ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   إهداء لأعضاء وزوار الملتقى الإسلامي بملتقى حرب (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=154149)

طلق المحيا 30-12-16 03:08 AM

تفسير قوله تعالى: (قد ترى تقلب وجهك في السماء..)
ثم ذكر الله آية النسخ: قَدْ نَرَى [البقرة:144] أي: ربما، وهي هنا للتكثير، كذا قال الزمخشري وهذا صحيح.

قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144] وهذا من أدب نبينا صلى الله عليه وسلم مع ربه، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ [البقرة:144] أي: فلنيسرن لك ونشرع لك قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] ، فانتقلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] أي: الكعبة، قال بعض العلماء: المسجد الحرام أطلق في القرآن وفي السنة ويراد به أربعة أشياء: يراد به الكعبة، يراد به عين الكعبة، ويراد به المسجد المحيط بالكعبة، ويراد به مكة، ويراد به الحرم مما يشمله حدود الحرم.

الله يقول: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] أي: من أهل مكة، لكن إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] يطلق على حدود الحرم.

قال الله تبارك وتعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] الخطاب في قوله: (فولوا) للأمة، وفي قوله: (فول) للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه على غير عادة القرآن؛ لأن عادة القرآن إما أن يخاطب النبي وتكون الأمة تبعاً له، وإما أن يخاطب الأمة ويكون النبي رأساً، لكن لا يأتي خبر في الغالب يذكر مرة لأمته، والجواب أن الله قال قبلها تمهيداً: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً [البقرة:143] ، فلما كان أمراً ذا مشقة أكده الله جل وعلا بهذه الطريقة، وساقه بهذا الأسلوب، فخوطب به النبي وخوطبت به الأمة؛ لأنهم واجهوا عنتاً شديداً في قضية قبوله، فالمشركون يقولون: حن محمد إلى مولده، والمنافقون يقولون: حن محمد إلى مولده، ولما أنزل الله جل وعلا الثناء على البيت وتمجيده وتعظيمه قالوا: إذا كان محمد يمجد هذا البيت كل التمجيد فلم يتوجه إلى بيت المقدس؟ ولهذا قال الله: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ [البقرة:142] ، فهنا خاطب الله نبيه، وخاطب أمته صلوات الله وسلامه عليه، فقال: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة:144] والمعنى: أن أهل الكتاب يعلمون فيما أنزل عليهم أن الله جل وعلا سيطلب من نبيه أن يتحول إلى الكعبة، اليهود والنصارى أهل الكتاب يعلمون أن الله جل وعلا سيأمر نبيه بالتحول إلى الكعبة، وأن آخر الأمر سيكون التوجه لكل من آمن بالله إلى الكعبة.

روى البغوي رحمه الله تعالى في شرح السنة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الكعبة قبلة من في المسجد الحرام، والمسجد الحرام قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب.

وقد اتفق المسلمون على أن التوجه للقبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ويستثنى من هذا حالتان: الحالة الأولى: حال القتال.

الحالة الثانية: حالة من يتنفل على ظهر الدابة حال السفر، فمن يتنفل على ظهر الدابة قبلته حيثما توجهت به دابته، وعند ابن حزم أنه يجوز حتى في داخل المدن، لكن قول الجمهور هو الصحيح، من يتنفل على دابته في سفر قبلته حيثما توجهت به دابته.

والمقاتل لاسيما المسايف قبلته جهة أمنه، أي وجهة يغلب على ظنه أنه يأمن بها تكون هي قبلته ، كما أن الدابة حيثما توجهت هي قبلة من يصلي عليها متنفلاً.

طلق المحيا 30-12-16 03:09 AM

تفسير قوله تعالى: (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب..)
قال الله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [البقرة:145] فلا تطمع في أن يتبعوها؛ لأنهم لو اتبعوها تركوا دينهم وما أصبحوا يهوداً ولا نصارى.

وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ [البقرة:145] المعنى: إذا كان هؤلاء الذين على الباطل يأنفون أن يتبعوك فأنت -وأنت على الحق- أشد أنفة من أن تتبعهم.

وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145]؛ لأن الخلاف بينهم خلاف عقدي وهم قد تتشابك مصالحهم وتلتقي خطوط رضوانهم لكنهم في المسائل العقدية مختلفون، كما قال الله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ [البقرة:113] .

وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:145] ليس المقصود النبي صلى الله عليه وسلم، فقد علم الله أن نبيه لن يقع منه هذا الشيء أبداً، لكنه أسلوب تخويف وترهيب لكل من استبان له شيء من الحق ثم أعرض عنه.

طلق المحيا 30-12-16 03:09 AM

تفسير قوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه..)
قال الله جل وعلا: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ [البقرة:146] أي: النبي صلى الله عليه وسلم كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146] ، قوله جل وعلا: (أبناءهم) قرينة على أن المقصود معرفة النبي صلى الله عليه وسلم لما شاع من ذكره عليه الصلاة والسلام في الكتب المتقدمة.

وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ [البقرة:146] أي: من أهل الكتاب لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146] الحق من ربك، وظاهر الأمر عندي أن الحق هنا المقصود به أن القبلة التي أمرناك باتباعها هي الحق، والدليل عليها أن الله قال: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة:147]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك في نفسه، وإنما الخطاب هنا زيادة في التأكيد؛ لأن الموضوع كان كبيراً جداً كما بينه الله.

طلق المحيا 30-12-16 03:10 AM

تفسير قوله تعالى: (ولكل وجهة هو موليها..)
قال الله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ [البقرة:148] (وجهة) من حيث الصناعة النحوية على غير القياس، أصلها جهة كما يقال في وعد: عدة، وفي وصل: صلة، أما وجهة فهي مأخوذة من وجه، فالأصل أن تكون جهة وتحذف الواو قياساً لكنها أبقيت لتأكيد الأمر والعلم عند الله.

وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [البقرة:148] على ماذا يعود الضمير هو؟ لا يعود على لفظ الجلالة، بل يعود على لفظ (لكل)، والمعنى: لكل أحد وجهة هو موليها نفسه، يعني: اختارها على بينة من نفسه، اليهود توجهوا إلى قبلتهم على قناعات عندهم، والنصارى توجهوا إلى هذا المشرق على قناعات عندهم، وهكذا غيرهم.

ثم أمر الله نبيه وسائر المؤمنين أن ينصرفوا من هذا الخلاف إلى العمل فقال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] أي: سارعوا في الطاعات ونافسوا فيها، ثم ذكرهم بيوم الوعيد: أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:148].

ثم عاد وكرر موضوع القبلة فقال: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:149] .

قال صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام حين ذكر الكبائر: (والفساد في البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) ، فجعل الله هذا البيت قبلة للناس أحياء وأمواتاً.

طلق المحيا 30-12-16 03:11 AM

تفسير قوله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره..)
قال الله تعالى: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:150] .

يبحث العلماء هنا الاستثناء في قوله جل وعلا: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [البقرة:150] هل هو استثناء منقطع أو استثناء متصل؟ والمعنى من حيث الجملة واحد أي: من لا يبحث عن الحق لا سبيل إلى إقناعه وإرضائه، لكن رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاستثناء هنا استثناء متصل، وتفصيل ذلك أن تعلم التالي: الحجة في القرآن وردت بمعنيين:

المعنى الأول: الحجة بمعنى الحق، وهي الحجة الصحيحة الواضحة البينة، مثل قول الله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام:83] ، ويحمل عليها قول الله أيضاً: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام:149] أي: الواضحة الصحيحة التي لا ريب فيها.

المعنى الثاني: الحجة بمعنى الجدال سواء كان بالحق أو بالباطل، ومنه قول الله جل وعلا في سورة الجاثية مثلاً: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجاثية:25] ، فالمقصود بأنها حجة باطلة وإن ذكرت على أنها حجة.

قال الله جل وعلا: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [البقرة:150] ، وكونهم ظالمين قد يخشى أذاهم، فحين يخشى أذاهم علق الله أولياءه به فقال جل وعلا: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة:150].

طلق المحيا 30-12-16 03:12 AM

تفسير قوله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً..)
قال الله تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا [البقرة:151] الكاف للتشبيه، واختلف العلماء في متعلق الكاف هنا، فبعضهم جعلها فيما قبل، وبعضهم جعلها فيما بعد، فالذين قالوا: فيما بعد المعنى عندهم: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولاً، (فاذكروني) هي الآية التي بعدها (كما أرسلنا فيكم رسولاً) وهذا بعيد، والراجح أنها متعلقة بما قبلها أي: ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلت فيكم رسولاً.

وتوجد نعم أصلية ونعم متمة للنعم الأصلية، فالنعمة الأصلية أن بعث فيكم رسولاً يهديكم إلى دين الحق، والنعمة المتمة للنعمة الأصلية أن هديتكم إلى أن تتوجهوا إلى الكعبة، فالله يقول: إتمام النعمة التي هي التحول والتوجه إلى الكعبة ليست ببدع من الإنعام والإحسان مني إليكم، فقد سبق مني إحسان من قبل وهو؟ إرسال الرسول.

وبعض العلماء مثل ابن الأنباري وهو ممن يغلب عليه الصنعة النحوية ذكر أنها صفة من مصدر محذوف والمعنى: لعلكم تهتدون اهتداء كما أرسلنا فيكم رسولاً، وهذا من حيث الصناعة النحوية ممكن، لكنه من حيث المعنى -والعلم عند الله- بعيد.

قال الله: يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:151].

طلق المحيا 30-12-16 03:13 AM

تفسير قوله تعالى: (فاذكروني أذكركم..)
قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] .

الذكر رأس الشكر، فيكون ذكره هنا وعطف الشكر عليه من باب عطف العام على الخاص.

وقول الله جل وعلا: وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] قرينة على أن المقصود: كفر النعم؛ لأنه ذكر الشكر بعدها.

طلق المحيا 30-12-16 03:14 AM

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة..)
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] مر معنا كثيراً أن الصبر والصلاة قرينان في كلام الله. والصبر من أنواعه الصبر على الطاعات، ومن أعظم الطاعات التي تحتاج إلى مشقة؟ الجهاد، فلما ذكر الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] ذكر مشقة تحتاج إلى صبر وهي القتال في سبيل الله فقال: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154] .

العاقل لا يفرط في محبوب إلا إذا وجد شيئاً أعظم منه، والحياة محبوبة لكل أحد، فأنت لماذا تأكل العيش؟ لماذا تشرب الدواء؟ لماذا تبني شيئاً يكنك البرد والحر؟ كل ذلك حتى تبقى حياً، وأنت لا تحيا لتأكل وإنما تأكل لتحيا، ومع ذلك يطلب منك شرعاً أن تهب نفسك لله، فتفرط في ذلك المحبوب الذي هو حب الحياة، والذي أنت تكد من أجل بقائك، وتمنع عن نفسك ما يؤذيك، لكن تفريطك في هذا المحبوب الذي هو الحياة لم تصنعه إن كنت مؤمناً إلا لمحبوب أعظم وثواب أجزل وهو ما عند الله الذي أثبته الله بقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ [البقرة:154] ، فهم يفيئون إلى قناديل معلقة في العرش ويشربون من أنهار الجنة، وسيأتي ذكر الشهداء تفصيلاً في سورة آل عمران التي حوت ذكراً كثيراً للقتال.

طلق المحيا 30-12-16 03:15 AM

تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع..)
قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155]، هذا الابتلاء يكون للأفراد، ويكون للأمم، ويكون للمجتمعات، والله جل وعلا مضت سنته واقتضت حكمته ومضت كلمته أن الناس يبتلون تمحيصاً؛ ليميز الصابر من الجازع، والمؤمن من الكافر، وأنواع البلاء تختلف، وقد وقع الابتلاء حتى في خير القرون، فالنبي عليه الصلاة والسلام حوصر ومن معه، وزلزلوا زلزالاً شديداً، وفي عهد عمر كان الطاعون، وغير ذلك من الابتلاءات التي تمر بالمسلمين على مستوى الأمم، وعلى مستوى الأفراد، يبتلى الإنسان بفقد ماله، بفقد أهله، بفقد ذويه، بفقد قرابته، وهذا أمر مستفيض لا يحتاج إلى بيان، ثم عند تلقي البلاء تعبد الله عباده الصالحين بأن يقولوا: إنا لله وملك له وعبيد له، ولا حول لنا فننتصر، ولسنا برآء فنعتذر، ولا قوة لنا إلا بالله، وهو ربنا يفعل بنا ما يشاء، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] أي: منقلبنا إليه فيثيبنا إن صبرنا، ويعاقبنا إن جزعنا إلا أن يرحمنا فهذا المعنى الحرفي لقوله: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] فيه منتهى التسليم لرب البرية جل جلاله، وهذه الكلمة يقال: إن الأنبياء من قبل لم يكونوا يعلمونها، ولو كانت شائعة بينهم لقال يعقوب: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يقل: واأسفا على يوسف، وقد ورد في آثار ليس فيها ما نعلمه صحيحاً سنداً، لكن العقل لا يمنعه أنها كلمة اختص الله بها هذه الأمة.

طلق المحيا 30-12-16 03:17 AM

تفسير قوله تعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة..)
قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] ، الصلوات هنا أي: رفع الدرجات، والرحمة أي: غفران الذنوب، وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] أي: عرفوا طريق الحق فلزموه، وما كانوا ليهتدوا لولا أن هداهم الله.

هذا كله يبين أن الإنسان في طريقه إلى الله تمر به النوازل، وتمر به الابتلاءات، فينبغي أن يوطن المرء نفسه على التعلق بالله، وكلما عظم في القلب اليقين بأن العبد عبد لله والله ربه يحكم فيه ما يشاء ويفعل ما يريد سهل عليه بعد ذلك أن يتقبل ذلك البلاء.



الساعة الآن 12:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi