ملتقى قبيلة حرب الرسمي

ملتقى قبيلة حرب الرسمي (http://www.m-harb.net/vb/index.php)
-   الـــمـــلـــتـــقـــى الــــــــــعــــــــام (http://www.m-harb.net/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   إهداء لأعضاء وزوار الملتقى الإسلامي بملتقى حرب (http://www.m-harb.net/vb/showthread.php?t=154149)

طلق المحيا 28-12-16 03:12 AM

.

معنى قوله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي...)
قال الله تعالى: وَعَهِدْنَا هذا تشريف لهما إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا [البقرة:125] لم يقل: البيت، قال: بَيْتِيَ حتى تزيد الرغبة لدى إبراهيم وإسماعيل في السعي في كمال تطهير البيت؛ لأن الله أضافه لذاته العلية إضافة تشريف.

أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [البقرة:125] بدأ الله بالطائفين؛ لأنهم أولى الناس بالبيت، إذا لا مكان يطاف حوله إلا البيت الحرام، والركع السجود هم المصلون، والاعتكاف يقع في مساجد شتى كما يقع الركوع والسجود في كل مكان.

طلق المحيا 28-12-16 03:13 AM

.

معنى قوله تعالى (رب اجعل هذا بلداً آمناً...)
قال الله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:126]، استفاد خليل الله من تعقيب الله الأول عليه، لما قال: ( ومن ذريتي) قال له ربه: ( لا ينال عهدي الظالمين)، فلما جاء يدعو بالرزق هو بنفسه قيد فقال: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:126]، أخذها من العتاب الأول، ولا أستطيع أن أجزم بهذا، فهو استنباط ولا يوجد فيه خبر، ولا يوجد فيه حجة، ولا يوجد فيه دليل، فلا نتقول على أنبياء الله ما لم يثبت أنهم قالوه، لكن نقول: ربما استفاد إبراهيم من العتاب الأول.

قال الله: وَمَنْ كَفَرَ [البقرة:126] فمن كان مؤمناً يتمتع ومصيره إلى جنات النعيم، ومن كان كافراً يتمتع إلى حين، قال الله: وَمَنْ كَفَرَ [البقرة:126] أي: سأرزقه! فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة:126].

فبين الله جل وعلا أن الرزق يدخل فيه المؤمن والكافر والبر والفاجر، من آمن بي ومن لم يؤمن بي، خلاف الأول الذي هو الإمامة والقدوة والاتباع في الدين، فإن العطايا الدينية يعطيها الله جل وعلا لمن يحب فقط، والعطايا الدنيوية يعطيها الله جل وعلا لمن يحب ومن لا يحب.

طلق المحيا 28-12-16 03:14 AM

تفسير قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت...)
قال الله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، كلف الله الخليل أن يبني لله بيتاً، لكن الخلاف هل بناه أحد قبل إبراهيم أو لم يبن من قبل؟

وأنا أرجح -والعلم عند الله- أن البيت بنته الملائكة قبل نزول آدم تمهيداً لنزوله، ودفعنا إلى هذا أنه لو كان أحد من الخلق بنى البيت قبل إبراهيم من غير الملائكة آدم أو غيره من الأنبياء لأخبر الله جل وعلا به؛ لأن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة، وبناء بيت لله تشريف، ويؤيده أن إبراهيم عليه السلام لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج وقد أسند ظهره إلى البيت المعمور، وهذا فهم منه العلماء أنه مكافئة له على أنه بنى لله الكعبة، فلو كان أحداً من الأنبياء غيره بنى البيت لكوفئ بها قبل إبراهيم؛ لأن الله حكم عدل، لكن لما بنته الملائكة، والملائكة أصلاً طاعتهم جبلة، وذلك لا يتعلق به لهم ثواب أو عقاب، فلم يذكر الله جل وعلا ذلك عنهم.

قد يقول قائل: لماذا لا تقول: إن إبراهيم هو أول من بنى البيت؟ فنقول: هذا يعني أن الناس لم يعرفوا الحج إلا بعد إبراهيم، ومعناه أن إدريس ونوحاً وصالحاً وغيرهم لم يحجوا! وهذا في ظننا بعيد، بل أظن أنه توجد نصوص تدل على حج أولئك الأخيار.

قال الله جل وعلا: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة:127] قال العلماء فيما يروونه تاريخياً: جاءت سحابة أظلت مكان البيت فعرف إبراهيم القواعد.

وقال آخرون: جاءت ريح فكنست جزءاً من الأرض، والخبر الصحيح أن إبراهيم أشار إلى إسماعيل إلى ربوة، وقال: إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، قال: يا أبت أجب أمر ربك، قال: وتعينني؟ قال: نعم يا أبتاه، فبنيا البيت.

قال الله: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة:127-128] فحرصا أعظم ما حرصا عليه ألا تلجأ قلوبهما إلى أحد غير الله.

وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا [البقرة:128]، وهذا استجداء للرحمن الرحيم، فالإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله.

وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:128]، وهذا اعتراف بالتقصير، فحاجتهما هي التوبة ومحو الذنوب وستر العيوب، فلجئا وتوسلا إلى الرب باسمين من أسمائه: إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:128].

طلق المحيا 28-12-16 03:15 AM

تفسير قوله تعالى: (ربنا وابعث فيهم رسولاً فيهم...)
قال الله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ أي: أمة العرب، رَسُولًا مِنْهُمْ وقد وقع يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129]، ما الآيات والكتاب والحكمة؟ القرآن -كلام الله- منزه عن التكرار الذي لا معنى له، فما معنى هذه الآية: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]؟

(يتلو عليهم آياتك) تلاوة وحفظاً، وتشمل القرآن والسنة.

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] يعلمهم إياها معنى، فما تلاه عليهم يعلمهم معناه، مثلاً: (وأقيموا الصلاة) علمهم معناها بأن لها أوقات، وتركع هكذا وتسجد هكذا، (وآتوا الزكاة) علمهم معناها بأن ذكر الأنصبة، وهكذا في كل الآيات.

وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] أي: يربيهم بالأعمال الصالحة، فاجتمعت الثلاث، فإذا وجد عبد منّ الله عليه بتلاوة القرآن وحفظه والتلفظ به، ثم علم معناه، وكذلك صنع بالسنة، ثم زكى نفسه بالأعمال الصالحة؛ فهذا الذي صار على هدي الأنبياء المقربين وسنن المرسلين.

قال الله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129].

طلق المحيا 28-12-16 03:17 AM

تفسير قوله تعالى: (ربنا وابعث فيهم رسولاً فيهم...)
قال الله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ أي: أمة العرب، رَسُولًا مِنْهُمْ وقد وقع يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129]، ما الآيات والكتاب والحكمة؟ القرآن -كلام الله- منزه عن التكرار الذي لا معنى له، فما معنى هذه الآية: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]؟

(يتلو عليهم آياتك) تلاوة وحفظاً، وتشمل القرآن والسنة.

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129] يعلمهم إياها معنى، فما تلاه عليهم يعلمهم معناه، مثلاً: (وأقيموا الصلاة) علمهم معناها بأن لها أوقات، وتركع هكذا وتسجد هكذا، (وآتوا الزكاة) علمهم معناها بأن ذكر الأنصبة، وهكذا في كل الآيات.

وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] أي: يربيهم بالأعمال الصالحة، فاجتمعت الثلاث، فإذا وجد عبد منّ الله عليه بتلاوة القرآن وحفظه والتلفظ به، ثم علم معناه، وكذلك صنع بالسنة، ثم زكى نفسه بالأعمال الصالحة؛ فهذا الذي صار على هدي الأنبياء المقربين وسنن المرسلين.

قال الله: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129].

طلق المحيا 28-12-16 03:19 AM

تفسير قوله تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم...)
قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130].

الفعل: يرغب إذا قصد به الطمع في الشيء يتعدى بحرف الجر (في): يرغب في، وإذا قصد به الإعراض وعدم الرغبة في الشيء يتعدى بحرف الجر (عن): يرغب عن، وهنا تعدى بحرف الجر (عن).

قال الله: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:130] السفه: نوع من السذاجة والتصرف غير المحمود، وينجم عن نقصان العقل، ولهذا سمى الله الصبية سفهاء.

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] نقول -والعلم عند الله-: إن قول الله: وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] على أن تلك العطايا العظام التي أعطاها الله جل وعلا خليله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه لم تنقص قدره في الآخرة، فإن العادة أن الإنسان إذا متع كثيراً في الدنيا يكون ذلك على حساب آخرته أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا [الأحقاف:20]، لكن الله أراد أن يبين: أن تلك العطايا العظام التي أعطاها إبراهيم حتى جعله للناس إماماً ليست منقصة له من أجر الآخرة شيئاً، بل إن النصوص أثبتت أنه أول من يكسى يوم القيامة عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا اصطفاه واجتباه على كثير من خلقه، وهو عند كثير من العلماء من أهل السنة أفضل الخلق بعد نبينا صلى الله عليه وسلم.

طلق المحيا 28-12-16 03:20 AM

تفسير قوله تعالى: (إذ قال له ربه أسلم...)
قال الله تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131].

قال كثير من أهل العلم: إن من أعظم خصال إبراهيم المسارعة في الخيرات، وعدم التردد في تنفيذ أمر الله جل وعلا، وهذا معلوم من هديه، قال الله جل وعلا عن كليمه موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84].

نقف عند هذه الآية ونقول إجمالاً: إن الرب تبارك وتعالى ذو فضل واسع ورحمة جليلة يختص بها بعض عباده، وممن نال هذا الفضل الإلهي والعطايا الربانية خليل الله جل وعلا إبراهيم، وذكر القرآن إبراهيم في مواطن مدح كثيرة منها قوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود:75]، فجعل القلوب تهفو للتعلق بهذا النبي الكريم بأن تبعه كما قال الله: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجله ويعظمه، ولما تكلم عن الأنبياء قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث يوم الفتح: (قاتلهم الله! مال شيخنا وللأزلام؟!) ولم يسمّ الله جل وعلا أحداً من الأنبياء أنه شيخه إلا إبراهيم.

ولما لقيه في رحلة المعراج قال إبراهيم لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح)، ولم يقل له هذه العبارة إلا آدم وإبراهيم، أما غيرهما من الأنبياء والمرسلين فكانوا يقولون: (مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح)، فعلينا أن نفهم أن هذا خليل الله اجتباه الله جل وعلا، فننظر في هديه وفي سمته فيما أخبر الله عنه فنقتفي أثره؛ لأن الله جل وعلا أمرنا بهدي الأنبياء جملة، وبهدي إبراهيم على وجه الخصوص، وهذا الذي سنه نبينا صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم.

هذا ما تحرر وتهيأ إعداده، وأعاننا الله جل وعلا على قوله، والله المستعان، وعليه البلاغ.

وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.

طلق المحيا 29-12-16 02:38 AM

بين الله تعظيم الكعبة وتعظيم بانيها وهو إبراهيم، وبين ضلال اليهود والنصارى والمشركين، وبين أن دين الأنبياء جميعاً هو الإسلام، وهو صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟!

طلق المحيا 29-12-16 02:40 AM

تفسير قوله تعالى: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني..)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فما زلنا نتفيأ معكم ضلال كتاب ربنا جل وعلا، وقد انتهينا في اللقاء الذي سبق إلى قول الله جل وعلا عن خليله وصفيه وحبيبه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130-131]، وبينا المقام العظيم الذي من الله به على هذا الخليل المبارك صلوات الله وسلامه عليه.

اليوم نفتتح اللقاء بقول الله جل وعلا: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] .

حصر الله النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام -كما يقول المؤرخون-: لم يرزق إناثاً وإنما رزق ذكراناً.

ومن أولاده الذكور الذين نص الله عليهم في كتابه إسماعيل وهو الأكبر، وإسحاق، ومن إسحاق جاء يعقوب عليه الصلاة والسلام، وله أبناء آخرون غير هذين، لكن هذين اللذين نبئا بنص القرآن، قال الله عن إسماعيل: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، وقال الله جل وعلا عن إسحاق: وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ [الصافات:113]، وقال: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا [الصافات:112]، فهذا دلالة قرآنية على أنهما كانا نبيين صلوات الله وسلامه عليهم.

والإنسان إذا حضرته الوفاة تحضر مقدماتها، أسبابها، دواعيها، أما الموت ذاته إذا حل لا يمكن لأحد أن يتكلم، فإذا ظهرت دلائل الموت وأسبابه ومقدماته، وشعر المرء أنه مفارق الحياة لا محالة يكون هناك فقه الأولويات في أوجه؛ لأن الإنسان في تلك اللحظات يصعب عليه أن يخادع نفسه، فيخرج ما في قلبه أكثر مما يخرج ما كان يردده بلسانه.

والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما حملوا طيلة أيام حياتهم شيئاً أعظم من الدعوة إلى توحيد الله جل وعلا، فلما كانت الدعوة إلى توحيد الله جل وعلا أعظم ما حملوه وهم أحياء كانت أعظم ما تركوه عند موتهم، قال الله عن خليله: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف:28] في عقبه أي: في ذريته.

فعندما حضرته الوفاة وصى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنيه إسماعيل وإسحاق وغيرهما كما دل عليه الجمع في قوله تبارك وتعالى: يَا بَنِيَّ [البقرة:132].

وهؤلاء الأخيار أولاد هذا النبي المبارك لما التفوا حوله وصاهم، قال الله: وَوَصَّى بِهَا [البقرة:132] والهاء إما أن تعود على الملة عموماً وهو الأظهر، أو تعود على الكلمة المسبوق الحديث عنها وهي قول الله جل وعلا عنه: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131] .

ولا ريب أن الإنسان يظهر كمال عقله عند موته، ويظهر ذلك الشيء الذي كان يحمله في سرائره على لسانه عندما يقرب من الآخرة.

أبو بكر رضي الله عنه لما وصى بالخلافة لـعمر قال: في ساعة يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر؛ لأن الإنسان لا يبلغ به الحال أن يخدع نفسه في تلك المرحلة وإنما يخرج معتقده.

وهناك وصية مالية ليس هذا الحديث عنها، وسيأتي الكلام عنها في آية الدين، لكن الوصية هنا قضية الثبات على المبدأ وعلى العقيدة، ولا عقيدة أعظم من توحيد الرب تعالى، ولعظم شأنها نص الله عليها: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة:132] والواو عاطفة، ويعقوب معطوف على بنيه أو على إبراهيم، وبكل قرئ، وفي المصحف الذي بين أيديكم أنها معطوفة على إبراهيم؛ لأنها جاءت مرفوعة، فيصبح المعنى: ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه.

وإن قلنا: وصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ونصبناها يصبح المعنى: وصى بها إبراهيم بنيه وحفيده الذي هو يعقوب.

وهذا ينجم عنه سؤال آخر: هل يعقوب أدرك إبراهيم أو لا؟ ظاهر القرآن أنه أدركه، لأن الإنسان لا يخلو من أحفاده، وقد قال الله جل وعلا: وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، فهذه دلالة على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سيدرك يعقوب وسيراه.

وعلى القراءة الأولى بالرفع يصبح ما صنعه إبراهيم مع بينه انتفع به يعقوب فصنعه مع بنيه.

وعلى قراءة النصب يصبح أن إبراهيم أوصى بنيه عليه الصلاة والسلام، ومن جملة من حضر حفيده يعقوب.

قال الله تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ [البقرة:132] اجتباكم واختاركم، ونعمة عظيمة أن يختاركم الله لهذا الدين.

ثم قال في كلمة ذات إيجاز: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] كل يدرك أنه لا يعلم متى تأتي ساعة موته، فحتى يتمسك بشيء وهو يجهل متى يموت عليه أن يلزم من الثبات والدوام على الدين.

نحرر المعنى: أراد خليل الله إبراهيم من قوله: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] الثبات والدوام والبقاء على الدين.

طلق المحيا 29-12-16 02:42 AM

تفسير قوله تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت..)
قال الله جل وعلا يخاطب أهل الكتاب الذين زعموا أن أولئك الأخيار كانوا هوداً أو نصارى: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ [البقرة:133] أي: حضرت مقدماته وأسبابه.

إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ [البقرة:133] وهذا نص صريح على أن المتكلم يعقوب والمستمع أبناؤه.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133]، وهنا يوجد إشكال، وقلنا: أول خطوات العلم إيجاد إشكال، ثم حل ذلك الإشكال، قال الله جل وعلا: إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ [البقرة:133] من القائل؟ يعقوب، ويعقوب نبي مرسل معظم لله، وهذا أمر لا بد أن تستصحبه وأنت تقرأ سؤاله، فهو قال: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133]، وما بالاتفاق لغير العاقل، فكيف يظن أن نبياً يسأل عن الله بأداة لغير العاقل؟!

أجاب العلماء عن هذا: بأن مصر عندما دخلها يعقوب كان يكثر فيها عبادة الأوثان، فذكر هذا السؤال من باب الاختبار لأبنائه: هل أنتم متعلقون بما ترونه من الأوثان والأصنام والأحجار وما يعبد من دون الله أم لا؟

وعندي أن هذا بعيد، وإنما السؤال ليس عن من تعبدون حتى يكون الجواب: نعبد الله، إنما السؤال: ما الطريقة؟ ما العبادة؟ ما المسلك؟ ما الملة التي ستختطونها وتسيرون عليها بعد موتي؟ فسأل عنها بأداة لغير العاقل.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133] لكن أولئك الأبناء لعظيم صلاحهم أجابوا إجابة تطمئن والدهم أكثر مما يريده هو من الإجابة، فقالوا: نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133] .

هذه الآية فهم منها العلماء: أن الجد بمنزلة الأب؛ لأن الله قال: وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [البقرة:133]، وفيها دلالة على أن العم بمنزلة الأب، وبهذه الآية أخذ الصديق رضي الله عنه في المسألة الفرضية المشهورة وهي: هل يحجب الإخوة بالجد أو لا يحجبون؟ وليس هذا مقام تحرير النزاع، وستأتي آيات المواريث في سورة النساء، لكن هذه من أدلة الصديق رضي الله عنه، فهو كان يرى أن الإخوة يحجبون بالجد، فجعل الجد بمنزلة الأب، والآية صريحة: وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [البقرة:133] بدأ الله بإسماعيل لأنه أكبر وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133].



الساعة الآن 11:35 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. Designed & TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi