك سؤال للاحتجاج وهو سؤال أهل الإشراك هنا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217]، فإذا انتهينا من أسئلة اليهود وأسئلة أهل الإشراك لم يبق إلا أسئلة أهل الإيمان، وأهل الإيمان يسألون للاسترشاد؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم عندما يأتيهم الجواب الإلهي.

إذا تحرر هذا فقول الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:217] الأصل أنه جاء على لسان كفار قريش، فهو سؤال للاحتجاج، وقول الله تبارك وتعالى في الإسراء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85] هذا للتعنت؛ لأن السائلين هنا هم اليهود، وأما قول الله جل وعلا كما سيأتي عن الخمر والمحيض ماذا ينفقون، فهذه أسئلة المؤمنين الذين كانوا يحيطون بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فهذه أسئلة للاسترشاد.

طلق المحيا 07-01-17 10:45 AM

حكم عمل الإنسان حال إسلامه إذا ارتد بعد ذلك
انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الرب تبارك وتعالى في نفس آية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:217]، إلى قضية الردة، وقلنا: إن الله جل وعلا قيدها بقوله تبارك وتعالى: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217]، وقلنا: إن العلماء اتفقوا في أن الإنسان لو ارتد ومات على الردة كافراً فلا ريب أن أعماله جميعاً قد حبطت؛ لأن هذا نص كلام الله، وقد قلنا في تحرير سابق: إن الآيات المحكمة لا يمكن أن يختلف العلماء فيها؛ لأنها ظاهرة، ولهذا لم يأتينا أحد من أهل العلم يقول: إن الإنسان إذا مات كافراً بعد أن كان مؤمناً أن شيئاً من علمه يبقى؛ لأن هذا أمر قد أوضحه القرآن، فالله جل وعلا يقول: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217]، ويقول في آيات أخر: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

طلق المحيا 07-01-17 10:46 AM

.

من ارتد ثم آمن فما حكم عمله في حال الإسلام الأول
لكن الإشكال في أن إنساناً كان مؤمناً ثم ارتد، ثم تاب عن ردته وعاد إلى الإيمان، فهل العمل الذي كان قبل الردة يبقى أم يحبط؟ هذا هو السؤال، فمن أخذ بالقيد قال: إن العمل يبقى؛ لأن الله قيده بقوله: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].

ومن جعلها مطلقة قال -وهذا الأظهر-: إن الإنسان يكتب له الأجر، لكن لا يسقط ذلك الشيء المفروض عليه، مثال ذلك: لو أن إنساناً حج ثم ارتد ثم تاب وعاد إلى الإسلام فهل حجته الأولى يلزم عليه أن يعيدها أو لا يعيدها؟ هذا التي فيها تنازع بين العلماء.

طلق المحيا 07-01-17 10:47 AM

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله ...)
والآن نزدلف إلى قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، بدءاً قال ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه: هذه الثلاث هي قطب رحى الدين، وعنوان السعادة، فمن وفقه الله للقيام بالإيمان والهجرة والجهاد فقد وفق لقطب رحى الدين، وعنوان السعادة؛ لأن أي عمل صالح بعد هذه الثلاث أهون منها، ومن قدر على العظيم قدر على اليسير، فأما الإيمان فأكبر دلائل فضله أن الله جعله قسيماً بين أهل الجنة وأهل النار، أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، وأما الهجرة فليس المراد بها هجران الذنوب، ولكن المراد هجرة الشيء المألوف المحبوب، كهجرة الوطن، والمال، والخلان، ومن تركن إليهم؛ من أجل الله، وأما الجهاد فإن التلبس به من أعظم ما يدل على أن الإنسان يقمع أعداء الدين، وبوده أن ينتشر الإسلام، فالصورة الأولى لانتشار الإسلام هي الجهاد، وهذا أمر لا ينبغي أن يتغير بالظروف وبالأحوال؛ لأن من تتبع السنة الصحيحة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم سيجد عياناً بياناً أن السبب الأعظم لانتشار الدين هو الجهاد في سبيل الله، فيقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218].

طلق المحيا 07-01-17 10:49 AM

كيفية ظهور التقويم الهجري
قبل أن أزدلف إلى قوله: أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218]، نحن الآن نسجل هذه الحلقة وفق التقويم الهجري للثامن والعشرين من شهر ذي الحجة، وبقيت ليلتان على نهاية عام هجري وهما ليلة التاسع والعشرين وليلة الثلاثين إذا كان الشهر تاماً، فحسب التقويم وحسب الرؤيا فإن اليوم هو اليوم التاسع والعشرين وهذه ليلة الثلاثين، والهجرة قطعاً كانت في ربيع الأول باتفاق المسلمين، ولكن الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر أرادوا أن يصطلحوا على حدث يؤرخون به، فبعد مشورة منهم عرضوا، ولا يمكن أن يكون هناك تشاور إلا إذا كان هناك عرض، لكن إذا كان هناك خيار واحد فلا يمكن أن يكون هناك تشاور ولا مشورة، فلا بد أن يكون هناك آراء متعددة يختار الناس منها، فوضعوا البعثة والمولد والهجرة والوفاة، يعني: هل يؤرخون بمولده صلى الله عليه وسلم؟ أو يؤرخون ببعثته؟ أو يؤرخون بهجرته؟ أو يؤرخون بوفاته؟ فاستقر أمرهم -وهم أمثل جيل وأكمل رعيل- على أنهم يؤرخون بالهجرة، ولا ريب أن اتفاقهم دليل صوابهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

ونقول مزيداً على هذا: إن الإسلام ما ظهرت عزته ولا نقول: لم يكن عزيزاً فهو عزيز من أول يوم، لكن ما ظهرت عزته إلا بعد الهجرة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع أن يبني مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى، لكنه قبل ذلك لم يستطع أن يبني مسجداً واحد، ثم بنى مسجده صلى الله عليه وسلم بعد أن بنا مسجد قباء، فاختاروا الهجرة، فلما اختاروا الهجرة أرادوا أن يبدءوا، فلم يختاروا شهر ربيع، ووضعت عروض أخر من أي الشهور نبدأ؟ فاستقر أمرهم أن الناس بعد ذي الحجة ينصرفون إلى ديارهم: فيعود أهل الشام إلى شامهم، وأهل العراق إلى عراقهم، وأهل اليمن إلى يمنهم، وأهل نجد إلى نجدهم، ويعود أهل الأقطار، فقالوا: إن شهر محرم يكون فيه استقرار الناس في أوطانهم، فجعلوا من شهر الله المحرم بداية للعام الهجري، إذاً ليس معنا آية ولا حديث يقول: إن العام الهجري يبدأ من محرم، وليس معنا آية ولا حديث تقول: إنه إذا ختم ذو الحجة ختمت صحائف الأعمال، فالدين لا يؤخذ من فقه الوعاظ، وإنما يؤخذ من نصوص الكتاب والسنة المحكمة، فلا يوجد دليل لا من قريب ولا من بعيد، ولا بإشارة ولا بتصريح تدل على أن صحائف الأعمال تطوى مع نهاية هذا العام، فعندما تقرأها قراءة دنيوية سياسية يصح أن تقيم أحداثاً مضت من عام إلى عام، لأن المسألة أصلاً سياسية، فاختيار عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه هذا مندرج في السياسة الشرعية، ومنبثق مما يسمى بالمصالح المرسلة، وهذا ليس له علاقة بقضية أن صحائف الأعمال تطوى، فلا يوجد شيء في الدين يدل على أن صحائف الأعمال تطوى مع نهاية كل عام، هذا أمر يجب أن ننتبه إليه، لكن قول الوعاظ في محاسبة النفس له مدخل؛ لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18].

فإن محاسبة النفس مطلوبة في كل آن وحين، ولئن كان التجار أرباب الأموال يحاسبون أنفسهم مع نهاية العام مالياً فليس هناك حرج على المؤمن أن يحاسب نفسه دينياً فيما مضى، لكن لا يقول: لأن صحائف الأعمال تطوى فأنا أحاسب نفسي لا؛ لأنه لا يوجد دليل على أن صحائف الأعمال تطوى مع نهاية العام الهجري، هذا مهم.

طلق المحيا 07-01-17 10:51 AM

فضل المهاجرين الأولين
كذلك في قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] دليل صريح على فضل المهاجرين الأولين، والقرآن دل على ذلك في مواطن عدة، قال الله في التوبة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ [التوبة:100].

وقال في الحشر: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8]، ثم قال في الآية التي بعدها: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9].

فذكر الطائفتين ولم يذكر إلا طائفة واحدة بعدهم وهي الثالثة، وهم من اتبعوهم بإحسان، فهذا تعبير القرآن في التوبة، وعبر عنه القرآن في الحشر بقوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10].

طلق المحيا 07-01-17 10:52 AM

الهجرة قرينة البعثة
والهجرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قرينة البعثة، لكن الهجرة تأخرت واقعاً وحدثاً، وإلا فقد قال ورقة بن نوفل لنبينا صلى الله عليه وسلم: (يا ليتني أكون جدعاً إذ يخرجك قومك، قال: أومخرجي هم؟) وهذا كان في أول أيام البعثة.

فعلم صلى الله عليه وسلم بما أخبره به ورقة بن نوفل أن الهجرة ستكون قائمة واقعة لا محالة، وذلك عندما قال: (أومخرجي هم).

طلق المحيا 07-01-17 10:53 AM

الفرق بين الهجرة إلى المدينة والهجرة إلى الحبشة
والهجرة إلى الحبشة كانت هجرة إلى أرض أمن، فهناك ملك صالح يعدل ولا يضام في ملكه، فخرج المسلمون إليه، وأما الهجرة إلى المدينة فكانت هجرة إلى دار إيمان وفق تعبير القرآن، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9]، وقصد الأنصار.

فالمدينة كانت دار إيمان قبل أن يدخلها نبينا صلى الله عليه وسلم، بخلاف الحبشة آنذاك فإنها لم تكن دار إيمان، وإنما كانت دار أمن.

قال ربنا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218].

وفي هذا دليل على أن الإنسان مهما زكا عمله، واشتد صلاحه، وتتابعت حسناته إلا أن المعول الأكبر يكون على رحمة الله، وهذا دليل كذلك على أن الإيمان بالعمل لا بالتمني ولا بالتحلي، فإذا قال الله جل وعلا عن هؤلاء الأخيار الذين جمعوا بين الإيمان والهجرة والجهاد قال عنهم: أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218] فما عسى من دونهم، لكن لا يعني ذلك أن يقنط أحد من رحمة الله، أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، وهذه ظاهرة وقد مرت معنا كثيراً، والغفور الرحيم اسمان كريمان من أسماء الله الحسنى.

طلق المحيا 07-01-17 10:54 AM

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ...)

ثم قال الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، وهذا قد يحتاج وقتاً طويلاً فسأبدأ فيه تمهيداً في هذا اللقاء وأكمل في اللقاء القادم.

طلق المحيا 07-01-17 10:55 AM

تعريف الخمر وذكر ضررها
نبدأ أولاً في معرفة الخمر والميسر، ومنهجنا في التفسير أن الآية هي الحاكمة في طريقة التفسير، فالآيات تختلف فبعضها في العقائد، وبعضها في الأخبار والقصص، وبعضها في التشريع، فلا يعقل أن تتعامل معها جميعاً بطريقة واحدة، وإنما من أوتي حظاً في فهم كلام الله ينبغي أن ينوع الطرائق التي يتناول بها كلام الرب تبارك وتعالى دون أن يخرجه ذلك من علم التفسير، فالبيئة الجاهلية كانت بيئة لا ترجو جنة ولا تخشى ناراً، بل يمشون كما تفرضه العادات والتقاليد والذائع والشائع، والفراغ في الوقت كان أكثر ما يعاني منه الجاهليون، ولهذا انصرفت هممهم إلى اللذات؛ لأن اللذات بها تقضى الأوقات، فكانت الخمر مشروباً ذائعاً عندهم للغني والفقير، ولا يكادون يتركونها في ليل ولا في نهار، وليس أدل على ذلك من أن الصحابة وهم الصحابة مكثوا يشربونها حتى بعد الهجرة، فكان أنس يسقي كبار الصحابة كـعبد الرحمن بن عوف وأبي أيوب الأنصاري قبل أن تنزل آية تحريم الخمر كما سيأتي.

وهذا يدل على كرامة الله لهذه الأمة، فالله لما علم أن الناس يوم ذاك قد بلغ منهم شرب الخمر مبلغاً عظيماً جاء بالتدرج في تحريمها كما سيأتي.

والخمر في اللغة: ما خامر العقل، أي: خالطه أو غطاه، فالتغطية من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (خمروا آنيتكم) بمعنى غطوها، وتأتي خامر بمعنى خالط، فيخالط السكر العقل فيكاد يغطيه، ولا يكون هناك تغطية إلا بعد مخالطة، قال كثير عزة :

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت

فقوله: هنيئاً مريئاً غير داء مخامر، أي: غير دائن مخالط.

ولا نحتاج أن نقول في الخمر: هي مشروب يسكر؛ فلا يكاد يجهله أحد، وفي عصرنا هذا أخذ أنواعاً عدة، لكنه سابقاً كان أكثر ما يأخذونه من التمر ومن الأعناب، وهو من العنب أكثر منه من التمر، قال الله جل وعلا: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل:66-67].

وسيأتي لماذا قال الله: (سَكَراً) وقال: (رزقاً حسناً) بعد قليل، لكن نبقى فيما يؤخذ منه الخمر، وقلنا: إنه يؤخذ من ثمرات النخيل والأعناب.

فإذا شربوها فإن الفقير منهم يرى نفسه غنياً، والجبان منهم يرى نفسه شجاعاً، قال حسان :

ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء

وكانت في الشام قصران اسمهما: الخورنق والسدير يضرب بها المثل، كما تقول الآن: البيت الأبيض والكرملن فكانت في أذهان الناس في ثقافتهم أن هذين القصرين لا يدخلهما أحد، فكان الفقير منهم راع الغنم الذي لا يملك شيئاً إلا بضع غنيمات يقول:

وإذا شربت فإننـي رب الخورنق والسدير

وإذا صحـوت فإنني رب الشويهة والبعير

يعني: وأنا في عالم السكر أذهب في خيالات عدة، فأحسب نفسي صاحباً وملكاً على الخورنق والسدير وهما قصران في الشام، وإذا فقت من سكري وعدت إلى حقيقتي فأنا لا أملك إلا بضع شويهات وبضعة من الإبل أو غيرها.

والمقصود أنهم كانوا يفرون من مشاكلهم وقضاياهم إلى الخمر، ويسمون من يشرب معهم ويحتسي يسمونه: نديماً، ويدار الكأس بينهم، وهذا جل حياتهم، قال الأعشى :

في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل

نازعتهم قضب الريحان متكئاً وقهوة مزة راووقها خضل

فثقافته أنه يريد هؤلاء ألا يعبئوا بشيء، والآن في الثقافة الغربية أكثرهم وإن كان مسيحي الديانة لكن طغت عليهم العلمانية، فزلفت بهم إلى الإلحاد، فلما زلفت بهم إلى الإلحاد ضعف يقينهم بالجنة والنار، فإذا ضعف اليقين بالجنة والنار فإنه لا يبقى إلا التشبث بالدنيا، فهم يعظمون نهاية الأسبوع؛ لأنه إجازة لهم، ويستمتعون بحياتهم على أقصى حد، والذي يدفعه إلى أن يستمتع بحياته إلى أقصى حد إيمانه الخاطئ أنه لا حياة بعد هذه الحياة، فيتشبث بهذه الحياة، فـالأعشى يقول:

وفتية كسيوف الهند

يعني: يقصد نحول أجسامهم وتثنيها.

كسيوف الهند قد علموا

والمهم عنده:

أن هالك كل من يحفى وينتعل

أي: أن الناس موتى لا يبقون، فيقول: ثقافتنا تنطلق من قناعتنا أننا سنموت وسنبلى ولن يبقى أحد لا غني ولا فقير، ولا حافي ولا منتعل، فإن كنت أعلم أنني لا أبقى وأنه لا حياة بعد حياتي -فالقرشيون كانوا لا يؤمنون بالبعث والنشور- فعلامَ أنا أحبس نفسي عن متع الدنيا، فيكون هذا دافعاً قوياً لأن يحتسي الخمر، قال:

نازعتهم قضب الريحان متكئاً وقهوة مزة راووقها خضل

والقهوة كانت تطلق عندهم على الخمر.

طلق المحيا 07-01-17 10:56 AM

تعريف الميسر وصورته وبيان ضرره
فحديثي هذا كله حول الخمر، وبقينا في الميسر، والميسر مشتق من أحد أمرين: إما مشتق من اليسر وهو السهولة، وهذا بسبب أنهم يحصلون على المال من غير كد ولا تعب، وهي مغامرة يأتي بها فينجم عنها مال.

وإما مشتق من اليسار وهو الغنى، أي: أنه يغنى بعد فقر، والمعاني متقاربة جداً.

والقرشيون لهم طرائق عدة في الميسر، وقد نشأت كلمة الميسر كما يلي: الياسر في اللغة هو الجزار الذي يذبح الجزور، فيأتون بالجزور فيذبحونه ويجعلونه ثمانية وعشرين قسماً، والآن سندخل في الرياضيات فمهم أن تفهم ذلك، ثم يأتون بكيس، وهذا الكيس يضعون فيه عشرة أقداح، وهي على هيئة أعواد، وكل قدح من هذه الأقداح له اسم، فسبعة منها تعمل وثلاثة لا تعمل، أي: سبعة فيها حظ، وثلاثة لا يجعلون فيها حظاً، فيسمون التي ليس فيها حظ غفلاً، ويسمونها الوغد والسفيح والمنيح، والسبعة سآتيك بأسمائها، ثم يضعون العشرة في هذا الكيس ويخلطونها، ثم يأتون برجل أمين فيقول مثلاً: هذا حظ عبد الرحمن ويأخذ قدحاً، فإذا طلع يقرؤه فإن كان سفيحاً أو منيحاً أو وغداً فلا يأخذ شيئاً، وليتهم يقفون عند هذا الحد، فإنه لا يأخذ شيئاً وعليه قيمة شراء الجزور، والسبعة الباقون يأخذون نصيبهم.

والأقداح السبعة يسمون أحدها الفذ، ويأخذ واحداً، والثاني يسمونه التوأم، ويأخذ اثنين، والثالث يسمونه الرقيب ويأخذ ثلاثة، فيصبح قد ذهب ستة، والرابع يسمونه الحلس ويأخذ أربعة، والخامس يسمونه النافس، ويأخذ خمسة، فيصير المجموع خمسة عشر، والسادس يسمونه المسبل، ويأخذ ستة، فيصير المجموع واحداً وعشرين.

والسابع يسمى القدح المعلى، فالناس إذا مدحوا أحداً يقولون: له القدح المعلى، ويأخذ سبعة، فتصير مع واحد وعشرين ثمانية وعشرين، انتهت كلها، ولهذا تسمع في التعبيرات الأدبية: أن فلاناً له القدح المعلى، أي: أوفر أهل الميسر حظاً، فهذه نشئت فكرة الميسر، وفي اللقاء القادم إن شاء الله تعالى نكمل الارتباط ما بين الخمر والميسر، والحد الذي في الخمر، والتعزير الذي في الميسر بإذن الله تعالى، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 09-01-17 12:12 AM

ذكر الله تعالى في هذه الآيات أن الإثم في الخمر والميسر كبير، وقد كانت هناك مراحل عدة لتحريم الخمر، فلم يحرمه الله مرة واحدة، وذلك لأن الناس في الجاهلية كانوا قد أدمنوا عليه بصورة كبيرة، فمن رحمة الله بهم أن تدرج في تحريمه عليهم. ثم ذكر الله تعالى مرشداً لعباده أن ينفقوا ما زاد على حاجتهم وما فضل على ذلك، فلا يكلفوا أنفسهم ما لا يطيقون. ثم ذكر اليتامى وأنه يصلح لهم في جميع أحوالهم من الناحية المالية والتربوية وغيرها.

طلق المحيا 09-01-17 12:13 AM

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير...)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فما زلنا وإياكم نتفيأ كلام ربنا جل وعلا، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قوله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219]، وحررنا لغوياً معنى الخمر ومعنى الميسر، وحال أهل الجاهلية مع هذين الإثمين الكبيرين.

طلق المحيا 09-01-17 12:15 AM

مراحل تحريم الخمر
والآن ننتقل إلى الارتباط بين الخمر والميسر، لقد كانت الأجواء في الجاهلية كما بيّنا في اللقاء الماضي يغلب عليها الفراغ في الوقت والفراغ الروحي من باب أولى، فكان التغامر بينهم والمغامرة والشرب يذهب الكثير من أوقاتهم، وينجم عنه نوع من التسلية، ويجازفون بأهليهم وأموالهم عياذاً بالله؛ لهذا جاء القرآن بتحريم الخمر تدريجياً، وهذه الآية التي بين أيدينا هل هي الأولى أم الثانية؟ على قولين للعلماء: فمن جعل من العلماء تحريم الخمر مر بثلاث مراحل يجعل هذه الآية هي الآية الأولى، والثانية هي: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، والثالثة وهي الخاتمة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] والتي صدرها: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

وفريق يقول: الأصل أنها أربع مراحل بدأت من القرآن المكي؛ لأن القرآن المكي فيه سورة النحل، والله قال في سورة النحل: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا [النحل:67] ولم ينعته، ولم يصفه بأنه حسن، ثم قال: وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67]، فأثنى على الرزق وقيده ووصفه ونعته بالحسن ولم يصف ولم يقيد السكر، فكأن هذا إرهاصاً أن ثمة أمر سيأتي في مسألة السكر.

وعلى هذا فنحن نعتد بهذا القول ونرى أن هذه الآية هي الثانية في مراحل التحريم. هذا من حيث تحريم الخمر.

طلق المحيا 09-01-17 12:16 AM

.

الحدود لا تدخلها الشفاعة
والحدود لا تدخلها الشفاعة أبداً؛ ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن قريشاً أهمها شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يجترئ -بمعنى من له القدرة- على أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة مؤدبين، فقالوا: وهل يجرئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنو مخزوم لشرفهم في قريش جعلوا من أسامة شفيعاً لهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة !)، ثم خطب الناس فقال: (أيها الناس! إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها).

طلق المحيا 09-01-17 12:18 AM

الحالات التي يجوز فيها تأخير إقامة الحد
وهذا معناه: أن الشفاعة لا تدخل في الحدود، لكن يجوز تأخير الحدود لا إلغاؤها، فإلغاءها لا يجوز البتة، لكن يجوز تأخيرها لمصلحة عارضة، وهذه المصلحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

مصلحة للإسلام، كتأخير إقامة حد أثناء لقاء العدو، وهذا ظاهر السبب؛ حتى لا يشمت الأعداء بالمسلمين، فمثلاً كتيبة مسلمة أرادت أن تلاقي كتيبة كافرة ساعة حرب ومعركة، فقدِّر أن أحد هؤلاء المجاهدين -وهذا ربما يقع لأن المجاهدين بشر- زنى وهو بكر، أو سرق، فهذا عليه الحد، لكن الإمام لا يريد أن يقيم الحد الآن، فليس له أن يسقطه لكن يؤخر إقامته حتى تنتهي المعركة؛ حتى لا يُعطل ذلك من قوة المسلمين، ولا يشمت بهم أعدائهم، فهنا يجوز تأخيره لمصلحة الإسلام.

الحالة الثانية: لمصلحة تعود لمن أقيم عليه الحد، مثاله: هذه الأيام التي نعيشها فهي أيام برد، فلو أن أحداً حكم عليه بحد القذف مثلاً ثمانين جلدة، فالجلد مع شدة البرد يؤذيه أكثر من اللازم، فتأخيره حتى يعتدل المناخ مصلحة شرعية يجوز للإمام فعلها، وهي تعود لمصلحة من أقيم عليه الحد.

الحالة الثالثة: مصلحة تعود لمن له علاقة بمن يراد أن يقام عليه الحد، مثاله: امرأة حامل وعليها أحد، فلا ريب أنه يؤخر إقامة الحد عليها لا شفقة عليها وإنما رحمة بالجنين، فالمصلحة هنا لا تعود عليها مقصودة كأصل، وإنما تعود على الجنين.

طلق المحيا 09-01-17 12:19 AM

بماذا يثبت إقامة الحد على شارب الخمر
مسألة أخرى: بم يثبت إقامة الحد على شارب الخمر؟ بأحد أمرين: شهادة عدلين أنه شرب الخمر. والثاني: باعترافه هو، فإذا اعترف أحد أنه شرب الخمر أقيم عليه الحد، أو شهد عدلان من المسلمين على أحد أنه شرب الخمر يقام عليه الحد، وهذا ظاهر.

طلق المحيا 09-01-17 12:20 AM

مفاسد شرب الخمر ولعب الميسر
قال الله جل وعلا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219]، والمنافع هنا أول ما تنصرف إلى التجارة، والإثم الكبير هو ما ينجم عنها عياذاً بالله عن شربها من تلوث للعقل، وجنوح لأعمال لا يقبلها ولا يقرها أحد، وكذلك في الميسر يحدث بينهم الضغائن، ويفقد الإنسان ماله بكل يسر وسهولة بعد أن كد فيه أعواماً وشقي فيه سنين، ويناله من لا كد عليه ولا تعب، قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا .

ثم قال الله تبارك وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219] قل العفو، وهذه كما نقول باللغة الدارجة: ما تيسر، وهذه دلالة على أن الشرع ليس فيه تشديد على أتباعه، فالصحابة يسألون: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، والعفو في اللغة: الزيادة والفضل، والمراد هنا ما تيسر من فضول أموالكم ولا تكلفوا أنفسكم مالا تطيقون.



الساعة الآن 04:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi